IMF يطلق تحذيرات شديدة والسنيورة خائف على العولمة
انعقد في بيروت منتدى «الأزمة الماليّة العالميّة الراهنة: التداعيات والدروس للمنطقة العربية»، الدردشات كانت تنمّ عن إدراك لحجم المخاطر التي تتهدّد لبنان ودول المنطقة، إلا أن «الخطابات» في الجلسة الافتتاحية لم تعكس هذا الإدراك، إلا من خلال إطلاق الدعوات لتبنّي التدابير الاحترازية، وهو ما تبنّاه شطح وسلامة وتجاهله السنيورة
يحافظ المسؤولون اللبنانيّون على خطاب يقلّل من مدى تأثّر لبنان بالأزمة العاصفة في العالم، إلا أنهم بدأوا يدركون أن الاحتفاظ بهذا الخطاب قد ينقلب عليهم، ولا سيّما مع تكاثر التقارير التي تحذّر من مخاطر كبيرة قد يتعرّض لها لبنان، ودول المنطقة، من الآن وصاعداً في حال استمرار سياسة التّراخي المتّبعة. أبرز هذه التحذيرات أطلقها صندوق النقد الدولي في تقرير الأخير عن لبنان، إذ رأى أن تداعيات الأزمة المالية العالمية تهدّد استراتيجية تمويل الخزينة اللبنانية، وتعرّضها لمخاطر قد ترفع من حدّة التوتر السياسي في لبنان عشيّة الانتخابات النيابية المقبلة في عام 2009.وجاء في التقرير نفسه، أن الأزمة تمعن في زيادة هشاشة الوضع المالي في لبنان، ولا سيّما لجهة الحاجة إلى السيولة في السنوات المقبلة، وهذا الواقع سيترك آثاراً سلبية على الاقتصاد، تطال خطط «الإصلاح الهيكلي» التي يشرف الصندوق على تنفيذها في لبنان، ولا سيّما على صعيد خصخصة الهاتف الخلوي، ونموّ الودائع المصرفيّة، ومعدّلات الفائدة، وتحويلات اللبنانيين المغتربين، والاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتدفّق السّيّاح، وعائدات الإنفاق السياحي... أي بمعنى آخر ستنعكس على كل مكوّنات الاقتصاد الريعي كما الحقيقي.
ويرى الصندوق أن أيّ تطوّر للأزمة العالمية على أسواق المنطقة، ومهما كان صغيراً، يعرّض استراتيجيّة التمويل الحكومية للخطر، كذلك فإن الظروف الصعبة في منطقة الخليج ستنعكس على مستوى ربحيّة المصارف اللبنانية، وبالتالي يجب على مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف أن يستعدّا لمواجهة أيّ خطر داهم على القطاع المصرفي وأن تستمر الرقابة المشدّدة على محافظ القروض المصرفيّة.
هذه التحذيرات عكسها أيضاً مدير المركز الإقليمي للمساعدة الفنيّة للشرق الأوسط التابع لصندوق النقد الدولي (metac) سعادة شامي، إذ أشار في كلمته، أمس، في افتتاح منتدى «الأزمة المالية العالمية الراهنة: التداعيات والدروس للمنطقة العربية»، إلى أن دول المنطقة «قد لا تتمكن من أن تنجو سالمة من هذه الأزمة»، موضحاً أن اسواق لبنان ومصر والأردن وسوريا ستتأثر أساساً من صلاتها المالية والاقتصادية الوطيدة بدول الخليج، ولا سيما لجهة تراجع التحويلات والاستثمارات والودائع والنشاط الاقتصادي، مذكّراً بأن التحويلات من دول الخليج بلغت في عام 2007 حوالى 33 مليار دولار، وعندما تنخفض السيولة تصبح الدول المستفيدة أكثر هشاشةً، ولا سيما إذا كانت تركّز في تلبية حاجاتها الماليّة على الخارج لتمويل العجز في موازناتها وميزان مدفوعاتها.
وراى شامي أن الدول المستوردة للنفط في المنطقة مثل لبنان قد تتأثر نتيجة تباطؤ الحركة الاقتصادية في دول مجلس التعاون الخليجي وتراجع إيراداتها النفطية فيكون لذلك أثر سلبي يفوق منافع تراجع كلفة استيراد النفط... وقال إن لبنان لا يتمتّع بإمكانات كبيرة لاتّباع سياسات تهدف إلى التخفيف من وطأة الأزمة المالية والاقتصادية، وهو لا يملك هامشاً واسعاً لاعتماد الحوافز الماليّة أو خفض معدّلات الفائدة، ولا سيّما في ظلّ سعر الصّرف الثابت، ولذلك عليه أن يركّز في المدى المتوسّط على السياسات الاحترازية وتنسيق سياسات الاقتصاد الكلّي.
وشكّلت تحذيرات صندوق النقد الدولي إطاراً لخروج الخطاب الرسمي قليلاً عن سكّة التباهي، فاضطرّ وزير المال محمد شطح إلى القول في كلمته في المنتدى نفسه «إن بقاء النظام المالي اللبناني في منأى عن الأزمة يجب أن لا يدفعنا إلى الادّعاء بأننا محصّنون من أيّ تأثيرات... فاقتصاد لبنان يمكن أن يتأثّر تأثّراً كبيراً بما قد يصيب اقتصاد المنطقة»، موضحاً أنه «إذا كان اللبنانيون العاملون في الخليج يمثّلون، عددياً، ثلث حجم القوة العاملة في لبنان، فإن معدل دخلهم يشكل أربعة أضعاف معدل دخل القوة العاملة في لبنان».
وأشار شطح إلى «أن ما يحتاج إليه لبنان في مواجهة التباطؤ الاقتصادي، ليس إنفاقاً جارياً متزايداً بل إنفاق استثماري متزايد»، مؤكداً أن «الحكومة اللبنانية تسعى إلى تسريع وتيرة إنفاقها على المشاريع، وزيادة قدرتها على التنفيذ».
وقال إن «الوصفة الخاصّة بمعالجة مكامن الضعف في الاقتصاد اللبناني، والتي تتيح تحفيزه على أداء أفضل، لم تتغيّر، ولا تزال هي نفسها الوصفة التي وضعت قبل الأزمة، ويعرف الجميع ما تتضمّنه». وأضاف «إنها، بلغة الأطباء، بروتوكول علاجي معروف لا أسرار فيه، وقوامه إصلاحات اقتصادية تحفّز النمو، وسياسات مالية تحافظ على الاستقرار، لكن أهمية تنفيذ هذه الوصفة ومتابعتها ازدادت بعد الأزمة، وباتت أكثر إلحاحاً».
طبعاً، كانت لرئيس الحكومة فؤاد السنيورة هواجس أخرى، فعبّر عن خوفه من أن تؤدي الأزمة إلى إعادة النظر في حرية التجارة وحرية انتقال رؤوس الأموال أو إلى خفض المساعدات، وقال «نحن في لبنان قد لا يتيح لنا وضع الخزينة والمالية العامة اتّباع سياسة مالية توسعية تتخطّى حدود الرصانة المالية الواجبة وذلك بسبب نسبة الدّين العام المرتفعة، ولكن الحكومة تسعى لإعداد رؤية اقتصادية تقوم على إشراك القطاع الخاص».
أمّا حاكم مصرف لبنان رياض سلامة فقد رأى «أن ما يهمّ مصرف لبنان حالياً، هو عدم استيراد الازمة، ولتحقيق هذا الهدف سنستمر أولاً بتحفيز التحويل من العملات الأجنبية إلى الليرة اللبنانية من خلال إدارة السيولة بالليرة اللبنانية مستعملين أساساً شهادات الإيداع، ولكن دون تعطيل الموارد للتسليف إلى القطاع الخاص، ولدينا القدرة على ذلك، وقد سجّل ميزان المدفوعات في تشرين الأول فائضاً بـ 246 مليون دولار أميركي، وأصبح الفائض التراكمي لعام 2008 بقيمة 2,459 مليار دولار. ورأى «أن تراجع السيولة بالدولار يبعد أسواقنا المالية عن الاستثمار بديون وأوراق مالية مصدّرة من جهات نجهل مدى تورّطها بالمخاطر، وزيادة السيولة بالليرة اللبنانية تعزّز إمكانات تمويل القطاعين العام والخاص في لبنان، ما يؤمّن النموّ ويخفّف المخاطر على القطاع المصرفي، وهذا ما نحتاجه في هذه الفترة».
وقال سلامة «نحن باقون على المقاربة الواقعية للفوائد وعلى استقرارها، إذ إننا نعتقد بأنها تجنّبنا الخوض بالمضاربة والتعرّض للمخاطر المرتبطة بها».
(الأخبار)
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire