محمد سيد رصاص
mariakm@gmail.com
الحوار المتمدن - العدد: 2445 - 2008 / 10 / 25
نشبت أزمة عالمية واحدة،في تاريخ النظام الرأسمالي ،هي أزمة1929،شملت المركزين،الصاعد=نيويوركعام1929،ثم القديم=لندنعام1931،وقد كانت الأزمات الإقتصادية الكبرى ناتجة عن التصادم بين هذين المركزين،مثل أزمة1837الأميركية الناتجة عن رفع بنك انكلترا لنسبة الفائدة على الودائع بالبنوك الإنكليزية ماأدى إلى هجرة كثيفة للذهب الأميركي إلى البنوك الإنكليزية بالتزامن مع اصدار الرئيس الأميركي جاكسون مرسوماً يفرض شراء الأراضي المملوكة للحكومة الفيدرالية عبر مدفوعات ذهبية،أوأزمة1893الأميركية التي نتجت عن انخفاض معدل شراء الدولار في السوق البريطانية ماأدى إلى استنزاف الموجودات الذهبية الأميركية التي استخدمت للتبادل التجاري مع بريطانية(بعد أن رُبط الدولار بمعادل ذهبي عام1879).
في أزمة 1929 لايمكن عزل عوامل الأزمة عن النتائج الإقتصادية للحرب العالمية ،حيث استنزفت مصروفات الحرب معظم الموجودات الذهبية للدول الصناعية المتحاربة،ماعدا الولايات المتحدة وفرنسا، المالكتان بالعشرينيات لثلثي الموجودات الذهبية العالمية.هذا أدى إلى أن العاصمة الإقتصادية-السياسية-العسكرية للعالم=لندنقد وجدت نفسها في وضع مزعزع.بدأت مؤشرات أزمة1929مع استعادة بنك انكلترا في نيسان1925لمستوى الغطاء الذهبي للجنيه وقدرة الأخير التحويلية للذهب كماكانتا عام1913،مع قيمة جنيه عالية أمام الدولار، ماكان كارثة على الصناعة البريطانية وكافة السلع التصديرية،وبالتالي على قطاعي المناجم والزراعة،بعكس وضع المصارف ودوائر المال،وشركات التأمين،والملاحة.أنتج هذا حركة مالية قوية في السوق الأميركية،نتجت أولاً عن حركة الشراء البريطانية الكثيفة للذهب الأميركي بالعشرينيات،ثم تضاعف هذا مع هجرة قسم كبير من الرأسمال المالي البريطاني للضفة الغربية من الأطلسي.قاد ذلك،كله،إلى حركة إقراض كبرى للمال في السوق الأميركية تجاوزت دفترياً حجم المعروض النقدي من الدولار في شهر آب1929=8,5مليار،ماأدى إلى ارتفاع في قيمة الأسهم لم تكن واقعية بالقياس للإقتصاد الفعلي.وعملياً،فإن الأزمة المالية الكبرى في وول ستريت ،بين يومي الخميس24أوكتوبر والثلاثاء"الأسود"في 29أوكتوبر1929،قد بدأت نذرها قبل شهر في 26سبتمبر مع رفع بنك انكلترا لمعدل الفائدة على الموجودات البنكية بمايتجاوز معدل بنك الإحتياط الفيدرالي الأميركي،ماقاد إلى هجرة كثيفة للموجودات المالية بأميركا نحو انكلترا،وإلى حركة مرعوبة من بيع الأسهم بذلك الأسبوع داخل السوق الأميركية،وهو ماأوصل انخفاض قيمة مجمل الأسهم الأميركية نهاية ذلك الأسبوع ل37%.
إن أزمة1929 قد بدأت على شكل أزمة مالية أميركية بسوق نيويوركاعتبرت"الإيكونوميست"البريطانية،بعدد2نوفمبر1929بأن"انفجار البالون المنفوخ المتمثل في قيمة الأسهم الأميركية سيكون جيداً لبقية العالم لحد كبير"ثم انتقلت إلى شكل كساد اقتصادي أميركي كبير.لم ينهار قطاع البنوك الأميركية التقليدي إلافي الربع الأخير من1931مع شمول الأزمة المالية-الإقتصادية الأميركية للعالم وامتدادها للعاصمة الإقتصادية-المالية للعالم=لندنمااضطر بنك انكلترافي21سبتمبر1931لفك ارتباط الجنيه بالذهب،وهو ماأثَر كثيراً على الدول المرتبطة عملتها بمعادل ذهبي،مثل أميركا وفرنسا،حيث أدى هذا إلى اغلاق1860مؤسسة مالية أميركية خلال الأشهر الثلاث اللاحقة كانت تحوي خزائنها ودائع بقيمة1,450مليار دولار من أصل الموجودات البنكية الأميركية البالغة آنذاك1,692،بعد أن حصلت بتلك الأشهر حركة مذعورة من المودعين ساحبة للذهب من البنوك الأميركية،أولتحويل الموجودات الدولارية إلى ذهب،ثم لاختفاء قسم كبير من الذهب من السوق.
كان القرار البريطاني اعلاناً عن وصول الأزمة إلى مرحلة أزمة اقتصادية عالمية كبرى،واسدالاً للستار على حقبة طويلة من النظام المالي العالمي كان مركزه لندن،ليتحول الوضع بعد ذلك إلى جزر اقتصادية متصادمة ماكان ايذاناً بالحرب العالمية الثانية،التي نتج عنها نظام(بريتون وودز)عام1944المحدد للدولار كعملة رئيسية للعالم مربوطة بمعادل ذهبي حتى فكَت واشنطن ارتباطهما عام1971.
هنا،كان الاقتصاد الغربي،بفرعيه الأميركي والأوروبي ،مربوطاً بعد 1933بإسم مينارد كينزووصفاته الإقتصادية=تدخلية الدولة،التخطيط،الرعاية الإجتماعية والصحية،الضرائب العاليةحتى جاءت الثورة اللاكينزية مع ميلتون فريدمان،الذي كان يرى أن"الكساد الكبير"لم يحصل عام1929بل بالربع الأخير من 1931مع انهيار النظام البنكي الأميركي،معتبراً الإقتصاد ظاهرية نقدية أساساً:كان الإنتعاش الإقتصادي الأميركي مبنياً على وصفات فريدمان لإدارة ريغان بالثمانينيات التي قالت برفع معدلات الفائدة على موجودات البنوك الأميركية ومانتج عن ذلك لاحقاً من هجرة كثيفة للرأسمال المالي العالمي للغرب الأميركي،وإلى قوة اقتصادية أميركية كانت قادرة على حسم الحرب الباردة عبر طرح سباق تسلحي جديد اسمه(حرب النجوم)ماكان السوفييت باقتصادهم المأزوم بمقدورهم مجاراته.كان هذا الإنتصار السياسي-العسكري،المرفوق مع نجاحات اقتصادية،مؤدياً إلى حالة مد ل(الليبرالية الجديدة)،التي أدلجت بداية طغيان الإقتصاد المالي على الإقتصاد،من خلال ظاهرة البنوك الإستثمارية وبدئها بإحتلال حيز غير مسبوق في الحركة الإقتصادية الكلية بأميركا،لتكون هناك فورتان:واحدة في(الهاي تكنيك)،انتهت فقاعتها عام2002لتعود لقيمتها الإقتصادية الفعلية بخلاف ماكان موجوداً على شاشات البورصات،ثم(العقارات)،لتعبر الإثنتان،وخاصة الثانية، عن حركة مالية دفترية ،ممثلة في أسهم البنوك الإستثمارية أوشركات التأمين،لاتعبر عن الإقتصاد الفعلي.
تكبد القطاع العقاري الأميركي الخسارة الأولى في أيلول2006، لتحصل بعدها الملامح الأولى لأزمة البنوك الإستثمارية في آذار2008=بنك بير سترنزوصولاً لإنفجار الأزمة في أسبوع أيلول الثاني مع بداية انهيار قيمة أسهم البنوك والمؤسسات المالية الإستثمارية الكبرى المنخرطة في التغطية المالية لنشاطات القطاع العقاري الأميركي.
كاستنتاجات مقارنة،يمكن القول بأن أزمة2008تكتسب بعداً عالمياً من خلال شمولها (وبدئها ب) للمركز المالي-الإقتصادي للعالم،امتدت تأثيراتها الفورية إلى كافة الأسواق العالمية.هذا يضعها في وضع يوازي أزمة1929.أيضاً هي مثلها بدأت في القطاع المالي،وإن كانت لم تتأثر بها كثيراً حتى الآن البنوك التقليدية.هناك ملامح،يمكن تسجيلها من خلال خمسة أسابيع من عمر أزمة2008،بأنها أسرع من أزمة1929في شمول الخارج غير الأميركي،وفي التأثير على الإقتصاد الأميركي الكلي عبر بدء الأخير في الدخول في"مرحلة كساد"،كماعبرت حاكمة فرع البنك الأميركي الفيدرالي بكاليفورنيا،ومن خلال مؤشرات تراجع مبيعات وأسعار التجزئة بالسوق الأميركية بشهر أيلول.ربما يكون انخفاض سعر برميل النفط الكبير في أوكتوبر2008علامة أولى على بدء الكساد الأميركي،وعلى تأثر اقتصاديات "الدول الأسرع نمواً"،كالصين والهند،به،من خلال كون السوق الأميركية هي الأكبر في استيعاب منتجاتها.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire