العربية نت / دروس التاريخ لا تخطئ في استنتاج العبر واستشراف النتائج المستقبلية اذا ما أحسنّا القراءة. لقد كتبت في عام ٢٠٠٤ في صحيفة الحياة اللندنية تحت عنوان: "اليوم التالي لهزيمة الولايات المتحدة في العراق"، مقالا استشرافيا يتوقع الزلزال الاقتصادي الذي نشاهده اليوم. يومها سمح المشرف على الصفحة الفكرية لنفسه بأن يشطب جملة من آخر المقال تقول: لن يكون هناك مستقبل للولايات المتحدة بعد ذلك. وبرر ذلك بأن هناك مبالغة لا تليق بي كمحلل سياسي!! مع العلم بأنني كنت أصرّ على هذا الاستنتاج ولم أتراجع عنه يوماً. الوصول لهذا الاستنتاج لم يكن اعتباطياً، بل كان نتيجة مقارنة أحوال الولايات المتحدة ما قبل هزيمتها في فيتنام وبعدها، التي حوّلت، أي تلك الهزيمة، الولايات المتحدة من مقرض للعالم الى مقترض، وبدأت بإظهار علامات العجز في الميزانية وفي الميزان التجاري. دروس التاريخ تقول إن الامبراطورية البريطانية رغم أنها خرجت منتصرة في الحرب العالمية الاولى، إلا أن الاجتماع الاول للحكومة البريطانية بعد نهاية الحرب الذي كرّس لتقييم النتائج السياسي والاقتصادية، أظهر أن الخزينة كانت فارغة، مما استدعى إعادة مليون جندي، من أصل مليون وثلاثمئة ألف جندي كانوا منتشرين ما بين الهند والاراضي المصرية مرورا بكل المستعمرات العربية والافريقية وغيرها، وذلك لكي يساهموا في إعادة الدورة الاقتصادية وللتخفيف من العبء الاقتصادي لانتشارهم. ذلك لان الحروب تحتاج الى مال وبدون مال لا يمكن شن الحروب أو استمرارها. كما تخلت بريطانيا عن مشروعي تقسيم تركيا الى ثلاث دول كما كانت قد خططت لو قدر لها إمكانية احتلال تركيا، وتراجعت عن مشروع احتلال أفغانستان الذي أظهر ايضا انه مكلف بالأرواح والأموال. بعد الحرب العالمية الثانية تبين أن الذي موّل الحرب أساساً على كل جبهات الحلفاء، بما فيها الجبهة الروسية، وبالطبع كلفة الحرب للجيش البريطاني والفرنسي والمقاومات الوطنية في كل العالم، كانت بنسبة كبيرة الولايات المتحدة، هذا المجهود الاقتصادي انتهى مع نهاية الحرب بمشروع مارشال الذي أعاد إعمار أوروبا والذي أثبت أن قيادة العالم الجديد اقتصاديا وسياسيا وعسكريا أصبحت للولايات المتحدة. وتراجع الاستعمار القديم المفلس لتحل محله هيمنة الولايات المتحدة. ظهور القطب المنافس للولايات المتحدة الاميركية المتمثل بالاتحاد السوفياتي لم يشكل أثناء الحرب الباردة إلا عوائق نسبية تؤخر الهيمنة الاميركية في بعض البلدان وتفرض جيوبولتيك المعسكر الاشتراكي الذي لم يكن في جوهره لا ثمرة تطور ثورات اشتراكية في بلدان هذا المعسكر ولا ثمرة تجربة اقتصادية مختلفة عما كانت عليه الدول الرأسمالية، بقدر ما كانت موجودة، كما كانت بصورتها وأنظمتها، كنتيجة للانتصارات العسكرية التي حققها الجيش الاحمر في الحرب العالمية الثانية. فحيث ارتفع علم الجيش الاحمر أقيمت دولة اشتراكية. وهزم الجيش الأحمر في أفغانستان وكان لذلك أثر على مكانته في العالم وما تكشفت عنه هذه الحرب من ضعف اقتصادي، كان معلوماً ولكن محمياً بالقوة الأمنية، فما إن ذهبت الحماية الامنية حتى انهار جدار برلين وانهار معه المعسكر الاشتراكي، بل انفجر الاتحاد السوفياتي نفسه الى عدة جمهوريات، ليشكل على اثر ذلك روسيا الاتحادية، المؤلفة بدورها من احدى وعشرين جمهورية اليوم والعديد من مناطق الحكم الذاتي الاخرى التي تشكل ما بقي موحداً من بقايا الاتحاد السوفياتي تحت راية روسيا الاتحادية. هذا الدرس يقول إن الهزيمة العسكرية مع الاقتصاد الهش في دولة القوميات المتعددة لا تؤدي الى تراجع الامبراطورية فقط عن لعب دورها: امبراطورية، كما حصل مع بريطانيا العظمى، بل يؤدي الى تفكك الكيان الى كيانات صغيرة ودول متعددة لكي تخرج علينا النتائج بجغرافيا سياسية جديدة مع كل ما يعني ذلك من توابع اقتصادية واجتماعية وسياسية على الصعيد العالمي، خاصة اذا كان حجم الجغرافيا القديمة بحجم الاتحاد السوفياتي الذي كان يعادل مساحة قارة بأكملها. حرب فيتنام كانت هزيمة عسكرية للولايات المتحدة التي أثبتت أن هذا المارد العسكري الاقتصادي المنتصر في الحرب العالمية الثانية لا يستطيع هزيمة شعب صمم على المقاومة. نتيجة الحرب هذه أثرت على المكانة الاقتصادية للولايات المتحدة، كما ذكرنا بالتفصيل في المقال الذي أشرنا اليه في المقدمة، وتلخصت النتائج بانفكاك الدولار عن الذهب قسراً لا اختيارا، وبدء اقتراض الولايات المتحدة من الدول الاخرى وبدء العجز الاقتصادي. إلا أن ما أخّر الانهيار الكلي كانت أسبابه، اولا عدم وجود المنافس الحقيقي، فلا أوروبا كانت موجودة ولا اليورو كعملة بديلة، ولا المعسكر الاشتراكي كان مهيئاً لمثل هذا الدور، كما ان الثورة التكنولوجية الرقمية سمحت للولايات المتحدة باستدراك وضعها المتراجع لكي تحافظ على دورها في قيادة الحركة الاقتصادية العالمية، كما انها استفادت من الطفرة النفطية وأموال البترو دولار لكي تقرض دول العالم الثالث من خلال تدوير هذا المال عبر البنوك الاميركية، وهذه الدورة وهذا الدور انتهى بما عرف بأزمة قروض العالم الثالث التي انتهت بزيادة القدرة المالية للولايات المتحدة لأول مرة لا عن طريق الانتاج الصناعي الاميركي بل عن طريق دور الخدمات البنكية التي فتحت الشهية أمام دور أكبر رسمته الولايات المتحدة لنفسها من خلال المزيد من الاقتراض لسد العجز، تعوض عن ذلك بجلب الاستثمارات للولايات المتحدة وفتح الاسواق أمام نفوذها المالي في العالم وإصدار منتجات مالية جديدة تقوم على المضاربات وتدوير الديون وإنشاء بنوك متخصصة بهذه العمليات، والتي نشاهد إفلاسها اليوم. هذه الفسحة الزمنية سمحت للولايات المتحدة بتحدي المعسكر الاشتراكي وعلى رأسه الاتحاد السوفياتي بأن تأخذ إمكاناتها المادية اللا محدودة عن طريق الاقتراض والسيطرة على الاسواق المالية من خلال مؤسسات أميركية ودولية تابعة كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي وكل البنوك التي كانت تقود عملية تدوير رأس المال في العالم، والتي كانت تسمح لنفسها بإعطاء الرتب والتقييم للواقع الاقتصادي في دول العالم، وكما كانت حال ميريل لينش وليهمن براذرز وغيرهما. وأخذت باليد الاخرى نتائج الثورة الرقمية لكي تهدد المعسكر الاشتراكي بحرب النجوم وسباق تسلح لا يقدر عليه هذا المعسكر المهزوم في أفغانستان والمفلس اقتصاديا. سقوط المعسكر الاشتراكي والاتحاد السوفياتي فتح شهية الولايات المتحدة على جشع سياسي امبراطوري بلا حدود، فكانت نظريات القطب الواحد وولادة عالم جديد، وكانت نظريات نهاية التاريخ وانتصار الرأسمالية، وكان الخوف من الذي عبر عنه هانتغتون من صراع حضارات يهدد الحضارة الغربية، وكانت حرب جورج بوش التي أراد من خلالها فرض »ديموقراطيات« تساعد على المزيد من الهيمنة الاميركية. لقد استطاعت الولايات المتحدة أن تختبئ وراء أحداث الحادي عشر من ايلول لكي تعلن أن حربها العالمية تهدف الى القضاء على الارهاب. ثم جملت حربها بشعارات نشر الديموقراطية، إلا ان الحقائق الموثقة بكتابات المحافظين الجدد وما كشف من أسرار عن الإعداد المسبق للحرب على العراق وأهداف السيطرة على الطاقة في العالم وإخافة دول الجوار لاستسلامها أو إسقاطها، كل ذلك يدل على أن الولايات المتحدة كانت تخفي أهدافا اخرى حقيقية لهذه الحروب تتجاوز ما أعلنته. ان الولايات المتحدة بنظرنا وبما لدينا من أدلة وما كتب وما مورس وما تكشف من نتائج، كانت أكثر من غيرها تدرك مواطن ضعفها الاقتصادي والامني وكانت قد وصلت الى النتيجة الكلاسيكية، أي شن الحرب من أجل إنقاذ الاقتصاد، التي مفادها أنه آن الاوان لشن حرب تسمح لها بالسيطرة على الطاقة ولمنع نمو الآخرين بالتالي، والسيطرة على مقدرات الدول الممانعة لفكر الهيمنة تمهيدا لفرض السيطرة الكاملة ومحاصرة القوى الصاعدة ولتؤمن الاسواق المالية والمواد الاولية وطرق المواصلات بما يخدم أهدافها، وكانت في سباق مع الزمن لأنها كانت تدرك أكثر من غيرها مواطن ضعفها، فهي دخلت حلقة الاستقراض، وتراجع القدرة التنافسية بسبب ارتفاع الكلفة، وتراجع الصناعة، عماد الاقتصاد، لمصلحة الخدمات وتراجع قيمة العملة بسبب الاستقراض. الحرب التي يتحدث عنها البعض، كهروب الى الأمام من أجل حل المشكلة الاقتصادية، وقعت فعلا في العراق وأصبحت وراءنا. اليوم جاءت النتائج عكس ما كانت تشتهي الولايات المتحدة. فلا نفط العراق دخل ضمن خانة الممتلكات للشركات الاميركية، ولا الجيش الاميركي أثبت قدرة حقيقية على فرض النفوذ، ولا الأعباء المترتبة على هذه المغامرات أتت بالثمار المتوخاة بل جاءت بمزيد من الاعباء. اليوم الولايات المتحدة أمام حقيقة هزيمتها العسكرية في العراق، وهزيمتها مع الناتو في أفغانستان، مع انهيار نظامها المالي والنقدي، الذي سيتبعه ركود اقتصادي حتمي يؤثر على قدرتها الانتاجية والإنفاقية. وبالتالي هي بحاجة الى المزيد من القروض، بحاجة لسحب قواتها المقاتلة وحتى المتمركزة في العالم لتخفيف الأعباء، وبحاجة الى سلم أهلي داخلي سيكلفها أعباء جديدة لأنه لا أزمات اقتصادية حادة كما نشاهد اليوم بدون أزمات اجتماعية وطبقية وعرقية، ولا أزمات عرقية وطبقية وأمنية دون تحول في البنية الاقتصادية والقدرة الانتاجية بل حتى في الجغرافيا السياسية... الولايات المتحدة كانت تعيش على الاقتراض من الخارج، واليوم هي بحاجة أكثر لمزيد من الاقتراض مع تراجع الدخل الضريبي وتراجع العجلة الاقتصادية، فهل من مقرض بلا شروط؟ وهل من مقرض يطمئن لمستقبل الدولار ومستقبل سندات الخزينة؟ وهل من مقرض بلا رقابة وشراكة، هذا في حال قرر مد يد العون، ليطمئن لعدم تكرار ما حصل؟ اليوم ونحن نكتب هذا المقال ثبت بالدليل القاطع أن الصين أصبحت شريكا أساسيا في قيادة اقتصاد الولايات المتحدة وتحديد مستقبلها، تماما كما كانت الولايات المتحدة لبريطانيا بعد نهاية الحربين العالميتين. بريطانيا حينها لم تكن خصما للولايات المتحدة ولا منافسا حضاريا أو جذريا، فما هو دور الصين الحقيقي والمستقبلي في هذا الخصوص؟ الدليل الأكبر على الشراكة في القرار هو ان الادارة الاميركية أسرعت الى إنقاذ بنك فريدي ماك وفاني ماي، وتركت ليهمن براذرز لمصيره المحتوم بالسقوط، لا لسبب اقتصادي يتعلق بالاوضاع الخاصة لكل بنك والفرق بين وضعيتهما المالية أو حجم قروضهما الهالكة. الفرق أن فريدي ماك وفاني ما يحويان نصف الاستثمارات الصينية في الولايات المتحدة التي يصل حجمها الى ستمئة مليار دولار، كما للصين مبلغ مماثل في سندات الخزينة الاميركية. ترك تلك المؤسسات كما ترك بنك ليهمن براذرز كان سيؤدي الى أزمة حادة بين الدولتين، أي بين المموَّل، بفتح الواو، والمموِّل، بكسر الواو، وانسحاب الصين من اية محاولة استقراض أميركية مستقبلية من الصين وغيرها كما هو مطروح وحتمي وكما هو خيار وحيد للولايات المتحدة، لان هذا قدرها الذي وضعت نفسها فيه. دولة تعيش بالدين وعلى الاستقراض. النتائج الاستراتيجية لهذه التحولات لن تكون محدودة كما أعلن البعض بتراجع الدور الامبراطوري للولايات المتحدة فحسب، بل إن مستقبل الولايات المتحدة نفسها على المحك اليوم. لقد أعلن أكثر من مسؤول أوروبي وغير أوروبي أنه لا يجوز بعد اليوم ترك قيادة الاقتصاد العالمي بيد الولايات المتحدة. هذا يعني نهاية الامبراطورية المالية. الشراكة الصينية الاميركية في تعيين حياة أو موت الاقتصاد الاميركي، ولا وجود لصورة معاكسة البتة في الواقع الحالي، تعني نهاية استقلال القرار الاميركي على المدى القصير لا المتوسط أو البعيد، الولايات المتحدة اليوم أمام الصين هي كبريطانيا العظمى أمام الولايات المتحدة بعد الحربين العالميتين، مع فارق ستحدده الصين مستقبلا بأن تكون منافسا وخصما شرسا اليوم، ام كمن يقتل بالقطنة وببطء كما يقول المثل الفارسي فتستمر بسياسة الصعود الهادئ والقاتل للولايات المتحدة؟ في كلتا الحالتين الولايات المتحدة أصبحت أسيرة ووضيعة. الضعف الاقتصادي والعجز في المداخيل سيؤديان الى انسحاب سريع، وحتى غير منظم، من العراق، تتبعه هزيمة مدوية للاطلسي في أفغانستان. والقرار هنا وفي كلتا الجبهتين لا يعود لمزاج الولايات المتحدة وفطنتها وإدراكها لوضعها الصعب، بل لوجود قرارات إقليمية ودولية ومصالح استراتيجية لدول عدة قررت إخراج الولايات المتحدة مهزومة من العراق، وقررت إعدام الأطلسي وأدواره المستقبلية من خلال هزيمته في أفغانستان. الإفلاس الداخلي في الولايات المتحدة لن ينتظر تظهير هذه الصورة بل بدأ يقرع الأبواب اليوم والأزمة انتقلت من البنوك والازمة العقارية وسوق الاسهم الى سوق العمل والقدرة الانتاجية وحجم الضرائب المجباة من الأفراد والشركات. لقد كتب حاكم ولاية كاليفورنيا الممثل الشهير ارنولد شوارزنيغر لمدير الاحتياط الفدرالي يطلب المساعدة والإنقاذ، لان خزانة الولاية الاغنى في الولايات المتحدة خالية والولاية غير قادرة على دفع مرتبات الموظفين هذا الشهر، وكما ان البنوك لا تقرض الولاية وهي من أهم المودعين عادة في هذه البنوك. لو تأخر الاحتياط الفدرالي عن نجدة هذه الولاية التي دقت ناقوس الخطر قبل مثيلاتها التي تعيش الضائقة نفسها فالنتيجة ستكون ان الملايين من الموظفين سيصبحون عاطلين عن العمل وبدون مداخيل، كما ذكرت صحيفة يو اس نيوز في الثاني عشر من الشهر الجاري. المعلومات التي وصلتنا من الولايات المتحدة تقول: ان العديد من الولايات قدمت لموظفيها عروضا بالقبول بدفع رواتب بنسبة أقل مما يستحقون بسبب العجز، على ان تسحب هذه الحسومات من مرتباتهم ساعات عمل إضافية تحسب لمصلحتهم عند التقاعد، وهذا يذكرنا بأوضاع الاتحاد السوفياتي عندما عجز عن دفع رواتب موظفي الدولة. إن دراسة معمقة لنظام الضرائب الذي يؤمن المداخيل لحكومات الولايات وللحكومة الفدرالية أثبت أن كل دولار يدفع من الطبقة الغنية وبالتالي من الولاية الغنية يحصل على أقل من أربعين سنتا من الحكومة الفدرالية والحكومة المحلية، بالمقابل فإن كل فقير يدفع دولارا واحدا للضرائب يأخذ مقابله أربعة عشر دولارا كمساعدات. هذه الدراسة التي قمنا بها تؤكد أن بعض الولايات المتحدة بالمحصلة تدفع للحكومة الفدرالية ضرائب تساعد في دفع عجلة الإنفاق الفدرالي، فيما ولايات ضعيفة تأخذ مساعدات مضاعفة نتيجة ضعفها الضريبي. في حال الرخاء والاسترخاء فإن الأمور تسير بهذا الشكل، أما في حال الضائقة والعسر فإن الولايات ستطالب بالاحتفاظ بكمية أكبر من الضرائب المجباة في أسواقها لحاجتها اليها كأولوية، فيما الولايات الفقيرة ستقع في العجز والعوز. التاريخ مليء بالامثلة عن تفكك الدول نتيجة ضعف المركز والتفاوت الاقتصادي بين الاطراف المكونة للوحدة السياسية لأي دولة. نتيجة تلك الحتمية هو طلب الاستقلال، أو بالحد الادنى تغيير قواعد اللعبة الذي يؤدي ايضا وحتما الى أزمات سياسية اجتماعية تجر الازمات الامنية الكبيرة وتخرج جغرافية سياسية جديدة. لو عطفنا هذا التفاوت الاقتصادي الحاد، وتضارب المصالح المستقبلية على صعيد كل ولاية على حدة، الى جانب التفاوت والتناقض العرقي الموجود أصلا في الولايات المتحدة حاليا، لاستشرفنا أن الانقسام سيكون بين هذه الولايات أفقيا، بين الولايات الغنية والولايات الفقيرة، وسيكون عموديا بين الأعراق والأجناس. ولمن يريد المزيد من هذه الاحتمالات عليه بالرجوع الى الارقام التي أوردها هانتغتون نفسه في كتابه المعنون: من نحن؟ ليجد مثلا ان خمسة وثلاثين مليون نسمة في الولايات المتحدة لا يتكلمون الانكليزية بل الاسبانية وتربطهم روابط اللغة الواحدة والدين الواحد، الكاثوليكي، والمشرب التاريخي الواحد، بأميركا اللاتينية، والازمة التاريخية المستفحلة بين الاميركي المسيطر والمتلاعب بمصائر الشعوب وخاصة المحتل لنيو مكسيكو التي تعود للمكسيك. بريطانيا العظمى هيمنت بجيوشها فأمنت ثروة وسيطرة على ثلث العالم، انتصرت عسكريا ولكنها فقدت ثروتها نتيجة الحروب المنهكة فتراجعت وأصبحت تعيش في ظل الولايات المتحدة، المعسكر الاشتراكي والاتحاد السوفياتي هيمن بالجيش الاحمر ولم ينجح في اقتصاده، وما إن هزم الجيش الاحمر حتى اختفى المعسكر الاشتراكي عن خارطة العالم وتقسم الاتحاد السوفياتي الى دول عدة. اليوم الولايات المتحدة تخسر الحرب العسكرية والنفوذ الاقتصادي معا وفي سرعة قياسية. لم يكن لينجح في تحقيق هذا الفشل المريع والسريع إلا رجل كجورج بوش ومعاونيه من المحافظين الجدد، الذين سيدخلون التاريخ بسمة »أحمق إدارة عرفها التاريخ الحديث«، أدت الى تفكك الولايات المتحدة وانحلاله. وغدا لناظره قريب |
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire