نص المقابلة التي اجراها النادي الصوتي في منتدى جمول مع المفكر الماركسي الرفيق سلامة كيلة
الجمعة, 30 يتموز 2010 15:18
خاص – موقع جمول
مداخلة تمهيدية
الموضوع حول أزمة الرأسمالية موضوع كبير و لكن سوف ألخّص جملة المسائل الأساسية في هذه الأزمة
و بالتالي انعكاساتها على شعوب العالم و بالتالي على الطبقة العاملة خصوصا و بالتالي الدور الملقى على عاتق الحركة الشيوعية و في منطقتنا بالتحديد .
أعتقد أنّ وضع الأزمة الرأسمالية الراهنة أعقد مما كان في المرات الماضية من أزمات لأنها باتت أزمة مركبة و ليست تتعلق بفيض الانتاج كما كان يحدث. أزمة فيض الانتاج كانت تُحل عادة عبر إعادة صياغة بُنى هذه الدول من خلال ما سمي في الثلاثينات بسياسة النيوديل أو سياسة الاشتراكية الديمقراطية الأوروبية أي زيادة الأجور و من خلال دور للدولة أكبرَ يسمح بزيادة القدرة الشرائية التي كانت تفتح الأفق لعودة الدورة الاقتصادية بشكل أفضل ، إضافة إلى الحروب التي كانت تطحن و تدمّر، و بالتالي، و عمليا، تنشّط القطاع العسكري و تولّد حركيّة للاقتصاد و تنشّط الدورة الاقتصادية.
الأزمة الآن أزمة مركّبة تتعلق بالأساس، في التحَوّل الذي حصل في العقود الأربعة الماضية في تكوين الرأسمالية هذا التحوّل ارتبط بتراكم مالي هائل بدأ يخرج عن التوظيف في الاقتصاد الحقيقي. و بالتالي، بدأ يبحث عن آليات تدرُّ عليه مزيدا من ألأرباح. هذا القطاع بدأ منذ أزمة السبعينات يزيد في الآليات أو يفرض آليات اقتصادية لنشاط يطوّر من حجمه تسمح له في الدخول في النشاط خارج آليات الاقتصاد الحقيقي و يرتبط بنشاط الاقتصاد المضارب عبر البنوك و الديون و أشكال مختلفة من المشتقات المالية التي اختُرعَت في الثلاثين سنة الماضية. الآن تشكلت كتلة مالية هائلة تلعب دورا مُضاربا لا تستطيع أن توظَّف في الاقتصاد الحقيقي الذي بات مشبعا بالتوظيف المالي نتيجة المنافسة العالمية و حدود السوق التي كانت تستوعب كتلة مالية معينة في الصناعة و الزراعة. هذه العناصر كلها تبلورت منذ أواسط القرن العشرين بحيث اصبح التوسّع في هذه القطاعات محدودا لأن فيضَ الانتاج الذي هو سِمة الرأسمالية الأساسية كان يجعل إمكانية التوسّع في قطاع الصناعة غيرَ قائم. هناك حد يقف عنده. و بالتالي يقف التوظيف في هذه القطاعات. طبعاً هناك دائماً دخول إلى قطاع الصناعة و لكن هذا كان يخلق أزمات داخلية تخلق أزمة فيض الانتاج و بالتالي تفسح في المجال للتصادم الداخلي.
الآن إضافىة إلى أزمة فيض الانتاج هناك أزمة قطاع مالي مُنفلِت لا يستطيع أن ينشط إلا في قطاع مُضارب. و بالتالي، لا يستطيع إلا أن يقود إلى أزمات متتالية ، من هذا المنطلق، باتت أزمة الرأسمالية أزمة طويلة ليس من السهل إيجاد حل سريع لها. إضافة أيضا فإنّ إمكانية حروب بمستوى الحروب العالمية الماضية لم تعد قائمة إلى حد كبير الآن و التي يمكن أن تطحن جزء من قوى الانتاج و بالتالي تدفع إلى التوظيف في قوى الانتاج و تنشيط القطاع الصناعي أكثر . و بالتالي هذا القطاع المالي سيبقى ينشط في الإطار الذي رُسم له رغم كل السياسات التي تحاول أن تفرض قيودا على هذا النشاط و التي بدأها أوباما منذ وقت قريب، الذي أعتقد أنها ستتحوّل في النهاية إلى قيود شكلية و لن تؤدي إلى وقف الآلية الجديدة التي تتعلق بالمضاربات المالية و بالنشاط المالي. طبعا أشير إلى أن النشاط المالي صار مهيمنا في الاقتصاد الرأسمالي، هناك 90% من العمليات الاقتصادية اليومية تقع في النشاط المالي. و هذا يجعل القوى المالكة للمال هي القوى الأكثر هيمنة في إطار الطبقة الرأسمالية نفسها، و بالتالي، الأكثر قدرة على التأثير في سياسات تلك الدول الرأسمالية نفسها. طبعا انفجرت الأزمة في البداية كأزمة رهون عقارية. لكن توسّعت إلى أزمة البنوك و المؤسسات المالية. حاولت الدول الرأسمالية، خصوصا أمريكا دعم تلك المؤسسات من خلال ضخ الأموال و بالتالي أعادت ضخّ أموال فيها من جديد. و بالتالي عادت تلك المؤسسات إلى نشاطها المالي السابق تقريبا ذاته قبل الأزمة . الآن تتوسع الأزمة أكثر نتيجة انكشاف تراكم ديون هائل على عديد من الدول الرأسمالية الفرعية و حتى الأساسية، ومسألة اليونان كانت مثالا على هذا الموضوع. الرأسمال المالي أو التراكم المالي الذي يلعب دورا في المضاربات كان يدفع باتجاه تصريف أمواله في أحد المجالات و عبر الاستدانة كما فعل في البداية مع دول العالم الثالث تلك التي دفعها إلى استدانة متتالية و من ثم أوقعها في أزمات قادت إلى فرض شروط صندوق النقد الدولي عليها عبر تطبيق ما سُمّيَ سياسة التصحيح الهيكلي التي، عمليا، تفتح الدول المتخلّفة أمام حركة رأس المال الواسعة. و اليوم نراها في اليونان و إيطاليا وا سبانيا و البرتغال و حتى بريطانيا و أيرلندا و بعض دول أوروبا الشرقية حتى أمريكا حيث الديون توازي حجم الناتج القومي. من هذا المنطلق، هذه الأزمة الآن ستتفجر بأشكال مختلفة متتالية في هذه البلدان عبر أزمة عجز عن سداد الديون، و بالتالي سوف تؤدي إلى سياسات تقشفيّة تنعكس من جديد على صعيد قطاع الانتاج الحقيقي أو على الإنتاج، لأن التقشف سيؤدي إلى تقلص القدرة الشرائية لدى قطاع واسع من المواطنين و بالتالي إلى تقلّص شراء السلع. و بالتالي سينعكس على الشركات نفسها و على قطاع الانتاج الحقيقي و تفَجّر أزمات جديدة ليس واضحا إلى أين سيصل.
لا أعتقد أن الرأسمالية ستنهار بذاتها لأن أزماتها ستقود بذاتها إلى الانهيار، و أعتقد أن هذه الفكرة تتضمن خللا كبيرا لأن لا شيء ينهار بذاته ببساطة. وستبقى الرأسمالية تبحث عن أشكال مختلفة لتجاوز أزماتها عبر الحروب. و هذا الذي يبدو من سياسات أوباما التي يبدو أنّها استمرار لسياسة بوش عَبر توسيع الحروب و ليس التراجع عنها، و عبر تحميل المجتمعات آثار الأزمة و حل هذه الأزمة على حساب المجتمعات المتخلفة من جهة، و على حساب الطبقة العاملة و المتوسطة في البلدان الرأسمالية ذاتها من جهة ثانية. هذا الوضع سينعكس بشكل طبيعي في عودة أشكال من الصراع الطبقي في بلدان واسعة من العالم. طبعا شهدنا ما جرى في اليونان عبر التحرّك العمالي الذي لا يزال قائما ضد سياسات الحكومة التقشفية و كذلك في اسبانيا التحركات الكبير ة للطبقة العاملة .. باعتقادي أن هذه التحركات ستتوسّع في المرحلة القادمة و تذهب إلى مدى أبعد من ذلك . و لكن يبقى السؤال المطروح ما هي السياسات التي ستتبعها الحركة الشيوعية و اليسار عموما في مواجهة هذا الوضع الجديد؟ هل ستستطيع أن تطور حركة طبقية حقيقية في مواجة الرأسمالية تحمل أفقا بديلا، أو ستبقى تضغط فقط و تراهن على أشكال النضال الديمقراطي و الانتخابات من أجل التغيير؟ الأمور ستندفع إلى حيث ما هو أبعد من أنْ تكون الانتخابات كافية لحدوث التغيير، لأنّ الحراك الشعبي يفترض أن يُدفع إلى حد أن يتحول إلى ثورة حقيقية و انتفاضة حقيقية تقود إلى التغيير . طبعا في بلادنا ستكون الأمور أسوأ لأن الحلول الأساسية لأزمة الرأسمالية ستنعكس على البلدان المتخلفة. ولاحظنا أن البلدان النفطية عموما خسرت بهذه الأزمة تريليونات الدولارات. فقد رأينا من خلال بعض الاحصائيات أنّ دول الخليج قد خسرت 2.5 تريليون دولار من جرّاء هذه الأزمة. وهذا الرقم هو قبل عام من الآن، لا أعرف الآن الرقم الذي وصلت إليه. لاحظنا كيف انهارت دُبَي، و الآن تتحول دُبَي مجالا لامتصاص التراكم المالي في دولة الامارات، أبو ظبي خصوصا. مطلوب إيفاء هذه الديون. سيُفرض على ابو ظبي أن تشتري الشركات و العقارات التي عمليا أصبحت لا حاجة لها لأنّ الدور الذي تحدد لها قد انتهى نتيجة الأزمة الاقتصادية العالمية، وبالتالي ستتحول إلى أكوام من الحجارة أكثر من أن تلعب دوراً للشركات العالمية و كمنتجعات سياحية للنخب المالية الهائلة. من هذا المنطلق ستبقى دُبَي مجالا لامتصاص كل أموال النفط. أيضا البلدان الأخرى في المنطقة العربية كما مُجمل العالم المتخلف سوف تشهد إفقارا أكبر للفئات الشعبية و ارتفاعا هائلا في الأسعار نتيجة نهب المافيات الحاكمة و بالتالي ستندفع المنطقة نحو تفاقم الصراع الطبقي. في هذا الوضع عمليا نحن نقف في مرحلة عودة الصراع الطبقي في مختلف بقاع العالم. و هذا يطرح دور الشيوعيين. ما هو الدور الذي يمكن أن يقوموا به في حال الواقع الراهن للحركة الشيوعية؟ هل ستلعب دورا في هذا السياق؟ أعتقد أنّ هناك اشكالات كبيرة في هذا الموضوع. الحركة الشيوعية تشكّلت في مرحلة قديمة لم تستطع أن تجاري الأحداث في مراحل مختلفة كان التغيير فيها ضروريا. مثلا، الأوضاع ما بعد الحرب العالمية الثانية العالم كلّه شَهِدَ تغييرات. في بلادنا لم تستطع الحركة الشيوعية أن تلتقط هذه الحلقة. و هذا فرض أن يتدخل الجيش ليحقّق تطورا ما، شاهدنا نتائجه في نهاية الثمانينات. الوضع اليوم أكثر تعقيدا، لأنّ الأمور تحتاج إلى مستوى وَعي أعلى لفهم المشكلات العامّة في العالم، و المشكلات الخاصة بمجتمعاتنا. و بالتالي يحتاج إلى تحديد مهمات حقيقية على الأرض تتعلق بدور الشيوعيين في تحريك العمال و الفلاحين الفقراء و الفئات الوسطى التي سيتفاقم وضعها الآن في بعض البلدان العربية كمثل مصر و المغرب و تونس و الجزائر .. حيث الشكل الاحتجاجي أصبح عاليا فيها. و بالتالي هنا السؤال المطروح الآن، كيف يمكن أن تتبلور رؤية حقيقية للماركسيين العرب تعبّر عن المرحلة الراهنة بشكل جدّي و تطرح أفق تطوير الصراع الطبقي من أجل تحقيق التغيير العميق في مجمل المنطقة و بالتالي مواجهة المشروع الامبريالي الصهيوني .
شكرا جزيلا .. أتمنى أن يكون هذا مدخلا لمناقشات جدية في مختلف القضايا .. شكرا.
سؤال: في ظلّ الانكماش الاقتصادي الذي أشرت إليه في ظل الأزمة الرأسمالية الحاليّة التي تعكس نفسها على مراكز و أطراف النظام الرأسمالي و خصوصا على الأطراف ، ما هو برأيك في تأثير هذه الأزمة على الصين الشعبية التي تُعَدّ من أكبر المنتجين في الاقتصاد السلعي في العالم؟
حتى الآن الصين هي الدولة التي تربح أكثر من الأزمة الاقتصادية رُغم أن هناك مشكلات حقيقية قد تهدّد الوضع الصيني بشكل عام. الصين تمتلك كتلة نقدية هائلة بالدولار و سندات الخزينة الأمريكية، وبالتالي فإن انهيار الدولار أو تراجعه ينعكس سلبا على الصين. طبعا الصين أمام هذه الأزمة عانت من تراجع في تجارتها الخارجية نتيجة الانكماش الاقتصادي لكنها سَعَتْ إلى حلّ ذلك عبر زيادة الأجور في داخل الصين، و بالتالي، تنشيط الحركة الاقتصادية الداخلية . إلى أي مدى ستنجح في ذلك، لا أدري بالضبط و لكن تبقى الصين أكثر تماسكا من الدول الأخرى و باعتقادي، هي من الدول المهيّأة لأن تكون من القوى التي ستثبت نفسها كقوة أساسية في المرحلة القادمة في ظل أي تغيير في وضع البلدان الرأسمالية، و بالتالي، أن تلعب دورا كبيرا. و هي بدأت منذ الآن تتوسّع في العالم، بمعنى السيطرة و مَدّ النفوذ و فرض الهيمنة الاقتصادية على عديد من البلدان ليس فقط جنوب شرق آسيا، خاصة في أفريقيا.
سؤال: هل تعبّر أزمة اليونان مثلا عن فشل قوى يسار الوسط إلى جانب فشل قوى اليمين؟
طبعا، إنّ هذه المسألة لا تتعلق فقط بيسار الوسط و الاشتراكية الديمقراطية وهي الأحزاب التي و منذ الثمانينات كانت لعبت دورا كبيرا في تعميم اللبرالية في مجمل بلدان أوروبا، و بالتالي ساهمت عمليّا في قيادة الاقتصاد إلى الوضع الذي نشاهده الآن. على هذا الأساس هذه الأحزاب سوف تتهمش في أوروبا عموما إذْ لم تعد قدرتها ، وحجمها كما كانت في السنوات الماضية. في اليونان الحزب الاشتراكي هوجديد في الحكم، الذي كان يحكم أساسا هو اليمين. مجمل تراكم المديونية على اليونان كان في ظل حكم اليمين الذي عمليا ذهب للفئات الرأسمالية التي كان يعبّر عنها عبر أشكال مختلفة. على هذا الأساس الشكل الاشتراكي الديمقراطي الذي كان مطروحا أعتبر أنه انتهى في أوروبا، لأنه لا يحمل رؤى بديلة حتى و لا شكل من أشكال تدخل الدولة الذي ساد في الثلاثينات و الأربعينات، هو الآن أقرب لأن يتبنى اللبرالية الجديدة بشكلها الكامل.
حول آلية العمل المرحلي على المستوى العربي هل يجب أن يكون العمل الشيوعي العربي موحدا ؟
آليات العمل على الصعيد العربي توحيده أو تنسيقه، يمكن أن يبدأ بشكل تنسيقي. لأنه يفترض البدء مما هو واقع و لكن النقطة الأساسية التي أعتقد أنّه من الضروري التفكير فيها هو أنّ مواجهة الأزمات الداخلية من جهة و مواجهة السيطرة الامبريالية من جهة ثانية بما فيها وجود الكيان الصهيوني لن يتحقق بشكل جدّي و بشكل يؤدي لنتائج إلا في إطار عمل عربي موحّد و الذي يمكن أن يأخذ أشكالا مختلفة، ولكن يجب أن يكون موحّدا على أساس برنامج واضح على أساس نضال عام و على أساس نضال في كل بلد من أجل التغيير العميق في هذه البلدان. في النهاية الفكرة العامة لا تفيد إذا لم تتجسد في الواقع الملموس في كل بلد. المرحلة الآن تستلزم بالتالي إعادة نظر في الرؤية العامة للحركة الماركسية العربية من أجل بلورة رؤية جديدة تتفهم الواقع القائم الآن و ما هو في الواقع الموجود و تطرح رؤى بديلة حقيقة و تعمل وفق الأشكال المختلفة الممكنة من أجل ذلك.
سؤال حول كراسك حول الممارسة العملية ، هل كان التيار البكداشي مخطئا عندما وصف أطروحات ماو بالشعبوية و التحريفية و ما هي المآخذ على الحركات العربية التقليدية بخصوص المسألة النظرية الأيديولوجية؟
أتمنى أنْ لا تصير المسألة ماوي و ستاليني و تروتسكي لأنها مسألة من الماضي . أكيد كانت صراعات برزت بين الماركسية السوفياتية (بعد وفاة ستالين أو بعد سنوات من استلام خروتشوف) و الصين مع ماو تسي تونغ، هذه المسألة الموضوعية يمكن أن تناقِش مَنْ هو سبب الخلاف و على أي أسس. و لكن باعتقادي أنّ كلّ الكلام الذي قيل من الطرفين كان كلاما أيديولوجيا. فلا الاتحاد السوفياتي كان امبرياليا و لا الماوية كانت شعبوية لأنّ ماو تسي تونغ هو أكثر من مثل رؤية لينين في دور الماركسية في البلدان المتخلفة بعد أن كان ستالين انتقل لرؤى أخرى و التي أعطت للبرجوازية دورا أساسيا في الصراع، و فرضت الْتِحاق الشيوعيين بالبرجوازية، و الذي لا زلنا نعاني منه حتى الآن. و لكن هذا لا يعني أن الماوية قدّمَتْ كلّ شيء صحيحا و أصبحت هي الماركسية الأساسية. لأ .. هناك إشكالات حقيقية برزت بعد استلام السلطة في التجربة الصينية و التي عمليا أوصلت إلى ما نراه الآن. و بالتالي، لا نستطيع أنْ نتجاوز ما يجري في الصين الآن الذي هو استمرار لما كان. لا ينزل شيء من السماء. هناك إشكالات في التجربة نفسها . من هذا المنطلق أعتقد أن الميول التعصبية في هذا الاتجاه و الدفاع المطلق عن هذا الطرف أو ذاك فيه خلل. أنا أنطلق دائما من أن هناك ماركسية و التي هي المنهج المادي الجدلي. كثير من الماركسيين قدّموا إسهامات جدية يجب أن ندرسها بجد. هناك صراعات حصلت سابقا بين اطراف ماركسية تجاوزها الزمن. و بالتالي مطلوب منّا الآن أن نفهم واقعنا بشكل صحيح انطلاقا من الجدل المادي الماركسي، و هذا هو الأساس . إنّ الاستمرار بالتمسّك بالدفاع عن هذا الطرف أو ذاك يعيق أيّ عمل ماركسي حقيقي، و لا يسهم في تقديم ما هو معرفي . هناك صراعات ايديوليجية ينبغي أنْ نتجاوزَها، مع احترامي لكل الأشخاص الذين يتبنون الماويّة أو الستالينية أو التروتسكية. كل هذه الاتجاهات هي بالنسبة إليّ شيء من الماضي. هناك بعض المسائل عند تروتسكي مهمّة يجب أن نلحظها، هناك أشياء عن ماوتسي تونغ مهمّة أيضا، يجب أن نأخذ بها ، يعني كتابه في التناقض باعتقادي مهم جدا، كتابه في الممارسة العملية هو إضافة للمنهجية الماركسية. ستالين لعب دورا في تطوير المجتمع، لا يجب أن نعتبر أنّ المشكلة هي ستالين . من هذا المنطلق، يجب أن نناقش هذه التيارات كشيء حدث في الماضي و ننطلق من أننا ماركسيون معنيون بفهم واقعنا إنطلاقا من المنهجية الماركسية بالأساس بغض النظر عن توافقها مع هذا الاتجاه أو ذاك، يعني يجب أن نتخلص من القوالب الأيديولوجية التي وضعنا أنفسنا فيها. بهذا نستطيع أن نفهم واقعنا و نتجاوز المشكلات. يعني نقدي للستالينية و البكداشية بعتقد واضح و ملاحظاتي على الماوية كذلك واضحة ولكن لا يجوز أن نبخس أي طرف حقه .
السؤال الثاني يتعلق بالاسلام السياسي، أعتقد أن الاسلام السياسي قد أظهر حدود قدرَتهِ، لأنّ الإسلام السياسي رَكّز على قضايا لها طابع عقائدي أكثر ممّا ركّز على قضايا لها علاقة بالواقع. حتّى و هو يمارس مقاومتَهُ، فلمقاومتِه سيكون هناك حدود. المسألة تتعلق بالموقف الصراعي لهذه اللحظة، يجب أن نلاحظ الرؤية التي يطرحها كل طرف من هذه الأطراف و البديل الذي يطرحه و ما هي قدرته على وضع تكتيك صحيح للوصول إلى الهدف الذي يطرحه. باعتقادي أنّ قصور الوعي عند هذه الأحزاب و رؤيتُها و التي هي عمليا تنطلق من وعي، لا أريد أن أقول ديني، لأنّه وَعْيٌ مبسّط يتعلق بالفتاوى كما تبلورت في عقود التخلف العربي الذي عمليا، و من هذا المنطلق لا يستطيع أن يرى القضايا السياسية بشكل صحيح. على هذا الأساس لا يستطيع أن يقدّم البديل. و هو بذلك يلعب دورا جزئيا لحظيّا يمكن التقاطع معه في هذه الحدود. و لكن يجب أن نرى أنه لا يستطيع أن يُكمل أو يطوّرَ الصراع.
النقطة الأخرى تتعلق باليسار و علاقته بالدول، بالنسبة إليّ فإنّ الأحزاب الشيوعية و اليسارية التي لها علاقة بالدول لا تبقى عمليا شيوعية يسارية بل أصبحت جزء من تلك النظم الليبرالية.
- سؤال عن الحركة الشيوعية : تسمية الحركة الشيوعية قد ترتبط بالأحزاب الشيوعية التي كانت ضمن الكومنترن و و هي أحزاب ذيلية .. لتتميز عنها في السيتينات الحركة الماركسية اللينينية أغلب هذه الأحزاب أصبحت جزء من الأنظمة القمعية..
بخصوص الحركات الشيوعية العربية و بعد انشقاقات عديدة و انحراف البعض نحو اليسار الديمقراطي أين الانتاج الفكري الماركسي اليوم؟
الأحزاب الشيوعية، في العراق كانت جزء من نظام البعث في السبعينات.. في سورية هذه الأحزاب أصبحت جزء من السلطة التي تحولت ليبرالية بشكل واضح ، الأحزاب التي نشأت في نهاية السيتينات في اعتقادي أيضا للأسف انقادت إلى نتائج شبيهة لأنها في الغالب، أو انهارت بسرعة مثل منظمة العمل الشيوعي في لبنان، أو أقامت علاقات تحالف مع الاتحاد السوفييتي، و بالتالي اصبحت ثقافتها الماركسية مستمدة من الماركسية السوفياتية و بالتالي أعادت إنتاج، في الغالب، نفسَ المفاهيم تقريبا التي كانت الماركسية السوفياتية تعمّمُها على الأحزاب الشيوعية، وهذا الذي أدخلها في أزمة على غرار الجبهة الشعبية في فلسطين مثلا، طبعا الجبهة الديمقراطية ذهبت إلى مدى أبعد من ذلك .. و بالتالي هذا اليسار بحاجة لوقفة عميقة الآن كيف يعيد بناء رؤيته الماركسية بعيدا عن الماركسية السوفياتية، بعيدا عن الماركسية التي درسها في الاتحاد السوفياتي، التي هي عمليا ليست ماركسية في اعتقادي. بالنسبة لما طرح عن إنتاج فكري ماركسي، أعتقد أنّ هناك إشكالا حقيقيا في هذا الموضوع، أعتقد أن الانتاج الفكري الماركسي في السنوات الماضية كان قليلا. هناك الآن، يجوز بعض المحاولات، و لكن تبقى هناك مشكلة حقيقية لأنه من جهة، الأحزاب لم تطوّر وعيا فكريا عند أعضائها، و من جهة ثانية صارت الماركسية و كأنها مشروع سياسي بمعنى مشروع عملي أكثر منها رؤية فكرية، قبل أن تكون مشروعا عمليا. من هذا المنطلق كان الاهتمام بالوعي و المعرفة محدودا. و بالتالي على ضوء ذلك، ليس هناك انتاج فكري، و كل إنتاج التنظيمات، و حتى كثير من كتابات الشخصيات في هذه الأحزاب هي أقرب إلى الكلام السياسي الصحافي منه إلى الانتاج الفكري الذي يعبّر عن عمق و له أساس يُبقيه مستمرا و يقدّم شيئا معرفيا يُبنى عليه. من هذا المنطلق، بالنسبة لكريم مروة طرح الآن فكرة نهوض جديد لليسار العربي. أعتقد أنّ ما طرحه كلّه يمين ! لا علاقة له باليسار. لأنّه يتحدث عن الدولة و القانون و كأنها هي محور المشروع اليساري . أنا مع الدولة و مع القانون، و لكن هذا منطق سطحي لا يرى ما هو معنى الدولة و ما هو معنى القانون، و بالتالي كيف نصل إلى دولة و قانون حقيقين، و بالتالي كيف نغيّر المجتمع. في هذا السياق، و هنا ندخل في شيء أعمق من الحكي العمومي للدولة و القانون. على هذا الأساس أؤكد أنه يجب أن نستوعب المنهج الماركسي، ان نقرأ بجدّية الجدلَ الماركسي، و إلا سنبقى نكرر أفكارا عامّة لأننا نمتلك منهجا تقليديا نتوارثه بشكل طبيعي، و بالمنطق الصوَري لا نستطيع أن نصبح ماركسيين، إلا إذا قطعنا مع هذا المنهج التقليدي عبر وَعْينا للمنهج المادي الجدلي. إذا لم نستطع أن نتملك المنهج المادي الجدلي سنبقى نتعامل بعفوية بغض النظر عن كل حسن نوايانا أو مع حسن نوايانا، و لكن لا نستطيع أن ننتج فكرا أو نفهم الواقع بعمق لأن الذي ينتج الفكر هو الذي يستطيع أن يفهم الواقع بعمق . على هذا الأساس أشدد دائما على أنّه يجب أولا أن نستوعب الجدل المادي أي أن نجعل آليات نشاط دماغنا تفكر بطريقة جديدة في المسائل التي هي عمليا قدّمها الجدل المادي.
من واقع الأزمة العالمية الرأسمالية الحالية الآن ما هو سبب عدم حضور اليسار العربي للاستفادة من اللحظة التاريخية لتحسين موقعه و لاستعادته لجماهيه الشعبية ؟ لماذا هذا الحضور الضعيف جدا بخصوص هذه الأزمة في حين نرى تقدم اليسار العالمي و حتى اليسار الشيوعي يتقدم و إن في وجوه جديدةلكن في البلاد العربية فإن اليسار عامة و الشيوعي خاصة بحضور ضعيف جدا.
من المؤكد أنه في بعض بلدان العالم، هناك دور أكثر فاعلية للقوى اليسارية خصوصا في أمريكيا اللاتينية طبعا في أمريكيا اللاتينية ظروف خصوصية. هناك نضال طويل للحركات الماركسية و الماوية و التروتسكية و الغيفارية بأشكالها المختلفة رغم أن الاحزاب الشيوعية المرتبطة بالحركة الشيوعية العالمية كانت ضعيفة، و غيرَ قادرة على الفعل، عدا في بعض الدول، لأنّها كانت بالأساس، مرتبطة بالاتحاد السوفييتي. الآن هناك تحوّل لجهة نشوء لحركات ماركسية أكثر جدّية. و لكن أتمنى أن ندقق أكثر في وضع أمريكيا اللاتينية، لأننا لا نزال نرى الأمور لا تتقدم بشكل متسارع، و هناك ضغوط شديدة، و هناك في القوى الماركسية خلافات متعددة قد تطيح بكل هذه التجارب. لهذا علينا أن ندقق .
في بلادنا المشكلة الأساسية، وهذا الذي أحاول أن أكتب فيه في هذه الفترة، الحركة الشيوعية لم تطرح على نفسها، على الأقل منذ أواسط ثلاثينات القرن الماضي، دورَ التغيير، رغم أنها في مراحل أصبحت قادرة على التغيير، يعني نهاية الأربعينات بداية الخمسينات في المنطقة العربية كانت الحركة الشيوعية قادرة على التغيير، و لكنّ الرؤية العامّة التي كانت تحكمها، و التي أعتقد أنها لا زالت تحكمها حتى الآن، تقول إنّ المرحلة ليست مرحلة الحركة الشيوعية، لأننا، كما كان يصاغ في الماركسية السوفياتية، في مرحلة انتقال إلى الرأسمالية، و هذا يعني أن البرجوازية هي التي يجب أن تلعب دورا فاعلا قياديا و أن علينا أن ندعمها و نلعب دور المستشارين لها. هذا الوضع جعل الحركة الشيوعية نفسها، حتى في اللحظة التي كان يمكن أن تغيّر، لا تعمَدُ إلى التغيير. طبعا الاتحاد السوفييتي كان يرى أن التغيير في هذه المنطقة خطير، و هو لا يستطيع أن يتحمل صراعا عالميا في ذلك الوقت، و بالتالي كان يمنع هذه الأحزاب أيضا أن تلعب دورا حتى حين فكّر بعضها بذلك كمثل الحزب الشيوعي العراقي ..
الآن، هناك وضع جديد مع شرط البداية، هناك تطور في الصراع الطبقي يتفاقم في عديد من البلدان، للأسف اليسار غائب عنه. في مصر في المغرب في تونس، الجزائر... و بالتالي هذا التطور في الصراع الطبقي يفرض تطوير حقيقي من أجل متابعة حركة الناس و دفعها من أجل أن تنتقل من إضرابات محدودة و احتجاجات محدودة و مظاهرات محدودة لإضراب شامل و ثورة شاملة ..
هل تستطيع الحركة الشيوعية الحالية القيام بهذا الدور؟ باعتقادي انّه لا .. لأن هذا الدور يفترض أولا نَقْلَةً بمستوى الوعي تسمح بفهم الواقع بشكل عميق و هذه الأحزاب لا زالت تعيش في أجواء الماركسية السوفييتية، أعتقد أنها ماتت أو يجب أن تنتهي لأنها لم تقدّم الماركسية بما هي ماركسية. بمعنى أنّها أساسا ألغَتْ الجدل المادي رغم أنّه في بعض الكرّاسات كانت تتكلم عنه، إنما الصيغة التي وضعتها للماركسية كانت تلغي دور الجدل المادي، و بالتالي حوّلت الماركسية إلى جملة أفكار مبسطة لا تستطيع أن تكون أساسا منهجيا لِفهم الواقع. فمِن هذا المنطلق هناك إشكال كبير في هذه الأحزاب، كتبت ذات مرّة أنها تتلاشى .. أعمار أعضاءها كبير انتماء الشباب اليها في الغالب محدود و بالتالي هي تسير نحو الموات الطبيعي و خصوصا أنها لم تقدّم شيئا جدّيا حتى الآن، وكما أعتقد أنه من الصعوبة في مكان أنْ تقدم شيئا جدّيا. طبعا يمكن أن يكون هذا الكلام قاسيا على بعض الرفاق و الأصدقاء، و لكن يجب أن نفهم الحالة بشكل حقيقي و دقيق لأننا نعيش في مرحلة تحوّل تفترض فهما أعمق لواقعنا و فهما يؤدي إلى بلورة رؤية تتواشج مع حركة تفاقم حركة الصراع من أجل تحقيق تغيير عام شامل.
أحد الرفاق أشار أنني أطرح مفهوما ملتبسا للتغيير ، بالنسبة للتغيير أكيد هناك خلافات على أنه تغيير اشتراكي أو تغيير ديمقراطي. عندما أطرح دور الشيوعيين أو الماركسيين في التغيير أعتقد أنه مطلوب أن يصبحوا هم السلطة. و لكن مسألة هل التغيير يكون نحو الاشتراكية الآن أو هناك مقدمات للاشتراكية؟ هذا هو الموضوع الذي أعتقد أنه بحاجة إلى نقاش. أعتقد أن لينين قدم فيه أفكارا مهمة عندما اعتبر أنه على الشيوعيين أن يحققوا المهمّات الديمقراطية لأن البرجوازية عاجزة و غير قادرة، في سياق تحقيق الاشتراكية. من هذا المنطلق في بلادنا هناك جملة مشكلات حقيقية تسبق الانتقال إلى الاشتراكية على الشيوعيين أن يحققوها. هذا التغيير هو الذي أقصده، وبالتالي أطرح دوراً حقيقياً على الشيوعيين في التغيير. ليست المسألة أنه عليهم الآن أن يبنوا الاشتراكية. لا أعتقد أنه بالإمكان الآن أن تبنى الاشتراكية في بلدان مقسّمة وبلا صناعة و بلا بُنى أساسية ضرورية .. ينبغي ان يكون هناك استنهاض لِبُنَى الاقتصاد و لتوحيد الوطن العربي و تحقيق الاستقلال كخطوة أساسية في طريق تحقيق الاشتراكية.
الماركسية بالأساس منهجية. يعني ما أضافه ماركس طبعا وهو أضاف أشياء كثيرة في تحليل الرأسمالية، في الوصول لبعض القوانين الاقتصادية في فهم التطور التاريخي ... و لكنّ المفصل الأساسي الذي قاده للوصول إلى هذه المسائل هو تملّكُه للمنهج المادّي. يعني إعادة صياغته لجدل هيغل في سياق مادّي هو الذي سمح له أن يبلورَ هذه العناصر لأنه أسّس لآليات جديدة في فهم الواقع.
على صعيد الأزمة الاقتصادية و اليسار الفلسطيني طبعا المسألة ليست فقط أزمة اقتصادية، الوضع الفلسطيني في الضفة و غزة تحديدا الدولة الصهيونية تضعه في سياق يدمّر كل الاقتصاد، من الحواجز إلى جدار العزل إلى الهيمنة الاقتصادية المطلقة إلى الحصار.. جملة هذه العناصر هدفُها تدمير الاقتصاد الفلسطيني، وبالتالي هذا أخطر من الأزمة و الهدف منه الوصول لشعور الفلسطينيّن أنّ قدرتهم على المعيشة أصبحت غير ممكنة، و بالتالي تحقيق ما يسمونه الترانسفير الاقتصادي أو الطبيعي . أما عن دور اليسار، فأعتقد أن هناك مشكلة حقيقية في وضع اليسار الفلسطيني. أعتقد هذا من جملة وضع اليسار في الوطن العربي عموما. هناك تنظيمات صارت في اليمين هناك بعض أمل في بعض التنظيمات لأنّ جملة السياسة التي اتّبعت من التنظيمات الفلسطينية اليسارية في السنوات الماضية أدّت إلى أنهيارها. سياسة البرنامج المرحلي و الدولة المستقلة أعتقد أنها بدت فاشلة و عاجزة. كانت خطأ سياسيا كبيرا في الأساس أدّى إلى تهميش المقاومة و انهيارها. من هذا المنطلق أعتقد أنه مطلوب أيضا على صعيد اليسار الفلسطيني أن يعيد بناء رؤيته للواقع و بالتالي تحديد مهماته و سياسته بطريقة جديدة و هذا بحاجة إلى تجاوز كثير من البنى القائمة الآن في سياق بلورة واقع يساري حقيقي جدي يطرح برنامج تحرير فلسطين، دولة ديمقراطية علمانية في فلسطين بالترابط مع الصراع في الوطن العربي لأن فلسطين هي البلد الوحيد الذي لا يستطيع أن يحقق استقلاله بنفسه، لأنّ إسرائيل وجدت كمرتكز عسكري للسيطرة على المنطقة العربية، وبالتالي قوتها مرتبطة أولا مع الولايات المتحدة و ثانيا الهدف منها هو الهيمنة على المنطقة العربية و الشعب الفلسطيني وحده غير قادر على أن يحقق أي شيء، حتى الحكم الذاتي صار مشكوكا بإمكانية استمراره، في إطار الطابع الفلسطيني. من هذا المنطلق، الفلسطينيون أكثر ارتباطا بالمشروع العربي في مواجهة الامبريالية و الدولة الصهيونية، وفي مواجهة التغيير في المنطقة العربية.
سؤال حول الحركات الثورية العسكرية في أمريكيا اللاتينية و الهند..
الطابع العام لهذه الحركات ماوي و باعتقادي إن نجاح هذه الحركات يتأتي في البلدان ذات الطابع الريفي في الغالب .. ماوتسي تونغ و التجربة الماويّة اعتمدت على الريف في الأساس و بالتالي فإن نجاحها يتم في المناطق الريفية .. هل تستطيع أن تقود إلى انتصارات؟ باعتقادي بحدود وضعها الآن هناك قدر من الصعوبات لأنه لا يكفي العمل المسلح و الكفاح المسلح .. هي بحاجة إلى نشاط شعبي كبير لأن البلدان المستقلة تحتاج إلى تطوير الصراع الطبقي. العمل المسلح في بعض البلدان ممكن أن يكون جزء منه، انما ليس العمل المسلح وحده كافيا.
هل يفضل أن تكون الحركة الشيوعية ضمن معارضة مع اللبراليين و حركات اليسار الاجتماعي و الاسلاميين و القوميين أم أن يفضل أن يكون التحرك يسايا بحتا؟
هل صحيح أن أهم أدوات المرحلة للعمل لإبراز دور اليسار هو الدعم المادي لهذه الحركات التي تواجه ضائقة مالية؟
بالأساس أولاً يُفترض أن يكون هناك حركة شيوعية عربية حقيقية .. أما أن نهرب نحو الحكي عن التحالفات و الأطر و العلاقات السياسية و النشاط السياسي و نتجاهل أنّ البنى و الرؤى ضائعة في هذه الأحزاب .. باعتقادي الآن الأولوية الأساسية هي لإعادة بناء الرؤية و إعادة بناء البنية و الترابط مع الحركة المجتمعية، هذا هو الأساس الآن، لأنه بدون أن تتحوّل الحركة الشيوعية إلى واقع على الأرض تبقى هذه العلاقات هامشية .. طبعا العلاقة مع اللبراليين لست أدري على أي أسس يمكن أن تكون، و مع الاسلاميين طبعا يمكن أن يكون هناك توافق على بعض القضايا إنّما الأساس: مطلوب طرح مشروع طبقي يكون أساس سياسة هذه الأحزاب. بدون هذا ستبقى ملحقة بهذا الطرف أو ذاك أو تبقى على هامش النشاط السياسي بعيدا عن الحركة المجتمعية. و مشكلة الحركات الشيوعية عموما أنّها تلهّت بما هو سياسي، و أقصد بالسياسي الحراك و النشاط السياسي الشكلي، و ابتعدت عن الحركة المجتمعية . و هذا ما جعل الاسلاميين في عديد من البلدان هم من هيمن على الحركة المجتمعية و تحولوا إلى قوة جعلتنا نتردد في علاقتنا معهم: نرفضهم أم نتحالف معهم. المشكلة أننا نحن لم نعد قادرين على استقطاب الحركة المجتمعية التي استقطبوها بينما هذه القاعدة المجتمعية هي لنا و ليست لهم . الأساس هنا : كيف نبني حركة حقيقية في إطار الطبقات التي نعبّر عنها. و هذا يفترض رؤية حقيقية .. الدعم المالي و الضائقة المالية كلام لا يطرحه ماركسيون. بالنسبة للمسألة المالية باعتقادي هناك إشكال حقيقي: تعلمنا في السنوات الماضية أنه ما من نضال بدون تفرّغ و فلوس و سيارات و مرافقين... أعتقد أنّ هذا أسوأ ما مرّت فيه الحركة الماركسية، الفلسطينية أولا، و التي انعكست على العديد من القوى الماركسية العالمية. النضال بحاجة إلى موارد، و لكن هذه يمكن تأمينها و يوفرها المناضلون من أكلهم و من مشاركاتهم و ليسوا بحاجة لِمَنْ يؤمّن الدّعم المالي، لأنّه ما من دعم بدون شروط.
المشكلة هنا أيضا، يجب أنْ نغيّر رؤيتنا لطبيعة النضال يجب أنْ ننظر إلى النضال بشكل آخر مختلف، و ليس بالشكل الذي ساد في الفترة الماضية و الذي أعتقد أنه كان جزءاً من تدمير المقاومة الفلسطينية و تدمير العديد من الأحزاب العربية.
سؤال: ألا تعتقد أن حل الدولة العلمانية الواحدة في فلسطين هو حل مثالي و يوتوبيا و ما هو مدى قابليته للتحقيق؟
دائما أي حل هو حل مثالي. عندما نقول اشتراكية فهي حل مثالي، عندما نقول استقلال هو حل مثالي .. في النهاية هناك أفق نسعى إلى تحقيقة هل هناك إمكانات لذلك؟ طبعا. لأن تطوير الصراع في المنطقة العربية سوف يفرض تغيير في موازين القوى. والذي نراه الآن اختلال في الموازين قد لا يسمح حتى لحكم ذاتي .. هذه الموازين ينبغي أن تتغير .. لا نستطيع أن نقول إنّ هذا ممكن أو غير ممكن دون العمل على تغيير موازين القوى. أهمية طرح مواجهة المشروع الصهيوني و تجاوزه باتجاه فلسطين تكون جزء من دولة ديمقراطية علمانية في الوطن العربي هو العمل العملي من أجل تطوير قوى واقعية تحمل هذا المشروع . أي مشروع علينا أن نسعى إلى بلورة قوى تحمله. و ما دام هناك صراع كبير في المنطقة العربية، هناك جملة مشكلات متداخلة تفرض هذا الصراع. كما أشرت هناك صراع طبقي يتفاقم يمكن إذا تبلورت رؤية حقيقية لآليات الصراع و كيف نبني قوة قادرة على المواجهة أن تصبح هذه المسألة مسألة واقعية. المسألة تتعلق في دورنا وواقعيتنا و ليس ما يفرضه ميزان القوى . ميزان القوى لا يقدم شيئا للضعفاء.
هل يمكن القطع مع الامبريالية في الوطن العربي مع الحفاظ على علاقات الانتاج الرأسمالية؟ أرى العكس أن أساس الارتباط البنوي بالامبريالية يقوم على استمرار الرأسمالية كما هو و علاقات إنتاج، إذ لا تغيير حقيقي دون القضاء النهائي على الرأسمالية.
المسألة ليست بهذه الحَدّية. بمعنى أنّه من الأكيد أنني لا أستطيع أن أتطور داخليا إذا لم أقطع مع الامبريالية و مع السوق الرأسمالي، أو أعيد صياغة العلاقة مع السوق الرأسمالي على أساس تحكمي بالتطور المحلي و بفائض الانتاج المحلي. هذه مسألة حقيقية، ولكن هذا لا يعني تجاوز الرأسمالية مباشرة ، لا يعني تحقيق الاشتراكية مباشرة. هناك صيرورة يجب أن تُفهم. تجاوز الرأسمالية يفترض خطوات عملية، تهيأة قاعدة إجتماعية، الأولويات التي يفترض أنها ستتحقق في الواقع هي ليست إشتراكية، هي تتعلق ببناء الصناعة بتحديث المجتمع بالاضافة للأهداف الكبيرة كالوحدة و الاستقلال و بناء دولة حقيقية. هذه أولويات و بالتالي يجب على حزب الطبقة العاملة أن يلعب دورا مركزيا في تحقيقها في سياق خطواته. و بالتالي إلغاء المُلكيّة الخاصّة، و الذي هو المرتكز في بناء الاشتراكية، يصبح خطوة لاحقة لهذا التطور. و لكن هذا لا يعني السماح للرأسمالية أن تتطور بشكل طبيعي بحريتها، إنما هنا يأتي دور ما أسماه لينين رأسمالية الدولة. أن تلعب الدولة العمالية دورا حقيقيا في تحقيق التطور الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي لتحقيق ما يحتاجه المجتمع كخطوة للوصول إلى الاشتراكية.
القطع مع النمط الرأسمالي و تجاوز الرأسمالية مسألة أساسية و لكن في أي سياق؟ هذا هو الخلاف بمعنى أنّ المهمّات الواقعيّة تفرض مسائل سابقة لتحقيق الاشتراكية. المسألة ليست مسألة قفز و تجاهل الاشتراكية، المسألة هي تحقيق مهمّات هي سابقة لإلغاء الملكية الخاصة في المجتمع التي تتمثل عمليا في بناء الصناعة، لأنه لا تستطيع أن تبني الاشتراكية في مجتمع لا يزال يعيش وعي القرون الوسطى. لا تستطيع أن تبني مجتمعا بدون دولة حقيقية. من هذا المنطلق، على الصعيد الاقتصادي على الدولة أن تتحكم بآليات العلاقة الاقتصادية مع الخارج من أجل خلق التراكم الداخلي و إعادة تدويره في تطوير الاقتصاد المحلي و ليس هروبه إلى الخارج. وهذه مسألة مهمة في العلاقة مع الرأسمالية. و أيضا يجب أن تلعب الدولة دورا أساسيا في تحقيق التطور الاقتصادي. يجب أن تكون دولة عمال و فلاحين فقراء و هذه ما أسماها لينين رأسمالية الدولة كخطوة أساسية للانتقال إلى الاشتراكية. بعد ذلك يمكن تحقيق مهمات أعلى. هذه المهمات هي المهمات الواقعية إضافة إلى الوحدة العربية الاستقلال وفلسطين، هذه المهمات أولية أساسية للقوى الماركسية العربية في سياق الوصول إلى الاشتراكية. المسألة هنا تتعلق في كيف نتجاوز الرأسمالية، و ما هي المهمات الاقتصادية الضرورية في سياق ما يطرحه الواقع للوصول للاشتراكية. النمط الآن في كل البلدان المتخلفة طبعا نمط رأسمالي و لكن نمط رأسمالي هامشي بمعنى أنه لا يقوم على أساس الصناعة و لا نستطيع أن نتحدث عن الرأسمالية الحقيقية بدون وجود الصناعة كوسيلة إنتاج أساسية في هذا النّمط. لذلك فنحن هوامش ملحقون ينشط لدينا قطاع التجارة و الخدمات و المافيات و ليس القطاع المنتج. و لا نستطيع أن نبني اشتراكية بدون قطاع منتج. هنا المشكلة الأساسية ليس وجود شكل علاقات رأسمالية هو فقط الذي يفرض مباشرة الانتقال إلى الاشتراكية. هناك مهمّات عملية على المستوى الاقتصادي و المجتمعي تسبق و تهيئ للانتقال إلى الاشتراكية هذا معنى تجاوز الرأسمالية في الطريق إلى الوصول إلى الاشتراكية بحسب رأيي.
في سياق الحديث عن الأزمة المالية العالمي هل يرى الرفيق سلامة تمايزا بين مفهومي العولمة و الامبريالية أي يتعلق الأمر بتجاوز مرحلة بتوسّع و شمولية أكبر مما سبق؟
مفهوم العولمة كان ملتبسا كثيرا في السنوات الماضية . برأيي أن العولمة هي الامبريالية بمعنى هي الشكل السياسي الاقتصادي العسكري الذي أخذته الامبريالية في مرحلة ما بعد انهيار النظم الاشتراكية. و بالتالي لا أميز بين هذا الشكل و الامبريالية لأنه كان يعبّر عن جوهر الامبريالة بشكل أوضح بغض النظر عن التطور التكنولوجي و الترابط العالمي الذي هو عمليا سياق موضوعي في إطار تطور الرأسمالية نفسها. لكنّ العولمة هي الشكل الأحدث للإمبريالية في مرحلة ما بعد انهيار النظم الاشتراكية و محاولة الرأسمالية حل أزماتها التي كانت عمليا تتفاقم منذ الثمانينات. و بالتالي أنا لا أرى فارقا في هذا المعنى إلا إذا أردنا أن نتحدث عن التطور التكنولوجي و عن الترابط العالمي الذي كان يُفرض بالقوة لتسهيل حركة الرأسمال المالي.
سؤال: ما هي رؤية الرفيق سلامة النظرية لحل هذه الأزمة نظريا و تطبيقيا؟
المسألة ليست سهلة أن أقدم رؤية للحل نظريا . الأساس الآن، كيف يمكن أن يبدأ حوار جدي من أجل بلورة رؤية تعبر عن القوى الماركسية في الوطن العربي إنطلاقا من إعادة بناء الوعي الماركسي، لأنّه دون تحقيق نقلة نوعية في الوعي سنكرر المفاهيم الماضية و التجارب الماضية و الأفكار الماضية و السياسات الماضية. هذا يحتاج إلى جهد متعدد يمكن أن يبحث بأشكال مختلفة و يجوز أنني عبّرت عنه في كتاباتي بشكل أو بآخر. و أنا أعتقد أن الحلقة المركزية الآن تتعلق بجهد لبلورة رؤية نظرية تعبر عن الحركة الماركسية في الوطن العربي من جهة و فتح أفق ترابط مع الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء من أجل تطوير صراعهم لبلورة عمل حقيقي يقود إلى تحقيق التغيير.
ألا ترى معي أن القوى الماركسية لا حول لها و لا قوة ...؟
نحن نراهن على ما هو جديد .. المراهنة على ما هو قائم يجعلنا ندور في نفس الدوّامة. لذلك علينا أن نعتبرها جزء من الماضي و أن نؤسس لتجارب جديدة على ضوء وعي جديد و رؤية جديدة. طبعا هناك كثيرون ممن شارك بالنضال الماضي معنيون بهذا الموضوع، هناك الكثيرون من الذين بذلوا جهدا فكريا و عمليّا يجب أن يشاركوا في أفق جديد مختلف، لأن البنى القائمة أنا مقتنع أنّها عاجزة و لا حول و لا قوة لها ليس فقط على الصعيد النظري و أيضا على الصعيد العملي و على الصعيد السياسي و في مجمل المسائل.
نشكر للرفيق سلامة هذه الإطلالة الغنية بالفوائد، على أمل لقاءات أخرى و في مواضيع أخرى، و نشكر لسائر الرفاق المشاركين حضورهم .
http://socialisthorizon.net/index.php?option=com_content&view=article&id=920:2010-07-30-15-36-24&catid=37:2009-06-15-08-49-52&Itemid=63
mercredi 20 octobre 2010
Inscription à :
Publier les commentaires (Atom)
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire