mardi 21 octobre 2008

خرافة اقتصاد السوق الحر


هشام البستاني*

النسخة الكاملة للمقال المنشور اليوم في: الاخبار اللبنانية، الاثنين 20/10/2008

http://al-akhbar.com/ar/node/97671

تلجأ الرأسمالية دائماً، في سياق اندفاعها الشرس للهيمنة على الاسواق وتعظيم الارباح، الى نشر مجموعة كبيرة من المصطلحات والمفاهيم النظرية الدعائية الموجهة تحديداً الى بلدان الجنوب، وذلك لخدمة هدفين رئيسيين:

الأول: دفع الجنوب (بوسائل مختلفة منها الوسائل المعرفية مدار بحثنا) لتبني نظم اقتصادية/سياسية تسهّل اختراق المراكز لها والحاقها بنيوياً بشكل كامل.

الثاني: تغيير المفاهيم المعرفية والاستراتيجية عند جمهور المتأثرين سلباً بالاختراق والالحاق (وهم معظم سكان الارض، وخصوصا سكان الجنوب منهم بوجه خاص)، وبحيث تتبنى الظواهر المقاومة الصادرة عنهم خطاباً منعكساً عن الخطاب الدعائي، وهو ما يسهل اجهاض هذه الظواهر او توظيفها، او على الاقل ابقاها تراوح مكانها دون ان تتقدم.

كنت قد حللت سابقاً العديد من هذه المفاهيم في دراسات سابقة، مستنتجاً انها ليست الا ادوات دعائية للتبرير الداخلي والتضليل الخارجي، والامثلة عليها كثيرة يأتي على رأسها مفهوم "صراع الحضارات" (راجع - أوهام صراع الحضارات، الأخبار اللبنانية 10 أيار 2008)، وترويج أحداث 11 سبتمبر على انها احداث ادت الى انقلاب في مسيرة التاريخ (راجع - 11 أيلول: الامبريالية ووهم الانقلاب التاريخي، الاخبار اللبنانية 11 أيلول 2008)، ومصطلح "الارهاب" المحمّل سلفاً بالدلالات النفسية والذي سيكون موضوعاً لنقدٍ قادم.

الا أنني أرى أن الخرافة الأكبر التي ساقتها الرأسمالية على العالم دون أن يرف لها جفن، كانت ما تسميه "اقتصاد السوق الحر" (Free Market Economy). هذا المقال مخصص لتفكيك هذا المفهوم، واثبات ان "اقتصاد السوق الحر" مخصص فقط للدعاية التي تدفع باتجاه فتح العالم بشكل كامل امام بلدان المراكز وشركاتها، وذلك على النقيض الكامل مما تمارسه دول المراكز نفسها. اضافة الى انه سيثبت أن السوق لا يمكن أن يكون حراً في الاصل، وانما لا بد انه سيخضع لاملاءات حكومية في كل الاحوال.

هذا النقد لا يطال الليبراليين الجدد وبرامجهم الالحاقية فقط، بل يطال ايضاً مدرسة من مناهضي الامبريالية والعولمة ترى ان دور الدولة في المراكز والاطراف قد انتهى وان الكلمة اليوم هي لـ"حكومات خفية من أصحاب الشركات المتعدية للحدود" – وهو استتباع ميكانيكي لخرافة "السوق الحر" الذي لا تتدخل فيه الدولة وبالتالي فلا داعي لها.

هذا المقال سيؤكد ان الدولة ما زالت حاضرة بقوة في عالمنا المعاصر، وهي الاداة الاولى (في الدول الرأسمالية) للتدخل في الاسواق الداخلية (لحمايتها) والخارجية (للهيمنة عليها)، وهي الاداة الاولى (في دول الاطراف) لانفاذ البرامج الاقتصادية الالحاقية وقمع اي معارضة ضدها.

منذ أن بدأ نشاط منظمات مرتبطة بالامبريالية الامريكية في الخمسينات والستينات لمواجهة "الخطر الشيوعي" تحت ذريعة مواجهة "التوتاليتارية"(مثلاً مؤسسة فريدوم هاوس - Freedom House)، والبروشورات والادبيات الصادرة عنها تدعو للديمقراطية وحرية الرأي والتعبير، ومعها بالضرورة حرية السوق، وبحيث جُعلت حرية السوق شرطاً لا بد منه لتحقق الحريات الاخرى، لا استقامة لها بدونها.

هذه الاطروحة أصبحت مركزية في عالمنا المعاصر بعد سنين عديدة على ولادتها ونجاحها في اختراق اوروبا الشرقية والوسطى وجمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة، كما اصبحت مركزية لجيل من الشباب "الليبرتاريين" (المصطلح الملطف عن "النيولبراليين" على ما يبدو!) في الاطراف ممن يعتقدون انهم يدفعون بقيم الحرية الى الاقصى (انظر مثلاً موقع مصباح الحرية misbahalhurriyya.org).

الأب الروحي لنظرية السوق الحر هو عالم الاقتصاد النمساوي فريدريش فون هايك. في مواجهة اقتصاد كينزي تتدخل فيه الحكومات للحفاظ على استقرار الاسواق، رفض فون هايك اي تدخل حكومي على الاطلاق في السوق، معتبراً أن السوق قادر بميكانزماته الذاتية على تصحيح نفسه بنفسه، وتحقيق التوازن والسعادة والرفاه والحرية لجميع الافراد، وان السوق الحر من أية قيود هو الضمانة الامثل لرأسمالية تحقق الازدهار للبشر، وهذه الاطروحة هي ذاتها الاطروحة المركزية لمن يُسَمّون اليوم "اليبراليين الجدد"، فيما يفضلون هم اطلاق عبارة "الليبراليين الكلاسيكيين" على أنفسهم توسلاً لتاريخ وأصالة لم تتحقق الا حديثاً.

كان التطبيق الاول لمدرسة "السوق الحر" على مستوى العالم في الجنوب لا في الشمال، وتحديداً في تشيلي السبعينات تحت قيادة الديكتاتور الدموي اوغستو بينوشيه الذي اطاح –يدعم مباشر من المخابرات الامريكية- بالرئيس الاشتراكي المنتخب ديمقراطياً سالفادور اليندي.

من غير المستغرب ان تكون تجربة "السوق الحر" الاولى هي ضمن نظام يحكم بالحديد والنار، بل ان هذه التجربة الاولية تؤكد ان حرية السوق لا علاقة لها بالحرية اساساً، ناهيك عن تعلقها بحرية الرأي والتعبير وحقوق الانسان!

لقد كان العقل المخطط لتجربة تشيلي هو استاذ الاقتصاد في جامعة شيكاجو ميلتون فريدمان، أحد أهم دعاة السوق الحر، اضافة الى تلامذته اللاتينيين الذين آُطلق عليهم اسم "أولاد شيكاجو" (Chicago Boys) نسبة الى جامعة شيكاجو (معقل النظريات النيولبرالية) التي تتلمذوا فيها على يد فريدمان. ولا ننسى أن شيكاجو نفسها هي المعقل التاريخي للمافيات والعصابات الامريكية!

لقد منيت "معجزة" فريدمان في تشيلي بفشل ذريع رغم الدعاية الهائلة التي قالت غير ذلك. يورد جريج بالاست العضو الامريكي الوحيد في مجموعة "أولاد شيكاجو" المؤشرات التالية على هذا الفشل:

عام 1973 عندما استحوذ بينوشيه على السلطة كان معدل البطالة هو 4.3%. أما في العام 1983، وبعد عقد من تطبيقات السوق الحر، وصلت البطالة الى 22%. الاجور الحقيقية انخفضت بنسبة 40% خلال حكم الجنرالات. قبل استلام بينوشيه الحكم، كان 20% من التشيليين يعيشون تحت خط الفقر، هؤلاء تضاعفوا الى 40% عندما غادر بينوشيه الحكم.

وليوقف العربة المتدهورة -يقول بالاست- لجأ بينوشيه الى النماذج الاقتصادية الكينزية والاشتراكية (تأميم البنوك والصناعات وعلى رأسها صناعة استخراج النحاس – العصب الاساسي لاقتصاد تشيلي).

تجارب السوق الحر في دول المراكز كانت لاحقة على التجربة الفاشلة في تشيلي، فبصعود مارغريت ثاتشر في بريطانيا ورونالد ريغان في الولايات المتحدة اوائل ثمانينات القرن الماضي، دخل العديد من اطروحات فون هايك وفريدمان حيز التنفيذ في المراكز. فثاتشر كانت السباقة الى خصخصة (Privatization) المؤسسات والشركات المملوكة للقطاع العام في بريطانيا، وريغان كان الرائد في ازالة القيود القانونية التي تحدد (تنظم) النشاط الرأسمالي (Deregulation). لكن هل سار "تحرير الاسواق" في المراكز الرأسمالية الى نهاية الطريق كما كان الامر في تشيلي؟ وهل دفع ذلك الدولة الى الانسحاب الكامل من السوق وتركه ساحة "مفتوحة" أو "حرة"؟

اثر الانهيار الكارثي للاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية بداية التسعينات، و"بقاء" أو "انتصار" النسخة الكينزية أو نسخة دولة الرفاه ذات التأثر الكبير بالاشتراكية من الرأسمالية، اصبح العالم ساحة مفتوحة بدون عوائق امام رأس المال، وصار لا بد من تحول نظري في المراكز الرأسمالية: داخلي باتجاه اعطاء رأس المال مزيداً من المرونة والحماية، وخارجي بتمهيد الطريق له للاستحواذ والربح دون ضوابط.

في سياق ذلك، تم دفع دول الجنوب دفعاً لتبني مفهوم "السوق الحر" الحقيقي من خلال اشتراطات سياسية واقتصادية للاقتراض من مؤسسات تسمى تمويهاً "دولية" مثل البنك وصندوق النقد الدوليين (ما يسمى خطط "التصحيح" أو "اعادة الهيكلة")، او من خلال الابتزاز والرشاوي والعمولات وتوزيع الوكالات على ممثلي السلطة وتَشَكُّل ما يسميه جيمس بتراس "الطبقة الرأسمالية المتعدية للحدود الوطنية" (Transnational Capitalist Class) – طبقة كمبرادورية مرتبطة عضوياً برأس المال في المراكز، أو من خلال التدخل السياسي والغزو العسكري المباشر.

أسواق الجنوب "الحرة" (كما يريدها الشمال الرأسمالي) يجب أن تكون أسواق مفتوحة بالكامل بلا ضوابط قانونية لحمايتها، وبدون أي تدخل من قبل الدولة لضبطها او التحكم بها، بلا حواجز جمركية، بلا معاملة تفضيلية للسلع الوطنية، بلا قيود على الاستثمار القادم من المراكز، بلا قيود على حرية حركة رأس المال الداخل والخارج، وبدون أي دعم حكومي لأي قطاع أو سلعة أو خدمة، وبشرط أن لا تكون الدولة نفسها لاعباً رأسمالياً – أي لا تملك أية قطاعات او شركات او مؤسسات. أي ببساطة اقتصاد سوق حر حقيقي. فهل يطبّق الشمال المعادلة التي يروّجها في دول الجنوب؟

سأورد تالياً نماذج من الدول الرأسمالية الكبرى، نفس الدول التي تروج للاقتصاد الحر بحرارة كبيرة، تثبت ان اقتصاداتها ليست حرة على الاطلاق، وان حرية السوق التي يراد لها ان تكون في الجنوب هي مجرد اداة للاستحواذ عليه، فنظرية السوق الحر لا ترقى حتى الى مستوى الايديولوجيا، فلا علاقة "عقائدية" بينها وبين مطلقيها تدفعهم انفسهم الى تطبيقها.

سأبدأ من آخر هذه الاجراءات، لكن القارئ وهو ينزل القائمة سيجد أن أمثلة التدخل الحكومي في الاسواق الرأسمالية الكبرى ليست طارئة او استثنائية، بل هي السمة العامة والاساسية:

1- خلال الاسبوعين السابقين، أقرت الحكومة الامريكية خطة بقيمة 700 مليار دولار لانقاذ الاسواق المالية المنهارة في الولايات المتحدة، فيما ضخ البنك المركزي الياباني 800 مليار ين في اسواقه المالية، فيما أممت الحكومة البريطانية بنك بنغلي آند برادفورد ضمن اجراءات أخرى لاحتواء انهيار الاسواق المالية، فيما أممت الحكومة الايسلندية ثالث أكبر بنك في البلاد وضخت فيه 600 مليون يورو ضمن اجراءات حمائية أخرى لمنع انهيار الاسواق.

2- ضغطت الحكومة الامريكية لمنع صفقة بيع ادارة ستة من موانئها لشركة اماراتية (وهي شركة موانئ دبي العالمية) عام 2006، وهو ما ادى الى انسحاب الشركة الاماراتية من الصفقة في النهاية.

3- في فرنسا، تدخلت الحكومة "بكل ثقلها" عام 2006 لتمنع شركة "انيل" الايطالية من الاستحواذ على شركة "سويز" الفرنسية التي تعمل في مجال الكهرباء والماء، حيث اصدرت تعليمات باندماج "سويز" في شركة "جاز دو فرانس" الحكومية الفرنسية، وصرح رئيس الوزراء الفرنسي آن ذاك دومنيك دو فيلبان ان هذه الخطوة مهمة للغاية بسبب "الاهمية الاستراتيجية للطاقة بالنسبة لفرنسا". وقد وصفت ايطاليا هذه الخطوة بانها ترقى الى "عمل من اعمال الحرب"، فيما وصف فالفيو كونتي الرئيس التنفيذي لشركة "انيل" الايطالية الخطوة الفرنسية بانها ترقى لحد تأميم شركة "سويز".

4- اما في اسبانيا، فقد عرقلت الحكومة هناك عام 2006 عرضا قدمته شركة "اي او ان" الالمانية لشراء شركة انديسا الاسبانية للكهرباء، ثم اعلنت انها ستوسع السلطات التي تمنع الشركات الاجنبية من تملك اصول اسبانية للطاقة. وقد حكمت محكمة العدل الاوروبية مؤخراً بأن الحكومة الاسبانية قد تجاوزت القانون الاوروبي في هذه القضية مما يثبت لجوء اسبانيا الى الحماية غير القانونية.

5- تدعم بلدان الشمال قطاع الزراعة بمليارات الدولارات سنوياً فيما تضغط بكل قوتها في منظمة التجارة العالمية من أجل رفع حماية دول الجنوب عن الزراعة فيها!

6- الولايات المتحدة هي اكبر بلد فيه ملكية حكومية في العالم. فبحسب جريج بالاست في كتابه الهام: "أفضل ديمقراطية تشتريها النقود"، تمتلك الحكومة الفدرالية الامريكية ما يزيد عن الـ 2.85 تريليون دولار من رأسمال الشركات الامريكية، فاذا اضفنا المؤسسات التي تمتلكها الدولة او الحكومات المحلية مثل شبكات المياه، يصبح الاجمالي الحكومي المستثمر في الولايات المتحدة كممتلكات عامة يتجاوز بحجمه سوق الاسهم.

ويغفل العديد من منظري "حرية السوق" في الجنوب عن قصد، الادوات الاساسية التالية التي تتبناها دول الشمال الرأسمالية كأدوات مركزية من أجل التدخل في الاسواق لصالحها، والتي تثبت أن المؤثر الاول في الاسواق والاقتصادات هي الدول الرأسمالية لا السوق:

أولاً: تحديد أسعار الفوائد من قبل البنوك المركزية – وهو تدخل حكومي بارز يؤثر بشدة على الاقتصاد، فمثلاً: خفض سعر الفائدة سيؤدي الى خفض قيمة العملة وبالتالي تشجيع التصدير وتشجيع شراء المنتجات المحلية داخلياً؛ وكذلك فان خفض سعر الفائدة سيؤدي الى زيادة الضخ النقدي في الاسواق عبر الاقتراض مما يؤدي الى زيادة الطاقة الانتاجية؛ ورفع سعر الفائدة سيؤدي الى ضبط زيادة الانفاق في الاسواق وتحفيز التوفير وضبط زيادة العرض من المنتجات وضبط التضخم؛ اضافة الى ان تغيير سعر الفائدة على الدولار الامريكي تحديداً (وبالتالي التغير المرافق على قيمته) يؤدي الى ارتفاع او انخفاض اسعار كل السلع على المستوى العالمي لأنها ببساطة تُقَيّم بالدولار.

ثانياً: عمليات سوق العملات (Money Market Operations)، أي تدخل البنوك المركزية في سوق العملات بواسطة شراء أو بيع العملات المحلية، لكي يتم تعديل سعرها مما يؤثر على حركة التجارة العالمية. اضافة الى ذلك فلا يوجد اي سوق عملات مُعوّم أو حر بالكامل (Free Floated Market) بل ان جميع اسواق العملات هي اسواق تدخل كامل أو تدخل جزئي (Managed Floated Market).

ثالثاً: الضرائب، وتحدد عادة من قبل وزارات المالية، هي عملياً تدخل حكومي لسحب وموازنة الطلب والعرض على المال للتحكم في حالة الاقتصاد وتجنب السقوط في حالات من الركود او التراجع او التضخم. وتعتبر كل الضرائب بمثابة "حركات تصحيح" اقتصادية، كما انها تتدخل في تحفيز او تثبيط الانتاج في قطاعات معينة.

رابعاً: معاهدات التجارة البينية او الاقليمية (مثل النافتا وغيرها) هي تدخل لتشجيع التبادل التجاري بين مناطق معينة وتفضيل التبادل التجاري البيني بينها، أو تصمم لضمان النمو ضمن قطاعات خدمية او صناعية محددة ضد دول أخرى تنتج تلك السلع او تقدم تلك الخدمات بشكل أكثر كفاءة أو أرخص من المتوفر ضمن منطقة المعاهدة.

خامساً: المقاطعة والحصار الاقتصادي هي اداة تدخل حكومية كبرى في السوق تُمنع بموجبها دول كاملة من ادخال بضاعتها ومنتجاتها (أو سلع محددة) الى دولة أو دول أخرى.

سادساً: الدعم المباشر لقطاعات أو صناعات محلية لمنع المنافسة من الخارج أو لاغراق المنافسين في الخارج أو كليهما، مثل دعم القطاعات الزراعية في دول الشمال الرأسمالية التي تحدثنا عنها سابقاً.

سابعاً: انشاء الحكومات او تشريعها لانشاء صناديق التقاعد والضمان الاجتماعي والتي تتطلب اشتراكاً اجباريا فيها من قبل المنتفعين في اغلب الاحيان، وهذه المؤسسات تسحب النقد من الاسواق (تقلل العرض النقدي)، ولديها اجندة سياسية تتمثل بالاستثمار في قطاعات معينة ضعيفة لضمان نموها، وللهيمنة على القطاعات الاستراتيجية دزن الايحاء بسيطرة حكومية مباشرة.

ثامناً: التدخل في اسواق المال مثل ضمان اصول الشركات او ديونها او شراء هذه الديون لصالح الخزينة او اقراض الشركات او تبديل ديون الشركات بأذونات خزينة البنوك المركزية (علماً بأن أذونات خزينة البنوك المركزية هي بحد ذاتها تدخل من خلال الايحاء البنوك التجارية لشرائها أو بيعها).

عاشراً: هيئات تنظيم اسواق رأس المال (مثلاً SEC في الولايات المتحدة) وهي تدخل حكومي مباشر لحماية صغار المستثمرين من عمليات التزوير والتلاعب وتعزيز الشفافية.

هكذا، وببساطة شديدة، نستطيع القول ان العمليات الاقتصادية كلها تقريبا تقوم على التدخل، وان نموذج "السوق الحر" هو ليس نموذجاً قياسياً ولا كونياً، انه نموذج يروَّج فقط لفتح الاسواق والهيمنة، خصوصا في الاطراف، فيما تَستخدم المراكز الرأسمالية كل ما لديها من خيارات وحيل ووسائل من أجل حماية أسواقها وضمان فعالية ومرونة رأس المال الخاص بها للاستحواذ على مزيد من الاسواق الخارجية، والناشئة منها على وجه الخصوص (اسواق العالم الثالث) لأنها الاقل حماية والاكثر قابلية للخضوع للابتزاز والاكثر اختزانا للموارد والثروات. التجارة الحرة هي احدى ادوات الدعاية الذكية لمشروع الهيمنة - الاساس الموضوعي للرأسمالية الباحثة دوماً عن الربح. والسوق الحر هذا لا علاقة له بالتنافسية، بل بالاختراق والاغراق والاحتكار، ولا علاقة له بالحرية، بل بالاحتلال والقهر، ولا علاقة له بالرفاه، بل بالاستغلال، ولا علاقة له بالتبادلية، بل الحركة باتجاه واحد: من الداخل المحمي الى خارج ينبغي أن لايكون كذلك.

السوق الحر هو وصفة مفذلكة ببراعة للإلحاق العضوي ومنع أي شكل اقتصادي بديل من التبلور، والازمة المالية الاخيرة وما حصل خلالها من ضخ لمئات المليارات من الدولارات واليوروات في المراكز الرأسمالية الكبرى ما هي الا الفضيحة المجلجلة لخرافة السوق الحر.

* كاتب من الاردن

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire