lundi 20 octobre 2008

الأزمة العالمية وشطحات الخطاب الديني

الأزمة العالمية وشطحات الخطاب الديني



نذير الماجد
nhmm313@hotmail.com
الحوار المتمدن - العدد: 2440 - 2008 / 10 / 20

نشر الأستاذ الكاتب السعودي مازن الشماسي مقالا يحمل عنوان "الأزمة العالمية في الإستراتيجية القرآنية" وهو عنوان موارب في الحقيقة، ذلك أنني كنت أخشى أنه أراد أن يقدم البديل الاقتصادي المستوحى من القرآن وهو شيء مفزع فيما لو فعل ذلك لأن القرآن ليس معنيا بمثل هذه الحقول التي أنتجها العقل البشري لكن كاتبنا لم يتورط في ذلك، الأمر الذي أزال سوء الفهم الذي خلفه التباس العنوان.

لكن مع هذا لم يكن الكاتب كما عودنا دائما حذرا في مقاله حيث حاول أن يقرأ الحدث من منظور غيبي مستندا في ذلك للمنهج القرآني في تفسير بعض الحوادث التاريخية وتوجيهها في سياق خط النجاة المؤسس دينيا كرؤية خاصة للتاريخ، وهو يعتمد بالدرجة الأساسية على التدخل الإلهي في مجريات التاريخ المحسوس للبشر ومن ثم إضفاء صبغة غيبية على الأحداث والوقائع المفصلية في التاريخ أي اقتلاعها من سياقها الزمني واللحظي..

ولو كان يقتصر هذا المقال على الجانب النظري البحت أي لو كان يعالج مثلا تلك الأحداث من زاوية تاريخية كي يثبت في النتيجة أن ما يسميه بعض المفكرين بتاريخ النجاة المنتج دينيا ليس شيئا آخر غير التاريخ الواقعي ومن ثم يصل لنتيجة حاسمة جدا ذات خلفية جدلية مفادها أن السنن القرآنية هي التي تحرك التاريخ.، لكنا بإزاء محاولة معرفية مبدعة جدا تستحق الإشادة، لكن الذي وجدناه أن الأستاذ مازن – وآمل أن يتسع صدره لملاحظاتي- لم يفعل شيئا من هذا، وكل ما قام به لا يخرج عن نطاق إسقاط متعسف لمفاهيم غيبية على حادثة اقتصادية لازالت تؤرق الباحثين في مدلولاتها وتفاعلاتها وتداعياتها.

لقد حاول الكاتب أن يدمج العنصر الغيبي في تعليل هذا الحدث بشكل ارتجالي إلى حدا ما، وإن كان قد ساق بعض المرجحات التي تدعم في تصوره البعد الكارثي لهذه الأزمة، وذلك من منظور قرآني طبعا، ويبدو لي أن الكاتب قد وقع في فخ التناقض حين ينطلق للوصول للنتيجة من عاملين أو وباءين يحصرهما كظاهرة تفتك بالمجتمع الأمريكي، متناسيا أنه قد أشار ضمنيا للأثر الكوني لهذه الأزمة التي هي في نظره بالطبع ليست أزمة عابرة، بل لها ذيول وتداعيات سوف تكون في النهاية بكل تأكيد لصالح القراءة الدينية الخاصة بنا نحن لا غير!

تحدث الكاتب في البداية عن مسألة الزواج المثلي وأقحمها في تأويله للحدث بطريقة مدهشة لا تخلو من المغالطة، لأنها أيضا إسقاط غيبي تعسفي تنقصه المبررات الموضوعية، ولن نجد رابطا يربط بينهما إلا الرابط الغيبي ولهذا ستبدو القراءة كلها رجما بالغيب! والسؤال المطروح هنا هل المجتمعات الغربية هي التي تسود فيها فقط هذه الظاهرة؟ ألا نحتاج لدراسة موضوعية إحصائية تكشف لنا عن مدى انتشار هذه الظاهرة في العالم، في الشرق والغرب، في دار الإسلام كما في دار الكفر! أم أن وجود تشريع في بلد يعتمد التشريعات المدنية الوضعية يكفي لتحميله تبعات هذا الشذوذ الجنسي العابر للتاريخ؟!!

وربما قد فات الكاتب العزيز أن التشريعات المدنية بطبيعتها لا توضع على أساس المثل العليا والمبادئ بقدر ما هي إفراز مباشر للتوجهات الاجتماعية والرأي العام، لهذا أعتقد أن الاشتباه الذي قاده لهذا الربط التعسفي يكمن في الخلط بين التشريع الديني الفوقي وبين التشريع المدني الوضعي، إضافة إلى أنه يعكس حنينا وتطلعا طوباويا لمجتمع ملائكي "فاضل" ليس له وجود إلا في مخيلات الفلاسفة الحالمين! فهو حلم جميل يداعب أحاسيس الأنفس الرقيقة الحالمة ليس أكثر.

لكن الدوافع الحقيقية التي تكمن خلف هذه المحاولة الشائعة في الخطاب الديني تتبدى في الرغبة والتطلع الملح للخلاص، فهي ليست أكثر من انعكاس وامتداد لذلك الأمل المتجذر في سيكولوجية الذات المتأخرة أو المأزومة، أي أنها تثبت أن الأطر الفكرية الاجتماعية التي تساهم في تشكيل مثل هذه الأمنيات مسكونة تماما بهاجس الأزمة لأنها في الواقع تتماهى مع واقع مأزوم، لذلك وبكل بساطة يمكننا أن نقول أن الأزمة ماثلة فينا نحن قبل الآخرين الذين نحتقرهم ونكيل لهم اللعنات!

هذا العامل الأول الذي يتيح تطبيق فرضية العقاب الإلهي كما هو عند الكاتب، أما العامل الآخر فهي إشكالية الربا وعلاقتها بما حدث، ومع أن هذا العامل أكثر مصداقية من سابقه باعتبار أن له صفة اقتصادية لها ارتباط واضح فعلا بهذه الأزمة لأن النظام المالي للرأسمالية قائم بشكل أساسي على التعاملات الربوية وهذا مما لاشك فيه، لكن هذا يحتاج أيضا لمعطيات اقتصادية محسوسة حتى نتأكد من أن هذه الأزمة القاصمة ترتبط بشكل مباشر بإشكالية الربا، ومع أنني لست ضليعا ولا خبيرا في الاقتصاد ولم أتابع بشكل جيد فصول هذه الأزمة إلا أنني لا احتاج لكل هذا لكي أعرف أن ذيول الأزمة ستلحق بكل المجتمعات بما فيها المجتمعات الإسلامية التي تحاول أسلمة البنوك، وهذا يكفي لنسف فرضية العقاب الإلهي الذي تستحقه الولايات المتحدة في نظر الكاتب.

لقد وقع الكاتب في فخ الخطاب الديني البحت والتأويل الديني التقليدي الذي ما انفك يدبج المقالات في تعريته وكشف عيوبه ونقائصه، لأنه قام بنفس الخلط الأيديولوجي بين قضايا ووعود غيبية وقضايا زمنية من دون أن يجهد نفسه في سوق المعطيات والحيثيات التي تدعم هذا الزعم، إنه في الواقع نفس الفكر الوثوقي الإطلاقي الذي يمتاز به الخطاب الديني التقليدي، وهذا ما لم نألفه في كتابات الأستاذ مازن.

كان يجب عليه طرح السؤال فيما إذا كانت هذه الأزمة تحمل سمات الكارثة والمنعطف التاريخي فعلا أم أنها مجرد أزمة اقتصادية عابرة تماما مثل أزمة الكساد التي شهدها العالم في الثلاثينات من القرن المنصرم؟ هذا السؤال جوهري يحتاج لبحث واستقصاء علمي لمجريات الأزمة وليس لإطلاق الدعاوى كيفما أتفق.

على أن هذه المحاولة لم تكن الأولى في تاريخ الأزمات والكوارث التي عصفت بالبشرية، فالتاريخ يحدثنا عن ما يشابهها عند حدوث أي منعطف تاريخي، عند سقوط روما ارتفعت الأصوات المؤملة بحدوث طفرة تاريخية تعيد المخلص الإلهي من السماء. ونجد ما يشبه هذه الأمنيات الجميلة في التاريخ الإسلامي أيضا، فعندما قامت الدولة الصفوية قيل أن زمن الظهور قاب قوسين أو أدنى، وبينما كانت تفتك بالمجتمعات الإسلامية تلك الأوبئة والمجاعات تظهر نفس الصيحات التي تتراوح بين ادعاء نهاية العالم وقرب القيامة وبين أمل الخلاص القريب جدا!

أما في السنوات القليلة الماضية فحدث ولا حرج، فبعيد وقوع التسونامي الذي اجتاح سواحل دول جنوب شرق آسيا قيل أن هذا عقاب وغضب إلهي استحقته تلك الشعوب نتيجة استخفافها بالدين واستغراقها في الفساد والضلال! وليت شعري كيف يمكن أن نفهم حلول نقمة الله ولعنته على تلك الشعوب البائسة والفقيرة من بين كل شعوب الأرض؟! وما هم سوى شعوب مغلوبة منكوبة، آلاف من العزل والأبرياء والمساكين جرفتهم المياه فبأي صفة يحاق بهم العذاب؟

ومن جانب آخر ترددت ذات النغمة المتشائمة عندما وقع الزلزال الرهيب في مدينة بام الإيرانية، فقيل حينها أن هذا غضب الله نتيجة الشركيات الشائعة في هذا المجتمع، ولكن كما هو في تسونامي في بام أيضا لم يستحق هذا العذاب على ما يبدو إلا الفقراء المساكين الذين انهارت عليهم منازلهم وبيوتهم الخربة، أما في العراق فالصورة تعبر عن ذاتها بوضوح أكثر، إذ لازلنا نسمع أن هذا الدمار ما هو إلا الظلمات التي سينبلج منها النور عما قريب، أي نور المخلص المهدي المنتظر، فهل يا ترى سيكون ظهور الإمام على جراحات الناس وعلى عذاباتهم؟ هل من الضروري أن يدمر العراق أو غيره حتى يظهر الإمام؟!!

على ما يبدو أن هذه القراءة المتشائمة سوف تصل في نهاية المطاف إلى اعتبار أن شعوب الأرض كلها سوف تستوجب لعنة الله وغضبه، لأن البؤس جاثم في كل بقعة من بقاع الأرض وهو إمارة واضحة في هذا التصور لحلول غضب الله، كيف لا والفساد في كل مكان!!!

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire