jeudi 16 octobre 2008

سين جيم مع السيدة 'أزمة': هل يعود العرب لرعي الماعز من جديد؟
رمضان جربوع
16/10/2008


(لتبسيط موضوع الأزمة المالية، أقدم لكم هذا التحقيق المتخيل، مستندا على معلومات حقيقية راهنة مع قليل من السخرية لتسهيل الأمر وتخفيف الوقع).
أصل الحكاية

س: من أين أتيت؟ وهل لك أن تروي لنا باختصار قصتك؟
ج: عادة آتي من الجشع، ولكن هذه المرة شجعني على القدوم التضخم الفقاعي لاقتصادياتكم، أي ظهور الثروات الورقية الهائلة التي لا تمثل قيمة أوراقها المعلنة واقعيا، فعندما بدأ نوع من الازدهار في قطاع العقارات الأمريكية (بداية في فلوريدا وكاليفورنيا) تكالب الجميع على إبرام عقود الرهن، لتمويل الشراء والبناء، ولما وصلت إلى حجم هائل، أخذت مكاتب الرهونات تبيع ما لديها للمؤسسات المالية الاستثمارية الكبرى التي تتلقى أموالاً بأرقام فلكية من كافة أنحاء العالم (الصين واليابان وأوروبا وبلدان العرب)، فارتفعت أسعار العقارات، وبالتالي تم إبرام رهنيات أخرى على نفس الوحدة بقيمة الارتفاع (الذي عادة يبالغ فيه)، وبنوك الاستثمار أصابها الجشع هي الأخرى، وأخذت في شراء وتداول ما يسمى 'بالمشتقات'، أي سلع مالية يتمثل بعضها في 'تحويلات' ديون رهنية مضمونة بعقارات قائمة. وانهال المشترون عليها، فتضخمت أعمال البنوك الاستثمارية، وتضخمت كذلك ثروات القائمين عليها. وفي الحقيقة كانت القيمة الحقيقية لا تتجاوز نصف ما صنفت به. وطبعا كان لابد للفقاعة أن تنفجر في حالة قصور المقترضين عن سداد الأقساط والفوائد. وعندما يحجز على العقار ويطرح للبيع، لا يأتي حتى بنصف ثمنه. وهذا ما حدث وأدى لمقدمي. وحدثت حلقة مفرغة، فالعجز عن التسديد أدى بالمصارف التجارية إلى حجب التمويلات الجديدة، وبالتالي إلى هبوط أكثر حدة في أسعار العقارات المرهونة .. وهكذا

الخسائر

س: وكم قيمة الخسائر المتوقعة في هذه السوق؟
ج: تقريبا 1.6 تريليون دولار في السوق العقاري الأمريكي، وهي بعمومها كانت بمعدل متوسط 3 تريليون.
س: ولكن خسائر البورصات العالمية قاربت معدل العشرين بالمائة وبما يفوق هذه القيمة بكثير، بالإضافة إلى ما سيحل، هنالك 12 مليون منزل في الولايات المتحدة لم يعد لمالكيها أي أصول مالية إيجابية بها إن لم تكن سلبية، وهنالك نصفهم تقريبا سيطردون منها خلال سنتين. وكل ذلك يرجع أساسا لتدوال ديون مشكوك فيها من قبل المؤسسات المالية الكبرى وهناك المزيد ..
س:كيف يحدث ذلك؟
ج: عندما يسقط حجر من صرح يضعف آخر، فالأموال متداخلة في العالم أجمع. وعندما تنهار الثقة في الأسواق المالية وأدواتها، خصوصا بسوق الإقراض والاستثمار، ينتشر الهلع بالقطاعات الأخرى، وتشح الودائع بالمصارف، بل تزيد وتيرة سحبها، يعنى تشح السيولة، وتضطرب شؤون المؤسسات التجارية والصناعية الصغرى التي تعتمد على الإقراض المصرفي شهريا لتسيير عملها، وقد تليها المؤسسات الكبيرة فالكبرى، وتنخفض قيمة جميع أسهمها، وقد يفلس بعضها، وكل ذلك يفيد بانخفاض لكمية الأموال المتاحة للإقراض والاستثمار، وتتصدع البنية الإنتاجية بكاملها، وتتفشى البطالة والكساد، وترتفع الأسعار، ويقل الإنفاق بجميع القطاعات، وسينتشر ذلك بفضل العولمة وترابط المصالح.

عن خطة الإنقاذ بمزيد من الدين!

س: ولكن خطة الإنقاذ المعلنة بسبعمائة مليار، ألا تكفي؟
ج: قطرة في واد، المطلوب 3 تريليون لتغطية الخسائر، ومثلها تقريبا يجب أن يضخ في المصارف لتوفير السيولة واستعادة الثقة، حتى لا تقع الواقعة، ومثل ذلك في بقية دول العالم. وقد يصل الرقم الإجمالي إلى 25 تريليون على مدى سنتين، بعضها نقدي وبعضها على هيئة ضمانات حكومية. وفي الفترة القادمة سيحدث انتعاش طفيف يليه تقلص وكساد بدوارت متعاقبة سيكون متوسطها السنوي سلبيا للغاية.
س: ومن أين ستأتي هذه الأموال؟ المعلوم أن الميزانية الأمريكية تغطى بالعجز عن طريق طرح سندات خزانة مضمونة من الحكومة الأمريكية، مثل تمويل الحرب على 'الإرهاب' التي تقوم بها أمريكا الآن فهل يستطيعون ذلك؟
ج: لا مفر من ذلك، سيضطرب السوق خلال الأشهر القادمة، ما بين ارتفاع وانخفاض، حتى يصل إلى نصف ما كان عليه بالأرقام، وطرح سندات الخزانة له حدود، فلابد من مشترين، وهؤلاء أصبحوا يقلون شيئا فشيئا، فالحل الأمثل هو شراء نسب من أصول كبار المصارف، بل وحتى المؤسسات الصناعية المدينة مقابل هذه السندات. وربما تتحسن الأحوال. ولابد لبقية العالم أن يتبع ذلك، خصوصا الصين واليابان وبلدان العرب، تبقى الإشكالية متعلقة بمدى استجابة الأسواق وثقتها في سندات الخزانة نفسها.
س: على ذكر بلدان العرب، ألم يقولوا بأنهم ليسوا في خطر؟
ج: كلام إعلامي أمني سياسي، (خرطي في خرطي) الكل متورط، فالذين لديهم أموال وودائع واستثمارات عقارية سيعانون مثلهم مثل غيرهم، بل إن خسائرهم تتجاوز العشرين بالمائة مما لديهم، مهما صرحوا وأكدوا، وسينخفض سعر النفط إلى خمسين دولاراً، وربما حتى إلى عشرين (وسيكون الدولار عندئذ بنصف قيمته اليوم ـ يعني يا دوبك عشر دولارات اليوم!) وستهبط قيمة كافة العملات في العالم أيضا. بالنسبة للذين ليس لديهم أموال، ويعتمدون على السياحة وتصدير الخضر والفواكه والأزهار، فسيعانون أيضا حيث سيقل إنفاق الزبائن القادمين من الغرب، إن لم ينقطع أصلا! وستصبح المنتجعات مرتعا لكل ذي أربع!
س: وبماذا يمكن نصح العرب الأن؟

الماعز الماعز يا قوم!

ج: التشجيع على تربية الماعز ربما! فمنها الحليب واللحم والشعر لصنع البيوت! فبيت الشعر أساس النجع!
س: نعود لإمكانية تفاقمك يا سيدة 'أزمة' .. كيف يمكن أن يزداد الحال سوءاً؟
ج: إذا حدث كساد عظيم مثل الذي حدث في سنة 1929، فستكون بطالة وبؤس وسوء حال في أوروبا، وربما أمريكا أيضا وبقية بلدان العالم، سيحدث شغب ويظهر 'العداء للسامية' بعنفوان جديد سيتهم البعض اليهود بأنهم وراء ما حدث- وقد يخرج 'هتلر' جديد هنا أو هناك! .... إذا فقدت بعض العملات قيمتها واحتاج الأمر إلى حمولة عربة يد من أوراق البنكنوت لشراء رغيف خبز! لقد حدث هذا في الماضي، وقد تنشب أو تفتعل حروب لنشيط الاقتصاد وقائمة الأهداف متوفرة (إيران، الباكستان، سورية وربما روسيا بطريقة أو أخرى)
س: ولكن أليست هناك إمكانية أن ترحلي عنا نهائيا؟
ج: ممكن، إذا تمكن العالم من تقليص التعامل بالقيمة الورقية ومراقبتها ضمن قوانين مشددة، وملاحقة المتلاعبين جنائيا، وإشراف أكثر على المؤسسات المالية الاستثمارية التى لا رقابة عليها الآن في الولايات المتحدة، مثل ما يجرى على المصارف التجارية العادية (وبعضها متورط أيضا في سوق 'المشتقات' ويجب إنقاذه) كذلك الرضوخ بحقيقة أن حجم الاقتصاد العالمي الآن مبالغ فيه، ولا يوجد ما يقابله على أرض الواقع، وهو لا يمكن أن يصل إلى نصف ما عليه، ثم وأخيرا التفكير جديا في مبدأ تغطية إصدار العملات بضمان ذهب أو ما يماثله، أو حصره بقيود معينة تمثل نموا إنتاجيا حقيقيا في الاقتصاد، وكذلك العمل على تقنين إصدارات سندات الخزانة في أي دولة، ولابد من وضع أطر جديدة في البورصات العالمية لتقييم المعروض من الأسهم والسندات... بالطبع لن توافق أمريكا على كل ذلك، فهي مصرة على عدم تغطية عملتها بأي شكل كان ولكن هنالك دائما مجال لحلول وسط إذا ضغط العالم عليها.

أموال العرب الورقية

س: ماذا سيحدث لأموال العرب؟
ج: هم لديهم إيصالات ورقية على كل حال، مثلها مثل الثروات الورقية، (نذكركم بثروة الكويت المودعة لدى الغرب، لم يستطع الأمير ولا الحكومة السحب منها لأنها جمدت بعد الغزو واحتجزت لتمويل الحرب) ولن يستطيع العرب فعل شيء، فأموال النفط لم يجيدوا استثمارها في بلدانهم، ولم ينهضوا ببلدانهم وحولوها إلى أسواق استهلاكية بدلا من مجتمعات منتجة، وما يذهب للخارج أضعاف أضعاف، وسيحدث لها ما يحدث لغيرها فلا عصمة لأحد
س: هل نشاهد أفول اقتصاد السوق وانبعاث الاشتراكية؟
ج: لن يحدث ذلك، السوق بطبعه يصلح حاله حسب المعطيات، أنـــا الأزمة قائمة! إلى حين، ربما سنتين أو أربع، أو خمس ولكن سيحدث لجم لحرية المضاربة أو في واقع الحال 'المقامرة' بأموال الغير. وعموما سيكون هناك نمو لتدخل الدولة في الاقتصاد الحر بغرض الضبط.

بيع الريح للمراكب

س: هل ستتأثر أمريكا كثيرا من حيث نفوذها وقوتها؟
ج: بالتأكيد .. ولكن ليس بالدرجة التي يحلم بها بعض العرب والأوروبيين والروس، فمكمن قوة أمريكا في واقع الحال هو في سعة سوقها وقدرته على استيعاب ما يصنعه غيرها، وإذا لم يجد غيرها سوقا فيها، مثل الصين، فسيقل التصنيع لديها وينكمش اقتصادها، وكذلك غيرها، لذلك ستهب أموال العالم الصيني والياباني لنجدة 'الزبون' الأمريكي وطبعا أموال العرب متوافرة لهم على كل حال ..
س: ولكن ماذا سيبيع العرب؟
ج: إلى جانب الريح للمراكب، يستطيعون استبدال الأموال بأسلحة لغرض 'التصدئة' بالصحراء أو بناء أبراج تعانق السماء ليسكنها البوم يوما ما ..
س: هل سيتأثر المواطن العادي في بلدان العرب؟
ج: ليس كثيرا، فهم في فقر على كل حال، الطبقة المتوسطة ستختفي شيئا فشيئا ولن يظل منعما سوى المتنفذين المستلطين لديكم.
' كاتب من ليبيا

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire