عبداللطيف الفراتي |
|
يبدو أن الولايات المتحدة التي كانت وراء الأزمة المالية الإقتصادية الأكبر منذ أزمة 1930/1933 قد خرجت من عين الإعصار، وبقدرتها على التكيف السريع ، والتعامل الذكي مع التطورات ، فإنها تكون قد ودعت تداعيات الإنكماش الإقتصادي الذي عرفته، وتعيد الإرتباط مع نسبة نمو عالية جدا للعام الحالي يتوقع أن تبلغ 3.5 في المائة وهي نسبة عالية بالنسبة لبلد متقدم. |
وما حصل في أمريكا هو إفلاس كثير من المؤسسات البنكية والمالية والعقارية ، مع ما جر إليه ذلك من اضطرابات كبيرة، كانت قابلة للعلاج. عند تماثل الإقتصاد الأمريكي للشفاء ، بعد تسجيل ما حصل في خانة الربح والخسارة ، كان المعتقد انه سيجر كقاطرة قوية الإقتصاد الأوروبي ومعه العالمي، ولكن هاهي أوروبا تتخلف ، بل تصبح مهددة في وحدة عملتها وفي مصيرها المتقدم. في أمريكا انتهت الأزمة بإفلاس عدد كبير من المؤسسات واستوعب الإقتصاد الأمريكي ذلك وهضمه، وانطلقت العربة من جديد، أما أزمة 2010 في أوروبا فإنها من طبيعة أخرى. ليست مؤسسات هي المهددة بالإفلاس بل دول بكاملها، ودولة بالذات انهارت ، وهي كالغريق تبدو وكأنها تسعى لسحب غيرها للقاع في غرقها. اليونان بعد أن انكشف الغطاء، ظهر أنها تعيش على وقع مديونية في مستوى 120 في المائة من الناتج الداخلي الخام (الحجم الأقصى المسموح به وفق اتفاقيات ماستريخت الأوروبية 60 في المائة) ، وظهر أيضا أن مستوى عجز الميزانية يقارب 14 في المائة ( العجز الأقصى المقبول 3 في المائة)، معنى هذا أن على أثينا أن تسدد كأصل دين وفوائد فوق دخلها لمدة سنة، معناه أيضا أن انحسار الثقة يفرض عليها لتحقيق ذلك أن تدفع نسب فائدة عالية جدا لتمويل ذلك السداد، إلى حد ربوي، معناه كذلك إن موازنة الدولة لم تعد لها أي طاقة على التوفير، وأنها في حاجة إلى عملية تنحيف قاسية. فكان لا بد من اتخاذ قرارات تقشفية ذات مذاق جد مرير ، مثل تجميد وحتى تخفيض المرتبات وجرايات التقاعد، ومثل زيادة الضرائب وترفيع نسبها. هذه القرارات اللاشعبية لم تكن مقبولة، وأدت إلى تظاهرات وإضرابات لا تنتهي. وإذ جاء المدد من الاتحاد الأوروبي ومن المؤسسات المالية الدولية، ما أنقذ الدولة اليونانية من حالة كف سداد دفع ديونها، فإن المراقبين يشكون في قدرة الإقتصاد اليوناني على استرداد عافيته على مدى سنوات طويلة. فكل من عملية تخفيف عبء المديونية ، وخفض عجز الموازنة يتطلب تضحيات على مدى سنوات ، في بلد تعود على سوء التصرف والحوكمة السيئة ( الحكم غير الرشيد) وغياب الشفافية ، والفساد المستشري وغيرها من العناصر التي يصعب التحول عنها لأنها باتت أساس مسيرة مجتمع بكامله. سقنا هنا مثل اليونان لأنه المثل الأقصى ، ولكن أوروبا الجنوبية بكاملها من إسبانيا والبرتغال وإيطاليا كلها ترزح تحت أعباء أكثر أو أقل حدة، وهناك من يضيف فرنسا هذا عدا الوضع السيء جدا لبلدان مثل بريطانيا التي تركها العماليون على الحديدة كما يقول المثل وإيرلندا، ورومانيا التي اضطرت لخفض الأجور بنسبة 25 في المائة دفعة واحدة. تداعيات ذلك برزت وكما يجب أن تظهر، في إصابة اليورو بوعكة ، هددت وما زالت تهدده حتى في وجوده. فقد سجل انهياره أمام الدولار وعملات أخرى. تداعيات ذلك برزت أيضا في البورصات العالمية ، ولكن خاصة الأوروبية . وفي وضع طبيعي ، فإن الحكومات وبنوكها المركزية لتصحيح الأشياء ، تقدم على تخفيض قيمة عملتها، غير أن اليورو ليس عملة وطنية، بل إن الدول الست عشرة في أوروبا التي قبلت الدخول في منطقته والتظلل بمظلته( 11 دولة من الإتحاد الأوروبي لم تلتحق) ، فقدت السيادة على عملتها ولم يعد بإمكانها أن تصحح أوضاعها عن طريق عملتها، فخضعت لاختيارات ليست اختياراتها ودفعت ثمنا غاليا لذلك. باختصار، فإن اليورو قد فقد على مدى 10 أسابيع تقريبا حوالي 10إلى 15 في المائة من قيمته أمام الدولار, أي إن التصحيح قامت به السوق ولم يكن اختيارا ذاتيا. وهذا الوضع يقطع مع التوجهات السائدة التي كانت تريد أن تحافظ على قيمة العملة الأوروبية كأقوى عملة في العالم. ما يهمنا هنا هو مدى تأثيرات الأزمة اليونانية أساسا والأوروبية عموما علينا ،وهل لها من انعكاسات على أوضاعنا الإقتصادية والإجتماعية ؟ للأمر وجهان: الوجه الأول هو المتمثل في هبوط قيمة العملة الأوروبية والوجه الثاني هو المتمثل في ارتفاع في قيمة الدولار الأمريكي. وعلى أهمية الإنهيار في قيمة اليورو بالمقارنة مع الدولار، فإن ذلك الهبوط لم يمثل بالنسبة إلينا وللدينار التونسي سوى 2 في المائة للفترة ما بين 11 جانفي و21 ماي الماضيين. ولكن يمثل بالدولار ارتفاعا للعملة الأمريكية بما بين 10 و 15 ي المائة. وإذ إن كل انخفاض في قيمة عملة ما يوازيه ارتفاع بالنسبة للعملة المقابلة ، فإن ذلك يفرز ميكانيكية معينة. تهاود في أسعار المواد الموردة من جانبنا باليورو، وارتفاع في أسعار المواد الموردة من طرفنا بالدولار. ولما كانت معاملاتنا في غالبها تجري باليورو باعتبار أن حوالي 80 في المائة من تجارتنا الخارجية تتم مع أوروبا، فإن بلادنا في المحصلة ستستورد البضائع بصورة أرخص ولو قليلا، ومما يضاعف هذه الإستفادة أننا نستورد كثيرا مواد أولية أو تجهيزات أو نصف مصنعة ، لنعيد تصديرها. ولكن وبالمقابل فإن صادراتنا بحكم انخفاض اليورو ، ستتكلف أغلى لدى المورد الأوروبي. ولكن العكس صحيح بالنسبة للمعاملات بالدولار المرتفع، غير أن المبادلات التونسية بالدولار لا تكاد تذكر، ولذلك فإن أثرها ليس كبيرا. على أن السائح الأوروبي والمتعامل باليورو سيضطر لدفع يوروات أكثر عندما ينتقل لبلادنا، ولكن أيضا للبلدان المنافسة لتونس. ومهما يكن من أمر فإن السياسات التقشفية الأوروبية عموما ، وتجميد الأجور أو حتى تخفيضها ستصيب بالضرر النشاط السياحي ، وهو عادة النشاط الأكثر هشاشة. غير أن ارتفاع سعر الدولار وانخفاض سعر اليورو له انعكاسات أخرى لا ينبغي إغفالها وهي المتمثلة في سداد المديونية وفوائدها، ومن هذه الناحية فإن تونس مستفيدة من هذه التقلبات بين العملات وباعتبار الإنخفاض في اليورو فإن بلادنا ستجني من وضع قائم وهو أن حوالي 57 في المائة من المديونية التونسية محررة باليورو، ما يعني أن تونس ستدفع يوروات أقل لنفس حجم المديونية المسددة. ولعل المؤمل أن لا تدوم هذه الأزمات طويلا، حتى لا تؤثر على مدى أطول على انتعاشة بدأت تلوح في الأفق. عبداللطيف الفراتي رئيس التحرير الأسبق http://www.assabah.com.tn/article.php?ID_art=35103 |
dimanche 30 mai 2010
ما هي تداعيات الأزمة الأوروبية على تونس؟
Inscription à :
Publier les commentaires (Atom)
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire