محمد الجندي ـ قاسيون ◄ الأدبيات التي تتناول الأزمة المالية الدولية لا تتساءل عموماً أزمة من هي؟ الانطباع الضمني الذي توحي به الأدبيات المذكورة هو أن الأزمة هي أزمة البنوك الأمريكية بالدرجة الأولى، والأوربية بالدرجة الثانية. الأزمة باعتبار الدولار نقداً دولياً هي أزمة لجميع المتعاملين بالدولار:
فهي أزمة للبنوك المركزية لجميع دول العالم، وخصوصاً التي لديها أرصدة دولارية ضخمة.
وهي أزمة للشعب الأمريكي، الذي تهبط لديه القيمة الشرائية للدولار، وتنخفض بذلك مستوياته المعاشية قليلاً وكثيراً.
وهي أزمة أكبر لشعوب العالم، التي تهبط القيم الشرائية لعملاتها بنسب أكبر من القيم الشرائية للدولار. وأينما توجه المرء يسمع عبارة «السعر العالمي» للسلع والخدمات، أي السعر الدولاري.
وهي أزمة لجميع الدول البترولية، ولجميع الدول المنتجة للمواد الخام، التي تتلقى أثمان منتجاتها بالدولار.
وهي أزمة لجميع من لديهم ادخارات بالدولار، سواء الموجودة منها في البنوك، أو تحت الوسادة، لأن هبوط القيمة الشرائية يطول ما تحت الوسادة.
وهي أزمة لجميع مستثمري البورصة، ماعدا الذين يمسكون خيوطها. الباقون وخصوصاً الذين يملكون أسهماً للمؤسسات المفلسة، فهؤلاء تذوب أموالهم في بحر الإفلاس، أسهم المؤسسات المفلسة هبطت 90% وربما 100%، والأسهم الأخرى هبطت قليلاً أو كثيراً.
وهي أزمة للمتعاملين مع البنوك والمؤسسات المالية المفلسة أو المأزومة.
وهي أزمة بالنسبة للمتقاعدين والمتعاملين مع شركات التأمين المهتزة.
وهي أزمة بالنسبة للشركات المتوسطة والصغيرة، التي تسمتها الأزمة، إما بتذويب ودائعها، أو بإغلاق حنفية الاعتمادات عنها، أو بمفاعيل أخرى.
هل الأزمة بتفاصيلها المذكورة أعلاه وجدت فقط بعد انهيار ليمان براذرز وبنوك أمريكية أخرى؟
طبعاً لا، فالأزمة موجودة منذ إقرار الدولار نقداً عالمياً في مؤتمر بريتون وودز عام 1944.
عالمية الدولار تعني أن اقتصادات العلم مرتبطة بالقرار السياسي والاقتصادي للإدارة الأمريكية، ومرتبطة في الوقت نفسه بكل مفاعيل الاقتصاد الأمريكي.
اقتصادات دول العالم الغنية والفقيرة، والمستويات المعاشية لدى الشعوب، منها الشعب الأمريكي مرتبطة بمختلف عوامل التضخم النقدي الأمريكي، أي مرتبطة بزيادة ميزانيات وزارة الدفاع الأمريكية التي تتجاوز اليوم /500/ مليار دولار، وبحروب الإدارة الأمريكية التي تكلف تربليونات الدولارات، وبالسياسة المالية الأمريكية، التي تترك للتضخم الحبل على الغارب، فيصل نشاط البنوك الأمريكية إلى عشرات التربليونات من الدولارات، وأيضاً بالهيمنة الأمريكية، وقرارات إدارتها السياسية.
الأزمة موجودة فقراً وهزات اقتصادية وجوعاً، ومعالجة الأزمة عموماً هي القمع، الإدارات، ولاسيما الإدارات الثالثية تقمع شعوبها، تقمع العمال، تقمع إضرابات الجوع، تقمع كل تحرك سياسي في غير مصالح الإدارة الأمريكية، وفي غير صالحها.
والإدارات الحليفة للإدارة الأمريكية تدفع فواتير ما ترتكبه الإدارة الأمريكية في حروبها وفي تخريبها وفي عدوانياتها ضد البلدان الأخرى.
وتدفع الإدارات الحليفة من اقتصاداتها فواتير تغطية التضخم، الناتج عن السياسة المالية الأمريكية، فهذا التضخم يؤذي بلدانها وشعوبها، ويؤذي حتى مصالح تلك الإدارات الخاصة.
الأزمة المالية الدولية الحالية لم تأت فجأة، ولم تأت فقط بعد انهيار ليمان براذرز. فقط أوردت لوموند ديلوماتيك (تشرين الأول 2008/ ص2) بعض التواريخ التي تشير إلى بعض العالم على طريق الأزمة، ففي كانون الثاني 1990 بدأ تنفيس الفقاعة المالية في اليابان، وفي كانون الأول 1994 أزمة اقتصادية مكسيكية وتخفيض البيزو «العملة المكسيكية»، وفي 1995 أفلس أقدم بنك أعمال بريطاني، بارينغز barings! وفي تموز 1997 تتالي الأزمات النقدية والمالية في أسيا الشرقية، والموجة أصابت روسيا في 1998، ثم أمريكا اللاتينية، وفي أيلول 1998 إفلاس صندوق التوظيف «توظيف الأموال» الأمريكي، وفي آذار 2000 هبوط الأسهم المرتبطة بالتكنولوجيات الجديدة في وول ستريت، وفي كانون الثاني 2000 أزمة الدين في الأرجنتين، وفي 12 أيلول السقوط الفظ المالية بعد ضرب البرجين، وفي 2 كانون الأول، إفلاس الشركة الأمريكية للسمسرة في الطاقة إينرون Enron! وفي نيسان تموز 2002 إفلاس شركة الاتصالات العملاقة وورك كوم Woorld com، وفي آب 2007 بدء الأزمة المالية المرتبطة بانهيار السوق الأمريكية للاعتمادات العقارية، وفي أيلول الحكومة البريطانية كفلت ودائع بنك نورثرن روك المهدد بالإفلاس، وأعلنت تأميمه في شباط التالي، وفي 28 تموز 2008 صوت الكونغرس الأمريكي لمشروع إنقاذ العقار الأمريكي الخاص بـ 400 ألف مالك مهددين بالحجز، وفي 7 أيلول أعمت واشنطن البنكيين فاني ماي وفريدي ماك بكلفة 200 مليار دولار.
طبعاً هناك تفاصيل من مسار الأزمة لم تذكرها لوموند ديبلوماتيك، وتحتاج صفحات طويلة.
المهم أن الأزمة كانت وما تزال مستمرة، ولكن عمالقة الرأسمالية لا تهتم لضحايا السياسة المالية الأمريكية، التي تسقط باستمرار، ولا تستطيع المقاومة، ضحايا البورصة، وضحايا قطع السيولة، أو قطع المواد الخام، أو إغراق الأسواق، إلخ...
الأزمة ليست أزمة بنوك، وإنما أزمة نظام نقدي شاذ يجعل المؤسسات المالية الأمريكية الكبرى مركزاً مالياً لكل نشاط اقتصادي في العالم، ويطول حتى الموارد الفردية في القرى النائية المغمورة، لأن تلك الموارد خاضعة للنظام النقدي العالمي.
إنقاذ البنوك المأزومة بمليارات الدولارات لا يحل الأزمة، وإنما يزيدها، فالمبالغ الضخمة التي تصرف للإنقاذ تزيد عن التضخم النقدي الأمريكي والدولي، أي تزيد ثقل الأزمة، لأن الأزمة هي أصلاً في التضخم النقدي.
والأزمة بإنقاذ البنوك، أو بعدم إنقاذها ليست أزمة بالنسبة للمؤسسات المالية الكبرى الأمريكية، فهذه ستحل أزمتها بالهيمنة الأمريكية الدولية، التي تجعل الحلفاء الكبار والصغار يستمرون في تغطية الدولار كنقد دولي، وبهذه التغطية تستطيع المؤسسات المالية الكبرى الأمريكية أن تزيد التضخم النقدي إلى مالا نهاية، وإفقار الشعوب والبلدان إلى مالا نهاية أيضاً.
الأزمة بالنسبة للمؤسسات المالية الأمريكية الكبرى تحل بالهيمنة الأمريكية. أما الأزمة بالنسبة للشعوب وللبلدان، فتتفاقم باستمرار، وحل هذه الأزمة يستلزم أمراً بسيطاً ولكنه في غاية الصعوبة، يستلزم إعادة الدولار من نقد دولي إلى نقد أمريكي. حينئذ ينشأ بالضرورة نظام نقدي دولي متعدد الأقطاب، ويبنى التبادل الدولي على أساس النقاش، والادخار على أساس وطني، إلخ... ويصبح التضخم النقدي في الولايات المتحدة متناسباً مع قوتها الاقتصادية، والشيء نفسه بالنسبة للتضخم النقدي في كل بلد، ولكن هذا لن يحدث في الواقع الدولي الراهن، الذي يلتصق فيه الحلفاء الكبار والصغار بالإدارة الأمريكية، ويدفعون فواتيرها السياسية والاقتصادية.
العالم هو الذي بحاجة إلى الإنقاذ من الأزمة، وليس البنوك الأمريكية ولا الأوروبية.
فهي أزمة للبنوك المركزية لجميع دول العالم، وخصوصاً التي لديها أرصدة دولارية ضخمة.
وهي أزمة للشعب الأمريكي، الذي تهبط لديه القيمة الشرائية للدولار، وتنخفض بذلك مستوياته المعاشية قليلاً وكثيراً.
وهي أزمة أكبر لشعوب العالم، التي تهبط القيم الشرائية لعملاتها بنسب أكبر من القيم الشرائية للدولار. وأينما توجه المرء يسمع عبارة «السعر العالمي» للسلع والخدمات، أي السعر الدولاري.
وهي أزمة لجميع الدول البترولية، ولجميع الدول المنتجة للمواد الخام، التي تتلقى أثمان منتجاتها بالدولار.
وهي أزمة لجميع من لديهم ادخارات بالدولار، سواء الموجودة منها في البنوك، أو تحت الوسادة، لأن هبوط القيمة الشرائية يطول ما تحت الوسادة.
وهي أزمة لجميع مستثمري البورصة، ماعدا الذين يمسكون خيوطها. الباقون وخصوصاً الذين يملكون أسهماً للمؤسسات المفلسة، فهؤلاء تذوب أموالهم في بحر الإفلاس، أسهم المؤسسات المفلسة هبطت 90% وربما 100%، والأسهم الأخرى هبطت قليلاً أو كثيراً.
وهي أزمة للمتعاملين مع البنوك والمؤسسات المالية المفلسة أو المأزومة.
وهي أزمة بالنسبة للمتقاعدين والمتعاملين مع شركات التأمين المهتزة.
وهي أزمة بالنسبة للشركات المتوسطة والصغيرة، التي تسمتها الأزمة، إما بتذويب ودائعها، أو بإغلاق حنفية الاعتمادات عنها، أو بمفاعيل أخرى.
هل الأزمة بتفاصيلها المذكورة أعلاه وجدت فقط بعد انهيار ليمان براذرز وبنوك أمريكية أخرى؟
طبعاً لا، فالأزمة موجودة منذ إقرار الدولار نقداً عالمياً في مؤتمر بريتون وودز عام 1944.
عالمية الدولار تعني أن اقتصادات العلم مرتبطة بالقرار السياسي والاقتصادي للإدارة الأمريكية، ومرتبطة في الوقت نفسه بكل مفاعيل الاقتصاد الأمريكي.
اقتصادات دول العالم الغنية والفقيرة، والمستويات المعاشية لدى الشعوب، منها الشعب الأمريكي مرتبطة بمختلف عوامل التضخم النقدي الأمريكي، أي مرتبطة بزيادة ميزانيات وزارة الدفاع الأمريكية التي تتجاوز اليوم /500/ مليار دولار، وبحروب الإدارة الأمريكية التي تكلف تربليونات الدولارات، وبالسياسة المالية الأمريكية، التي تترك للتضخم الحبل على الغارب، فيصل نشاط البنوك الأمريكية إلى عشرات التربليونات من الدولارات، وأيضاً بالهيمنة الأمريكية، وقرارات إدارتها السياسية.
الأزمة موجودة فقراً وهزات اقتصادية وجوعاً، ومعالجة الأزمة عموماً هي القمع، الإدارات، ولاسيما الإدارات الثالثية تقمع شعوبها، تقمع العمال، تقمع إضرابات الجوع، تقمع كل تحرك سياسي في غير مصالح الإدارة الأمريكية، وفي غير صالحها.
والإدارات الحليفة للإدارة الأمريكية تدفع فواتير ما ترتكبه الإدارة الأمريكية في حروبها وفي تخريبها وفي عدوانياتها ضد البلدان الأخرى.
وتدفع الإدارات الحليفة من اقتصاداتها فواتير تغطية التضخم، الناتج عن السياسة المالية الأمريكية، فهذا التضخم يؤذي بلدانها وشعوبها، ويؤذي حتى مصالح تلك الإدارات الخاصة.
الأزمة المالية الدولية الحالية لم تأت فجأة، ولم تأت فقط بعد انهيار ليمان براذرز. فقط أوردت لوموند ديلوماتيك (تشرين الأول 2008/ ص2) بعض التواريخ التي تشير إلى بعض العالم على طريق الأزمة، ففي كانون الثاني 1990 بدأ تنفيس الفقاعة المالية في اليابان، وفي كانون الأول 1994 أزمة اقتصادية مكسيكية وتخفيض البيزو «العملة المكسيكية»، وفي 1995 أفلس أقدم بنك أعمال بريطاني، بارينغز barings! وفي تموز 1997 تتالي الأزمات النقدية والمالية في أسيا الشرقية، والموجة أصابت روسيا في 1998، ثم أمريكا اللاتينية، وفي أيلول 1998 إفلاس صندوق التوظيف «توظيف الأموال» الأمريكي، وفي آذار 2000 هبوط الأسهم المرتبطة بالتكنولوجيات الجديدة في وول ستريت، وفي كانون الثاني 2000 أزمة الدين في الأرجنتين، وفي 12 أيلول السقوط الفظ المالية بعد ضرب البرجين، وفي 2 كانون الأول، إفلاس الشركة الأمريكية للسمسرة في الطاقة إينرون Enron! وفي نيسان تموز 2002 إفلاس شركة الاتصالات العملاقة وورك كوم Woorld com، وفي آب 2007 بدء الأزمة المالية المرتبطة بانهيار السوق الأمريكية للاعتمادات العقارية، وفي أيلول الحكومة البريطانية كفلت ودائع بنك نورثرن روك المهدد بالإفلاس، وأعلنت تأميمه في شباط التالي، وفي 28 تموز 2008 صوت الكونغرس الأمريكي لمشروع إنقاذ العقار الأمريكي الخاص بـ 400 ألف مالك مهددين بالحجز، وفي 7 أيلول أعمت واشنطن البنكيين فاني ماي وفريدي ماك بكلفة 200 مليار دولار.
طبعاً هناك تفاصيل من مسار الأزمة لم تذكرها لوموند ديبلوماتيك، وتحتاج صفحات طويلة.
المهم أن الأزمة كانت وما تزال مستمرة، ولكن عمالقة الرأسمالية لا تهتم لضحايا السياسة المالية الأمريكية، التي تسقط باستمرار، ولا تستطيع المقاومة، ضحايا البورصة، وضحايا قطع السيولة، أو قطع المواد الخام، أو إغراق الأسواق، إلخ...
الأزمة ليست أزمة بنوك، وإنما أزمة نظام نقدي شاذ يجعل المؤسسات المالية الأمريكية الكبرى مركزاً مالياً لكل نشاط اقتصادي في العالم، ويطول حتى الموارد الفردية في القرى النائية المغمورة، لأن تلك الموارد خاضعة للنظام النقدي العالمي.
إنقاذ البنوك المأزومة بمليارات الدولارات لا يحل الأزمة، وإنما يزيدها، فالمبالغ الضخمة التي تصرف للإنقاذ تزيد عن التضخم النقدي الأمريكي والدولي، أي تزيد ثقل الأزمة، لأن الأزمة هي أصلاً في التضخم النقدي.
والأزمة بإنقاذ البنوك، أو بعدم إنقاذها ليست أزمة بالنسبة للمؤسسات المالية الكبرى الأمريكية، فهذه ستحل أزمتها بالهيمنة الأمريكية الدولية، التي تجعل الحلفاء الكبار والصغار يستمرون في تغطية الدولار كنقد دولي، وبهذه التغطية تستطيع المؤسسات المالية الكبرى الأمريكية أن تزيد التضخم النقدي إلى مالا نهاية، وإفقار الشعوب والبلدان إلى مالا نهاية أيضاً.
الأزمة بالنسبة للمؤسسات المالية الأمريكية الكبرى تحل بالهيمنة الأمريكية. أما الأزمة بالنسبة للشعوب وللبلدان، فتتفاقم باستمرار، وحل هذه الأزمة يستلزم أمراً بسيطاً ولكنه في غاية الصعوبة، يستلزم إعادة الدولار من نقد دولي إلى نقد أمريكي. حينئذ ينشأ بالضرورة نظام نقدي دولي متعدد الأقطاب، ويبنى التبادل الدولي على أساس النقاش، والادخار على أساس وطني، إلخ... ويصبح التضخم النقدي في الولايات المتحدة متناسباً مع قوتها الاقتصادية، والشيء نفسه بالنسبة للتضخم النقدي في كل بلد، ولكن هذا لن يحدث في الواقع الدولي الراهن، الذي يلتصق فيه الحلفاء الكبار والصغار بالإدارة الأمريكية، ويدفعون فواتيرها السياسية والاقتصادية.
العالم هو الذي بحاجة إلى الإنقاذ من الأزمة، وليس البنوك الأمريكية ولا الأوروبية.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire