lundi 20 octobre 2008

هيمنة الأنشطة المالية

هيمنة الأنشطة المالية

محمد البلطي

baltym@yahoo.fr

قبل عرض هذه المسألة نلاحظ بالإعتماد على كارل ماركس أن أوهام النظام النقدي تجد مصدرها في أنه لا يُنظر الى النقود في شكلها كشيء مادي له خصائص محددة الى أساس أنها تمثل علاقة إنتاج إجتماعية.بعد ذلك يذهب "دافيد هارفي" الى أنه مثلما كان الأمر في القرن 19 كانت بنى الأسواق المالية من ضمن أول و أعمق ما تأثر بفاعيل الأزمة الحالية.و من ضمن ما نتج عن ذلك أنه لم يعد هناك طبقة رأسمالية مالية تنظّم و تسيّر النسق الذي عمته الفوضى و أصبح يتميز بأخطار كبيرة.كما بات رغم ذلك أو بسببه كبير القوة و قادرا على إخضاع الحكومات القومية و الشركات العابرة للأمم لضغوطات السوق.و كان "جون كينز" نصف قرن قبل إكتشاف الحاسوب الشخصي و تكنولوجا المعلومات و الأقمار الصناعية قد إعتبر أنه كلما تزايد إكتمال تنظيم أسواق الإستثمار تزايد خطر هيمنة المضاربة.و حسب سمير أمين تمثل المضاربة الشكل الطبيعي لتوظيف سيولات الإحتكارات.

و إذا كانت الأسواق المالية هي النموذج المركزي لهذه المرحلة و بحكم أنها تفرض كعلم مرجعي ليس العلوم الطبيعية و الميكانيك النيوتني أو الكمياء العضوية لكن حساب الإحتمالات و نظرية الألعاب’نظرية الفوضى و المنطق الضبابي و علوم الحياة’ بحكم ذلك تصبح المضاربة هي النشاط "الإقتصادي" الأساسي لـ"رأس المال" النقدي كشكل من أشكال رأس المال الإجتماعي.أي أن القطاع المالي في البلدان الرأسمالية الإمبريالية أصبحت له,مثلما يلاحظ ذلك سامي نير’ حياته الخاصة, إنها حضارة المضاربة,فوضى المضاربة كعنصر أساسي في ما سيمى العولمة.و هو ما يعني أن المضاربة تهمين على الإنتاج و النتائج الإجتماعية الكارثية للليبرالية الجديدة تحصل في إطار إقتصادي حيث إنتصرت الأنشطة المالية و أصبحت الأسواق المالية تمارس تأثيرا كبيرا جدا.و مثلما كان ممكنا في السابق القول أن مأتي عائلة تتحكم في مصير فرنسا فانه يمكننا الأن التأكيد أن مأتي متصرّف يتحكمون في مصير الأرض.و بالنسبة لسمير أمين العولمة الجديدة تتميز بشكل كبير عن المراحل السابقة فهي تقوم على تداخل بين رؤوس الاموال, و ذلك الى جانب أن رأس المال الذي كان الى حد الأن و بشكل دائم وطنيا يتجه الى فقدان هذه الخاصية حيث ينبثق في مكانه رأس مال مهيمن مُعولم إنطلاقا من قطاعه المالي.و هو في طريقه الى التعولم بنسق سريع و بشكل غير معقول و رأس المال هذا هو وسيلة العولمة بالنسبة لسمير أمين.و تتصف الراسمالية الجديدة حسب محمد سعيد طالب بغلبة الطابع المالي و الأنشطة الريعية و المضاربات المالية و هيمنتها على الأنشطة الإنتاجية.و في التعليق على أزمة 1994 في المكسيك و ملابسات مواجهتها يؤكد كاتبا "فخ العولمة" "لا مراء أن الأزمة المكسيكية قد سلطت الأضواء على طبيعة النظام العالمي الجديد في عصر العولمة.فقد أماط المتعاملون مع الأزمة على نحو لا سابقة له حتى الأن اللّثام عن التغيير الجدي الذي طرأ على موازين القوى في العالم إثر سيادة التكامل الإقتصادي العالمي.فكما لو كانوا مسيرين من قبل يد خفية تُخضع الجميع,أعنيحكومة القوى العظمى في العالم’الولايات المتحدة الأمريكية و صندوق النقد الدولي’الذي كان معروفا لذلك الحين بجبروته و عطمته,و كذلك المصارف المركزية الأوروبية’نعم خضع هؤلاء جميعا لما أملته عليهم قوّة فاقت قموّتهم’قوّة لم يكن بمقدورهم التعرف على حجم ذخيرتها التدميرية,أعني السوق المالية الدولية".و يعرّف عزام محجوب الأسواق المالية من جهة كونها "تعني إندماج الأسواق المالية في سوق عالمية واحدة,و ذلك برفع كل العراقيل و الحواجز أمام رؤوس الاموال".

الطابع المهيمن للأسواق المالية يعني أن هناك جديدا في طبيعة العلاقة بين العناصر المكونة لرأس المال الإجتماعي.و هو جديد يتمثل في إنفصال جانب كبير من رأس المال النقدي عن رأس المال الصناعي-المنتج و رأس المال التجاري متخذا بسبب أزمة فائض إنتاج شكل فائض نقدي غير قابل للتحول الى رأس مال منتج أو تجاري.و هو ما سيدفهة باتجاه المضاربة.

و تساعدنا عودة سريعة الى التاريخ على توضيح ذلك.في مقابل ما نلاحظه من كثافة لحركة "رأس المال النقدي" و هيمنة الأنشطة المالية المنفصلة عن الإقتصاد الواقعي-المنتج,في مقابل ذلك تساعدنا تلك العودة على تبين أن الطابع العالمي لحركة رأس المال النقدي ليس جديدا كليا و ليس وليد ما يسمى العولمة.و في هذا الإطار يذهب رضا قويعة الى أن هناك صلاثة دوافع تفسّر إتجاه رؤوس الأموال الأنقليزية نحو الخارج إنطلاقا من القرن 19.و هي إنخفاض نسبة الفائدة و إتمام إنجاز السكك الحديدية في البلدان المتقدمة, و باتالي يمكن لرؤوس الأموال الإتجاه نحو الخطوط الحديدية الطويلة في بلدان مثل الولايات المتحدة الأمريكية و الهند.أما السبب الثالث فهو فهو تشكل العناصر الأساسية لنظام بنكي فاعل, حيث تصبح البنوك الأنقليزية و الفرنسية و الألمانية هي الفاعلة في ميدان الإستثمار و التسليف الخارجي.و في الإطار نفسه يذكر رضا قويعة أن حوالي 54 بالمائة من الإدخار الداخلي الأنقليزي كان مستثمرا في الخارج في نهاية القرن 19,و قد بلغت هذه النسبة 96 بالمائة خلال المرحلة 1904-1913.لكن الأهم من كل ذلك هو أن تلك الإستثمارات كانت تتجه الى الإقتصاد الواقعي-المنتج فقد كانت توجه الى ميدان البنية الأساسية الطرقات و الموانيء و السكك الحديدية و الأشغال العمة و تجهيزات التلغراف و الإستغلال المنجمي..الخ.و قد شهدت الإستثمارات الأنقليزية تطورا متواصلا إذ كانت 104 مليون ليرة في 1906 و 148 في 1907 و 225 في 1913,أي ما يمثل ثلث أملاك الرأسماليين الأنقليزو متجاوزة بذلك الإستثمار الداخلي الصافي.و يمكن ملاحظة نفس الشيء بالنسبة للإستثمارات الفرنسية في الخارج.فقد تجاوزت في بداية القرن 20 اللإستثمارات في الداخل و مثلت 900 مليون في المتوسط في السنة.و مثلما يشير الى ذلك رضا قويعة, كانت مساهمة رأس المال البنكي هامة و مثل الإستثمارات الأنقليزية أتجهت الفرنسية الى الإقتصاد الواقعي من خلال بعث مصانع النسيج و الحديد و إستثمرت في ميدان بناء السفن و مناجم الفحم.و قد كانت شركة فسفاط قفصة التي أنشأة سنة 1877 مرتبطة ببنوك "ميرابو-هوتنغار" و مجموعة "نافرو".و يصل رضا قويعة الى درجة إعتبار أن عولمة رأس المال قد تمت في أواخر القرن19 و بداية القرن 20 و يرتبط ذلك مثلما سبقت الإشارة اليه باقامة شبكة بنكية فعالة.ذلك النظام البنكي كان يساهم بشكل مباشر أو غير مباشر في الإستثمار الصناعي.و يلاحظ سمير أمين أن الأزمة الكبرى لنهاية القرن 19 قد كانت مرفوقة بهيمنة الجانب المالي الذي تم من خلال تأكيد هيمنة رأس المال النقدي,المالي على رأس المال المنتج.و بلغة كال ماركس هيمنة المسار المباشر : ن-ن’ على المسار الإنتاجي : ن-إ-ن’.

ما يهما التأكيد عليه من كل ما سبق هو هيمنة رأس المال النقدي, و رغم وجود المضاربة, لكنها ثانوية, كانت الهيمنة في إطار من التحالف بينه و بين رأس المال الصناعي-المنتج و هي على أساس ذلك هيمنة لم تكن تتضمن إنفصاله شبه الكلي عن حركة الإقتصاد الواقعي-المنتج, و هو ما يحصل لجانب كبير من رأس المال النقدي في ظل ما يسمى العولمة, بسبب أزمة فائض إنتاج تولد فائض نقدي.

على أساس ذلك يكون الإنفصال بين حركة الإقتصاد المنتج و حركة جانب كبير من رأس المال النقدي هو أحد خصائص مراحل التأزم التي تنج عن التناقض بين القدرة على الإنتاج و القدرة على التصريف التي تميز نمط الإنتاج الرأسمالي المحكوم ليس بالبحث عن تلبية حاجات البشر بل عن الربح و المزيد منه و هو ما يجعل الركود النسبي سرطان هذا النمط الإنتاجي.و ذلك الإنفصال يتم على قاعدة غياب حل منتج للفائض النقدي مما يدفع هذا الأخير باتجاه المضاربة كحل بالنسبة للإقتصادات الإمبرالية.

و يترافق نمو الأنشطة المالية و توسعها مع نمو صنف جديد من طرق المضاربة و التلاعبات المالية.و يلاحظ سامي نير أن العومة اليبرالية هي صيرورة شاسعة لتملك الفضاء العالمي, و ما يميزها عن الماضي أنها لا تتم و السلاح في اليد بل هي صيرورة يحصل بشانها إتفاق بين النخب المالية العالمية, و من المستحيل بالنسبة له أن تكون وضعية مماثلة قد وجدت في الماضي.

و الأسواق المالية حسب "مالكولم ويترز" هي أكثر أبعاد "الحياة الإقتصادية" عولمة.و لهذه الأسواق تارخ طويل من التدويل.و بالإعتماد على "قيلبان" يحدد "ويترز" ثلاث مراحل لنمو الأسواق المالية العالمية:

-- 1870-1914 , كانت بريطانيا أهم مصدر لرأس المال و تركزت الأنشطة المالية العالمية في لندن التي أصبحت تيسر النظام المالي العالمي.

-- 1920-1939 , أجبرت الحرب العالمية الأولى العديد من البلدان الأوروبية بما في ذلك بريطانيا على تصفية إستثماراتها الخارجية,و في نفس الوقت كانت الولايات المتحدة الأمريكية تتحول الى قوّة إقتصادية,و الى حدود 1929 وفّرت الولايات المتحدة اليسيولة للنظام المالي لكنها حدت من القروض الخارجية في نفس العاموو بعد ذلك ظلت الأسواق محافظة على سيولتها الى حد الحرب العالمية الثانية.

-- 1947-1985 , أصبحت نيويورك المركز المالي العالمي, أي مصرفي الإحتياطات الأجنبية,و أهم سوق لرأس المال و أرض الخلاص الأخير.و تأكد الدور الأمريكي في المالية العالمية من خلال البنك العالمي و صندوق النقد الدولي.كما تميزت هذه المرحلة بنمو المساعدات المالية الدولية الى درجة تساويها في الأهمية مع الإستثمارات الخاصة.

و حسب "ويترز" النظام المالي لم يكن لا قبل الحرب الثانية و لا بعدها معولما كليا.إذ كان في الحالتين ممركز و مضمون من طرف دولة واحدة, بريطانيا أو الولايات المتحدة الأمريكية.و قد إنهار نظام لندن في الثلاثينات حيث لم تكن حكومة جاهزة لضمانه.و حصلت أزمة مماثلة في بداية السبعينات كان سببها الأساسي التراجع النسبي للقدرة التنافسية الأمريكية و قد ساهمت العديد من العناصر في هذا التراجع الأمريكي من بينها صعود الكتل التجارية الجهوية و صعود اليابان و البلدان الصناعية الجديدة و الصدمة النفطية الأولى.و تحولت الولايات المتحدة الأمريكية الى مدين بعد أن كانتدائنا و بدات تمول عجزها بضخ الدولارات في السوق و فعلت الدو النفطية نفس الشيء بفوائضها المالية.و الأهم من كل ذلك تكون سوق للدولارات الأمريكية: سوق الدولار الأوروبي خارج سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية.و تزايد حجم تلك الأموال الغير خاضعة لأي دولة من 50 بليون دولار سنة 1973 الى 2 تريليون دولار سنة 1987, و هي تقريبا نفس الكمية الموجودة داخل الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها.لذلك يرجع سامي نير بداية هيمنة الأنشطة المالية, هيمنة إحتكار القلة المالي الى تحلل الولايات المتحدة الأمريكية من إتفاقيات "بريتون وودز" سنة 1971 و ما نتج عنه من عدم قابلية الدولار للتحويل الى جانب الكمية المهولة من الدولارات التي تراكمت خارج الولايات المتحدة الأمريكية, التي دفعت الى نمو غير غير مسبوق للأسواق المالية.و حصلت هذه الهيمنة في إطار يتمبر بالتباطيء, بل بالركود المعمم الذي دخل فيه الإقتصاد العالمي إنطلاقا من منتصف السبعينات.

هذا التشخيص لا يختلف عن ذلك الذي يقوم به ثويترز" و كان من الممكن بعد إنهيار نظام "برتون وودز" إنتظار تحول مركز السوق المالية العالمية , مثلا, الى فرنكفورت أو طوكيو.لكن هذا لم يحدث و ما حصل بالفعل هو بداية صيرورة عولمة مما يجعل تحديد مركز للسوق بدون معنى.و بالتالي فان المرحلةو الرابعة في تطور النظام المالي العالمي إنبثقت حسب "ويتروز" كنتيجة للتلاقي بين إنهيار نيويورك و نمو وسائل الإتصال المرتبطة بالحاسوب و الحينية.و قد نمت السوق المالية المُعولمة في إتجاهين.يتضمن الأول إلغاء قيود الزمان و المكان على المعاملات التي أصبحت تتم على مدار الساعة أما الإتجاه الثاني فيتمثل في التنوع الذي أصبحت عليه السوق المالية.فقد تحولت البنوك الى المتاجرة في الأوراق المالية و شركات البناء و إتحادات التسليف تحولت الى بنوك.

"هاري مقدوف" يعيد نشوؤ تلك السوق الى الثمانينات, إذ شهدت هذه الأخيرة ولادة مرحلة جديدة كليا من الأنشطة المالية العالمية و ذلك مع صعود الأسواق المالية الأكثر حريّة و الأكثر تعقيدا, تلك التي لم يرى العالم مثيلا لها في السابق.و في نفس الإتجاه يسير كل من "دنيال بُدرو" و "برنار مَاريس" من خلال إعادتهما ذلك التحول الذي يؤثر في الإقتصاد العالمي الى الثمانينات معتبران أن الرأسمالية ما بعد الحرب في فرنسا و الولايات المتحدة الأمريكية كانت تقوم على أساس نسق لإحتكار القلة مدعوما من طرف القوة العمومية من وجخة نظر الإستثمار و القروض و الطلب الى جانب الدور الأساسي للنظام البنكي,وحيث كانت السوق النقدية و المالية منظّمتان و مراقبتان.أما الأن فان الأسواق النقدية و المالية المستقلة تراقب الرأسمالية.لقد أصبح السوق يراقب السوق.و منطق هذا النسق بالنسبة لها بسيط:

ففي محل نسق حيث التمويل و المخاطر مؤمنة من طرف بنك الدولة و حيث يتم تحديد القيمة في الميدان التجاري, محل ذلك النسق حل نسق حيث التمويل مضمون بواسطة الإدخار و أين يتم تحديد "القيمة" في الأسواق المالية/البورصة.

و قد اصبح هذه الأخيرة هي التي تحدد مسبقا أن هذه المؤسسة يجب أن توفر من 15 الى 18 بالمائة صاف, كما أصبح ممكنا لها إغلاق مصنع "فيلفورت" أو نقل مصنع الى البرازيل.و معنى ذلك هو الإنتقال من" إقتصاد الديون" الى "إقتصاد الأسواق المالية" أين تشترط حركة السيولة الكثيفة "ربحا" سريعا و على أساس أصبح "المستثرون المؤسسيون" أو "صناعيو التوظيف" يرغبون في مردود مرتفع من 15 الى 20 بالمائة.و ينتج عن ذلك أن مخاطرة رأس المال لم يعد يتحملها حامل الأسهم, فهذا الأخير أصبح يحصل مسبقا على نتائج النشاط الإقتصادي للمنشأة.و تقوم الأسواق المالية باستعمال تقنيات عنيفة ذلك أنها تحدد جزء سيولة الشركات الذي عود اليها و إذا لم يكن الأمر كذلك فانها تنسحب من رأسمالها.كما تفرض على المنشاة و ضع قواعد تحدد حقوق حاملي الأسهم و تبني مرونة العمل.و يعني ذلك بالنسبة لسامي نير الإنفصال بين الرأسمالية المنتجة و الرأسمالية المالية و تحول هذه الأخيرة الى إقطاع مالي على صورة المدن-الدولة في القرن 16.

كانت المبادلات في الأسواق النقدية و المالية و في البورصة زمن "كينز" تمثل مرتين المبادلات السلعية.لكنها أصبحت اليوم مثلما يشير الى ذلك "ميشال بو" تمثل عشرات المرات قيمتها.فالعلاقة بين عمليات بيع و شراء العملات في أسواق الصرف و العمليات المرتبطة بالتجارة العالمية للسلع كانت 6 سنة 1979 و 20 سنة 1986 و 57 سنة 1995.و كان المجموع الصافي لعمليات الصّرف 1300 مليار دولار في اليوم سنة 1995.و يذر "هُوارد فاتشال" أن المبادلات المتعلقة بالعملات كانت 150 نليار دولار في اليوم سنة 1985 لكنها تجاوزت 1000 مليار دولار في اليوم و البعض يتحدث عن 1500 بل 1800 و 2000 مليار دولار في اليوم.و حسب الرئيس المدير العام لبنك التنمية للإقتصاد التونسي فـ"أن حجم الأموال المتداولة في العالم تبلغ 15 مرة حجم الإنتاج العالمي".و قدر "إقناسيو رامونيه" حجم المعاملات في الأسواق النقدية و المالية بحوالي 50 مرّة قيمة المبادلات التجارية العالمية.و في السوق الأوروبية للدولار في لندن المعدل اليومي لدوران رأس المال يبلغ 300 مليار دولار أي 75 تريليون دولار في العام و يدور فيها حوالي 150 مليار دولار يوميا أي ما يقارب من 35 تريليون دولار في السنة في إطار عمليات تبادل العمليات في أهم مراكز المال في العالم.ذلك في حين بلغت قيمة البضائع و الخدمات المتبادلة عالميا 6300 مليار دولار.و في أواخر الثمانينات و بداية التسعينات تضاعفت القيمة الإسمية للمبادلات لتصل على مستوى العالم الى قيمة خيالية, إذ بلغت 41 ألف مليار دولار.

كما يتجسد ذلك الإنفصال في النتيجة التي يصل اليها كاتبا "فخ العولمة" و ذلك بعد إستعراض واقع وحدة الأسواق المالية في مختلف مناطق العالم إذ "لم يعد مستوى النشاط الإقتصادي و لا المصرف المركزي الألماني(مثلا) هما اللذان يقرران سعر الفائدة في سوق المال الالمانية,بل سيقرره ما يراه أولئك الذيم مهنتهم جني الأرباح و العمل على تراكمها" من خلال التعامل في الأسهم و سندات الديون الحكومية و ما يسمى المشتقات."فالى جانب العملات يجري تداول حوالي 70 ألف من الأوراق التجارية بكل حرية عبر الحدود" و "بواسطة التعامل بالمشتقات تحرر قطاع المال من القطاع الحقيقي".و هو ما جعل من الممكن "أن المصارف قد حققت أرباحا طائلة من المخاطر التي تصاحب التذبذبات التي يفرزها التعامل بالمشتقات, فالمصرف الألماني 'دوتش بنك' بمفرده حقق من خلال المشتقات ما يقارب المليار مارك.و ما الأهمية المتزايدة لهذه العمليات في ميزانية هذا المصرف سوى دليل واحد على التغيير الذي طرأ على دور المصارف في عالم المال المعولم.فأهمية الودائع و منح القروض هي في تراجع مستمر.من ناحية أخرىفان العديد من الشركات الكبرى لم تعد في حاجة الى المصارف فهي قد صارت على نحو أوأخر مصرف, و لعل شركة 'سيمز' خير مثال على ذلك.فهي تحق بعملياتها النقدية و المالية أرباحا تفوق ما تحققه بمنتجاتها المعروفة في أرجاء المعمورة.و هناك المئات من الشركات الكبرى أضحت تصدر هي نفسها ة على مستوى العالم سندات دين تمول بها ما تحتاج اليه من رأس مال".

ذلك الإنفصال هو ما يؤكد عليه أمحد كرم كاهية الرئيس المير العام لبنك الأمان التونسي, فهناك بالنسبة له رأس مال و رأس مال, ملاحضا أن نوعية رأس المال المستثمر شهدت تغير ملحوضا حيث أصبح نصيب تمويل الإستثمارات و التجارة الحقيقية فيها محتشما جدا بالنسبة لرؤوس الأموال المضاربة التي لا تمت للوضع الإقتصادي بصلة و يضيف "يكتسي هذا الوضع خطورة كبرى بالرجوع الى المبالغ الكبير التي تتحرك بسرعة الضوء في كل أرجاء المعمورة اليوم.من ذلك أن الحركات المالية التي تسجل كل يوم تقدر بنحو 1500 مليار دولار غير أن 3 بالمائة فقط من هذا المبلغ يوظف لتمويل عمليلت تجارية و إقتصادية حقيقية و النسبة المتبقية , أي 97 بالمائة تمثل عمليات مضاربة أو عمليات ليست لها صلة مباشرة بالنمو الإقتصادي العالمي".و في إطار تحديديه لخصائص ما يسمّه الرأسمالية الكوكبية كمرحلة مابعد إمبريالية في تطور الرأسمالية يلاحظ إسماعيل صبري عبدالله أن "دور النشاط المالي (زاد) ...الى أبعاد غير مسبوقة...و بمساندة البنوك يضارب الناس في الأسواق النقدية و أسواق أسعار الصرف بمبالغ خيالية.و حجم التعامل اليومي فيها وصل الى ترليون دولار...و تدفع ظروف النمو الإقتصادي البطيء أو موجات الإنكماش المسؤولين في ...الشركات الى الحد من الإستثمار الإنتاجي و تفضيل إستخدام فائض السيولة لديها في عمليات المضاربة في أسواق الصرف و أسواق الأوراق المالية".و كدليل على هيمنة ما يسمى الأسواق المالية يذكر صبري عبدالله "أن إجمالى إرادات القطاع المالي(بنوك و تأمين و مؤسسات إدخار و إستثمار) تبلغ 22.5 بالمائة من إجمالي إيرادات الشركات الخمسمائة الكبرى في قائمة فورتشن و نجد على العكس أن نصيب التعدين و المعادن و المنتجات المعدنية لم تزد إيراداتها عن 2.8 بالمائة"

إن الطابع المضارب للكتلة النقدية الدائرة يجعلها بالنسبة لـ"جاك أتالي" مخطرة لأنها تتعلق بقرارات ليست لا من الميدان اللإقتصادي و لا من الميدان الإجتماعي خاصة و لكنها قرارات مالية صرفة تفرض منطق مصالها الضيقة جدا على كل الفاعلين و تتحكم في إقتسام القيم المنتجة التي لا تساهم في إنتاجها بأي شكل.و هو ما دفع "ميشال كامديسو" المدير العام الأسبق لصندوق النقد الدولي الى القول "إن ألغاء القيود على حركة رأس المال تتم أحيانا على الرغم من تعارضها مع المنطق السليم" مضيفا " إننا على عتبة الدخول الى القرن الحادي و العشرين و هو عصر بيل غيتس و جورج سوروس, بينما تدار الأسواق كما كانت أيام بالزك". هذه العودة الى رأسمالية "أيام بالزك" تجد تفسيرها, كما يعتقد سمير أمين,في كون الثورة التكنولوجية المعاصرة لا تحمل حلا للفائض الزائد و هو ما يفسر الهروب الى المضاربة المالية.فالموجة الحالية من التجديد المتركزة حول الإعلامية, ليس من الأكيد أن يكون لها نفس التأثيرات و النتائج التي كانت للسكك الحديدية و صناعة السيارات في المراحل السابقة من توسّع تراكم رأس المال.

فالأزمة, بالنسبة لسمير أمين, كما هو شأنها دائما في ظل الرأسمالية,تعبر عن نفسها بفائض من رؤوس الأموال لا تجد مجالات تصريف ذات مردودية كافية في توسيع النظام الإنتاجي.و التصرّف الرأسمالي في الأزمة يعمل من أجل تعويض عدم الكفاية ذلك بمجارج مالية ذات مردوية, عاملا من خلال ذلك على الرّفع من شأن الأمن المالي, حتى ولو كان على حساب التوسّع الإقتصادي.و الصرف المعوّم و نسب الفائدة المرتفعة و الخوصصة و السياسات المولدة لعجز كبير جدا في ميدان مدفوعات الوريات المتحدة الأمريكية و أولوية سياسات التصرذف في خدمة دين "العالم الثالث", كل ذلك يشكل حسب سمير أمين الوسائل العملية لهيمنة الأنشطة المالية.التي يعتبرها مهاتير محمد الوزير الأول الماليزي سابق غير ضروية و غير منتجة و غير أخلاقية, فالمضاربة المولدة للتفقير يجب بالنسبة له منعها.

و من بين نتائج هيمنة الأنشطة المالية يمكننا ذكر نظرية نزع الطابع "المادي " عن الإقتصاد, أي أن ذلك المسار الذي يتضمن فقدان ملكية عناصر مادية مثل الأرض و المواد و الألة لأهميتها مقارنة بعوامل غير "مادية" مثل المعرفة العلمية التكنولوجية المتطورة جدا و المعلومات و الإتصال و الإشهار و المالية.كما تؤدي تلك الهيمنة و إنفصال أدواتها عن حاجة الأسواق و البشر الى إدخال الإضطراب على "السوق".فالقطاع النقدي و المالي يكمن أن تدخل عليه الإضطرابات,يمكن أن تحدث فيه "عاصفة" تحمل معها العملة و الإقتصاد القوميين و الأرباح الممكنة و الإستثمارات.و قد حصل ذلك بالفعل سنة 1987 في الولايات المتحدة الأمريكية و سنة 1993 في أوروبا و سنة 1994 في المكسيك و سنة 1997 في جنوب شرق آسيا و في سنة 1998 في روسيا و البرازيل...الخ و آخر العنقود ما يعيشه كل العالم منذ 2007 و يكون قد بلغ أحد قممه في 2008 حيث يتجند كل العالم و بالإعتماد على أرقام فلكية لحل ما يسمى الأزمة المالية العالمية المنطلقة و منذ 2007 من الولايات المتحدة الأمريكية و التي نشير عرضا الى أنها ليست أزمة مالية في أصلاها أنما هي أزمة فائض إنتاج و حتى أن كانت كذلك فانها لا تشكل أزمة بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية فقد إصطنعها وحوش المال هناك, و هذا موضوع أخر ليس هذا مجال تناوله فقط نلاحظ أن ما يسمى أزمة مالية يشكل بالنسبة لوحوش المال في أمريكيا أداة لمزيد تركيز و تمركز المؤسسات المالية هناك كأحد الأدوات الأساسية للهيمنة الأمريكية على العالم و خاصة في مواجهة أوروبا التي أصبحت في المرتبة الأولي أقتصاديا بما نسبته 27 من الإنتاج العالمي في حين تردت الولايات المتحدة الأمريكية الى المرتبة الثانية بما نسبته 18 بالمائة.و هذه قصة أخرى.

و حسب خديجة محمد صفوت فـ "إن نسبة مساهمة الصناعت السلعية قد إنخفضت نتيجة للخصخصة و لتوفير العمل الحي في القطاع العام و الخاص و الإعتماد على كل من الصناعات الخدمية و المراكمة ببيع المال كسلعة في أسواق المال,إذ إنخفض نصيب الصناعات السلعية في الإستثمار مما ترتب عليه إنخفاض نسبة مساهمت الصناعات السلعية في المراكمة الرأسمالية مابعد الصناعية.و قد اصبحت الصناعة السلعية تسهم بما يتراوح ما بين 20 و 25 بالنائة في الولايات المتحدة الأمريكية و تنخفض هذه النسبة تباعا في بريطانيا بتوفير العامل الصناعيين بمعدل عامل كل عضر دقائق...فقد إنخفضت قيمة أسهم الصناعات الثقيلة كصناعة الحديد و الصلب...مما ترتب عليه شطبها من سجل السندات المالي للمئة صناعة التي تؤلف أقوى و أكبر صناعات في بريطانيا".

و الى جانب ذلك تتجسد تلك الهيمنة في نمو ما يسمى إستثمارات المحفظة أو الإستثمارات العائمة التي بلغت أكثر من 500 مليار دولار و هي إستثمارات ليس لها أيّة علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالإنتاج,وهو ما يجعل المضاربة المتنامية مضرة بالإقتصاد الكلّي الى درجة أن البنوك المركزية لم تعد قادرة من خلال سياسة الصرف و نسب الفائدة على مواجهة إضطراب السوق الكلّي.

و قد كان "كينز" منذ الثلاثينات حذر من النتائج السلبية لتلك الهيمنة.فاذا أُمتصت الثروة من طرف المعاملات المالية, وإذا تم إهمال الإستثمارات المباشرة فان الأمم تعرّض نفسها الى الخطر الذي حدده "كينز" بقوله أنه لا يمكننا إنتضار الكثير من وضعية حيث نمو بلد ما يصبح النتاج الثانوي لأنشطة محل ميسر.و يمكننا على أساس ذلك الإنتهاء الى إعتبار أن النمط الإقتصادي المرتبط بهذا التطور يؤدي, مثلما يذهب الى ذلك سمير أمين الى الإنغلاق في أزمة دائمة من النقص في الإستهلاك و هيمنة الأنشطة المالية.

و إذا كان الإنفصال عن الواقع يفقد الحس بالمسؤولية تجاهه , فالأمر كذلك بالنسبة للشكل النقدي من رأس المال الإجتماعي المنفصل عن حركة الإقتصاد الواقعي-المنتج ن شأن تلك الحركة لا يعنيه في شيء.و "جورج سوروس" الذي إشتهر كمضارب في الأسواق المالية يؤكد أن التاريخ قد بين أنه من الممكن بالفعل أن تنهار الأسواق المالية مولدة الإنكماش الإقتصادي و الإضطرابات الإجتماعية.فالأسواق بالنسبة له غير مستقرّة بشكل أساسي.و على النقيض مما يصرّح به إيديلوجيو دعه يعمل,حسب قوله,فانه يصرّح أن نسقنا مهددا بالإنهيار.و إنهياره سوف يمثل مأساة لا يمكننا تخيل نتائجها.و عندما وجّه النقد الى "ميشال كمادسو" في علاقة بأزمة المكسك سنة 1994, بأن المضاربين قد جنوا ثمار المليارات الممنوحة, إعترف بذلك, و بأن "العالم في قبضة هؤلاء الصبيان" و هو لايزال كذلك الى سنة 2008 فصبيان واشنطن و باسم ما يسمى الأزمة المالية العالمية يحاولون تشديد قبضتهم على كل العالم إن لم يكن بالمضاربة فالبظرب حيث ينفقون على التسلح أكثر من كل العالم مجتمعا, 500 مليار دولارو يمركزون المؤسسات المالية بحث تحولت الى وحوش مالية تهدد كل العالم.

و يعني ذلك وضع حد للتحالف بين أشكال رأس المال الإجتماعي (رأس المال الصناعي-المنتج و رأس المال التجاري و رأس المال البنكي-النقدي) الذي قامت عليه الرأسمالية إنطلاقا من أواخر القرن 19 و بداية القرن العشرين.و قد باشرت ما يسمى الشركات المتعددة الجنسية إنجاز ذلك’بحكم قدرتها على توفير حاجياتها المالية بدون الرجوع الى الجهاز البنكي المستقل عنها,و ما بدأته تلك المؤسسات تقوم ما يسمى العولمة بتعميقه و إعطائه شكله الناجز لمصلحة هيمنة رأس المال النقدي على بقية الأشكال الأخرى لرأس المال الإجتماعي.و ذلك هو المحتوى الفعلى لإيديولوجيا تحرير "السوق", أي تحرير رأس المال النقدي من التحالف مع رأس المال التجاري و رأس المال الصناعي.

ففي مسار إنتاجي يهيمن عليه رأس المال الصناعي-المنتج تكون وظيفة السوق الأساسية هي تحقيق فائض القيمة أي تحويله من شكله السلعي الى شكله النقدي.و في حالة الهيمنة المطلقة لرأس المال النقدي على ذلك المسار, في ظل الإنفصال بين حركة النشاط الإنتاجي و حركة رأس المال النقدي,فان وظيفة "السوق" تصبح وظيفة ريعيّة,أي أن رأس المال النقدي لم يعد يوظّف بشكل منتج سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة,إذ نجد أنفسنا في مواجهة الوضعيّة التي تولد فيها النقود نقودا بدون أية علاقة مع الإنتاج الحقيقي و بالتالي فان المعادلة : ن-إ-ن’ تتحول بواسطة الألاعيب المالية و المتاجرة في المشتقات الى : ن1- ن2-ن3. حيث ن1 كمية النقود من شكل معين التي يتم تقديمها من أجل شراء كمية نقود من شكل أخر هي ن2, يتم مبادلتها لاحقا بدون المرور بالمسار الإنتاجي مقابل إما الشكل الأول ن1 أو شكل ثالث من النقود ن3. ما يصبع الطابع الريعي على هذه المعادلة هو أنها تمكن القائمين بها من "حق" في الثروة الإجتماعية دون أن يساهموا في إنتاجها بأي شكل من الأشكال و لا يقتصر أمرها على ذلك, بل هي تولد الإضطراب في الإقتصاد الواقعي و تتحكم في توزيع تلك الثروة.

و بدلا من مما قاله ماركس لأسلافهم راكموا راكموا فذلك الله و المسيح يمكننا أن نقول لهم اليوم ضاربوا ضاربوا فذلك الله و المسيح.و إذا كان ماركس قد إعتبر إجراما نسبة ربح تساوي 300 بالمائة فماذا نعتبر نسبة ربح تصل الى 25000 بالمائة نعم 25000 بالمائة فورقة من فئة 100 دولار لا تكلف طباعتها أكثر من 4 سنتات.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire