فيما كان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يكشف عن خطّة إنعاش اقتصادي قيمتها 26 مليار يورو، تتماهى مع الخطّة الاقتصاديّة المثيرة للجدل التي عرضتها المفوضيّة الأوروبيّة، أعلن المصرف المركزي الأوروبي خفض سعر فائدته الأساسيّة إلى 2.5 في المئة لتدارك انزلاق بلدان منطقة اليورو الـ15 في مرحلة أقسى من الركود
مثلما كان متوقّعاً، خفّض المصرف المركزي الأوروبي، الذي يصوغ السياسة النقديّة لبلدان منطقة اليورو الـ15، سعر فائدته الأساسيّة خلال اجتماعه أمس، من 3.25 في المئة لتصبح 2.5 في المئة، في إطار جهود حثيثة لمكافحة شبح الركود الذي يسيطر على أوروبا، والذي أعرب رئيس المصرف، جان كلود تريشيه، عن تخوّفه منه لأنّه سيؤدّي إلى تقلّص الناتج المحلّي الإجمالي في المنطقة بنسبة 0.5 في المئة العام المقبل.واتضح أن خطوة المركزي الأوروبي حتميّة في ظلّ الضغوطات الانكماشيّة الحادّة التي تسيطر على اقتصادات أوروبا. فقد أظهرت بيانات مكتب الإحصاءات الأوروبيّة، «Eurostat» انّ انخفاض الاستثمارات والتجارة دفع إلى انكماش اقتصاد منطقة اليورو خلال الربع الثالث من العام الجاري، وهي خلاصة كان المعنيّون قد توصّلوا إليها الشهر الماضي، والآن يتأكّدون من أسبابها المباشرة.
وأرقام المكتب توضح أنّ المنطقة تتخوّف من تطوّر مرحلة الركود. فأداؤها بحسب الأرقام الموجودة يُعدّ أسوأ من أداء الولايات المتحدة واليابان اللتين تقلّص الناتج المحلّي الإجمالي في كل منهما بنسبة 0.1 في المئة في الربع الثالث. وأوضح «Eurostat» أنّ الاستثمارات أدت إلى تراجع النمو الفصلي بواقع 0.1 نقطة مئوية، بينما كان إسهام التجارة سلبياً بنسبة 0.5 نقطة مئوية.
وكانت الهواجس الأساسيّة للمنطقة خلال السنوات السابقة، أي قبل انطلاق الأزمة الماليّة وتمظهر مفاعيلها الاقتصاديّة، تركّز على التضخّم وعلى ضرورة إبقائه دون مستوى الـ2 في المئة، إضافة إلى التركيز على عجز الموازنات في البلدان الأعضاء والتشديد على أهميّة عدم تخطّي نسبتها إلى الناتج المحلّي الإجمالي عتبة الـ3 في المئة.
وبالعودة إلى إجراء المركزي الأوروبي، فإنّ خفضه سعر الفائدة يعطي دفعة جديدة لتحفيز الاقتراض، وبالتالي الاستثمارات والإنفاق، بعدما كان اقتصاد منطقة اليورو قد تقلّص بنسبة 0.2 بالمئة في الفترة بين تمّوز وأيلول الماضيين، مقارنة بالربع السابق. ونتيجة لذلك، عدّل المكتب نزولاً تقديره السابق للنمو السنوي في الربع الثالث إلى 0.6 في المئة من 0.7 في المئة.
وقبل ساعة تقريباً من اتخاذ المركزي الأوروبي خطوته، خفّض المصرف المركزي البريطاني معدّل فائدته الأساسيّة بواقع نقطة مئوية واحدة ليصبح 2 في المئة، وهو أدنى مستوى تاريخي له منذ الفترة الممتدّة بين عامي 1939 و1951، أي الفترة التي سيطرت عليها الحرب العالميّة الثانية، وذلك لمواجهة الانكماش الذي تغرق فيه البلاد.
ومدّد المصرف العمل بسياسة الليونة النقدية بعدما خفض معدل فائدته 1.5 نقطة مئوية في تشرين الثاني الماضي، و0.5 نقطة مئويّة في الشهر السابق، وتمّ ذلك حينها في إطار تدابير دوليّة أجرتها المصارف المركزيّة الستّة الأكبر حول العالم بالتنسيق في ما بينها، لمواجهة بدايات مرحلة الركود.
وسبق المصرف المركزي الأوروبي في خطوته المصرف المركزي السويدي الذي خفّض سعر فائدته الأساسيّة بواقع 1.75 نقطة مئويّة قياسيّة لتصبح 2 في المئة. والخفوضات السابقة التي أجراها المصرف لم تتعدّ 0.5 نقطة مئويّة.
إجراءات المصارف المركزيّة الأوروبيّة حصلت في الوقت الذي كان فيه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يعرض خطّة اقتصاديّة وطنيّة تبلغ قيمتها 26 مليار يورو مخصّصة للاستثمارات العامّة (إنفاق الدولة على البنى التحتيّة والمشاريع) لدعم الشركات، وتحديداً تلك المصنّعة للسيّارات التي توظّف 10 في المئة من عمالة البلاد.
وقال ساركوزي إنّ «الأزمة التي نشهدها ليست أزمة عابرة بل هي أزمة بنيوية. وينبغي أن تحثنا على التحرك بسرعة وبقوة»، وأضاف: «ردّنا على الأزمة هو الاستثمار. أفضل سياسة ممكنة لإنعاش (الاقتصاد) هي السياسة التي تدعم النشاط اليوم وتعد للمنافسة غداً». وقدّر ساركوزي قيمة الاستثمارات العامة الإضافية التي ستوظفها الدولة والسلطات المحلية والشركات العامة الكبرى، ولا سيما في البنى التحتية للمواصلات، بـ10.5 مليارات يورو. وقال إنّ «الدولة مستعدة للقيام بكل ما ينبغي لإنقاذ قطاع صناعة السيّارات»، معلناً عن «مكافأة» بقيمة 1000 يورو لقاء شراء كل سيارة جديدة لاستبدال سيارة تعود إلى أكثر من عشر سنوات.
وأعلن الرئيس الفرنسي، الذي يكثّف لقاءاته أخيراً مع رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون لبلورة خطوات لمعالجة تداعيات الأزمة الماليّةعلى أوروبا في ظلّ خلافات واضحة مع المستشارة الألمانيّة أنجيلا ميركل، رصد 11.5 مليار يورو لتسريع تسديد ديون الدولة المتوجبة للشركات الفرنسية لمساعدتها على تعزيز ماليتها.
(الأخبار، أ ف ب)
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire