القبول بهدنة اجتماعية لتجميد الأجور أكبر كارثة على الإقتصاد
الموقف: تباينت التحليلات حول أسباب الأزمة المالية العالمية وتداعياتها، فما هو تقييمك لهذه التحليلات؟
الديماسي: بداية إنّ تكرار الحديث عن أزمة مالية فيه التباس كبير، إذ يوحي للمتلقي بأنّها مجرّد نكسة ظرفية نتيجة هفوات سوء تصّرف وتقدير قام بها المشرفون على الأجهزة المالية في البلدان الصناعية الكبرى (بنوك، بورصات، صناديق ادخار، صناديق التقاعد...). وغاية هذا الخطاب الملتبس هو صرف الأنظار عن الإختلالات الهيكلية التي تعيشها المنظومة الرأسمالية. في واقع الأمر فإنّ الأزمة المالية أو ما يعبّر عنها بالفقاقيع الماليةbulles financieres)) موقعها في المنظومة الرأسمالية مثل الدمل في جسم الإنسان، بمعنى أنّها تمثل علامة الأزمة وليس سببا لها.
الموقف: ما هي حقيقة الأزمة حسب تقديرك؟
الديماسي: إنّ جذور الأزمة لا تعود إلى اللحظة الراهنة وإنما إلى أواسط الثمانينات تقريبا، وهي ناتجة في الأساس عن التباين بين العرض والطّلب. فقد عاش اقتصاد العالم في تلك الفترة تناقضا ما انفك يتصاعد بين القدرة على الإنتاج والقدرة على الإستهلاك بسبب تقزيم الأجور وإضعاف القدرة الشرائية، وتلازم ذلك مع هشهشة متعاظمة لأنظمة العمل. أمّا سبب هذا التراجع في القدرة الشرائية للشغالين فيعود إلى متغيّرات كثيرة أهمّها:
دور الثورة التكنولوجية الربوتية وتأثراتها العميقة على سوق العمل، إذ تخّلت عديد المؤسسات الاقتصادية عن جزء كبير من العمال خاصّة من ذوي الكفاءة المعدومة آو المتدنيّة. وساهمت هذه الظاهرة في تضخم عدد البطالين في البلدان الصناعية (بلدان المركز)، بعد ان انضاف عدد المسرحين لأسباب تكنولوجية إلى المسرحين لأسباب اقتصادية الذين أفرزهم نزوح عدّة مؤسسات إلى بلدان العالم الثالث بحثا عن يد عاملة رخيصة. وعموما لم تعد هناك علاقة آلية بين التشغيل والإستثمار وبالتالي بين التشغيل والإنتاج مثلما كانت تعتقد جلّ النظريات الإقتصادية بما فيها النظرية الكينزية، بل أصبح الإستثمار في عديد القطاعات يفرز البطالة. وفي هذا المناخ من البطالة تضاءل ضغط العمال على الأعراف بعد أن جنح كل عامل إلى ربط علاقة مهنية فردية مع الأعراف حفاظا على وظائفهم. أمّا ثاني الأسباب فهو تراجع النقابات العمالية في كل أنحاء العالم عن القيام بدورها الذي لعبته في الثلاثينية الأولى أو ما أسميه بالثلاثينية المجيدة (بعد الحرب العالمية الثانية إلى أواسط السبعينات)، والمتمثلّ في الضغط على الأعراف لإجبارهم على توزيع الثروة بأكبر قدر من العدالة. وأثناء هذه الفترة تحققت مكاسب كبرى للعمال أهمها تنظيم وقت العمل والتمتع بأنظمة التقاعد والتغطية الاجتماعية وغيرها من المكاسب. لكن بداية من أواسط السبعينات استبدلت النقابات الإستراتيجية المطلبية باستراتيجية وفاقية انهزامية قوامها المحافظة على مواطن الشغل. وكان من إفرازات هذه الظاهرة نشأة بيروقراطية نقابية عقيمة عاجزة عن قلب موازين القوى لصالح العمال. أمّا ثالث الأسباب فهو سوء استغلال طاقات الإنتاج.
الموقف: لكن كيف يمكن أن نفهم هذه الفكرة الأخيرة في ضوء كلامك السابق عن دور التكنولوجيات الجديدة في رفع الإنتاجية والإستغناء عن العمال؟
الديماسي: ليس في الأمر أيّ تناقض، ذلك أنّه في هذا المناخ المتسم بتفاقم البطالة وتردّي قدرة النقابات العمالية على التفاوض وتراجع طاقة الإستهلاك لشرائح عريضة من السكان، جنحت المؤسسات الاقتصادية إلى أنماط جديدة من التشغيل اتسمت أغلبها بالمرونة والهشاشة، مثل اعتماد عقود التشغيل لمدّة محدودة والمناولة والتشغيل بوقت جزئي. وترمي هذه المؤسسات بهذا التمشي إلى التقليص قدر الإمكان من كلفة الإنتاج والتأقلم بسرعة مع طلبات السوق من ناحية أخرى. كما أنّ التجهيزات الحديثة أصبحت تتطلّب استثمارات هائلة وهو ما يفرض مبدئيا استغلالها بالكامل على أحسن وجه واسترجاع كلفتها في أسرع وقت. غير أنّ الاستهلاك لم يستطع مواكبة قدرة هذه التجهيزات على الإنتاج بسبب استفحال البطالة، ممّا أدّى إلى نقص كبير في استغلالها وبالتالي إلى ركود بل تردّي مستوى الإنتاجية في أغلب الأحيان. وإزاء هذا الوضع لجأت المؤسسات إلى الضغط على كلفة اليد العاملة عن طريق تجميد الأجور والتراجع عن المكتسبات التي حققها العمال طيلة "الثلاثينية المجيدة".
وعموما فشلت الثورة التكنولوجية المعتمدة على الربوتية (الإنسان الآلي) فشلا ذريعا في إعطاء دفع جديد للإنتاجية. وترجع هذه المفارقة إلى النقص الفادح في استغلال تجهيزات الإنتاج بسبب اتساع الشقّة بين طاقة الإنتاج (العرض) وبين طاقة الاستهلاك (الطلب). وبعبارة أخرى صار الأعراف يحملون الشغالين المسؤولية عن الفشل في الاستغلال الأمثل لتجهيزات الإنتاج الحديثة وذلك بتقزيم الأجور أكثر فأكثر مع تدهور الإنتاج.
الموقف: هذه أسباب تتعلّق بالبعد الداخلي في كلّ دولة، فهل هناك أسباب ترتبط بالعلاقات الإقتصادية على الصعيد العالمي؟
الديماسي: هذا ما وددت التطرّق إليه، إذ كان من نتائج التحولات التي تحدّثنا عنها وأساسا تدهور القدرة الشرائيّة ونقص الطلب الداخلي، أن ضاقت الأسواق المحلية بالمنتجات الهائلة. في هذه الظروف برز خطاب أواسط التسعينات يتحدّث عن عولمة الإقتصاد بكسر الحدود وفتح الأسواق، فتمّ إبرام معاهدة مرّاكش للتبادل الحرّ الهادفة إلى تقليص حماية الأسواق الداخلية إلى أقصى حدّ ممكن. وهو ما زاد سوق الشغل هشاشة في أغلب بلدان العالم باسم مقتضيات المنافسة لا فقط على مستوى الأسواق الخارجية وإنما أيضا على المستوى الداخلي. كما كان لانهيار المعسكر الشيوعي أثرا كبيرا على تدهور وضعيّة الشغالين لأنّ وجوده كان يمثّل عامل ضغط على دول وأعراف المنظومة الرأسمالية أجبرهم طيلة "الثلاثينية المجيدة" على التفاوض حول توزيع الثروة بين الأطراف الاجتماعية بقدر محترم من العدالة. كما أنّ من بين الأسباب أيضا إفلات الصين "المارد الأصفر" من قمقمه واندماجها بكل قوّة في لعبة الرأسمالية المتوحشة تساندها في ذلك دكتاتورية مطلقة. وأعطى هذا الدخول القوي للصين حججا لبقية الشركات الرأسمالية لتخفيض الأجور لمواجهة فيضان من السلع البخسة متأتية من بلد تفتقد فيه الطبقة الشغيلة إلى أبسط الحقوق السياسية والنقابية. دون أن ننسى خذلان الأحزاب اليسارية للطبقة الشغيلة بغاية الوصول للحكم والتمسّك به. ذلك انّه بعد انهيار المعسكر الإشتراكي أصبحت جلّ الأحزاب اليسارية عاجزة عن بلورة برامج اقتصادية واجتماعية ترفع من شأن الكادحين وتحمي حقوقهم المادية والمدنية.
الموقف: إذا كانت الأزمة ليست وليدة اليوم، فما هي دواعي انفجارها فجأة في هذه الفترة؟
الديماسي: لتوضيح هذه المسألة وجب التفريق بين عشريتين. خلال العشرية الأولى (أواسط الثمانينات إلى أواسط التسعينات) اعتمد النمو الاقتصادي بالأساس على الطّلب المتأتي من الاستثمارات الهائلة التي حققتها المؤسسات بغاية تجديد التجهيزات، أي استبدال آلات إنتاج ميكانيكية بآلات روبوتية. أمّا خلال العشرية الثانية (أواسط التسعينات إلى أواسط العشرية الحالية) فاعتمد النمو أساسا على استهلاك الأسر المبني على التداين. لقد جنحت أغلب الأسر في البلدان المصنّعة بعد تدهور قدرتها الشرائية إلى الإقتراض من أجل شراء ليس فقط المسكن والسيارة والثلاجة وما شابه ذلك وإنما أيضا للتداوي وتعليم الأبناء وحتى للمضاربة في البورصة. ففي بريطانيا قفزت نسبة تداين الأسر بي 1996 و 2006 من 105 بالمائة إلى 164 بالمائة، أمّا في الولايات المتّحدة فارتفعت من 64 بالمائة إلى 138 بالمائة. وهذا يعني أنّ هذه الأسر أصبحت "تأكل قمحها حشيشا" مثلما يقول المثل الفرنسي، أي أنها تقتني جزء من حاجياتها لا بمواردها الذاتية وإنما بالموارد التي تطمح في تحقيقها في المستقبل.
لكن رغم هذا التداين المجحف، فإن استهلاك الأسر لم يكن كافيا لدفع اقتصاديات المنظومة الرأسمالية وتحريكها نحو الأفضل بصورة منتظمة، خصوصا بعد حالة الإشباع الذي بلغه استهلاك عديد السلع مثل السيارات والتجهيزات المنزلية. وبسبب هذا التباطؤ في الإستهلاك العائلي اتجه استثمار المؤسسات نحو الانكماش. وبذلك تكدّست رؤوس الأموال في البنوك بنسق مذهل، ما دفعها إلى البحث عن تثميرها بأيّ شكل من الأشكال كي لا تتآكل هذه المدخرات بفعل التضخّم. فاختارت الجنوح إلى توظيفها لا فقط في المضاربة بمختلف أنماطه، وإنما أيضا في قروض استهلاكية دون ضمانات وذات أسعار فائدة مشطّة. وقد تهافتت جل الأسر على هذا النمط من القروض لكنها وجدت نفسها بعد مدّة قصيرة عاجزة عن تسديد ديونهم المتراكمة مما أضرّ بالتوازنات المالية لعدد كبير من البنوك وشركات التأمين، أدّى إلى إفلاس بعضها وإنقاذ البعض الآخر بأموال المواطنين. وأدّى هذا المسار إلى انقلاب التخمة في السيولة إلى شحّها وبالتالي إعراض جل المؤسسات البنكية عن إسداء قروض استهلاكية إضافية. وهو ما أثّر سلبا على الطلب خصوصا فيما يتعلّق بالسكن والسيارات. ومثّلت هذه الظاهرة بداية انخرام متصاعد للمنظومة الرأسمالية على مستوى دورة الإنتاج، وهو مسار لا يعرف أحد نهايته، إذ يتدرّج هذا المسار الكارثي كالآتي: تراجع الطلب... إفلاس أو اضطراب عدد متزايد من المؤسسات... تسريح العمال بالآلاف.... تراجع متزايد في الطلب.... إفلاس وبطالة.
الموقف: كيف تقيّم الإجراءات التي اتخذت عالميا لمعالجة الأزمة؟
الديماسي: المشكل أنّ الإجراءات المتّخذة عالميا ومحليا فيما بعد، هي إجراءات عقيمة أو هي الحلّ بالمقلوب، لأنّ الأزمة ليست أزمة إنتاج وإنما أزمة استهلاك. وإنّ التركيز على إنقاذ المؤسسات المتهالكة من أموال دافعي الضرائب سيزيد الأمر سوءا. والملفت في هذا السياق أنّ الولايات المتحدة الأمريكية اشترطت على بعض المؤسسات المهدّدة بالإفلاس أن تقوم بعمليات تطهيرية تتمثل في تنقيص الأجور، وهو ما يعني أنّها اختارت معالجة المرّ (تراجع الطّلب) بما هو أمرّ منه (تقزيم القدرة الشرائية للعمال وهم أكبر فئة استهلاكية). وعموما انغمست جل دول العالم في متاهات متناقضة قصد التخفيف من وطأة الأزمة الكونية. وقد راود هذه الدول الحنين إلى عودة الدولة إلى التدخّل وإلى تأميم بعض المؤسسات وحماية السوق الداخلية. والحال أنّ نفس هذه الدول كانت إلى وقت قريب تستميت في الدعوة إلى تخلّي الدولة عن دورها التعديلي وتفويضه إلى السوق وخصخصة المؤسسات العمومية وفتح الأسواق على مصراعيها أمام السلع والخدمات الأجنبية. غير أنّها تراجعت في ما كانت تدعوا إليه واتجهت إلى تقزيم دور السوق في تعديل المنظومة الرأسمالية. وبذلك خسر السوق وظيفة هامّة كان يقوم بها وهي التخلّص من "الجيف" أيّ الشركات المفلسة والمتهالكة. وأصبحت الدول تبحث قدر الإمكان عن المحافظة على المؤسسات الخاصّة العليلة وإن كان ذلك على حساب المجموعة الوطنية وبشكل أدق على حساب العمال.
وفي غياب بديل واضح للمنظومة الرأسمالية، فإني أعتقد أن الحل لا يمكن تكريسه إلا في صلب نفس المنظومة . غير أنّ ذلك لن يكون قريبا، فنحن مازلنا في بداية أزمة أرى أنّها ستدوم طويلا، وأنّها ستفرز صدامات عشوائية عنيفة بين الفئات الاجتماعية المتناحرة. كما يمكن أن تفرز الأزمة حروبا جانبية رهيبة لا تكمن غايتها في تبديل المنظومة الرأسمالية السائدة، وإنما اقتسام الثروات الموجودة بالعنف والتسلّط.
الموقف: لو عدنا إلى النطاق الوطني ما هو حجم تأثّير هذه الأزمة على بلادنا؟
الديماسي: يجب التأكيد أوّلا على أنّ الأزمة المالية في مفهومها الضيّق أصابتنا منذ مدّة طويلة، على الأقل منذ 10 إلى 15 سنة. فقد عشنا منذ ذلك الوقت على وقع المضاربات العقارية تضاعف بسببها سعر العقارات والمساكن في ظرف 5 سنوات تقريبا. ولم نترقّب أزمة وول ستريت حتّى نتأثّر بتداعياتها. كما أنّ تداين الأسر تزايد بشكل كبير، ولعلّ ما وقع لـ "باطام" يمثل نسخة تونسية مصغّرة لما ضرب العالم فيما بعد. وإجمالا أعتقد أن الاقتصاد الوطني يمرّ بتحدّيات كبرى، أولها الصعوبات التي ستواجهها المالية العمومية. ذلك أنّ الدولة ستجد مشكلة في تمويل ميزانيتها. ولأنّ التداين الخارجي، وهو ضرورة لا مفرّ منها، لن يكون متيسّرا نظرا لشحّ السيولة على المستوى العالمي، فإنّها ستلجأ لا محالة إلى إثقال كاهل الطبقة الوسطى بالآداءات باعتباره المنفذ السريع. وهو ما سيزيد الأزمة استفحالا لأنّ هذه الطبقة ستفقد قدرتها على الإستهلاك، باعتباره المحرّك الأساسي للاقتصاد الوطني.
أمّا الخطر الثاني فسيكون على صناديق الضمان الإجتماعي التي تعيش اختلالات في توازنها المالي قبل هذه الأزمة أصلا. كما أنّ الضغط عليها سيزداد بشكل أكبر خاصّة مخصّصات التقاعد نظرا إلى أنّ أغلب المحالين حاليا ستكون جراياتهم محترمة لأنّها ستبنى انطلاقا من سلّم أجور السبعينات المرتفع نسبيا. لذلك فإنّ الإسقاطات تشير إلى أنّه بحلول سنة 2013 ستنزف هذه الصناديق كلّ مدخّراتها.
أمّا ثالث المخاطر فمردّه أنّ اقتصادنا موجّه في الغالب إلى التصدير، والقطاعات التصديرية هي أكبر مشغل لليد العاملة. وإذا علمنا أنّ جل معاملاتنا هي مع بلدان الإتحاد الأوروبي التي ستشهد اهتزازات اقتصادية كبرى. وتشير الإحصاءات إلى أنّ بريطانيا مثلا ستعرف نسبة نمو سلبية لا تقل عن 2.3 بالمائة، وهذا سينعكس بالضرورة على الاقتصاد الوطني. وستكون الصناعات الميكانيكية والألكترونية المتضرّر الأوّل من هذه الأزمة مما سيكون له انعكاسات اجتماعية نظرا إلى أنّه من أهم القطاعات تشغيلا، كما انّ مستوى الأجور فيها يعتبر محترما. كما ينتظر ان تنعكس الأزمة على القطاع السياحي فقد أكّدت تقارير المنظمة الدولية للسياحة أنّ نسبة النمو ستكون صفرا لأوّل مرّة منذ حرب الخليج سنة 1991. وقد بدأ هذا التأثّر يظهر شيئا فشيئا إذ انخفضت نسبة الليالي المقضّاة في تونس بنسبة 12 بالمائة. كما أنّ سياحتنا بات يغلب عليها صنف المتقاعدين وهذه الفئة ستكون أكبر المتضرّرين بالأزمة الحالية تبعا لأزمة الصناديق الإجتماعية في أوروبا.
الموقف: إلى أيّ مدى ستضمن الإجراءات اتخذتها الحكومة تجاوز الأزمة؟
الديماسي: لو تأمّلنا في هذه الإجراءات فإنّنا لا تخرج عن نفس المنطق التي تعاملت به البلدان المصنّعة والذي سميناه "التعامل المقلوب". فما دام يُنظر إلى هذه الأزمة على أنّها أزمة مالية ظرفية، فإنّ الإجراءات ستكون ضخّ الأموال في جثث المؤسسات المتآكلة أو الأجنبية. ولعلّ السؤال الأهم في هذا الصّدد هو لماذا يتحمّل دافع الضرائب التونسي مسؤولية إنقاذ المؤسسات الأجنبية؟ أمّا المدخل الوحيد للحدّ من آثار الأزمة فهو رفع المقدرة الشرائيّة للعمال. لذلك أعتبر أنّ أكبر كارثة على الاقتصاد هو القبول بهدنة اجتماعية بمعنى تجميد الأجور أو حتى خفضها في بعض الأحيان. فإذا كانت صادراتنا معرّضة للانخفاض فإنّ الأمر البديهي هو التوجّه إلى السوق الداخلية. فكيف يمكن أن نصلح أزمة بكارثة أكبر منها. لذلك يجب الحدّ من تدهور القدرة الشرائية لأنّ الخطر الداهم سيكون في استمرار التدهور الحالي.
حاوره محسن المزليني
(صدرت بالموقف عدد 481 بتاريخ 16 جانفي 2009)