lundi 27 octobre 2008

عندما نعى بولسون "الإمبراطورية الخضراء"!




عندما نعى بولسون "الإمبراطورية الخضراء"!

جواد البشيتي

"الوعاء" مليء بالثقوب، فكيف لـ "الضخ" أن يعطي ثماره؟!

و"السيولة"، التي يتوفرون على ضخها، ليست كلها مالية، فـ "النزف" في "وول ستريت" يتحوَّل الآن، وبقوة الضرورة، إلى نزف في القوَّة، وفي القوَّة السياسية على وجه الخصوص، للولايات المتحدة؛ ولا بدَّ لها، بالتالي، من أن تضخ مزيداً من "السيولة السياسية" في مكانتها العالمية التي يتسارع هبوطها من طور البدر إلى طور المحاق.

إنَّ قدراً من "الدم السياسي" نُقِل إلى جسمها النازف إذ قامت بما قامت به في "مزرعة السكرية" السورية، وكأنَّها أرادت أن تقول للعالم، الذي يشفق عليها الآن أكثر مما يضمر لها العداوة ويتربص بها الدوائر، إنَّ مكانتها السياسية والاستراتيجية الدولية صخرة لن تهزها رياح "وول ستريت"!

إنَّه "التأكيد" الذي لا معنى له سوى "النفي"، فالقوة العظمى في العالم هي الآن في انهيار؛ وعمَّا قريب سيتسارع هذا الانهيار، وسينبثق من انهيارها عالم جديد، أبرز سماته أفول نجم "الليبرالية الجديدة المتوحشة الفاسدة المفسدة".

لن أُفْرِط في "التوقُّع الإيجابي"، فجلُّ ما أتوقَّع أن يتنازع هذا العالم الجديد ميلين تاريخيين متضادين: ميل إلى ماركس، وميل إلى كينز.

ولكن، هل تعلمون متى نعت الليبرالية الجديدة (التاتشرية ـ الريغانية ـ البوشية) نفسها بنفسها؟

عندما أطلق بولسون (الذي هو الآن الحاكم الفعلي للولايات المتحدة وقيصرها) صرخة الاستغاثة، أي عندما ناشد الصين أن تهب إلى نجدة "وول ستريت"، فمِنْ هنا تُحْكَم كل حكومة تَحْكُم الولايات المتحدة، التي تَحْكُم العالم؛ ولكنَّ "وول ستريت" محكومة الآن بقانون "الانهيار"!

وعندما وقف بوش على أطلال الإمبراطورية في "وول ستريت"، مودِّعاً "الليبرالية الجديدة" وداع هرقل للشام، ومناشداً العالم أن لا يُفْرِط في "الإصلاح"؛ لأنَّ الإفراط فيه قد ينتهي إلى التفريط في النظام الرأسمالي وسوقه الحرة بوصفهما، على ما زعم، خير إدارة وتنظيم للاقتصاد.

إنَّنا لا نتمنى للقوة العظمى في العالم إلاَّ شيئاً واحدا هو أن يستمر حكم بوش لها عبر ماكين، مع أنَّ أوباما لن يتمكَّن من اجتراح معجزة أن يصلح ما أفسده الدهر، فالإعصار الذي ضرب "وول ستريت"، ثمَّ ضرب سواحل أوروبا، إنَّما أكد لنا وأظهر اجتماع المأساة والمهزلة اجتماعاً لم يعرفه التاريخ من قبل، فإنَّ ما أرادته وسعت إليه أقوى قوَّة في العالم كان أقوى منها بكثير!

ولقد تنبأنا لها من قبل بأن يكون لحدها في مهدها ذاته، فالعراق سيدخل التاريخ بوصفه مهد القوة العظمى في العالم ولحدها في آن.

في الطور الثاني والأخير من عهدها الليبرالي الجديد، أي في طور البوشية، رأينا التاريخ يحيي عظام رجلين وهي رميم. إنَّها عظام نيرون وسنمار.

نيرون، أي بوش، أدَّى رسالته التاريخية على خير وجه، إذ أفرط في الاقتراض (لحكومته) من أجل خفض الضرائب (تشجيعاً للاستهلاك) ومن أجل تمويل حروبه الإمبراطورية في الخارج (وفي العراق على وجه الخصوص) وسقي شركات صناعة السلاح بمزيد من ماء الحياة. وكان عليه أن يتذكَّر نصيحة نابليون له "إنَّك تستطيع فعل كل شيء بالحراب عدا الجلوس عليها".

أمَّا سنمار فقد ابتنى لليبرالية الجديدة صرحاً اقتصادياً، كان يكفي أن تنزع منه حجراً واحداً، هو "حجر سنمار"، حتى يتداعى الصرح كله وينهار على نفسه.

و"حجر سنمار" هذا كان مصرف "ليمان براذرز"، فما أن علَّلت حكومة "المحافظين الجدد"، الذين فيهم تجسدت "الليبرالية الجديدة المتوحشة"، نفسها بوهم أنَّ إله السوق الحرة لن يخذل هذا المصرف، وسيجعله تجربة جديدة لقانون "تنظيم السوق الحرة لنفسها بنفسها"، حتى انهار وأفلس؛ وسرعان ما تداعى له النظام المالي والمصرفي العالمي بالسهر والحمَّى.. وبالانهيار والإفلاس، وكأنَّ اللعبة الاقتصادية العالمية التي أجادت الليبرالية الجديدة، في عصر العولمة، لعبها، هي "لعبة الدومينو"!

إنَّها "العولمة" التي نحني لها الرأس إجلالاً واحتراماً؛ لأنَّها وليد النظام الرأسمالي، الذي أسند إليه التاريخ مهمة أن يكون حفَّار قبر هذا النظام، فَلْنَقِفْ من الآن وصاعداً مع "العولمة"؛ ولكن ضد النظام الرأسمالي.

في "العولمة"، وبها، تحوَّل، على ما نرى، القانون المقدَّس إلى نقيضه، فَتَرْك السوق الحرَّة (من كل قيد) تُنظِّم نفسها بنفسها إنَّما يعني الآن تَرْكها تدمِّر نفسها بنفسها!

المسرح احترق؛ أمَّا الممثِّلون فظلوا أحياء يرزقون؛ وها هم أنفسهم يمثِّلون دورين متناقضين: دور مثلوه على المسرح قبل احتراق، ودور يمثلونه الآن، أي بعد احتراقه.

من قبل، ومع أنَّ "الدولة" دولتهم في السراء والضراء، نادوا بكفِّ يد الدولة، وإطلاق يد السوق، فالدولة الصالحة الرشيدة إنما هي التي لا قيد لها على حرية السوق، التي، أي السوق، بـ "قوانينها الموضوعية"، تنظِّم نفسها بنفسها، وتدير نفسها بنفسها، وتحكم نفسها بنفسها.

والآن، يدعون "الدولة" إلى أن تخلع بوش، وتتزوَّج، ثانيةً، كينز، لعلَّه يُصْلِح أخلاق "السوق الحرة"، وينهي "الدعارة الاقتصادية" التي عولمها الليبراليون الجدد، فالمعذَّبون في الأرض ما عادوا قادرين على العيش في نظام اقتصادي عالمي يقوم على "احتفاظ الرأسماليين بالأرباح لأنفسهم مع تشريك خسائرهم، أي جعلها اشتراكية"!

ما عادوا قادرين على سماع المشعوذ ماكين وهو يصرخ (انتخابياً) متَّهماً أوباما المسكين بأنَّه يتمسكن الآن حتى يتمكَّن من أن "يسرق" من الأثرياء ثرواتهم، أو بعضاً منها، ليتصدَّق بها على الفقراء، الذين يتَّهمهم العنصري الطبقي ماكين بأنَّهم تسبَّبوا بانهيار عالمه في "وول ستريت" إذ اقترضوا وهم الذين جبلتهم الرأسمالية على العجز عن السداد، وكأنَّ الرأسمال المالي خانته حصافته إذ حمله جشعه على إقراض الفقراء الذين لا يستحقِّون نعمة الإقراض!

أمَّا أن تغرف دولة ماكين من صحن الضرائب، أي من أموال الشعب، لتنقذ أباطرة "وول ستريت" من الانهيار والإفلاس، وتسهر على رعاية "نظام العبودية بالدين"، وتُمْعِن في تدمير القدرات الشرائية الفعلية لمواطنيها عبر التضخم، وزيادة الأعباء الضريبية عليهم من أجل خفض الدين الحكومي المتراكم والهائل، فليس من السرقة في شيء، وليس السرقة بعينها!

لو فعلها أوباما، ولن يفعلها أبداً، فهو إنَّما يعيد إلى الفقراء نزراً من ثروة سرقها منهم الأثرياء ودولتهم!

هذا المشعوذ، أي ماكين، والعنصري في موقفه من العرب ونفطهم، وعد مواطنيه، أو ناخبيه، بإنهاء "إدمان" الولايات المتحدة على نفط العرب، وبـ "تحريرها" من "الاستعمار النفطي (العربي)"، ضارباً صفحاً عن حقيقة أنَّ بلاده مُدْمِنة على ما هو أسوأ من إدمانها على النفط المستورد، وهو إدمانها على طبع وتصدير نقودها الورقية من غير غطاء ذهبي، مغرقةً العالم في لجَّة التضخم.

وعندما سعت "أوبيك" في "تحريرهم" من خلال خفضها الإنتاج هاجوا وماجوا، واتَّهموها بالتطاول على المبادئ المقدَّسة للسوق الحرة، وبانتهاك قانون "العرض والطلب"؛ ولكن من ذا الذي انتهك، وأمعن في انتهاك، هذا القانون؟

الأسعار ارتفعت، وارتفعت، عندما كان العرض يزيد كثيراً عن الطلب؛ وتراجعت الآن، واستمرت في التراجع، مع أنَّ العرض قلَّ قليلاً عن الطلب؛ فمن ذا الذي يشوِّه ويمسخ قانون "العرض والطلب" في السوق النفطية العالمية؟!

إنَّها الآن قيد الانهيار، الذي هو من القوة بمكان؛ وإنَّ كل أموال العالم، وكل ما يملكه العالم، أو يسعى في امتلاكه، من سندات خزانتها، لن يوقف هذا الانهيار.

وهي تنهار في غير معنى وشكل وصورة، فالولايات المتحدة، بوصفها أيضاً "مصرفاً عالمياً"، هي التي تنهار.

هذا المصرف إنَّما يملكه "المدين الأكبر (العاجز عن سداد ديونه) في التاريخ"، و"المرابي الأكبر في التاريخ". إنَّه مصرف يقترض من العالم، ليُقْرِض العالم، فليس من "سلعة" يتَّجِر بها سوى "المال الذي اقترضه من العالم"، فهو إنَّما يبيع ما لا يملك!

لقد اقترضنا، واقترضنا، من هذا المرابي الأكبر، فماذا كانت العاقبة؟

عندما "تبخَّرت" الأموال في "وول ستريت" تبيَّن أنَّ 85 في المئة منها كانت أموال الأوروبيين والعرب (عرب الخليج وحدهم خسروا 4 تريليونات دولار).

وعبر هذا الاقتراض من هذا المرابي، والذي أدمنا عليه، نجحنا في شيء واحد فحسب، هو أن نبيع مستقبلنا من أجل تلبية احتياجات حاضرنا والتي هي من التفاهة بمكان.

ولقد حان لنا، وللعالم أجمع، أن يقول لهذا المرابي: خُذْ أوراقك الخضراء التي ما عادت بخضراء، وأعِدْ إلينا ذهبنا الذي اغتصبته منا، وتسهر على حمايته في مبنى "فورت نوكس"، وفي مصرفك المركزي في نيويورك، فـ "العصر الورقي" زهق، وجاء، أو عاد، "العصر الذهبي".. إنَّ "عصر الدولار" كان زهوقاً!

1 commentaire:

  1. ماذا لو كانت ما يسمى الأزمة المالية مفتعلة من طرف وحوش المال الأمريكان.و المقال يشمل معطى يؤك هذه الفرضية حيث 85 بالمائة من "الخسائر" في وول ستريت هي خسائر عربية و أوروبية.أعتقد أن هذا المقال هو نموذج لما يعرف بالتفكير الرغبوي.wishfull thinking

    RépondreSupprimer