vendredi 29 octobre 2010

السقوط في الهوّة

بول كروغمان *
هذا ما يحصل حين تحتاج إلى القفز فوق هوة اقتصادية، لكنك لا تستطيع أو لا تريد أن تقفز. عندها، لا تبلغ نهاية الطريق.
إذا اتضح أنّ نتائج الديموقراطيين سيئة ـــــ كما يتوقع العديدون ـــــ في انتخابات الأسبوع المقبل، فسيسارع المنتقدون إلى تفسير النتائج كأنّها استفتاء على الأيديولوجيا السائدة. سيقول عديدون إنّ الرئيس أوباما اتجه إلى اليسار بقوة، وإن كان برنامجه الفعلي محافظاً أكثر من برنامجه الانتخابي. وهذا ما تجلّى في برنامج الرعاية الصحية المشابه لما اقترحه الجمهوريون في السابق، ورزمة التحفيز المالية التي لم تتضمّن سوى خفوضات ضريبيّة، ومساعدة العاطلين من العمل، وتقديم منح للولايات الفقيرة.
سيقول بعض المعلقين، عن حق، إنّ أوباما لم ينادِ كثيراً بسياسات تقدمية، وإنّه تجاهل مراراً رسالته الخاصة، وكان قلقاً جداً حيال إغضاب المصرفيين، فانتهى به الأمر إلى تقديم التنازلات تجنّباً للغضب الشعبي من اليمين.
لكنّ الحقيقة أنّه لو كان الوضع الاقتصادي أفضل، لو انخفضت البطالة انخفاضاً كبيراً خلال السنة الماضية، لما كنّا لنخوض في هذا النقاش. على العكس، كنّا لنتحدّث عن خسائر ديموقراطية متواضعة، لا تفوق ما يحصل عادةً في أي انتخابات نصفية.
القصة الحقيقية لهذه الانتخابات هي إذاً عن السياسات الاقتصادية التي فشلت في تحقيق نتائج. لماذا؟ لأنّها كانت غير ملائمة، كثيراً، للمهمة.
القصّة الحقيقيّة لهذه الانتخابات هي السياسات الاقتصاديّة التي فشلت في تحقيق نتائج

حين تسلّم أوباما منصبه، ورث اقتصاداً في وضع سيّئ. اقتصاداً أكثر سوءاً مما اعتقد هو ومستشاروه الاقتصاديون المهمون. كانوا يعرفون أنّ أميركا في خضم أزمة اقتصادية قاسية، لكن يبدو أنّهم لم يتعلموا من دروس التاريخ، وهو أنّ الأزمات الاقتصادية الكبيرة تليها عادةً فترة طويلة من البطالة الشديدة الارتفاع.
فلنعد إلى التوقعات الاقتصادية التي استخدمت في الأصل لتبرير خطة أوباما الاقتصادية. ما يلفت هو التفاؤل في هذه التوقعات بشأن قدرة الاقتصاد على معالجة نفسه. حتى دون خطتهم، توقع اقتصاديو أوباما أنّ نسبة البطالة ستصل في أقصى مدى لها إلى 9 في المئة، ثم تهبط بسرعة. كانت هناك حاجة إلى التحفيز المالي فقط من أجل التخفيف من حصول الأسوأ، أي كـ«رزمة ضمان ضد الفشل الكارثي»، كما قيل إنّ لورانس سامرز، الذي أصبح لاحقاً أهم اقتصاديي الإدارة، قد صرّح في مذكرة وجّهها إلى الرئيس المنتخب.
لكنّ الاقتصادات التي عانت من أزمات مالية حادة لا تشفى بسرعة في العادة. من أزمة 1893، إلى الأزمة السويدية في 1992، إلى عقد اليابان المفقود، تلت الأزمات الاقتصادية، دائماً، فترات طويلة من التعثر الاقتصادي. وهذا كان صحيحاً حتى في حالة السويد، حين تصرفت الحكومة بسرعة وحزم لإصلاح النظام المصرفي.
لتفادي هذا المصير، كانت أميركا بحاجة إلى برنامج أكثر قوة من ذلك الذي حصلت عليه، والذي اقتصر على زيادة طفيفة في الإنفاق الفدرالي كان بالكاد كافياً لتعويض الاقتطاعات على المستوى المحلي ومستوى الولايات. هذا ليس تفسيراً متأخراً، فضعف رزمة التحفيز كان واضحاً منذ البداية.
هل كانت الإدارة تستطيع الحصول على رزمة تحفيز أكبر عبر الكونغرس؟ وإن لم تكن تستطيع ذلك، هل كان من الأفضل السعي إلى خطة أكبر، عوض الادّعاء بأنّ ما حصلت عليه كان الصفقة الصحيحة؟ لن نعرف أبداً.
ما نعرفه أنّ ضعف رزمة التحفيز مثّل كارثة سياسية. بالطبع، الأمور اليوم أفضل مما ستكون عليه بدون «قانون الانتعاش وإعادة الاستثمار». كانت نسبة البطالة لتصل ربما إلى ما يقارب 12 في المئة لو لم تمرر الإدارة الخطة. لكنّ الناخبين يستجيبون للحقائق، لا إلى الواقع. والشعور الطاغي اليوم هو أنّ سياسات الإدارة فشلت.
الفاجعة هنا هي إذا انقلب الناخبون على الديموقراطيين. عندها، سيزيد تصويتهم الأمور سوءاً.
فالجمهوريون، الذين يشهدون اليوم عودةً، لم يتعلموا شيئاً من الأزمة الاقتصادية، سوى أنّ كل ما يستطيعون فعله لتقويض أوباما هو استراتيجية سياسية ناجحة. لا تزال الخفوضات الضريبية والتحرير من القيود أساس رؤيتهم الاقتصادية.
وإذا سيطروا على مجلس واحد، أو مجلسي الكونغرس، فسيكون هناك شلل تام في السياسات، ما يعني قطع المساعدات الضرورية جداً للعاطلين من العمل، وتجميد أي مساعدات إضافية للحكومات المحلية والولايات. السؤال الوحيد هو: هل سنشهد أيضاً فوضى سياسية مع تجميد الجمهوريين عمل الحكومة للسنتين المقبلتين؟ كلّ التوقعات تشير الى حصول ذلك.
هل هناك أي أمل بنتيجة أفضل؟ ربما، فقد يكون لدى الناخبين شكوك بشأن إعطاء القوة مجدداً للأشخاص الذين أوصلونا الى هذه الفوضى. وربما يؤدي الحضور الجمهوريّ، الضعيف في صناديق الاقتراع، إلى منح أوباما فرصة ثانية لقلب الاقتصاد.
لكن الآن، يبدو أنّ المحاولة الحذرة جداً للقفز فوق هذه الهوة الاقتصادية قد فشلت، ونحن على وشك الوصول إلى القاع.
* عن صحيفة «نيويورك تايمز»

عدد الجمعة ٢٩ تشرين الأول ٢٠١٠ | شارك

mercredi 20 octobre 2010

أزمة فيض الإنتاج وصمود الرأسمالية

سامح سعيد عبود
السبت, 09 تشرين أول 2010 18:10
لاشك أن مجتمعات ما قبل الرأسمالية قد عانت من أزمات اقتصادية، ولكنها لم تكن أبدا مجتمعات تشكل الأزمات عنصرا من طبيعتها كالمجتمعات الرأسمالية، فأزمات هذه المجتمعات كانت بسبب كوارث طبيعية كالفياضانات والزلازل والجفاف والسيول والأوبئة والآفات المختلفة،
ولا شك أن تلك المجتمعات عانت بسبب الحروب، و نهم الحكام والعسكر و الكهنة والتجار والمرابين الذى لا يقنع و لا يشبع، لفوائض الإنتاج التى ينتجها الحرفيون والمزراعون والمهنيون، وما تؤدى إليه هذه الأسباب من خراب لقوى الإنتاج، والمعاناة من الفاقة والبؤس والمجاعات والإبادة، و لاشك أن هذه الأزمات كانت أزمات ضعف الإنتاج الذى لا يكفى لسد احتياجات السكان، لا أزمات فيض الإنتاج الذى يزيد عن احتياجات السكان.
المنتجون الفرديون كانوا ينتجون من أجل الاستعمال الشخصى، أما الفائض مما ينتجون، فيبادلونه بمنتجات أخرى فى سوق محلى يعرفون ظروفه بدقة، و كان جزءا من فائض ما ينتجونه تستولى عليه الدولة أو الاقطاعيين أو الكهنة، أو يشتريه كبار التجار من أجل التجارة فى الأسواق البعيدة، فيتحملون هم المخاطر، أو يجنون المكاسب، بعيدا عن المنتجين، ولهذا فالمنتج الفردى يمكن فى ظل ظروف مواتية، أن يخطط لإنتاجه من أجل اشباع احتياجاته، فيحدد مسبقا ما يحتاجه لاستخدامه الشخصى، وما سوف يأخذه الحكام والتجار والكهنة، وما سوف يقايض به فى السوق القريب، ما لم تصيبه أزمة بسبب من الأسباب التى سلف ذكرها، و ذلك على عكس طبيعة الأزمات الناشئة عن العلاقات الرأسمالية ذاتها، حيث يتم الإنتاج أساسا من أجل التبادل بهدف الربح، ولسوق واسع لا يمكن الاطلاع على ظروفه، حيث تتلاعب بالمنتجين، تقلبات فى عروض لا يعرفوها من منتجين لا يعرفوهم، و تغيرات فى طلبات لا يعرفوها من مستهلكين لا يعرفوهم، و هم بالتالى عاجزين عن التخطيط لما ينتجوه، فلا يعرفون ماذا عليهم أن ينتجوا، ومتى عليهم أن يتوقفوا عن الإنتاج، هل يزيدوه أم يقللون منه، وذلك ما يسبب وقوعهم فى أزمات فيض الإنتاج التى تؤدى للكساد و الركود.
في عام 1825 نشبت أول أزمة رأسمالية في إنجلترة، مبشرة بعهد الأزمات الرأسمالية الدورية، وكان من ملامحها، تقليص الإنتاج لأدنى مستوياته، وازدياد معدلات الإفلاسات، وانحسار القروض، و ضعف سيولة النقد، وتراجع التصدير، وانتشار البطالة والفقر. أما الأزمة الدورية التالية فقد انفجرت عام 1836، وشملت جميع فروع الصناعة في إنكلترة، حيث تم تخفيض الإنتاج الذى تسبب فى هبوط حاد في حجم التصدير، ثم دخل الاقتصاد مرحلة ركود طويلة امتدت حتى عام 1842، ثم نشبت أزمة اقتصادية جديدة في عام 1866، وانفجرت أزمة أخرى في عام 1882، التى أخذت بعدها الرأسمالية تتحول لرأسمالية دولة احتكارية، واندلعت أزمة تالية في عام 1890، ثم أزمة كبيرة عام 1900، تلتها أزمة عام 1907، وأزمة 1913 التى أدت إلى نشوب الحرب العالمية الأولى، أما أعنف أزمة حدثت في القرن العشرين فهي أزمة 1929 - 1933 التي كادت أن تعصف بالرأسمالية ذاتها، ومهدت لصعود كل من البيروقراطية والفاشية والكينزية، وكانت هذه الأزمة السبب المباشر فى نشوب الحرب العالمية الثانية، وتلتها أزمة 1974 – 1975، بعد فترة طويلة من الرواج، ولكنها تميزت بالركود التضخمى، الذى يجمع بين بعض سمات الكساد وبعض سمات الرواج فى نفس الوقت، وهو ما مهد للبعث الجديد لمدرسة عدم تدخل الدولة فى الاقتصاد، والعودة للأقتصاد الحر، وتعدّ أزمة 1981 - 1983 أشد عنفاً من أزمة السبعينات التى سبقتها، و التي كانت السبب فى ولادة الرأسمالية الكوكبية، كمرحلة جديدة من مراحل تطور الرأسمالية، وكان من نتائجها سقوط معظم النظم البيروقراطية والفاشية والكينزية فى العالم، وأخيرا أزمة 2008 الأخيرة، و تلك الأزمات كانت في جوهرها أزمات إفراط في الإنتاج، مع عدم قدرة السوق على استيعابه.
تأتي أزمة الكساد بعد عدة سنوات من الازدهار، و تندلع حين يحدث فيض فى الإنتاج و الخدمات أكثر من احتياجات الاستهلاك، فتزدحم الأسواق بالسلع التى تتراكم بكميات هائلة لا طريق لبيعها، ويصاحب ذلك ضعف السيولة النقدية، وانحسار الاقراض، وبعد ذلك تتوقف المنشئات عن إنتاج وتقديم الخدمات، و يتم طرد العمال جزئيا أو كليا من المنشئات الرأسمالية، فيفقدون قدرتهم الشرائية لشراء السلع و الخدمات التى تتراكم أكثر، فتتفاقم الأزمة، لمجرد أن العمال أنتجوا سلع و قدموا خدمات أكثر من الاحتياجات الاستعمالية للناس، بعد هذا تتكاثر الإفلاسات، وتتزايد عمليات البيع الجبرى، ويستمر الانسداد فى طرق تصريف السلع سنوات طويلة، فيتم تدمير القوى المنتجة سواء قوى العمل، أو وسائل الإنتاج، وتدمير المنتجات إجمالاً بشتى الطرق،وتوقف الخدمات الاستثمارية منها والاستهلاكية، حتى يحين الوقت الذي تمتص فيه السوق فائض السلع و الخدمات المتراكمة أي حتى الوقت الذي يستعيد فيه الإنتاج والتبادل مسيرتهما بالتدريج.
الأزمات الاقتصادية في ظل الرأسمالية تعود أحيانا إلى رفض تدخل الدولة للحد من نشاط الأفراد في الميدان الاقتصادي، بمعنى رفض تقييد حريتهم الاقتصادية، فى استثمار أموالهم، و فيما ينتجون كماً ونوعاً، وهذا ما يمكن أن نسميه الافتقاد إلى المراقبة والتوجيه والتخطيط فى الإنتاج والتوزيع والتبادل، فالدولة ورأسالمال يتركون الأمر لليد الخفية للسوق، متوكلين عليها، لتنظم بنفسها حرية المنافسة بين منتجي النوع الواحد من السلع، وبين المستهلكين، تلك اليد الخفية الأقرب للعناية الآلهية، ولما كانت الرأسمالية فى الإنتاج عموما قامت على التطور التكنولوجى الذى ساعد البشرية على رفع كفاءتها الإنتاجية لمستويات غير مسبوقة، وضاعف الإنتاج حتى فاض عن احتياجات السكان فى كثير من الأحيان، إلا أنه قلل من الاحتياج للأيدى العاملة صانعة كل تلك السلع، ومستهلكتها فى نفس الوقت، وما أنتجه من فائض إنتاج يحتاج إلى أسواق للتصريف، تقل قدرة المستهلكين فيها على الاستهلاك بمرور الوقت، و الميل للتطور التكنولوجى لزيادة الإنتاجية، يؤدى لتقليص حجم العمالة المنتجة، و إلى فيض الإنتاج الذى لا يمكن إيقافه فى ظل الرأسمالية.
عندما تختل العلاقة بين العرض والطلب، في ظل انعدام الرقابة والتحكم من الدولة، تحدث فوضى اقتصادية تكون نتيجتها الحتمية أزمة، إلا أن التاريخ الحديث أثبت إن كل أشكال تدخل الدولة فى الاقتصاد أيضا وقعت فى أزمات مزمنة انتهت إلى أزمة الركود التضخمى فى سبعينات القرن الماضى، مما ينم على أن الدولة بتدخلها أو بتركها الحبل على الغارب ليست السبب فى حدوث الإزمات غالبا، بل هى أداة يستخدمها البرجوازيون لحل الأزمات لصالحهم فى كل الأحوال.
لا يوجد أى تناسق بين فروع نمط الإنتاج الرأسمالى، إلا ما قد يحدث مؤقتا أو مصادفة، وهذا يجعل الإنتاج الرأسمالى يتصف بالفوضى، لأن الرأسمالية تقوم على سلسلة من التناقضات، التى تمنحها حركية وحيوية عالية، وقدرة عالية على خلق الأزمات والتكيف معها وتجاوزها، لكن هذا لا ينفى كونها مدمرة فى نفس الوقت للبشر كمنتجين ومستهلكين، ففي ظل سيطرة الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، فإن كل رأسمالي يسعى إلى زيادة أرباحه بإغراق السوق بمنتجاته، دون اعتبار للإمكانيات الحقيقية لاستهلاك منتجاته، و دون النظر لمستوى الطلب الفعال لما ينتجه من سلع، و لا شك أن دافع الربح والمنافسة فى السوق، يساعد على تطوير الإنتاج، ورفع الإنتاجية، وتحسين المنتجات، و يفجر طاقات الإبداع والابتكار عند البشر، و لكن لإن هذا الإنتاج تحديدا يتم عبر مؤسسات خاصة حرة، فإن تطوره لا يكون متجانسا بين الفروع والمنشئات المختلفة، فقد يتكدس البنزين فى محطات البنزين أو قد يشح، لأنه قد يزيد أو يقل عن احتياجات السيارات له، ومصانع السيارات ومحطات البنزين ومعامل تكرير البترول، تتصرف منفردة من أجل زيادة انتاجها وأرباحها دون أن ينظر أى منهما لنشاط الآخر، إذ تقفز بعض الأنشطة إلى الأمام فى الإنتاج ، ويبقى بعضها على حاله، أو يتدهور إنتاجه، يصيب بعضها النجاح وبعضها يصيبه الفشل، إى أن طبيعة الإنتاج الرأسمالى تعيد إنتاج الأزمات العشوائية التى طالما عانى منها البشر سابقا، و لكن ليس بسبب الطبيعة هذه المرة، ولكن فى مجال الإنتاج والتوزيع والتبادل نفسه، ومن هنا يحدث التطور اللامتكافئ بين فروع الإنتاج المختلفة، باعتباره قانون الرأسمالية المطلق.
يتطور الإنتاج الرأسمالي عن طريق المنافسة التي تنطوي على تناقضات و صراعات لا حصر لها و التى تهدر فى نفس الوقت الإمكانيات الهائلة التى يخلقها التطور التكنولوجى، فالمنافسة لابد من أن تولد عدم تناسق بين فروع الاقتصاد ومؤسساته المختلفة .
لما كان للإنتاج فرعين أساسيين، أولهما فرع (إنتاج وسائل الإنتاج) من آلات ومواد خام وخلافه. وثانيهما فرع (إنتاج السلع الاستهلاكية) من ملابس وأطعمة الخ، و بسبب أن تطور فروع الإنتاج المختلفة في ظل الرأسمالية تطوراً غير متسق وغير متوازن، فإن نمو الإنتاج الرأسمالي، وتكون السوق الداخلية، لا يحدثان بفعل زيادة إنتاج سلع الاستهلاك بقدر ما يحدثان بفعل زيادة إنتاج وسائل الإنتاج. أي أن الفرع الأول (إنتاج وسائل الإنتاج) ينمو بسرعة أكبر من سرعة نمو الفرع الثاني (إنتاج سلع الاستهلاك)، وتسبق زيادة إنتاج وسائل الإنتاج، زيادة إنتاج سلع الاستهلاك، وتحتل سلع الاستهلاك، في الكتلة العامة للإنتاج الرأسمالي، منزلة متضائلة الأهمية مع مرور الزمن، فالآلات تزداد تعقيدا، و من تزداد قيمتها، لتحل محل البشر المستهلكين لما تنتجه، فى حين تقل قيمة ما تنتجه هى نفسها من سلع كلما ازدادت تعقيدا وقيمة.
إن زيادة إنتاج وسائل الإنتاج تؤثر في إنتاج وسائل الاستهلاك (أموال الاستهلاك)، ذلك لأن المؤسسات التي تزيد من استخدام وسائل الإنتاج (أموال الإنتاج) تدفع إلى السوق في نهاية المطاف بكميات متزايدة باستمرار من السلع المعدة للاستهلاك. وعلى هذا فهناك علاقة ارتباط واضحة ومباشرة بين إنتاج أموال الإنتاج، من جهة، وإنتاج أموال الاستهلاك من جهة ثانية. ولكن في الوقت الذي يتزايد فيه إنتاج أموال الإنتاج وأموال الاستهلاك يتراجع الطلب الفعال بسبب انخفاض نصيب قوة العمل من القيمة المضافة، فيتجه استهلاك الجماهير نحو الانخفاض في حين يتجه الإنتاج نحو الزيادة، فتصطدم زيادة الإنتاج بانخفاض الاستهلاك في المجتمع.
شرط إنتاج القيمة المضافة، ومن ثم الأرباح، هو شراء قوة العمل البشرى المأجورة لإنتاج السلع، و التى من أجل زيادة معدلات استغلالها لتوليد قيمة أكثر وأرباح أكثر، يتم تطويل يوم العمل مما يعنى مزيد من الإنتاج، أو تخفيض الأجور الحقيقية، بزيادة أسعار السلع، وهذا معناه تدنى ما يحصل عليه العمل المأجور لصالح تصاعد الأرباح، وفى النهاية تتراكم المنتجات التى لا تجد من يشتريها، لأن من انتجوها غير قادرين على شراءها بسبب تدنى أجورهم.
الرأسمالية هى الإنتاج السلعي في أعلى مرحلة من مراحل تطوره، حيث سبقها الإنتاج السلعى البسيط، الذى هو شكل بدائى للرأسمالية، و تتحول في الرأسمالية منتجات العمل كلها إلى سلع، و تتحول قوة العمل نفسها إلى سلعة يتحدد سعرها بالعرض والطلب. ويقوم الرأسماليين بانتزاع الفائض الاجتماعى من العمل المأجور، و تركيز وسائل الإنتاج في أيدي أصحاب رأس المال، وتحول هذه الوسائل إلى وسائل لاستثمار العمال المأجورين، ويحدث الانفصال بين وسائل الإنتاج المحصورة في أيدي القلة من الرأسماليين، وبين الغالبية من المنتجين المباشرين المحرومين من كل شيء ماعدا قوة عملهم، التي يضطرون إلي بيعها لمالكي وسائل الإنتاج.
لكل هذا يصبح ناتج عمل المجتمع كله في حوزة عدد قليل من مالكي وسائل الإنتاج، هدفهم الوحيد هو تحقيق الربح، وينشأ عن التسابق وراء الربح تعاظم استغلال العمال المنتجين، وانخفاض نصيبهم من القيمة المضافة، وهذا يؤدي إلى خفض الطلب الفعلي على السلع، ويتقلص تصريف السلع، فلابد من حدوث أزمات فيض الإنتاج ما دامت الرأسمالية قائمة.
لا شك أن أحد أسرار قوة الرأسمالية، وضعف من يناضل ضدها، أنها تستغل أسوء ما فى البشر من ميول ورغبات وغرائز و طرق تفكير، و أحد أسوء تلك الميول هو الميل للاستهلاك السفيه، و الحقيقة أن البشرية تملك الآن و بلا أدنى مبالغة من العلم والتكنولوجيا، ما يمكنها من اشباع الحاجات الاستعمالية الضرورية لكل البشر على الأرض، وبقوة عمل أقل بكثير مما تتطلبه طريقة الإنتاج والتوزيع والتبادل الرأسمالية، ولك تفكر فقط فى ما تتحمله السلعة من تكلفة الإعلان عنها وتغليفها، وهو ما يمكن الاستغناء عنه فى ظل نمط إنتاج آخر يقوم على إشباع الحاجات الاستعمالية، ولكن الإنتاج فى حدود إشباع الاحتياجات الاستعمالية، يعنى توقف آلة الإنتاج الرأسمالى، التى لا بد أن تستمر فى الدوران حتى يربح الرأسماليون، ولو على حساب سعادة البشر، واهدار مواردهم، وتلوث بيئتهم.
من هنا تعتنى الرأسمالية بخلق احتياجات غير ضرورية ولا طبيعية عند البشر، وجرهم من نزعتهم المريضة للاستعراض والتباهى أحيانا، إلى استهلاك سلع و خدمات ليسوا فى حاجة حقيقية إليها لتتوفر لهم السعادة الحقيقية، أو يمكنهم الاستغناء عنها، ومن أجل هذا النزوع الاستهلاكى، يتم إهدار الموارد الطبيعية فى سفه غير معقول، كما لو كانت هذه الموارد بلا نهاية، والحقيقة أن الموارد الطبيعية على كوكب الأرض ذات كميات محدودة، ولها سقف أكثر انخفاضا فى حالة استخدامها على نحو اقتصادى، و لاشك أنه مع استمرار استهلاكها، سوف تنتهى فى يوم من الأيام، فالحديد الذى ترتفع أسعاره يوميا، سوف يصبح فى ندرة الذهب، وسوف يصبح أغلى سعرا منه، طالما آلية الإنتاج الرأسمالى تستنزف الحديد فى صناعة السلاح الذى لا يستخدم إلا للموت والخراب أو يترك للصدأ، أو فى بناء عقارات لا تستخدم سوى للمضاربة، برغم أننا يمكن أن نوفر معظم المبانى التى تستخدم للسكن بتكنولوجيا مختلفة دون استخدام للحديد أو الاسمنت، سوف تكون ملائمة أكثر للظروف المناخية، فلا نحتاج للمكيفات لتكييفها، وما تستهلكه منطاقة، وما تحدثه من تلوث للمناخ.
يمكن أن يوفر البشر لأنفسهم مواصلات عامة مريحة عبر مد شبكة كافية من مواصلات عامة، تعتمد على الكهرباء، كالمترو أو الترام، وأتوبيسات تحمل عدد أكبر من البشر فى مساحة أقل، وتحتل فى نفس الوقت مساحة أقل من الطريق، الا أنه يتم عمدا اهمال هذا الحل، ويتم إغراء المستهلكين بحلم السيارة الخاصة، فيفاجىء المستهلكون أنها صارت عبء اقتصادى ومعنوى عليهم بدلا من أن تكون وسيلة للراحة، وبكثرة السيارات تزدحم الطرق، فالسيارة الخاصة تحمل عدد أقل بالنسبة لمساحتها، وتشغل مساحات أكبر من الطريق من الأتوبيس قياسا لما تحمله من ركاب، وعندما تحدث الأزمات المرورية باكتظاظها بالسيارات الخاصة، نبنى طرق علوية وكبارى نستنزف بهما الحديد والأسمنت، و نحرق المزيد من البترول دافعين للجو المزيد من الملوثات، ويصل سفه المستهلكين وجشع المنتجين للمنتهى، عندما تشح موارد الطاقة البترولية، فيحول المنتجون الطعام إلى وقود لتسيير كل تلك السيارات الخاصة، فى حين يتضور الملايين جوعا، حتى تعمل شركات السيارات الخاصة.
تحتاج الحذاء ليحمى قدمك أثناء السير، وفى حدود المعرفة والتكنولوجيا المتاحة للبشر، يمكن أن تنتج لك المصانع حذاء يستمر معك عقودا من الزمن، ولكن معنى هذا ببساطة، أن تتوقف مصانع الأحذية عن العمل بعد اشباع هذا الاحتياج لدى كل البشر، ومن هنا ابتكرت الرأسمالية فكرة الموضة حتى تدفع البشر لتغيير ما يستهلكونه من سلع حتى ولو كانت ماتزال صالحة للاستعمال، ويتم بيعها أكثر من مرة، أو تنتهى لمستودعات القمامة منتظرة إعادة التدوير، والطريقة الثانية هى استخدام مواد رديئة فى الصناعة، برغم إمكانية استخدام مواد أكثر تحملا، فيبقى الحذاء فى قدمك شهرين لتشترى ستة أحذية فى العام، أما الخامات الجيدة والتصنيع الدقيق فهو و التكنولوجيا المتطورة فهذا ما تدخره الرأسمالية لصناعات لا علاقة لها باحتياجات المستهلك العادى، كصناعة السلاح، وهو ما يجعل معظم السلع التى يستهلكها المستهلك العادى ، سريعة التلف مما يدفعه لاستبدالها بسلع جديدة، ويبدوا أن الجشع الذى لا ينتهى للرأسماليين دفعهم مؤخرا للتطرف فى هذا السلوك، والمثال على ذلك بعض السلع المنتجة فى الدول شبه المحيطية أو المصنعة حديثا، والتى هى أقرب ما تكون لإعادة التدوير.
أزمة فيض الإنتاج وصمود الرأسمالية- سامح سعيد عبود
عن الحوار المتمدن
http://socialisthorizon.net/index.php?option=com_content&view=article&id=1086:2010-10-09-18-15-32&catid=39:2009-06-15-08-50-42&Itemid=65

حول أزمة نظام رأس المال الحالية و واقع و دور الحركة الشيوعية

نص المقابلة التي اجراها النادي الصوتي في منتدى جمول مع المفكر الماركسي الرفيق سلامة كيلة
الجمعة, 30 يتموز 2010 15:18
خاص – موقع جمول
مداخلة تمهيدية
الموضوع حول أزمة الرأسمالية موضوع كبير و لكن سوف ألخّص جملة المسائل الأساسية في هذه الأزمة
و بالتالي انعكاساتها على شعوب العالم و بالتالي على الطبقة العاملة خصوصا و بالتالي الدور الملقى على عاتق الحركة الشيوعية و في منطقتنا بالتحديد .
أعتقد أنّ وضع الأزمة الرأسمالية الراهنة أعقد مما كان في المرات الماضية من أزمات لأنها باتت أزمة مركبة و ليست تتعلق بفيض الانتاج كما كان يحدث. أزمة فيض الانتاج كانت تُحل عادة عبر إعادة صياغة بُنى هذه الدول من خلال ما سمي في الثلاثينات بسياسة النيوديل أو سياسة الاشتراكية الديمقراطية الأوروبية أي زيادة الأجور و من خلال دور للدولة أكبرَ يسمح بزيادة القدرة الشرائية التي كانت تفتح الأفق لعودة الدورة الاقتصادية بشكل أفضل ، إضافة إلى الحروب التي كانت تطحن و تدمّر، و بالتالي، و عمليا، تنشّط القطاع العسكري و تولّد حركيّة للاقتصاد و تنشّط الدورة الاقتصادية.
الأزمة الآن أزمة مركّبة تتعلق بالأساس، في التحَوّل الذي حصل في العقود الأربعة الماضية في تكوين الرأسمالية هذا التحوّل ارتبط بتراكم مالي هائل بدأ يخرج عن التوظيف في الاقتصاد الحقيقي. و بالتالي، بدأ يبحث عن آليات تدرُّ عليه مزيدا من ألأرباح. هذا القطاع بدأ منذ أزمة السبعينات يزيد في الآليات أو يفرض آليات اقتصادية لنشاط يطوّر من حجمه تسمح له في الدخول في النشاط خارج آليات الاقتصاد الحقيقي و يرتبط بنشاط الاقتصاد المضارب عبر البنوك و الديون و أشكال مختلفة من المشتقات المالية التي اختُرعَت في الثلاثين سنة الماضية. الآن تشكلت كتلة مالية هائلة تلعب دورا مُضاربا لا تستطيع أن توظَّف في الاقتصاد الحقيقي الذي بات مشبعا بالتوظيف المالي نتيجة المنافسة العالمية و حدود السوق التي كانت تستوعب كتلة مالية معينة في الصناعة و الزراعة. هذه العناصر كلها تبلورت منذ أواسط القرن العشرين بحيث اصبح التوسّع في هذه القطاعات محدودا لأن فيضَ الانتاج الذي هو سِمة الرأسمالية الأساسية كان يجعل إمكانية التوسّع في قطاع الصناعة غيرَ قائم. هناك حد يقف عنده. و بالتالي يقف التوظيف في هذه القطاعات. طبعاً هناك دائماً دخول إلى قطاع الصناعة و لكن هذا كان يخلق أزمات داخلية تخلق أزمة فيض الانتاج و بالتالي تفسح في المجال للتصادم الداخلي.
الآن إضافىة إلى أزمة فيض الانتاج هناك أزمة قطاع مالي مُنفلِت لا يستطيع أن ينشط إلا في قطاع مُضارب. و بالتالي، لا يستطيع إلا أن يقود إلى أزمات متتالية ، من هذا المنطلق، باتت أزمة الرأسمالية أزمة طويلة ليس من السهل إيجاد حل سريع لها. إضافة أيضا فإنّ إمكانية حروب بمستوى الحروب العالمية الماضية لم تعد قائمة إلى حد كبير الآن و التي يمكن أن تطحن جزء من قوى الانتاج و بالتالي تدفع إلى التوظيف في قوى الانتاج و تنشيط القطاع الصناعي أكثر . و بالتالي هذا القطاع المالي سيبقى ينشط في الإطار الذي رُسم له رغم كل السياسات التي تحاول أن تفرض قيودا على هذا النشاط و التي بدأها أوباما منذ وقت قريب، الذي أعتقد أنها ستتحوّل في النهاية إلى قيود شكلية و لن تؤدي إلى وقف الآلية الجديدة التي تتعلق بالمضاربات المالية و بالنشاط المالي. طبعا أشير إلى أن النشاط المالي صار مهيمنا في الاقتصاد الرأسمالي، هناك 90% من العمليات الاقتصادية اليومية تقع في النشاط المالي. و هذا يجعل القوى المالكة للمال هي القوى الأكثر هيمنة في إطار الطبقة الرأسمالية نفسها، و بالتالي، الأكثر قدرة على التأثير في سياسات تلك الدول الرأسمالية نفسها. طبعا انفجرت الأزمة في البداية كأزمة رهون عقارية. لكن توسّعت إلى أزمة البنوك و المؤسسات المالية. حاولت الدول الرأسمالية، خصوصا أمريكا دعم تلك المؤسسات من خلال ضخ الأموال و بالتالي أعادت ضخّ أموال فيها من جديد. و بالتالي عادت تلك المؤسسات إلى نشاطها المالي السابق تقريبا ذاته قبل الأزمة . الآن تتوسع الأزمة أكثر نتيجة انكشاف تراكم ديون هائل على عديد من الدول الرأسمالية الفرعية و حتى الأساسية، ومسألة اليونان كانت مثالا على هذا الموضوع. الرأسمال المالي أو التراكم المالي الذي يلعب دورا في المضاربات كان يدفع باتجاه تصريف أمواله في أحد المجالات و عبر الاستدانة كما فعل في البداية مع دول العالم الثالث تلك التي دفعها إلى استدانة متتالية و من ثم أوقعها في أزمات قادت إلى فرض شروط صندوق النقد الدولي عليها عبر تطبيق ما سُمّيَ سياسة التصحيح الهيكلي التي، عمليا، تفتح الدول المتخلّفة أمام حركة رأس المال الواسعة. و اليوم نراها في اليونان و إيطاليا وا سبانيا و البرتغال و حتى بريطانيا و أيرلندا و بعض دول أوروبا الشرقية حتى أمريكا حيث الديون توازي حجم الناتج القومي. من هذا المنطلق، هذه الأزمة الآن ستتفجر بأشكال مختلفة متتالية في هذه البلدان عبر أزمة عجز عن سداد الديون، و بالتالي سوف تؤدي إلى سياسات تقشفيّة تنعكس من جديد على صعيد قطاع الانتاج الحقيقي أو على الإنتاج، لأن التقشف سيؤدي إلى تقلص القدرة الشرائية لدى قطاع واسع من المواطنين و بالتالي إلى تقلّص شراء السلع. و بالتالي سينعكس على الشركات نفسها و على قطاع الانتاج الحقيقي و تفَجّر أزمات جديدة ليس واضحا إلى أين سيصل.
لا أعتقد أن الرأسمالية ستنهار بذاتها لأن أزماتها ستقود بذاتها إلى الانهيار، و أعتقد أن هذه الفكرة تتضمن خللا كبيرا لأن لا شيء ينهار بذاته ببساطة. وستبقى الرأسمالية تبحث عن أشكال مختلفة لتجاوز أزماتها عبر الحروب. و هذا الذي يبدو من سياسات أوباما التي يبدو أنّها استمرار لسياسة بوش عَبر توسيع الحروب و ليس التراجع عنها، و عبر تحميل المجتمعات آثار الأزمة و حل هذه الأزمة على حساب المجتمعات المتخلفة من جهة، و على حساب الطبقة العاملة و المتوسطة في البلدان الرأسمالية ذاتها من جهة ثانية. هذا الوضع سينعكس بشكل طبيعي في عودة أشكال من الصراع الطبقي في بلدان واسعة من العالم. طبعا شهدنا ما جرى في اليونان عبر التحرّك العمالي الذي لا يزال قائما ضد سياسات الحكومة التقشفية و كذلك في اسبانيا التحركات الكبير ة للطبقة العاملة .. باعتقادي أن هذه التحركات ستتوسّع في المرحلة القادمة و تذهب إلى مدى أبعد من ذلك . و لكن يبقى السؤال المطروح ما هي السياسات التي ستتبعها الحركة الشيوعية و اليسار عموما في مواجهة هذا الوضع الجديد؟ هل ستستطيع أن تطور حركة طبقية حقيقية في مواجة الرأسمالية تحمل أفقا بديلا، أو ستبقى تضغط فقط و تراهن على أشكال النضال الديمقراطي و الانتخابات من أجل التغيير؟ الأمور ستندفع إلى حيث ما هو أبعد من أنْ تكون الانتخابات كافية لحدوث التغيير، لأنّ الحراك الشعبي يفترض أن يُدفع إلى حد أن يتحول إلى ثورة حقيقية و انتفاضة حقيقية تقود إلى التغيير . طبعا في بلادنا ستكون الأمور أسوأ لأن الحلول الأساسية لأزمة الرأسمالية ستنعكس على البلدان المتخلفة. ولاحظنا أن البلدان النفطية عموما خسرت بهذه الأزمة تريليونات الدولارات. فقد رأينا من خلال بعض الاحصائيات أنّ دول الخليج قد خسرت 2.5 تريليون دولار من جرّاء هذه الأزمة. وهذا الرقم هو قبل عام من الآن، لا أعرف الآن الرقم الذي وصلت إليه. لاحظنا كيف انهارت دُبَي، و الآن تتحول دُبَي مجالا لامتصاص التراكم المالي في دولة الامارات، أبو ظبي خصوصا. مطلوب إيفاء هذه الديون. سيُفرض على ابو ظبي أن تشتري الشركات و العقارات التي عمليا أصبحت لا حاجة لها لأنّ الدور الذي تحدد لها قد انتهى نتيجة الأزمة الاقتصادية العالمية، وبالتالي ستتحول إلى أكوام من الحجارة أكثر من أن تلعب دوراً للشركات العالمية و كمنتجعات سياحية للنخب المالية الهائلة. من هذا المنطلق ستبقى دُبَي مجالا لامتصاص كل أموال النفط. أيضا البلدان الأخرى في المنطقة العربية كما مُجمل العالم المتخلف سوف تشهد إفقارا أكبر للفئات الشعبية و ارتفاعا هائلا في الأسعار نتيجة نهب المافيات الحاكمة و بالتالي ستندفع المنطقة نحو تفاقم الصراع الطبقي. في هذا الوضع عمليا نحن نقف في مرحلة عودة الصراع الطبقي في مختلف بقاع العالم. و هذا يطرح دور الشيوعيين. ما هو الدور الذي يمكن أن يقوموا به في حال الواقع الراهن للحركة الشيوعية؟ هل ستلعب دورا في هذا السياق؟ أعتقد أنّ هناك اشكالات كبيرة في هذا الموضوع. الحركة الشيوعية تشكّلت في مرحلة قديمة لم تستطع أن تجاري الأحداث في مراحل مختلفة كان التغيير فيها ضروريا. مثلا، الأوضاع ما بعد الحرب العالمية الثانية العالم كلّه شَهِدَ تغييرات. في بلادنا لم تستطع الحركة الشيوعية أن تلتقط هذه الحلقة. و هذا فرض أن يتدخل الجيش ليحقّق تطورا ما، شاهدنا نتائجه في نهاية الثمانينات. الوضع اليوم أكثر تعقيدا، لأنّ الأمور تحتاج إلى مستوى وَعي أعلى لفهم المشكلات العامّة في العالم، و المشكلات الخاصة بمجتمعاتنا. و بالتالي يحتاج إلى تحديد مهمات حقيقية على الأرض تتعلق بدور الشيوعيين في تحريك العمال و الفلاحين الفقراء و الفئات الوسطى التي سيتفاقم وضعها الآن في بعض البلدان العربية كمثل مصر و المغرب و تونس و الجزائر .. حيث الشكل الاحتجاجي أصبح عاليا فيها. و بالتالي هنا السؤال المطروح الآن، كيف يمكن أن تتبلور رؤية حقيقية للماركسيين العرب تعبّر عن المرحلة الراهنة بشكل جدّي و تطرح أفق تطوير الصراع الطبقي من أجل تحقيق التغيير العميق في مجمل المنطقة و بالتالي مواجهة المشروع الامبريالي الصهيوني .
شكرا جزيلا .. أتمنى أن يكون هذا مدخلا لمناقشات جدية في مختلف القضايا .. شكرا.
سؤال: في ظلّ الانكماش الاقتصادي الذي أشرت إليه في ظل الأزمة الرأسمالية الحاليّة التي تعكس نفسها على مراكز و أطراف النظام الرأسمالي و خصوصا على الأطراف ، ما هو برأيك في تأثير هذه الأزمة على الصين الشعبية التي تُعَدّ من أكبر المنتجين في الاقتصاد السلعي في العالم؟
حتى الآن الصين هي الدولة التي تربح أكثر من الأزمة الاقتصادية رُغم أن هناك مشكلات حقيقية قد تهدّد الوضع الصيني بشكل عام. الصين تمتلك كتلة نقدية هائلة بالدولار و سندات الخزينة الأمريكية، وبالتالي فإن انهيار الدولار أو تراجعه ينعكس سلبا على الصين. طبعا الصين أمام هذه الأزمة عانت من تراجع في تجارتها الخارجية نتيجة الانكماش الاقتصادي لكنها سَعَتْ إلى حلّ ذلك عبر زيادة الأجور في داخل الصين، و بالتالي، تنشيط الحركة الاقتصادية الداخلية . إلى أي مدى ستنجح في ذلك، لا أدري بالضبط و لكن تبقى الصين أكثر تماسكا من الدول الأخرى و باعتقادي، هي من الدول المهيّأة لأن تكون من القوى التي ستثبت نفسها كقوة أساسية في المرحلة القادمة في ظل أي تغيير في وضع البلدان الرأسمالية، و بالتالي، أن تلعب دورا كبيرا. و هي بدأت منذ الآن تتوسّع في العالم، بمعنى السيطرة و مَدّ النفوذ و فرض الهيمنة الاقتصادية على عديد من البلدان ليس فقط جنوب شرق آسيا، خاصة في أفريقيا.
سؤال: هل تعبّر أزمة اليونان مثلا عن فشل قوى يسار الوسط إلى جانب فشل قوى اليمين؟
طبعا، إنّ هذه المسألة لا تتعلق فقط بيسار الوسط و الاشتراكية الديمقراطية وهي الأحزاب التي و منذ الثمانينات كانت لعبت دورا كبيرا في تعميم اللبرالية في مجمل بلدان أوروبا، و بالتالي ساهمت عمليّا في قيادة الاقتصاد إلى الوضع الذي نشاهده الآن. على هذا الأساس هذه الأحزاب سوف تتهمش في أوروبا عموما إذْ لم تعد قدرتها ، وحجمها كما كانت في السنوات الماضية. في اليونان الحزب الاشتراكي هوجديد في الحكم، الذي كان يحكم أساسا هو اليمين. مجمل تراكم المديونية على اليونان كان في ظل حكم اليمين الذي عمليا ذهب للفئات الرأسمالية التي كان يعبّر عنها عبر أشكال مختلفة. على هذا الأساس الشكل الاشتراكي الديمقراطي الذي كان مطروحا أعتبر أنه انتهى في أوروبا، لأنه لا يحمل رؤى بديلة حتى و لا شكل من أشكال تدخل الدولة الذي ساد في الثلاثينات و الأربعينات، هو الآن أقرب لأن يتبنى اللبرالية الجديدة بشكلها الكامل.
حول آلية العمل المرحلي على المستوى العربي هل يجب أن يكون العمل الشيوعي العربي موحدا ؟
آليات العمل على الصعيد العربي توحيده أو تنسيقه، يمكن أن يبدأ بشكل تنسيقي. لأنه يفترض البدء مما هو واقع و لكن النقطة الأساسية التي أعتقد أنّه من الضروري التفكير فيها هو أنّ مواجهة الأزمات الداخلية من جهة و مواجهة السيطرة الامبريالية من جهة ثانية بما فيها وجود الكيان الصهيوني لن يتحقق بشكل جدّي و بشكل يؤدي لنتائج إلا في إطار عمل عربي موحّد و الذي يمكن أن يأخذ أشكالا مختلفة، ولكن يجب أن يكون موحّدا على أساس برنامج واضح على أساس نضال عام و على أساس نضال في كل بلد من أجل التغيير العميق في هذه البلدان. في النهاية الفكرة العامة لا تفيد إذا لم تتجسد في الواقع الملموس في كل بلد. المرحلة الآن تستلزم بالتالي إعادة نظر في الرؤية العامة للحركة الماركسية العربية من أجل بلورة رؤية جديدة تتفهم الواقع القائم الآن و ما هو في الواقع الموجود و تطرح رؤى بديلة حقيقة و تعمل وفق الأشكال المختلفة الممكنة من أجل ذلك.
سؤال حول كراسك حول الممارسة العملية ، هل كان التيار البكداشي مخطئا عندما وصف أطروحات ماو بالشعبوية و التحريفية و ما هي المآخذ على الحركات العربية التقليدية بخصوص المسألة النظرية الأيديولوجية؟
أتمنى أنْ لا تصير المسألة ماوي و ستاليني و تروتسكي لأنها مسألة من الماضي . أكيد كانت صراعات برزت بين الماركسية السوفياتية (بعد وفاة ستالين أو بعد سنوات من استلام خروتشوف) و الصين مع ماو تسي تونغ، هذه المسألة الموضوعية يمكن أن تناقِش مَنْ هو سبب الخلاف و على أي أسس. و لكن باعتقادي أنّ كلّ الكلام الذي قيل من الطرفين كان كلاما أيديولوجيا. فلا الاتحاد السوفياتي كان امبرياليا و لا الماوية كانت شعبوية لأنّ ماو تسي تونغ هو أكثر من مثل رؤية لينين في دور الماركسية في البلدان المتخلفة بعد أن كان ستالين انتقل لرؤى أخرى و التي أعطت للبرجوازية دورا أساسيا في الصراع، و فرضت الْتِحاق الشيوعيين بالبرجوازية، و الذي لا زلنا نعاني منه حتى الآن. و لكن هذا لا يعني أن الماوية قدّمَتْ كلّ شيء صحيحا و أصبحت هي الماركسية الأساسية. لأ .. هناك إشكالات حقيقية برزت بعد استلام السلطة في التجربة الصينية و التي عمليا أوصلت إلى ما نراه الآن. و بالتالي، لا نستطيع أنْ نتجاوز ما يجري في الصين الآن الذي هو استمرار لما كان. لا ينزل شيء من السماء. هناك إشكالات في التجربة نفسها . من هذا المنطلق أعتقد أن الميول التعصبية في هذا الاتجاه و الدفاع المطلق عن هذا الطرف أو ذاك فيه خلل. أنا أنطلق دائما من أن هناك ماركسية و التي هي المنهج المادي الجدلي. كثير من الماركسيين قدّموا إسهامات جدية يجب أن ندرسها بجد. هناك صراعات حصلت سابقا بين اطراف ماركسية تجاوزها الزمن. و بالتالي مطلوب منّا الآن أن نفهم واقعنا بشكل صحيح انطلاقا من الجدل المادي الماركسي، و هذا هو الأساس . إنّ الاستمرار بالتمسّك بالدفاع عن هذا الطرف أو ذاك يعيق أيّ عمل ماركسي حقيقي، و لا يسهم في تقديم ما هو معرفي . هناك صراعات ايديوليجية ينبغي أنْ نتجاوزَها، مع احترامي لكل الأشخاص الذين يتبنون الماويّة أو الستالينية أو التروتسكية. كل هذه الاتجاهات هي بالنسبة إليّ شيء من الماضي. هناك بعض المسائل عند تروتسكي مهمّة يجب أن نلحظها، هناك أشياء عن ماوتسي تونغ مهمّة أيضا، يجب أن نأخذ بها ، يعني كتابه في التناقض باعتقادي مهم جدا، كتابه في الممارسة العملية هو إضافة للمنهجية الماركسية. ستالين لعب دورا في تطوير المجتمع، لا يجب أن نعتبر أنّ المشكلة هي ستالين . من هذا المنطلق، يجب أن نناقش هذه التيارات كشيء حدث في الماضي و ننطلق من أننا ماركسيون معنيون بفهم واقعنا إنطلاقا من المنهجية الماركسية بالأساس بغض النظر عن توافقها مع هذا الاتجاه أو ذاك، يعني يجب أن نتخلص من القوالب الأيديولوجية التي وضعنا أنفسنا فيها. بهذا نستطيع أن نفهم واقعنا و نتجاوز المشكلات. يعني نقدي للستالينية و البكداشية بعتقد واضح و ملاحظاتي على الماوية كذلك واضحة ولكن لا يجوز أن نبخس أي طرف حقه .
السؤال الثاني يتعلق بالاسلام السياسي، أعتقد أن الاسلام السياسي قد أظهر حدود قدرَتهِ، لأنّ الإسلام السياسي رَكّز على قضايا لها طابع عقائدي أكثر ممّا ركّز على قضايا لها علاقة بالواقع. حتّى و هو يمارس مقاومتَهُ، فلمقاومتِه سيكون هناك حدود. المسألة تتعلق بالموقف الصراعي لهذه اللحظة، يجب أن نلاحظ الرؤية التي يطرحها كل طرف من هذه الأطراف و البديل الذي يطرحه و ما هي قدرته على وضع تكتيك صحيح للوصول إلى الهدف الذي يطرحه. باعتقادي أنّ قصور الوعي عند هذه الأحزاب و رؤيتُها و التي هي عمليا تنطلق من وعي، لا أريد أن أقول ديني، لأنّه وَعْيٌ مبسّط يتعلق بالفتاوى كما تبلورت في عقود التخلف العربي الذي عمليا، و من هذا المنطلق لا يستطيع أن يرى القضايا السياسية بشكل صحيح. على هذا الأساس لا يستطيع أن يقدّم البديل. و هو بذلك يلعب دورا جزئيا لحظيّا يمكن التقاطع معه في هذه الحدود. و لكن يجب أن نرى أنه لا يستطيع أن يُكمل أو يطوّرَ الصراع.
النقطة الأخرى تتعلق باليسار و علاقته بالدول، بالنسبة إليّ فإنّ الأحزاب الشيوعية و اليسارية التي لها علاقة بالدول لا تبقى عمليا شيوعية يسارية بل أصبحت جزء من تلك النظم الليبرالية.
- سؤال عن الحركة الشيوعية : تسمية الحركة الشيوعية قد ترتبط بالأحزاب الشيوعية التي كانت ضمن الكومنترن و و هي أحزاب ذيلية .. لتتميز عنها في السيتينات الحركة الماركسية اللينينية أغلب هذه الأحزاب أصبحت جزء من الأنظمة القمعية..
بخصوص الحركات الشيوعية العربية و بعد انشقاقات عديدة و انحراف البعض نحو اليسار الديمقراطي أين الانتاج الفكري الماركسي اليوم؟
الأحزاب الشيوعية، في العراق كانت جزء من نظام البعث في السبعينات.. في سورية هذه الأحزاب أصبحت جزء من السلطة التي تحولت ليبرالية بشكل واضح ، الأحزاب التي نشأت في نهاية السيتينات في اعتقادي أيضا للأسف انقادت إلى نتائج شبيهة لأنها في الغالب، أو انهارت بسرعة مثل منظمة العمل الشيوعي في لبنان، أو أقامت علاقات تحالف مع الاتحاد السوفييتي، و بالتالي اصبحت ثقافتها الماركسية مستمدة من الماركسية السوفياتية و بالتالي أعادت إنتاج، في الغالب، نفسَ المفاهيم تقريبا التي كانت الماركسية السوفياتية تعمّمُها على الأحزاب الشيوعية، وهذا الذي أدخلها في أزمة على غرار الجبهة الشعبية في فلسطين مثلا، طبعا الجبهة الديمقراطية ذهبت إلى مدى أبعد من ذلك .. و بالتالي هذا اليسار بحاجة لوقفة عميقة الآن كيف يعيد بناء رؤيته الماركسية بعيدا عن الماركسية السوفياتية، بعيدا عن الماركسية التي درسها في الاتحاد السوفياتي، التي هي عمليا ليست ماركسية في اعتقادي. بالنسبة لما طرح عن إنتاج فكري ماركسي، أعتقد أنّ هناك إشكالا حقيقيا في هذا الموضوع، أعتقد أن الانتاج الفكري الماركسي في السنوات الماضية كان قليلا. هناك الآن، يجوز بعض المحاولات، و لكن تبقى هناك مشكلة حقيقية لأنه من جهة، الأحزاب لم تطوّر وعيا فكريا عند أعضائها، و من جهة ثانية صارت الماركسية و كأنها مشروع سياسي بمعنى مشروع عملي أكثر منها رؤية فكرية، قبل أن تكون مشروعا عمليا. من هذا المنطلق كان الاهتمام بالوعي و المعرفة محدودا. و بالتالي على ضوء ذلك، ليس هناك انتاج فكري، و كل إنتاج التنظيمات، و حتى كثير من كتابات الشخصيات في هذه الأحزاب هي أقرب إلى الكلام السياسي الصحافي منه إلى الانتاج الفكري الذي يعبّر عن عمق و له أساس يُبقيه مستمرا و يقدّم شيئا معرفيا يُبنى عليه. من هذا المنطلق، بالنسبة لكريم مروة طرح الآن فكرة نهوض جديد لليسار العربي. أعتقد أنّ ما طرحه كلّه يمين ! لا علاقة له باليسار. لأنّه يتحدث عن الدولة و القانون و كأنها هي محور المشروع اليساري . أنا مع الدولة و مع القانون، و لكن هذا منطق سطحي لا يرى ما هو معنى الدولة و ما هو معنى القانون، و بالتالي كيف نصل إلى دولة و قانون حقيقين، و بالتالي كيف نغيّر المجتمع. في هذا السياق، و هنا ندخل في شيء أعمق من الحكي العمومي للدولة و القانون. على هذا الأساس أؤكد أنه يجب أن نستوعب المنهج الماركسي، ان نقرأ بجدّية الجدلَ الماركسي، و إلا سنبقى نكرر أفكارا عامّة لأننا نمتلك منهجا تقليديا نتوارثه بشكل طبيعي، و بالمنطق الصوَري لا نستطيع أن نصبح ماركسيين، إلا إذا قطعنا مع هذا المنهج التقليدي عبر وَعْينا للمنهج المادي الجدلي. إذا لم نستطع أن نتملك المنهج المادي الجدلي سنبقى نتعامل بعفوية بغض النظر عن كل حسن نوايانا أو مع حسن نوايانا، و لكن لا نستطيع أن ننتج فكرا أو نفهم الواقع بعمق لأن الذي ينتج الفكر هو الذي يستطيع أن يفهم الواقع بعمق . على هذا الأساس أشدد دائما على أنّه يجب أولا أن نستوعب الجدل المادي أي أن نجعل آليات نشاط دماغنا تفكر بطريقة جديدة في المسائل التي هي عمليا قدّمها الجدل المادي.
من واقع الأزمة العالمية الرأسمالية الحالية الآن ما هو سبب عدم حضور اليسار العربي للاستفادة من اللحظة التاريخية لتحسين موقعه و لاستعادته لجماهيه الشعبية ؟ لماذا هذا الحضور الضعيف جدا بخصوص هذه الأزمة في حين نرى تقدم اليسار العالمي و حتى اليسار الشيوعي يتقدم و إن في وجوه جديدةلكن في البلاد العربية فإن اليسار عامة و الشيوعي خاصة بحضور ضعيف جدا.
من المؤكد أنه في بعض بلدان العالم، هناك دور أكثر فاعلية للقوى اليسارية خصوصا في أمريكيا اللاتينية طبعا في أمريكيا اللاتينية ظروف خصوصية. هناك نضال طويل للحركات الماركسية و الماوية و التروتسكية و الغيفارية بأشكالها المختلفة رغم أن الاحزاب الشيوعية المرتبطة بالحركة الشيوعية العالمية كانت ضعيفة، و غيرَ قادرة على الفعل، عدا في بعض الدول، لأنّها كانت بالأساس، مرتبطة بالاتحاد السوفييتي. الآن هناك تحوّل لجهة نشوء لحركات ماركسية أكثر جدّية. و لكن أتمنى أن ندقق أكثر في وضع أمريكيا اللاتينية، لأننا لا نزال نرى الأمور لا تتقدم بشكل متسارع، و هناك ضغوط شديدة، و هناك في القوى الماركسية خلافات متعددة قد تطيح بكل هذه التجارب. لهذا علينا أن ندقق .
في بلادنا المشكلة الأساسية، وهذا الذي أحاول أن أكتب فيه في هذه الفترة، الحركة الشيوعية لم تطرح على نفسها، على الأقل منذ أواسط ثلاثينات القرن الماضي، دورَ التغيير، رغم أنها في مراحل أصبحت قادرة على التغيير، يعني نهاية الأربعينات بداية الخمسينات في المنطقة العربية كانت الحركة الشيوعية قادرة على التغيير، و لكنّ الرؤية العامّة التي كانت تحكمها، و التي أعتقد أنها لا زالت تحكمها حتى الآن، تقول إنّ المرحلة ليست مرحلة الحركة الشيوعية، لأننا، كما كان يصاغ في الماركسية السوفياتية، في مرحلة انتقال إلى الرأسمالية، و هذا يعني أن البرجوازية هي التي يجب أن تلعب دورا فاعلا قياديا و أن علينا أن ندعمها و نلعب دور المستشارين لها. هذا الوضع جعل الحركة الشيوعية نفسها، حتى في اللحظة التي كان يمكن أن تغيّر، لا تعمَدُ إلى التغيير. طبعا الاتحاد السوفييتي كان يرى أن التغيير في هذه المنطقة خطير، و هو لا يستطيع أن يتحمل صراعا عالميا في ذلك الوقت، و بالتالي كان يمنع هذه الأحزاب أيضا أن تلعب دورا حتى حين فكّر بعضها بذلك كمثل الحزب الشيوعي العراقي ..
الآن، هناك وضع جديد مع شرط البداية، هناك تطور في الصراع الطبقي يتفاقم في عديد من البلدان، للأسف اليسار غائب عنه. في مصر في المغرب في تونس، الجزائر... و بالتالي هذا التطور في الصراع الطبقي يفرض تطوير حقيقي من أجل متابعة حركة الناس و دفعها من أجل أن تنتقل من إضرابات محدودة و احتجاجات محدودة و مظاهرات محدودة لإضراب شامل و ثورة شاملة ..
هل تستطيع الحركة الشيوعية الحالية القيام بهذا الدور؟ باعتقادي انّه لا .. لأن هذا الدور يفترض أولا نَقْلَةً بمستوى الوعي تسمح بفهم الواقع بشكل عميق و هذه الأحزاب لا زالت تعيش في أجواء الماركسية السوفييتية، أعتقد أنها ماتت أو يجب أن تنتهي لأنها لم تقدّم الماركسية بما هي ماركسية. بمعنى أنّها أساسا ألغَتْ الجدل المادي رغم أنّه في بعض الكرّاسات كانت تتكلم عنه، إنما الصيغة التي وضعتها للماركسية كانت تلغي دور الجدل المادي، و بالتالي حوّلت الماركسية إلى جملة أفكار مبسطة لا تستطيع أن تكون أساسا منهجيا لِفهم الواقع. فمِن هذا المنطلق هناك إشكال كبير في هذه الأحزاب، كتبت ذات مرّة أنها تتلاشى .. أعمار أعضاءها كبير انتماء الشباب اليها في الغالب محدود و بالتالي هي تسير نحو الموات الطبيعي و خصوصا أنها لم تقدّم شيئا جدّيا حتى الآن، وكما أعتقد أنه من الصعوبة في مكان أنْ تقدم شيئا جدّيا. طبعا يمكن أن يكون هذا الكلام قاسيا على بعض الرفاق و الأصدقاء، و لكن يجب أن نفهم الحالة بشكل حقيقي و دقيق لأننا نعيش في مرحلة تحوّل تفترض فهما أعمق لواقعنا و فهما يؤدي إلى بلورة رؤية تتواشج مع حركة تفاقم حركة الصراع من أجل تحقيق تغيير عام شامل.
أحد الرفاق أشار أنني أطرح مفهوما ملتبسا للتغيير ، بالنسبة للتغيير أكيد هناك خلافات على أنه تغيير اشتراكي أو تغيير ديمقراطي. عندما أطرح دور الشيوعيين أو الماركسيين في التغيير أعتقد أنه مطلوب أن يصبحوا هم السلطة. و لكن مسألة هل التغيير يكون نحو الاشتراكية الآن أو هناك مقدمات للاشتراكية؟ هذا هو الموضوع الذي أعتقد أنه بحاجة إلى نقاش. أعتقد أن لينين قدم فيه أفكارا مهمة عندما اعتبر أنه على الشيوعيين أن يحققوا المهمّات الديمقراطية لأن البرجوازية عاجزة و غير قادرة، في سياق تحقيق الاشتراكية. من هذا المنطلق في بلادنا هناك جملة مشكلات حقيقية تسبق الانتقال إلى الاشتراكية على الشيوعيين أن يحققوها. هذا التغيير هو الذي أقصده، وبالتالي أطرح دوراً حقيقياً على الشيوعيين في التغيير. ليست المسألة أنه عليهم الآن أن يبنوا الاشتراكية. لا أعتقد أنه بالإمكان الآن أن تبنى الاشتراكية في بلدان مقسّمة وبلا صناعة و بلا بُنى أساسية ضرورية .. ينبغي ان يكون هناك استنهاض لِبُنَى الاقتصاد و لتوحيد الوطن العربي و تحقيق الاستقلال كخطوة أساسية في طريق تحقيق الاشتراكية.
الماركسية بالأساس منهجية. يعني ما أضافه ماركس طبعا وهو أضاف أشياء كثيرة في تحليل الرأسمالية، في الوصول لبعض القوانين الاقتصادية في فهم التطور التاريخي ... و لكنّ المفصل الأساسي الذي قاده للوصول إلى هذه المسائل هو تملّكُه للمنهج المادّي. يعني إعادة صياغته لجدل هيغل في سياق مادّي هو الذي سمح له أن يبلورَ هذه العناصر لأنه أسّس لآليات جديدة في فهم الواقع.
على صعيد الأزمة الاقتصادية و اليسار الفلسطيني طبعا المسألة ليست فقط أزمة اقتصادية، الوضع الفلسطيني في الضفة و غزة تحديدا الدولة الصهيونية تضعه في سياق يدمّر كل الاقتصاد، من الحواجز إلى جدار العزل إلى الهيمنة الاقتصادية المطلقة إلى الحصار.. جملة هذه العناصر هدفُها تدمير الاقتصاد الفلسطيني، وبالتالي هذا أخطر من الأزمة و الهدف منه الوصول لشعور الفلسطينيّن أنّ قدرتهم على المعيشة أصبحت غير ممكنة، و بالتالي تحقيق ما يسمونه الترانسفير الاقتصادي أو الطبيعي . أما عن دور اليسار، فأعتقد أن هناك مشكلة حقيقية في وضع اليسار الفلسطيني. أعتقد هذا من جملة وضع اليسار في الوطن العربي عموما. هناك تنظيمات صارت في اليمين هناك بعض أمل في بعض التنظيمات لأنّ جملة السياسة التي اتّبعت من التنظيمات الفلسطينية اليسارية في السنوات الماضية أدّت إلى أنهيارها. سياسة البرنامج المرحلي و الدولة المستقلة أعتقد أنها بدت فاشلة و عاجزة. كانت خطأ سياسيا كبيرا في الأساس أدّى إلى تهميش المقاومة و انهيارها. من هذا المنطلق أعتقد أنه مطلوب أيضا على صعيد اليسار الفلسطيني أن يعيد بناء رؤيته للواقع و بالتالي تحديد مهماته و سياسته بطريقة جديدة و هذا بحاجة إلى تجاوز كثير من البنى القائمة الآن في سياق بلورة واقع يساري حقيقي جدي يطرح برنامج تحرير فلسطين، دولة ديمقراطية علمانية في فلسطين بالترابط مع الصراع في الوطن العربي لأن فلسطين هي البلد الوحيد الذي لا يستطيع أن يحقق استقلاله بنفسه، لأنّ إسرائيل وجدت كمرتكز عسكري للسيطرة على المنطقة العربية، وبالتالي قوتها مرتبطة أولا مع الولايات المتحدة و ثانيا الهدف منها هو الهيمنة على المنطقة العربية و الشعب الفلسطيني وحده غير قادر على أن يحقق أي شيء، حتى الحكم الذاتي صار مشكوكا بإمكانية استمراره، في إطار الطابع الفلسطيني. من هذا المنطلق، الفلسطينيون أكثر ارتباطا بالمشروع العربي في مواجهة الامبريالية و الدولة الصهيونية، وفي مواجهة التغيير في المنطقة العربية.
سؤال حول الحركات الثورية العسكرية في أمريكيا اللاتينية و الهند..
الطابع العام لهذه الحركات ماوي و باعتقادي إن نجاح هذه الحركات يتأتي في البلدان ذات الطابع الريفي في الغالب .. ماوتسي تونغ و التجربة الماويّة اعتمدت على الريف في الأساس و بالتالي فإن نجاحها يتم في المناطق الريفية .. هل تستطيع أن تقود إلى انتصارات؟ باعتقادي بحدود وضعها الآن هناك قدر من الصعوبات لأنه لا يكفي العمل المسلح و الكفاح المسلح .. هي بحاجة إلى نشاط شعبي كبير لأن البلدان المستقلة تحتاج إلى تطوير الصراع الطبقي. العمل المسلح في بعض البلدان ممكن أن يكون جزء منه، انما ليس العمل المسلح وحده كافيا.
هل يفضل أن تكون الحركة الشيوعية ضمن معارضة مع اللبراليين و حركات اليسار الاجتماعي و الاسلاميين و القوميين أم أن يفضل أن يكون التحرك يسايا بحتا؟
هل صحيح أن أهم أدوات المرحلة للعمل لإبراز دور اليسار هو الدعم المادي لهذه الحركات التي تواجه ضائقة مالية؟
بالأساس أولاً يُفترض أن يكون هناك حركة شيوعية عربية حقيقية .. أما أن نهرب نحو الحكي عن التحالفات و الأطر و العلاقات السياسية و النشاط السياسي و نتجاهل أنّ البنى و الرؤى ضائعة في هذه الأحزاب .. باعتقادي الآن الأولوية الأساسية هي لإعادة بناء الرؤية و إعادة بناء البنية و الترابط مع الحركة المجتمعية، هذا هو الأساس الآن، لأنه بدون أن تتحوّل الحركة الشيوعية إلى واقع على الأرض تبقى هذه العلاقات هامشية .. طبعا العلاقة مع اللبراليين لست أدري على أي أسس يمكن أن تكون، و مع الاسلاميين طبعا يمكن أن يكون هناك توافق على بعض القضايا إنّما الأساس: مطلوب طرح مشروع طبقي يكون أساس سياسة هذه الأحزاب. بدون هذا ستبقى ملحقة بهذا الطرف أو ذاك أو تبقى على هامش النشاط السياسي بعيدا عن الحركة المجتمعية. و مشكلة الحركات الشيوعية عموما أنّها تلهّت بما هو سياسي، و أقصد بالسياسي الحراك و النشاط السياسي الشكلي، و ابتعدت عن الحركة المجتمعية . و هذا ما جعل الاسلاميين في عديد من البلدان هم من هيمن على الحركة المجتمعية و تحولوا إلى قوة جعلتنا نتردد في علاقتنا معهم: نرفضهم أم نتحالف معهم. المشكلة أننا نحن لم نعد قادرين على استقطاب الحركة المجتمعية التي استقطبوها بينما هذه القاعدة المجتمعية هي لنا و ليست لهم . الأساس هنا : كيف نبني حركة حقيقية في إطار الطبقات التي نعبّر عنها. و هذا يفترض رؤية حقيقية .. الدعم المالي و الضائقة المالية كلام لا يطرحه ماركسيون. بالنسبة للمسألة المالية باعتقادي هناك إشكال حقيقي: تعلمنا في السنوات الماضية أنه ما من نضال بدون تفرّغ و فلوس و سيارات و مرافقين... أعتقد أنّ هذا أسوأ ما مرّت فيه الحركة الماركسية، الفلسطينية أولا، و التي انعكست على العديد من القوى الماركسية العالمية. النضال بحاجة إلى موارد، و لكن هذه يمكن تأمينها و يوفرها المناضلون من أكلهم و من مشاركاتهم و ليسوا بحاجة لِمَنْ يؤمّن الدّعم المالي، لأنّه ما من دعم بدون شروط.
المشكلة هنا أيضا، يجب أنْ نغيّر رؤيتنا لطبيعة النضال يجب أنْ ننظر إلى النضال بشكل آخر مختلف، و ليس بالشكل الذي ساد في الفترة الماضية و الذي أعتقد أنه كان جزءاً من تدمير المقاومة الفلسطينية و تدمير العديد من الأحزاب العربية.
سؤال: ألا تعتقد أن حل الدولة العلمانية الواحدة في فلسطين هو حل مثالي و يوتوبيا و ما هو مدى قابليته للتحقيق؟
دائما أي حل هو حل مثالي. عندما نقول اشتراكية فهي حل مثالي، عندما نقول استقلال هو حل مثالي .. في النهاية هناك أفق نسعى إلى تحقيقة هل هناك إمكانات لذلك؟ طبعا. لأن تطوير الصراع في المنطقة العربية سوف يفرض تغيير في موازين القوى. والذي نراه الآن اختلال في الموازين قد لا يسمح حتى لحكم ذاتي .. هذه الموازين ينبغي أن تتغير .. لا نستطيع أن نقول إنّ هذا ممكن أو غير ممكن دون العمل على تغيير موازين القوى. أهمية طرح مواجهة المشروع الصهيوني و تجاوزه باتجاه فلسطين تكون جزء من دولة ديمقراطية علمانية في الوطن العربي هو العمل العملي من أجل تطوير قوى واقعية تحمل هذا المشروع . أي مشروع علينا أن نسعى إلى بلورة قوى تحمله. و ما دام هناك صراع كبير في المنطقة العربية، هناك جملة مشكلات متداخلة تفرض هذا الصراع. كما أشرت هناك صراع طبقي يتفاقم يمكن إذا تبلورت رؤية حقيقية لآليات الصراع و كيف نبني قوة قادرة على المواجهة أن تصبح هذه المسألة مسألة واقعية. المسألة تتعلق في دورنا وواقعيتنا و ليس ما يفرضه ميزان القوى . ميزان القوى لا يقدم شيئا للضعفاء.
هل يمكن القطع مع الامبريالية في الوطن العربي مع الحفاظ على علاقات الانتاج الرأسمالية؟ أرى العكس أن أساس الارتباط البنوي بالامبريالية يقوم على استمرار الرأسمالية كما هو و علاقات إنتاج، إذ لا تغيير حقيقي دون القضاء النهائي على الرأسمالية.
المسألة ليست بهذه الحَدّية. بمعنى أنّه من الأكيد أنني لا أستطيع أن أتطور داخليا إذا لم أقطع مع الامبريالية و مع السوق الرأسمالي، أو أعيد صياغة العلاقة مع السوق الرأسمالي على أساس تحكمي بالتطور المحلي و بفائض الانتاج المحلي. هذه مسألة حقيقية، ولكن هذا لا يعني تجاوز الرأسمالية مباشرة ، لا يعني تحقيق الاشتراكية مباشرة. هناك صيرورة يجب أن تُفهم. تجاوز الرأسمالية يفترض خطوات عملية، تهيأة قاعدة إجتماعية، الأولويات التي يفترض أنها ستتحقق في الواقع هي ليست إشتراكية، هي تتعلق ببناء الصناعة بتحديث المجتمع بالاضافة للأهداف الكبيرة كالوحدة و الاستقلال و بناء دولة حقيقية. هذه أولويات و بالتالي يجب على حزب الطبقة العاملة أن يلعب دورا مركزيا في تحقيقها في سياق خطواته. و بالتالي إلغاء المُلكيّة الخاصّة، و الذي هو المرتكز في بناء الاشتراكية، يصبح خطوة لاحقة لهذا التطور. و لكن هذا لا يعني السماح للرأسمالية أن تتطور بشكل طبيعي بحريتها، إنما هنا يأتي دور ما أسماه لينين رأسمالية الدولة. أن تلعب الدولة العمالية دورا حقيقيا في تحقيق التطور الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي لتحقيق ما يحتاجه المجتمع كخطوة للوصول إلى الاشتراكية.
القطع مع النمط الرأسمالي و تجاوز الرأسمالية مسألة أساسية و لكن في أي سياق؟ هذا هو الخلاف بمعنى أنّ المهمّات الواقعيّة تفرض مسائل سابقة لتحقيق الاشتراكية. المسألة ليست مسألة قفز و تجاهل الاشتراكية، المسألة هي تحقيق مهمّات هي سابقة لإلغاء الملكية الخاصة في المجتمع التي تتمثل عمليا في بناء الصناعة، لأنه لا تستطيع أن تبني الاشتراكية في مجتمع لا يزال يعيش وعي القرون الوسطى. لا تستطيع أن تبني مجتمعا بدون دولة حقيقية. من هذا المنطلق، على الصعيد الاقتصادي على الدولة أن تتحكم بآليات العلاقة الاقتصادية مع الخارج من أجل خلق التراكم الداخلي و إعادة تدويره في تطوير الاقتصاد المحلي و ليس هروبه إلى الخارج. وهذه مسألة مهمة في العلاقة مع الرأسمالية. و أيضا يجب أن تلعب الدولة دورا أساسيا في تحقيق التطور الاقتصادي. يجب أن تكون دولة عمال و فلاحين فقراء و هذه ما أسماها لينين رأسمالية الدولة كخطوة أساسية للانتقال إلى الاشتراكية. بعد ذلك يمكن تحقيق مهمات أعلى. هذه المهمات هي المهمات الواقعية إضافة إلى الوحدة العربية الاستقلال وفلسطين، هذه المهمات أولية أساسية للقوى الماركسية العربية في سياق الوصول إلى الاشتراكية. المسألة هنا تتعلق في كيف نتجاوز الرأسمالية، و ما هي المهمات الاقتصادية الضرورية في سياق ما يطرحه الواقع للوصول للاشتراكية. النمط الآن في كل البلدان المتخلفة طبعا نمط رأسمالي و لكن نمط رأسمالي هامشي بمعنى أنه لا يقوم على أساس الصناعة و لا نستطيع أن نتحدث عن الرأسمالية الحقيقية بدون وجود الصناعة كوسيلة إنتاج أساسية في هذا النّمط. لذلك فنحن هوامش ملحقون ينشط لدينا قطاع التجارة و الخدمات و المافيات و ليس القطاع المنتج. و لا نستطيع أن نبني اشتراكية بدون قطاع منتج. هنا المشكلة الأساسية ليس وجود شكل علاقات رأسمالية هو فقط الذي يفرض مباشرة الانتقال إلى الاشتراكية. هناك مهمّات عملية على المستوى الاقتصادي و المجتمعي تسبق و تهيئ للانتقال إلى الاشتراكية هذا معنى تجاوز الرأسمالية في الطريق إلى الوصول إلى الاشتراكية بحسب رأيي.
في سياق الحديث عن الأزمة المالية العالمي هل يرى الرفيق سلامة تمايزا بين مفهومي العولمة و الامبريالية أي يتعلق الأمر بتجاوز مرحلة بتوسّع و شمولية أكبر مما سبق؟
مفهوم العولمة كان ملتبسا كثيرا في السنوات الماضية . برأيي أن العولمة هي الامبريالية بمعنى هي الشكل السياسي الاقتصادي العسكري الذي أخذته الامبريالية في مرحلة ما بعد انهيار النظم الاشتراكية. و بالتالي لا أميز بين هذا الشكل و الامبريالية لأنه كان يعبّر عن جوهر الامبريالة بشكل أوضح بغض النظر عن التطور التكنولوجي و الترابط العالمي الذي هو عمليا سياق موضوعي في إطار تطور الرأسمالية نفسها. لكنّ العولمة هي الشكل الأحدث للإمبريالية في مرحلة ما بعد انهيار النظم الاشتراكية و محاولة الرأسمالية حل أزماتها التي كانت عمليا تتفاقم منذ الثمانينات. و بالتالي أنا لا أرى فارقا في هذا المعنى إلا إذا أردنا أن نتحدث عن التطور التكنولوجي و عن الترابط العالمي الذي كان يُفرض بالقوة لتسهيل حركة الرأسمال المالي.
سؤال: ما هي رؤية الرفيق سلامة النظرية لحل هذه الأزمة نظريا و تطبيقيا؟
المسألة ليست سهلة أن أقدم رؤية للحل نظريا . الأساس الآن، كيف يمكن أن يبدأ حوار جدي من أجل بلورة رؤية تعبر عن القوى الماركسية في الوطن العربي إنطلاقا من إعادة بناء الوعي الماركسي، لأنّه دون تحقيق نقلة نوعية في الوعي سنكرر المفاهيم الماضية و التجارب الماضية و الأفكار الماضية و السياسات الماضية. هذا يحتاج إلى جهد متعدد يمكن أن يبحث بأشكال مختلفة و يجوز أنني عبّرت عنه في كتاباتي بشكل أو بآخر. و أنا أعتقد أن الحلقة المركزية الآن تتعلق بجهد لبلورة رؤية نظرية تعبر عن الحركة الماركسية في الوطن العربي من جهة و فتح أفق ترابط مع الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء من أجل تطوير صراعهم لبلورة عمل حقيقي يقود إلى تحقيق التغيير.
ألا ترى معي أن القوى الماركسية لا حول لها و لا قوة ...؟
نحن نراهن على ما هو جديد .. المراهنة على ما هو قائم يجعلنا ندور في نفس الدوّامة. لذلك علينا أن نعتبرها جزء من الماضي و أن نؤسس لتجارب جديدة على ضوء وعي جديد و رؤية جديدة. طبعا هناك كثيرون ممن شارك بالنضال الماضي معنيون بهذا الموضوع، هناك الكثيرون من الذين بذلوا جهدا فكريا و عمليّا يجب أن يشاركوا في أفق جديد مختلف، لأن البنى القائمة أنا مقتنع أنّها عاجزة و لا حول و لا قوة لها ليس فقط على الصعيد النظري و أيضا على الصعيد العملي و على الصعيد السياسي و في مجمل المسائل.
نشكر للرفيق سلامة هذه الإطلالة الغنية بالفوائد، على أمل لقاءات أخرى و في مواضيع أخرى، و نشكر لسائر الرفاق المشاركين حضورهم .
http://socialisthorizon.net/index.php?option=com_content&view=article&id=920:2010-07-30-15-36-24&catid=37:2009-06-15-08-49-52&Itemid=63

vendredi 8 octobre 2010

قاسيون | الأزمة الاقتصادية كلفت العالم 2.2 تريليون دولار

التاريخ: 2010-10-06

دعا صندوق النقد الدولي إلى استمرار دعم الحكومات للقطاع المالي العالمي جراء تلقيه خسائر فادحة خلال السنوات الثلاث الماضية قدرها الصندوق بـ2200 مليار دولار، ونقلت صحيفة "الشرق الأوسط" عن الصندوق قوله في تقريره الفصلي حول "الاستقرار المالي في العالم": "إن النظام المالي العالمي لا يزال في مرحلة من الغموض الكبير، ما يستدعي مراقبته بحذر وعدم التسرع في إعلان نهاية الأزمة المالية".

ودعت المنظمة الدولية الحكومات إلى توخي الحذر على الرغم من التحسن النسبي للاقتصاد العالمي في الأشهر الماضية، واعتبر صندوق النقد أن القطاع المالي هو اليوم في وضع أفضل مما كان عليه في تقريره الأخير في أبريل/نيسان، وأنه بحسب توقعاته، من المفترض أن يواصل تحسنه البطيء.

وخفض الصندوق توقعاته لحجم الخسائر الناجمة عن الأزمة المالية العالمية التي تكبدتها بين صيف 2007 وأواخر 2010 المصارف وباقي المؤسسات المالية في الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا بسبب انخفاض قيمة أصولها المالية.

وباتت هذه التكلفة بالنسبة إلى تقديرات صندوق النقد الدولي 2200 مليار دولار، بعدما كانت قبل ستة أشهر 2300 مليار وقبل سنة كانت 2800 مليار، غير أن خطر احتمال عودة الأزمة مجدداً لا يزال يخيم على تقديرات صندوق النقد الدولي والخبراء الماليين.

وقال الصندوق في تقريره: "إنه كما لاحظنا في مناسبات عدة خلال السنوات الثلاث الماضية، فإن الوضع الذي يشهده القطاع المالي العالمي لديه اليوم القدرة على الانتقال بسرعة فائقة من وضع حسن إلى وضع أزمة". وأضاف: "الوضع يبقى هشاً، وقسماً من الدعم الحكومي الذي قدم للمصارف خلال الأعوام الماضية يجب أن يستمر".

وكالات
http://www.kassioun.org/index.php?mode=article&id=12329

mercredi 6 octobre 2010

أزمة من طراز 1929 بوتيرة بطيئة ؟

الاثنين 4 تشرين الأول (أكتوبر) 2010
جان باتو

حتى شهر ابريل الأخير، كان اغلب مختصي التوقع يعلنون وشوك انتعاش اقتصادي متين على الصعيد العالمي، بعد عام من ارتفاع منتظم لأسعار الأسهم و المواد الأولية. وبالنظر إلى تطورات الأحداث، تبدو الأزمة راسخة مع الزمن. لا يهم أن تكون الاقتصاديات الرئيسية بالعالم تشهد آو لا تشهد قعرا جديدا او انكماشا جديدا في الأشهر المقبلة، قد يكون العقد المقبل مطبوعا بنمو بطيء جدا و تفجر لأشكال التفاوت، التي تدل الولايات المتحدة الأمريكية بشأنها على الطريق بشكل جلي.

ابرز ذلك مؤرخا الاقتصاد Barry Eichengreen و Michael O’Rourke : أفضت الأزمة العميقة في 2007 إلى سقوط للإنتاج الصناعي و للتجارة و منذ ربيع 2009 جرى وقف هذا النزول إلى الجحيم بسياسات إنعاش كثيفة من مليارات الدولار من القروض العمومية و الاعفاءات الضريبية.

انتعاش مصطنع

بالرغم من هذا الجهد العمومي الهائل، بدأ الانتعاش يبدي أمارات ضعف منذ ربيع 2010. بالفعل في الولايات المتحدة الأمريكية، فيما كانت جعبة الحوافز الضريبية ( بمبلغ 1000 مليار دولار) تشرف على نهايتها، كانت ثلاث محركات أساسية غير مستجيبة للنداء: الاستهلاك الخاص، و الطلب العقاري و الصادرات. على هذا النحو كان التحسن المؤقت لعام 2009 محمولا اساسا بالاستدانة العامة و إعادة تشكيل المخزونات.

إن لدورة المخزونات أهمية كبيرة في ديناميات الانحسارات الاقتصادية. عندما تبدي الظرفية الاقتصادية أولى أمارات اللهاث، تميل المخزونات إلى التضخم. وعندما يكون الانحسار معلنا، تتفاقم الأزمة بفعل إفراغ المخزونات الذي لا غنى عنه. وبالعكس، عندا يستأنف النشاط، يجري الحفاظ على الانتعاش بإعادة التشكيل الضروري للمخزونات. من يوليو 2009 إلى يونيو 2010 نما النتاج الداخلي الإجمالي الأمريكي بنسبة 3 % ، وتعزى 58 % منها إلى إعادة تشكيل المخزونات[2]. وجلي ان هذا غير قابل للاستمرار.

اضراب المستهلكين

كانت الانتعاشات الاقتصادية لما بعد الحرب العالمية الثانية مطبوعة باستئناف سريع للتشغيل، ما عدا انحسارات 1990-1991 و 2001، وكانت سعتها ضعيفة و مفعولها محدودا على التشغيل. هذه المرة أدى الانحسار الأقوى منذ سنوات 30 إلى تدمير 7.7 مليون منصب عمل غير زراعي بالولايات المتحدة الأمريكية حتى يوليو 2010: وكانت 86 % من فرص العمل الضائعة كان في القطاع الصناعي (2 مليون فرصة عمل) والبناء والتجارة و المالية و الترفيه و الفندقة.

والحال انه بعد 33 شهرا من "التسريحات" الكثيفة ، لا يلوح في الأفق أي انتعاش للتشغيل في تلك القطاعات! بالعكس تمثل نهاية إعادة تشكيل المخزونات والبحث عن مكاسب إنتاجية جديدة ، و أزمة قطاع البناء المستديمة، وركود الاستهلاك الداخلي ومصاعب التصدير، مقدمة لتسريحات جديدة.

وقد اظهر بحث حديث أن أكثر من نصف البالغين سبق تعرضه للتسريح و لخفض الأجور و التعويضات الاجتماعية ( مساهمة أرباب العمل في خطط التقاعد) و العطل المؤقتة أو فترات بطالة جزئية. هكذا كان ثمن استعادة المقاولات لأرباحها خفض جديد لدخل الأجراء لا يمكن ان يفضي سوى إلى تقليص للطلب.

حدود السياسات العامة

تراجعت المداخيل الموزعة من قبل الاقتصاد الخاص بمبلغ 247 مليار دولار منذ ديسمبر 2007. رغم ان المداخيل الشخصية المتوافرة نمت بفعل انخفاض الضرائب و التحويلات الحكومية ( 924 مليار دولار، دون حساب التشغيل بالقطاع العام). لكن يتعذر الحفاظ على مستوى التدخل هذا دون تسريع أزمة في مالية الدولة: في 22 سبتمبر الأخير كانت" ساعة الديون" للخزينة الأمريكية تشير إلى 13460 مليار دولار، أي 90.8 % من الناتج الداخلي الإجمالي!

بعد قول ذلك، اقتصد المستهلكون، بعد تسوية نفقاتهم الأكثر استعجالا، 64 % من تلك المداخيل الإضافية (تحويلات عامة) من اجل تقليص استدانتهم (على بطاقات الائتمان، والبيوت، الخ) و إعادة تشكيل ادخار تقاعدهم. في الواقع أدى مناخ التهيب من المستقبل إلى قيام كتلة كبيرة من العمال بزيادة معدل ادخارهم، في سياق حيث لم يعد صغار الملاكين يملكون سوى 18% من قيمة "منازلهم" ( مقابل 42 بالمائة في العام 2005)، و الباقي بحوزة الدائنين الرهنيين ).

كما لا يمكن أن يقوم التشغيل العمومي بدور قاطرة مهم. خلقت واشنطن 262 ألف فرصة عمل منذ ديسمبر 2007، فيما فقدت الولايات والبلديات 134 ألف منها، أي كسبا صافيا لــ128 ألف فرصة عمل، لا يزن هذا مقابل 7.7 مليون فرصة عمل المفقودة في الاقتصاد الخاص . من جانب آخر تنذر الأزمة الضريبية للدولة الاتحادية و باقي الجماعات العمومية بهجمة منظمة ضد الموظفين الذين تفوق تكاليف أجورهم ( الرواتب والمزايا) ما في القطاع الخاص بنسبة 44 % [4].

ركود و تفجر جديد لأشكال التفاوت

منذ نهاية سنوات 1970 كان النمو الأمريكي، ومن ثمة العالمي، مجرورا بالأرباح المالية و بالاستدانة المعممة، مفضيا إلى فقاعة انترنت في متم سنوات 1990، ثم إلى فقاعة العقار. واليوم نقلت هذه القطاعات ديونها إلى الدول و إلى البنوك المركزية ، و دخلت عملية إعادة هيكلة عميقة قد تدوم عقدا. كما يبدو انتعاش الاقتصاد بالطلب الخارجي محجوزا بسبب أزمة المالية العامة الأوربية التي تهدد بإغراق قسم من القارة القديمة في انحسار اقتصادي مديد، فيما تنخرط الاقتصاديات المصدرة الأكثر دينامية ( ألمانيا والصين) في تنافس متزايد الشدة.

في الولايات المتحدة الأمريكية يناقش الخبراء والصحافة لمعرفة ما إن كان الانحسار الذي بدأ في ديسمبر 2007 ( حسب المكتب الوطني للبحث الاقتصادي) قد انتهى فعلا في يوليو 2009، راسما منحى على شكل حرف« V » أم أن تحسن 2009 سيكون متبوعا بتراجع جديد حسب منحنى « W » (قعر مزدوج). الحقيقة أن الرهان الفعلي لا يكمن هنا. أن يكون انحسار 2008 أفضى إلى قعر جديد بعد وتبة مصطنعة آو كان متبوعا بمرحلة ركود طويلة بلا انتعاش حقيقي، فلا فرق في الأساس.

مواجهة حاسمة

في كلتا الحالتين، يطبع انحسار 2007-2008 نهاية نظام نمو مجرور أساسا بالاستدانة، و يفضي إلى "برنامج تقويم هيكلي" لاقتصاديات الولايات المتحدة وأوربا و اليابان، برنامج سيدفع ثمنه الأساسي عالم الشغل. التدخل الأمريكي الكثيف إنما يرمي إلى تفادي جمود اقتصادي حاد. لكن ، بعيدا عن الإفضاء إلى انتعاش مستديم، لا يمكنه غير توزيع جهد التحويل على مدة أطول لمحاولة جعله "مقبولا" اجتماعيا وسياسيا.

لا يختلف حجم الأزمة الراهنة أساسا عن حجم أزمة سنوات 1930. لقد دخلنا وضع جمود اقتصادي كبير، لكن بوتيرة بطيئة. تحاول السلطات العمومية منح مهدئات الضرورية بمحاولة فصل الصدمات بمهارة في المكان ( بالنسبة للاتحاد الأوربي: اليونان ، اسبانيا، ايرلندا، البرتغال، اولا ...) وتوزيع التضحيات في الزمن!

بعد عشر سنوات لن يشبه العالم عالم سنوات 1980-2006 كما لم يشبه عالم سنوات 1930 عالم السنوات المجنونة. لن يقف هجوم الطبقات السائدة من تلقاء نفسه: يتوقف فشله على قوة النضالات الاجتماعية المقبلة وتنسيقها، ولكن على منظوراتها السياسية كذلك. هذا سبب إضافي يدعو يسار اليسار [لنستعير تعبير بورديو] إلى رفض سياسات "أهون الشرور" التي ستسهم في الضلال العام، والى العمل من اجل أوسع وحدة في النضال و يدافع بوضوح عن برنامج تدابير تقطع مع الرأسمالية.

تعريب المناضل-ة

مجلة solidaritéS - سويسرا العدد 175
http://almounadil-a.info/article1973.html

lundi 4 octobre 2010

قاسيون | أيام الدولار المعدودة ـ ترجمة قاسيون

إرنستو كارمونا ـ ترجمة قاسيون/ لعبت العملة الأمريكية، لفترة طويلة من الزمن، دوراً رئيسياً في التبادلات العالمية، وفي كيفية الحفاظ على الاحتياطي النقدي للعديد من دول العالم. إنما، يوماً بعد يوم، يتنامى وعي مفاده أن مصارف دول العالم المركزية تساعد، بشكل مباشر، نظام الولايات المتحدة المالي الإجرامي على نقل الاحتياطات النقدية لتلك الدول، واستبدالها بسندات أو غيرها من صكوك مالية تصدرها الخزينة الأمريكية. وبدورها تساهم عملية نقل احتياطات هذه البلدان في تخفيف وطأة العجز المالي الأمريكي، كما تساهم في تمويل الحروب الأبدية التي يتولى شنها المجمع العسكري الأمريكي المستوطن في واشنطن.
لم تكشف وسائل الإعلام العالمية الكبرى عما يتخذ من إجراءات تمهيدية لإيجاد بدائل عن الدولار الأمريكي كوحدة نقد عالمية. والتزمت بعدم نشر أي مما يتعلق بالاتفاق على دفن الدولار الذي تم في مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (UNTACDA). أو ما تم في أيلول/2009، إذ أعلنت مجموعة من دول أمريكا اللاتينية (ألبا)، عزمها على التخلص من الدولار، وكانت قد سبقتها إلى ذلك ست دول آسيوية، ضمنها روسيا والصين، إضافة إلى إيران. ولا تزال قضية استبدال الدولار تُطرح في الكثير من المؤتمرات والندوات العالمية.

اتفاقيات تاريخية
في خطوة قد تمثل أكبر عملية تصحيح نقدية منذ الحرب العالمية الثانية، أوصى مؤتمر التجارة والتنمية المذكور، المنعقد في أيلول من عام 2009، بإيجاد عملة جديدة تحل محل الدولار كعملة للاحتياطي المالي، وإعادة هيكلة «نموذج بريتون وودز» للنظام النقدي العالمي القائم. ويُذكر هنا أن منتجع بريتون وودز في نيوهامبشاير كان بمثابة «مكتب إدارة» مؤتمر النقد والمال الذي عقدته الأمم المتحدة في عام 1944، وأقرّ قواعد العلاقات التجارية والمالية بين البلدان الصناعية في عالم ما بعد الحرب العالمية، إضافة إلى اتخاذه قرار إنشاء البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وجعل الدولار عملة عالمية.
ويبدو أن دول العالم لم تعد ترغب بتحمّل مواصلة دعم المجازفات العسكرية الأمريكية وإمدادها مالياً. فاجتماع حزيران، 2009، في مدينة «كاترينبورغ» الروسية، الذي جمع زعماء دول «منظمة شنغهاي للتعاون» (الصين، روسيا، كازاخستان، قرغيزيا، طاجيكستان، أوزبكستان) تبنى قرار الاستغناء عن الدولار، الأمر الذي يعتبر أول إجراء رسمي يتخذه شركاء تجاريون رئيسيون للولايات المتحدة. وإذا ما كتب النجاح لهذا الأمر، فستهوي قيمة الدولار، وترتفع، فجأة، تكلفة المواد المستوردة، كالنفط، وستعجز الإمبراطورية الأمريكية عن مواصلة حروبها.
إضافة إلى ذلك، باشرت الصين، منذ فترة، التفاوض مع البرازيل وماليزيا من أجل اعتماد اليوان الصيني في التعاملات التجارية، فيما أعلنت روسيا أنها ستبدأ باعتماد الروبل والعملات المحلية في تبادلاتها التجارية. وفوق هذا وذاك، تقوم روسيا والهند وباكستان وإيران بتشكيل مجال مالي- عسكري يُخرج الولايات المتحدة الأمريكية من أوراسيا كلياً.
وبعد أن كانت دول «ألبا» التسع في أمريكا اللاتينية (البديل البوليفاري لشعوب أمريكا نا ALBA) قد أجمعت على اعتماد عملة إقليمية (السوكْر)، إلى جانب الدولار، خلال اجتماع عقدته في شهر تشرين الثاني 2009، اتفقت دول التحالف اليساري الذي تأسس بدعوة من الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز، على المضي قدماً بالاعتماد على الوحدة النقدية الجديدة في التعاملات التجارية البينية، لتحل محل الدولار الأمريكي بشكل نهائي. ومنذ أوائل عام 2010، باشرت دول ألبا (فنزويلا، بوليفيا، كوبا، الإكوادور، نيكاراغوا، هندوراس، جمهورية الدومينيكان، باربودا، سان فنسنت/أنتيغوا) باستخدام السوكر فيما بينها كمعادل محاسبي (دون صك عملة ورقية).
علاوة على دعوة التحالف إلى الاستغناء عن «مركز حل النزاعات الاستثمارية» التابع للبنك الدولي، الذي أدت وسائله التحكيمية لحل النزاعات إلى إغراق دول «ألبا» في مستنقع من الخلافات مع عدد من شركات النفط الكبيرة، مما أدى إلى انسحاب معظم أعضاء التحالف البوليفاري منه، باستثناء الإكوادور التي أعلنت أنها ستنسحب منه لاحقاً.

نظام مالي إجرامي
من بين وسائل الإعلام القليلة التي تحدثت عن الموضوع، أوردت صحيفة تلغراف البريطانية مقالاً بعنوان «الأمم المتحدة ترغب بإيجاد عملة عالمية جديدة تحل محل الدولار». وذكر المحرر الاقتصادي إدموند كونواي، في السابع من أيلول، عام 2009، أن اقتراح الأمم المتحدة يُعتبر «أكبر مراجعة للنظام النقدي العالمي منذ الحرب العالمية الثانية»، مؤكداً أنها «المرة الأولى التي تقدم فيها مؤسسة دولية كبرى مثل هذا الاقتراح. مع العلم أنه سبق لدول عديدة، مثل الصين وروسيا، أن اقترحت استبدال الدولار كعملة للاحتياطي العالمي، في تقرير صدر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية».
يرد في تقرير الأمم المتحدة: «إن نظام تسوية الحسابات وتشريعات رأس المال المرتبط بالاقتصاد العالمي لا يعملان بشكل ملائم، الأمر الذي يعتبر، إلى حد كبير، سبباً للأزمة المالية والاقتصادية». أما «ديتليف كوت»، أحد معدّي التقرير، فيقول «إن استبدال الدولار بعملة اصطلاحية كفيل بحل عدد من المشاكل، وربما تمكين دول عديدة من سد عجز ميزانياتها، وتعزيز الاستقرار».
على أية حال، رغم تأكيد تقرير الأمم المتحدة وكثير من الاقتصاديين على أن سبب الأزمة الاقتصادية يكمن في قصور النظام النقدي الذي تم تأسيسه في اتفاقيات «بريتون وودز»، لم تقدِّم أية جهة دولية رئيسية نظاماً بديلاً، بما فيها مجموعة الدول العشرين. ولذلك تعتبر مقترحات تقرير الأمم المتحدة للتجارة والتنمية الأكثر جذرية في تاريخ المنظمة، من ناحية إعادة ترتيب النظام النقدي العالمي.
أخيراً، في مقال بعنوان «الإمبراطورية الأمريكية مفلسة» علّق فيه الكاتب والصحفي الأمريكي «كريس هيدجز» على اجتماع «ايكاترينا» المذكور آنفاً، بالقول «طبقة وول ستريت وباراك أوباما الإجرامية، وبمساندة من وسائل إعلام كبرى الشركات، تواصل بيعنا الترهات وقمامة الإشاعات ملفوفة على شكل أخبار، فيما نرزح تحت وطأة أكبر أزمة اقتصادية في التاريخ. لعلهم نجحوا في خداعنا، لكن بقية دول العالم تعرف أننا محطمون. ملعونة تلك البلدان إذا هي واصلت دعم تعويم الدولار الأمريكي وتضخمه، وإدامة عجز الميزانية الفيدرالية الهائل الذي زاد عن تريليوني دولار تموّل التوسع الإمبريالي الأمريكي في أوراسيا، كما تمول توسع نظامنا، نظام رأسمالية الكازينو».
http://www.kassioun.org/index.php?mode=article&id=12266