vendredi 17 octobre 2008

إنعكاسات العولمة على إيديولوجا الدولة في تونس

إنعكاسات العولمة على إيديولوجا الدولة في تونس

محمد البلطي

baltym@yahoo.fr

مفهوم الايديولوجيا يشير هنا، وبشكل بسيط،الى الخطاب الذي لا يقول الواقع كما هو بل يسعى الى ستره و تعميته. و رغم نعي الايدويولوجيات يبقى لكل سلطة سياسية إيديولوجيا تسعى الى نشرها في الجتمع كإطار نظر عام يتضمن رؤية للعالم بشقيه الطبيعي و المجتمعي.وتسعى السلطة السياسية، بالاعتماد على العديد من الطرق و الوسائل الى إقناع و تربية المجتمع، وخاصة المجموعا الاجتماعية المتضررة من العلاقات الاجتماعية المهيمنة ، على القبول بتصورها للأشياء و العلاقات. و هي من خلال مسعاها ذلك تهدف الى تلافي النقد و الرفض الممكنين لها كسلطة سياسية

و للبرامج و المخططات و السياسات و المصالح الاجتماعية التي تمثلها.

و يعني ذلك أن السلطة السياسية تعتمد إيديولوجيا كمصدر من مصاد شرعيتها أي كأداة تساعدها على الدوام والتواصل.إن إديولوجيا السلطة السياسية تساعدها على أن تكون مقبولة من طرف من تمارس عليهم، رغم أنها يمكن أن تكون مناقضة لمصالحهم. و بالتالي فان الايديولوجيا تساعد السلطة السياسية على إعادة إنتاج ذاتها كشرط أساسي لتواصل المجتمع و دوامه، بحكم الطابع التعددي و المتناقض له مما يولد فيه الصراعات التي يمكن أن تنتج الفوضى و بالتالي زوال المجتمع ذاته.فتأطير ذلك التناقض المجتمعي و الصراعات التي تنشأ عنه في إطار المجتمع ذاته يتطلب وجود سلطة سياسية ، هي التي تقوم بعملية التأطير تلك بقطع النظر لمصلحة من تقوم بذلك.

الخطاب الرسمي التونسي حول العولمة يمكن وضعه في ذلك الاطار. و ما يدفعنا الى ذلك ، ضمن اسباب أخرى، طبيعته الملتبسة.حيث ينشطر ذلك الخطاب الى تصوريين للعولمة و نتائجها. فهو من جهة يصور الاندماج فيها كخيار، كعمل إرادي، و من جهة ثانية، يصور ذلك الاندماج كضرورة، كقضاء و قدر، كاكراه نسقي. و في بعض الأحيان يجتمع التصوران في خطاب نفس الشخص الرسمي و في وهلة واحدة.

في علاقة بالتصور الأول يقول وزير المالية التونسي "إن إختيارات البلاد الاقتصادية و الاجتماعية و المالية نابعة من حوار وطني شاركة فيه كل الفئات و الشرئح محليا وجهويا و وطنيا".(1)

متى حصل ذلك الحوار وأين و من شارك فيه؟. لا نعلم شيئا عن كل ذلك. لكن ما يهمنا هو حديثه عن "إختيارات البلاد". في نفس الاتجاه تذهب اللائحة العامة الصادرة عن مؤتمر التجمع الدستوري الديمقراطي، الحزب الحاكم في تونس، المنعقد في شهري 07/08/1998إذ"يبارك المؤتمرون الخيار التونسي في المجال التنموي… و التفتح على الاقتصاد العالمي… وسلامة الاختيارات و صواب المنهج. و هو ما أهل البلاد لمزيد الاندماج في المحيط العالمي بابرام عقد الشراكة مع الاتحاد الأوروبي و الانخراط في المنظمة العالمية للتجارة و الانطلاق في إنجاز برنامج التأهيل الشامل".(2) واضح من خلال ذلك الحديث عن "الخيار التونسي في المجال التنموي…وسلامة الخيارات".تأكيدا لذلك يعتبر وزير الصناعة التونسي"أن القطاع الصناعي يمر خلال هذه السنوات بمرحلة هامة تتطلب منه الرفع من قدرته التنافسية بنسق متصاعد بالمقارنة مع بقية القطاعات و في فترة وجيزة حتى يكسب رهان التفتح على المنافسة العالمية طبقا لإخيارات بلادنا".(3) لا يختلف عن نفس المرجعية مايقوله الوزير الأول التونسي إذ"أن التحرر الاقتصادي خيار جوهري يستجيب للمصلحة الوطنية و التحولات العالمية".(4) في نفس الاتجاه يسير المنجي صفرة، كاتب الدولة سابقا لدى الوزير الأول المكلف بالبحث العلمي و التكنولوجي حيث"أن تونس التغيير، شعورا منها بالتحولات العميقة التي يشهدها العالم في السنوات الأخيرة،إختارت الاندماج في هذه الحركية العالمية و رفع تحدياتها".(5) الى كل ذلك يضيف رئيس الدولة في تونس "لم تباغتنا التحولات التي شهدها العالم لأننا كنا سباقين في خياراتنا".(6) و في نفس الاطار يؤكد"إن العولمة التي إخترنا الانخراط فيها بثقة و عزم تضع أمامنا تحديات كبرى علينا رفعها و هي تتيح أمامنا فرصا علينا إغتنامها". و في مكان أخر"إنخرطة بلادنا بوعي في مسار العولمة".(7)

لقد إختارت تونس الاندماج في العولمة ،ذلك ما يقوله الدالي الجازي وزير التعليم العالي.(8) نعتقد أن ما تم ذكره يكفي لتأكيد وجود التصور الأول. و في هذا المستوى لسنا في حاجة لنقد ذلك التصور، فقط نقوم بوضعه في مواجهة الشطر الثاني المكون لتصور السلطة السياسية في تونس حول العولمة.و هو التصور الذي ينظر لها كضرورة،كاكراه نسقي ، كقضاء و قدر. و من الوضح أنه مناقض للتصور الأول.

الصادق رابح وزير النقل يقول لنا"خلال السنوات العشرة الأخيرة شهد العالم تحولات عميقة و كبيرة في كل المستويات. و هي التحولات التي تولد عنها واقع جديد مفروض على العالم كله بواسطة منطق إقتصاد السوق".(9) و هو نفس التصور الذي يعبر عنه سعيد بن مصطفى عضو اللجنة المركزية للجمع الدستوري الديمقراطي و كاتب الدولة لدى وزير الشؤون الخارجية المكلف بالشؤون المغاربية، حيث يقول"نحن مقتنعون بشكل عميق أن العولمة هي مسار لا رجعة فيه".(10) و بشكل واضح يقول لنا الحبيب بولعراس، رئيس مجلس النواب سابقا أن "الضرورة الداخلية للاندماج في الاطار العالمي تفرض علينا كلنا و لا تمثل بأي شكل من الأشكال خيارا".(11) لا يخرج عن ذلك ما يذهب اليه صلاح الدين الشريف كاتب الدولة لدى الوزير الأول المكلف بالاصلاح الاداري و الوظيفة العمومية ذلك "أن سياسات الخوصصة في الوظيفة العمومية أمر تحتمه التحولات الاقتصادية الحديثة و يقتضيه تحرير السوق و التفتح على الاقتصادات العالمية".(12) و بالنسبة لوزير الثقافة "ظاهرة العولمة التي غدت سمة أساسية لهذا العصر تفرض علينا أن نكون على بينة من آلياتها".(13) نفس التصور يعبر عنه الوزير الأول في رده على التدخلات في إحدى الجلسات البرلمانية التي دعت الى حماية المنتوج التونسي، في إطار النقاش العام لمشروع ميزانية عام 1999 في الجلسة المنعقدة يوم 08/12/1998 إذ يعتبر الوزير الأول "أن خير حماية للمنتوج التونسي و الاقتصاد الوطني تمر بكسب رهان المنافسة و التصدير و كذلك بنقل المنافسة الى خارج التراب الوطني ، كما أن الأجانب سيدخلون حتما الى تونس بمنتوجاتهم و لايمكن غلق الأبواب أمامهم…"(14) وفي تعقيبه على مداخلات النواب عند مناقشة مشروع ميزانية وزارة الشؤون الاجتماعية يوم 25/12/1997 و توضيحا لمسألة الحد من الانعكاسات الاجتماعية لعمليات الخوصصة و "تطهير" المؤسسات العمومية التي تمر بصعوبات إقتصادية، إعتبر وزير الشؤون الاجتماعية "أن هذه العمليات ضرورية في خضم التحولات التي يشهدها الاقتصاد العالمي".(15) و بالنسبة لصلاح الدين عبد الله، المدير العام للمعهد الديبلوماسي للتكوين و الدراسات " نحن نقول نعم للعولمة…بل لا بديل عنها"(16) و في علاقة بالتحولات التي يشهدها العالم بما في ذلك العولمة الاقتصادية يقول رئيس الدولة "إن تلك التحولات تحتم تطوير دور الدولة و تكييفه مع مقتضيات المجتمع المفتوح".(17) و حسب محمد الغنوشي وزير التعاون الدولي و الاستثمار الخارجيس سابقا و الوزري الاوال الحالي، إندماج تونس في الاقتصاد العالمي و الفضاء الأوروبي-المتوسطي هو خيار إرادي،لكنه الخيار الوحيد الذي يسمح بالمحافظة على المكتسبات المنجزة و خلق فرص جديدة للإستثمار. في نفس السياق الحتموي نجد الوزير الأول يؤكد أمام أعضاء المجلس الأعلى للتخطيط في إجتماعه يوم 16/09/1998 "إن هذا الاجتماع يوفر فرصة هامة لمزيد التعمق في المسائل المطروحة في ظل محيط عالمي سريع التحول يشهد تغيرات متواصلة على جميع المستويات لا مفر من مواكبتها و التأقلم معها".(18) هذا التصور يأخذ شكل حتمية إقتصادوية واصحة لا لبس فيها.إذ في علاقة بالتحولات التي شهدها العالم في النصف الاول من التسعينات يقول رئيس الدولة في أحد خطبه "أصبحت العوامل الاقتصادية هي المحدد الاول لتلك التحولات".(19) و عند محاولة تفسير ما سمي المقاربات المستندة الى مفهوم العالم الثالث و عدم الانحياز كمكون من مكونات "الأحداث بالغة الأهمية" التي شهدتها "الساحة الدولية في هذا القرن"..." يعزى تراجع هذه التيارات، رغم ما إستأثرت به هذه العوامل من أهمية، حيث أصبحت العنصر الأساسي في قيام التحافات و التوازنات الجغرافية-الاستراتيجية الجديدة". هذا ما كتبه حرفيا واضعوا المخطط التاسع للتنمية 1997/2001.(20) و لا يقتصر دور الحتمية الاقتصادوية على تفسير تراجع"المقاربات المستندة الى مفهوم العالم الثالث و عدم الانحياز" بل "أضحت العوامل الاقتصادية المحدد الأول و الخلفية الأساسية لما يشهده العالم من تحولات"(21).

هنا نلاحظ ،فقط، أن بعض التفسيرات ذات الالهام الماركسي، والتي كانت تفسر كل شيء بالعامل المحدد، العامل الأول، بضيغة في التحليل الأخير، كانت تلك التفسيرات توصف بكونها منافية للواقع و العلم و بالتالي هي ذات طبيعة إيديولوجية.

لكن حتمية واضعي المخطط التاسع للتنمية ليست حتمية مطلقة، لأنها إن كانت كذلك سوف تنزع الشرعية عن النظام السياسي و تجعله خاضعا كليا للعبة "المحدد الأول" و لن يتجاوز دوره غير الخضوع لهذا "المحدد". لكن الأمر ليس كذلك إذ أنه "في هذا المحيط المتميز ببروز تجمعات جهوية و إشتداد المنافسة إعتمدت تونس جملة من الاختيارات الجغرافية-الاستراتيجية بهدف ضمان ديمومة العمل الانمائي".(22) هنا يعبر واضعوا المخطط التاسع، أحسن تعبير، عما سبقت الاشارة اليه من تداخل داخل الخطاب الايديولوجي الرسمي ،بصدد العولمة، بين الارادية و الحتمية.

الحتمية الى جانب لبوسها الاقتصادوي تتلبس في جانب من الخطاب الرسمي لبوسا دينيا-مقدسا. نتبين ذلك من خلال ما ورد لائحة الشؤون الاقتصادية و التنمية الجهوية التي سبق الاستشهاد بها. حيث أعتبر تحرير الاقتصاد التونسي"خيارا لا رجعة فيه".(23)

بقطع النظر عن كون تحرير الاقتصاد شيئا إيجابيا أو سلبيا في المطلق، وبقطع النظر كذلك عن كونه خيارا أم لا، فان هذه الـ "لارجعة فيه" هي التي تلخص لنا المسألة من مجهة النظر التي ذهبنا اليها.أي تحويل برامج و مخططات السلطة الساسية في تونس الى قضاء و قدر.ذلك أن الصيغة سابقة الذكر لا تترك أي هامش ، و لو نسبي لنقد تلك البرامج و المخططات، بحكم كونها كذلك.

أليس هذا تفكيرا مطلقا؟ أليس هذا تفكيرا أحادي الجانب؟

ألسي هذا تفكيرا يقوم على المسلمات و البداهات و المصادرات؟

اليس هذا تفكيرا ينفي كل إمكانية لمساءلته و نقده؟

أليست تلك هي خصائص كل تفكير ديني؟. ثم أليس ما "لارجعة فيه" في "الثقافة الوطنية" هو إرادة الله فقط،قضاءه و قدره، شره و خيره، فقط؟.

إن هذا الفهم الذي نقدمه هنا لا يعتمد على خيال شاسع و قدرة جبارة على التأويل و الفهم. بل الخطاب الرسمي التونسي ذاته، بصدد العولمة، يتضمن ذلك و بشكل واضح لا لبس فيه.

مفتي الجمهورية، السابق محمد المختار السلامي في محاضرة له ألقاها يوم 20/01/1998، قبل تنحيته، بعنوان "الإسلام و العولمة"، في إطار مسامرة دينية، بحضور رئيس الدولة، وبعد التوجه الى هذا الاخير قائلا "إنه من عناية الله بهذا الشعب أن ولاكم أمره لقيادته بعد أن إختلطة السبل و غم الأمر"، بعد ذلك يذهب المفتي السابق الى اقول" تقوم العولمة الاقتصادية على تمكين البشرية من السير في موكب واحد نحو رفاهيتها بازالة كل المعوقات و الحواجز التي تعترض سبل تبادل المنافع في ما بينها و ذلك بتحرير التجارة العالمية" و الى جانب ذلك إن الاقتصاد "هو الذي أتى بهذا المصطلح وأدخله في حياة الافراد و الدولة و أقنع به كل الناس على أنه المرحلة التي سعت اليها الانسانية عبر تاريخها الطويل و إنها اليوم قد بلغت غايتها التي ليس للانسانية بعدها من غاية...إن الليبرالية الديمقراطية لم تنتصر فقط، و لكن ببساطة هي الموجود، و هي كل ما يمكن أن يكون موجودا" والأهم من كل ذلك قوله "إنا لا نجد دينا يقوم على العولمة...إلا الدين الاسلامي" لذلك " فان العولمة تتحقق في الاسلام في منهج تقديم تعاليمه و مضامين ما يدعو اليه".(24)

هل يقتصر هذا التوظيف للدين على المفتي السابق، فيكون تصوره معزولا و لا يعبر ألا عن رأيه الشخصي، أم أن ذلك التصور الذي عبر عنه المفتي السابق جزء أصيل مكون للخطاب الرسمي التونسي حول العولمة؟.

من خلال اللائحة العامة الصادرة عن أحد مؤتمرات الدستوري الديمقراطي "يدرك المؤتمرون الرهانات المطروحة على ثقافتنا الوطنية من جراء العولمة... و هو ما يؤكد أكثر من أي وقت مضى مكانة الثقافة في رفع تحديات العولمة و كسب رهاناتها".(25) بلغة أخرى أوضح، و بحكم "تراجع" دور الدول الاقتصادي و ما ينتج عنه من نتائج إجتماعية سلبية، فان ذلك "يؤكد أكثر من أي وقت مضى مكانة الثقافة في رفع تحديات العولمة" أي و بحكم أن "الثقافة" هي جزء من البناء الفوقي الايديولوجي، فان ذلك يؤكد أهمية الدور الايديولوجي للدولة في إعادة إنتاج العلاقات الاجتماعية المهيمنة. فـ"لثقافة الوطبية" سوف تلعب دورا أساسيا في "رفع تحديات العولمة و كسب رهانها". و هنا يجد تدخل المفتي للافتاء في كيفية "رفع تحديات العولمة" معناه الحقيقي.إذ أنه بتدخله ذلك يحول واقعة إجتماعية-تاررخية الى شيء مقدس، متعاليا على التاريخ و لا سلطة للانسان عليه.ألا تساعدنا "الثقافة الوطنية" في تحقيق ذلك المسعى،

و هي من خلال ذلك تسبغ الشرعية الدينية على مخططات و سياسات و برامج الدولة.أي تجعلها غير قابلة للنقد و الرفض و الشك، غير قابلة لأن توضع موضع تساءل.و لن يقوم بذلك أحسن من "الثقافة الوطبية". فهي قدرية في محاتواها الأساسي،أي في محتواها المنتشر لدى أغلب أفراد المجتمع التونسي. و تلك القدرية لا تعود، مثلما يذهب الى ذلك الكثيرون الى إسلامية المجتمع. بل تلك القدرية تجد أصولها في الطابع الزراعي للمجتمع الذي ترتبط دورة حياته بالظواهر الطبيعية التي ليست له أية سلطة عليها.. و هو عجز في مواجهة الظوهر الطبيعية و الاجتماعية يتلبس لبوسا دينيا. فالطابع القدري للمجتمع التونسي هو ما يتم توظيفه عند تصوير العولمة كخيار و حيد، كخيار لا بديل عنه، كخيار لا رجعة فيه، كقضاء و قدر.و هو توظيف يسعى الى تحويل السوق و قوانينه الى قضاء و قدر لا يمكن للمجتمع التونسي إلا قبوله مثل قبوله الموت و الرياح و الأمطار المرتبطة بالارادة الإلاهية. هذا المسعى يهدف الى إصباغ القداسة على المركنتيلية الجديدة بالاعتماد على "الثقافة الوطنية" التي سوف تساهم بالفعل، بصوراتها تلك في "رفع تحديات العولمة"، أي جعلها مقبولة من طرف المتضررين منها في المجتمع التونسي، وهم أكثر الناس قدرية فيه، بحكم غلبة الايديولوجيا الزراعية-الدينية على وعيهم الاجتماعي. أليس التحرير الاقتصادي "خيارا لا رجعة فيه"، و مثلما سبقت الاشارة الى ذلك ، فان ما لا رجعة فيه في "الثقافة الوطنية" هي إراة الله و قضاءه و قدره ، شره و خيره. و هذا المعطى هو اساس من أسس الإيمان و بالتالي يصبح الخروج عن "تحرير الاقتصاد" خروجا عن المقدسات و إنتهاك لها، و هو الكفر عينه.

وزير الثقافة نفسه يعتبر أنه "كي نتمكن من التصدي لأخطار الذوبان و فقدان الخصوصية ...تكون الثقافة الوطنية ضامنا لعملية التلاؤم بين التجذر في الخصوصية و الهوية من جهة و التفتح من جهة أخرى" و حتى تتم "عملية التلاؤم"على أحسن وجه فـ"إن أهم ما يجري حاليا إنجازه بالتعاون مع البنك العالمي و بواسطة هبة يابانية هو دراسة تتعلق باحياء التراث الوطني و توظيفه في التنمية الشاملة"، وذلك دائما حسب وزير الثقافة التونسي.(26) و في نفس الاطار يعتبر النائب البرلماني محمد الحبيب حمزة "أن الوسائل الكفيلة بالمحافظة على هويتنا في زمن العولمة هي الاهتمام بخصوصياتنا الثقافية المحلية و الجهوية".(27) التي من ضمنها الاعتناء بالأولياء الصالحين. و كانت النائبة السيدة حبشي بن صالحة قد دعت عند مناقشة مشروع ميزانية وزارة الثقافة في جلسة مساء 22/12/1997 الى العناية بفرق المدائح و الأذكار.(28) و عند مناقشة مشروع ميزانية وزارة الشؤون الدينية لسنة 1998 طالب النائب البرلماني أحمد الفارحي بـ "حسن إستغلال الجانب الديني لتطوير العقليات و تغيير السلوكات".(29) في نفس الاطار، و في رده على مداخلات النواب يعلمنا وزير الشؤون الدينية "أن الطرق الصوفية هي سند للدولة في تاريخ تونس" بعد أن بين الفرق بين التصوف و بعض المظاهر الأخرى مثل الحضرة و غيرها.

على أساس ذلك فان ما يقوله المفتي السابق للجمهورية، وهو قول يحول العولمة الى شيء مرتبط بالارادة الإلاهية و بالتالي مقدس، إن ذلك القول ليس موقفا شخصيا، بل هو تصور يعتبر جزءا أساسيا من خطاب الدولة في تونس حول العولمة

و القضية ليست داخلية فقط بل" من الضروري أن يعمل الجميع حتى تكون التحولات الثقافية المسجلة في عالمنا اليوم أساس نظام ثقافي إنساني يعكس ثراء الحضارات البشرية المختلفة و ما بلغته من نضج وتقدم في إطار القيم و الثوابت الكونية المختلفة و إحترام ميزات المجتمعات المختلفة وخصوصياتها فلا هيمنة لثقافة على أخرى...(و) على هذا التصور الثقافي المنشود أن يكون القوة الحضارية المعدلة لحدة أثار العولمة و عنصر الترشيد للإنفجار الاعلامي و الاتصالي ... و التعددية الثقافية في تصورنا تقوم على إعتبار حق مختلف الثقافات الوطنية في الحضور الفاعل داخل المشهد الثقافي العالمي...و ذلك على أساس التكافىء و إحترام الأخر و حق الاختلاف حتى يصبح الحوار بديلا للصراع بين الثقافات و وسيلة لإستبعاد مخاطر التعصب والتطرف و العنف" (30)،على حد قول رئيس الدولة في تونس.

بلغة أخرى ما معنى ذلك؟. المقصود هنا هو تجنيس العالم ثقافيا-إيديولوجيا.ذلك أنه من الملاحظ أن هناك نزعة الى هيمنة الثقافة الغربية بشقها الأنقلو-ساكسوني على العالم ، و بالتالي إمكانية إلغاء الثقافات-الايديولوجيات الأخرى، أي هناك مسعى الى أن تهيمن إيديولوجيا واحدة في إعادة إنتاج النظام العالمي بمختلف مكوناته، هي الايديولوجيا أو الثقافة الرأسمالية في نسختها الأمريكية.و هي عملية إحلال لابد أن تولد "التعصب والتطرف و العنف". و هي تولده بالفعل، مما يجعل العديد من الأنظمة السياسية تجد صعوبات في التحكم في مجتمعاتها و المحافظة على وجودها. كما أن إتجاه التجنيس ذلك يمكن أن ينزع من بعض السلطات السياسية أدوات ايديولوجية محلية يمكن أن تكون " القوة الحضارية المعدلة لحدة اثار العولمة". و بالتالي فان المطلوب ، من خلال الاستشهاد السابق ، هو ترك هامش من الحرية للإنظمة السياسية خارج الفضاء الايديولوجي الإنقلو-ساكسوني كي تستعمل "الثقافة الوطنية" لتعديل "حدة أثار العولمة". و من أجل تلافي "مخاطر التعصب و التطرف و العنف"، خاصة و "الثقافة الوطنية لا تتناقض مع الربح الراسمالي" و "إقتصاد السوق"...الخ.

و إذا كانت "الثقافة الوطنية" تحول العولمة و نتائجها الى قضاء و قدر، فالموقف الوحيد الممكن في مواجهتها هو التاقلم والتكيف و التلائم معها. مثل القضاء و القدر الديني، ليس علينا إلا قبوله، تحت طائلة إنتهاك المقدسات و الخروج عنها و الدخول في منطقة الارتداد و الكفر.

برقية صادرة عن أعضاء جامعة التصدير التابعة لمنظمة الأعراف ،موجهة الى رئيس الدولة، بمناسبة الإجراءات التي أقرها خلال إشرافه يوم 09/10/1998 على الدورة الثالثة للمجلس الأعلى للتصدير،تضمنت "إلتزام المصدرين ببذل مزيد الجهد من أجل كسب الرهانات التي تقدم عليها تونس بثقة و إقتدار و في مقدمتها رهان التشغيل و المنافسة و التأقلم مع التطورات الاقتصادية العالمية".(31) و في تدخل لأحد رؤساء الغرف التجارية الفتية في الملتقى الوطني الثاني الذي نظم في أكتوبر 1998 بحمام سوسة، تم التأكيد على "ضرورة التأقلم مع مفاهيم جديدة أفرزتها العولمة الاقتصادية والتفتح على الاتحاد الأوروبي".(32) و حسب وزير الثقافة "إن العولمة تستوجب التأقلم"، مضيفا الى ذلك ، في علاقة بمسألة الانتاج الثقافي، أن الدولة"ليس لها من دور سوى تقديم التشجيع و توفير ظروف النجاح للمبدعين و المساهمة في إعداد المجتمع والناشئة،خاصة، للتأقلم مع متطلبات العولمة".(33)

ناقدا لهذه الدروينية الاجتماعية، يعتبر سامي نير (34) أن النخب الحاكمة في العالم الثالث، وهي تتأقلم مع العولمة المالية،لم تعد منجذبة ، مثلما كان الحال عشرين أو ثلاثين سنة خلت، الى تجارب إنفصال بأسم تنمية وطنية تتضمن بعدا إجتماعيا هاما الى هذا الحد أو ذلك.فعوامل النجاح بالنسبة لهذه النخب تدور حول فكرة التلاؤم مع ضغوطات الاقتصاد العالمي.

الى حد هنا تكون العناصر المكونة للإيديولوجيا الرسمية في تونس هي القضاء و القدر و الدروينية الاجتماعية-التاقلم و الاقتصادوية. و هذه الأخيرة ليست إلا نسخة علمانية من القضاء و القدر الديني. فحين يقول لنا سعيد بن مصطفى،كاتب الدولة لدى وزير الشؤون الخارجية المكلف بالشؤون المغاربي، "نحن مقتنعون بشكل عميق أن العولمة هي مسار لا رجعة فيه".(35) ألا يشكل ذلك ترويجا لما يسميه محمد عابد الجابري "ثقافة الإختراق"، إذ العولمة، بالنسب له، تشكل إختراقا للهوية الثقافية وتمييع لها و هو ما يجعل "الهدف النهائي للعولمة هو السيطرة على الإدراك". و بالسيطرة على هذا الاخير يتم "إخضاع النفوس" أي تعطيل "فاعلية العقل" و تكييف المنطق والتشويش على نظام القيم و توجيه الخيال و تنميط الذوق و قولبة السلوك...الخ. و ثقافة الاختراق هي ، بالنسبة لمحمد عابد الجابري، دائما، "التطبيع مع الهيمنة و تكريس الاستتباع الحضاري".(36) أليس تصوير العولمة و "الاقتناع العميق" بأنها "مسار لا رجعة فيه" هو "التطبيع مع الهيمنة"؟. ألا يؤدي تصوير العولمة من داخل الخطاب الايديولوجي الرسمي التونسي كقضاء و قدر لا رجعة فيه الى "تعطيل فاعلية العقل".لأن هذه الأخيرة مناقضة بالضرورة للقضاء و القدر بكل أشكاله سواء الدينية أو الطبيعية أو الاقتصادوية. و العولمة تتلبس كل هذه الأشكال داخل الخطاب الرسمي التونسي.فاذا كانت العولمة "مسارا لا رجعة فيه " فان كل دور "للعقل" سواء كان ذلك الدور نقديا أوباحثا عن مسارات و خيارات أخرى أو مصلحا لسلبيات المسار الذي "لارجعة فيه"، كل ذلك يصبح غير ممكن مما يجعلنا أمام خطاب منطقه يتجانس مع منطق الخطاب الديني القائم على البداهات و المسلمات و المصادرات و ضرورة قبول القضاء و القدر شره و خيره و خلاف ذلك هو الكفر و الزندقة و إنتهاك للمقدسات. أليس هذا ما يسميه "إقناسو رامونيه"الفكر الوحيد و الظلامية الجديد في نسختها التونسية؟.

الى جانب ذلك، و في الارتباط به، نجد الخطاب الرسمي التونسي يصور تعميق إندماج "الاقتصاد التونسي" في النظام العالمي كضرور موضوعية لا بديل عنها من أجل تحقيق "التنمية". لنفترض،جدلا أن ذلك صحيحا، و لا وجود بالفعل لبديل أو بدائل أخرى، فان النجاح في تحقيق الأهداف المعلنة في الخطاب الرسمي يتطلب توفر العديد من الشروط من بينها التالية :

-- تغيير الصورة الراهنة للنظام العالمي، بحكم أن متطلبات اللحاق بالبلدان الرأسمالية الامبريالية ، و منها خاصة رأس المال و وسائل الانتاج، و تنظيم العمل والموارد البشرية المؤهلة تأهيلا جيدا الى جانب البنية التحتية المتطورة و أسواق مضمونة للتصرف، إن تلك المتطلبات غير متوفرة و يصعب الحصول عليها بحكم أن ذلك ليس في مصلحة البلدان الامبريالية و سيطرتها على الأسواق في مختلف مناطق العالم.

-- النجاح في منافسة البلدان الامبريالية في السوق العالمية يفترض، على الأقل، التساوي معها في مستوى الانتاجية إن لم يكن التفوقق عليها. و تحقيق ذلك يتطلب وسائل إنتاج شديدة التطور التي ينتج عن إستعمالها بالضرورة عدم خلق مواطن شغل جديدة هي في غاية الضرورة و الإلحاح و لا يقتصر الأمر على ذلك بل سوف يتم إلحاق ألاف جديدة من المشتغلين بالاف العاطلين و المهمشين.

-- تجاوز واقع كون أغلب الاستثمارات الصناعية التي يتم إنشاؤها، هي مشاريع خاضع بالدرجة الأولى لمتطلبات و حاجات البلدان الامبريالية(معركة الصدير) و تمثل تلك المشاريع جزرا معزولة لا تتمفصل مع الاقتصادي المحلي و لا تحقق إلا تأثير يكاد يكون معدوما على المجتمع المحلي.(37)

إذا صح ما تم ذكره ، يتأكد الطابع الايديولوجي لخطاب السلطة السياسية في تونس في علاقة بهذه المسألة.

و من مظاهر ذلك الادماج العلاقة مع الاتحاد الأوروبي و الشراكة معه. و الخطاب الرسمي يصور لنا العلاقة على أساس أنها خيار و قصبة النجات "للإقتصاد التونسي" و "السبيل الوحيدة لتحقيق التنمية".

في مواجهة ذلك نجد بشارة خضر، بعد إنضمام إسبانيا و البرتغال الى الاتحاد الأوروبي ، يتساءل ألا يخلق هذا "التجمع العائلي" "ريو قراندي" جديد.(38)،مع كل تناقضات التطور و الديمقراطية و الديموغرافيا، داخل منطقة لا تزال تحتفظ بالكثير من الخطوط المشتركة؟ هل أن منطقة المتوسط منطقة إتصال و تبادل هي في طور التحول الى "الحدود الجديدة" لإوروبا؟ هل هو خط الانكسار بين الشمال و الجنوب؟. هذا البحر الذي كان على الدوام جسرا، هل تحول الى هوة سحيقة؟ أو هو في طور التحول إليها، الى حاجز، الى خط تماس؟.(39)

هذه الأسئلة الحارقة ، مع طبيعة العلاقات الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي و تونس تكشف لنا الطبيعة الايديولوجية لخطاب الشراكة و الاندماج في الفضاء الأوروبي-المتوسطي كسبيل لتحقيق "التنمية"

بشارة خضر، نفسه يلخص لنا الوضع في علاقة بالبلدان المتوسطية غير الأوروبية و دول المغرب إذ "أن مختلف إتفاقات الشراكة و التعاون بين المجموعة الأوروبية و البلدان المتوسطية الأخرى و دول المغرب قد أدت في الواقع الى تعزيز تبعية هذه البلدان تجاه المجموعة الأوروبية". و بعد مقارنة علاقات المجموعة الأوروبية بدول المغرب مع علاقة اليابان بالبلدان الآسيوية و الولايات المتحدة الأمريكية بدول أمريكا اللاتينية، بعد القيام بذلك، يصل بشارة خضر الى "أن علاقة الولايات المتحدة الأمريكية-أمريكا اللاتينية و علاقات اليابان-آسيا هي بمعنى ما أكثر توازنا من علاقات دول المجموعة الأوروبية مع الدول المتوسطية الأخرى . و بالتالي من علاقات المجموعة الأوروبية-دول المغرب ". بالاضافة الى ذلك يلاحظ أن دول المجموعة الأوروبية هي أقل تبعية لدول المتوسط الأخرى و بلدان المغرب. في حين أن هذه الأخيرة شديدة التبعية لبلدان المجموعة الأوروبية. و بالتالي أكثر إنكشافا أمام القرارات الاقتصادية التي تـاخذها المجموعة الأوروبية من طرف واحد.(40) بالنسبة لتونس ثلاثة أرباع(4/3) الصادرات تمضي في إتجاه الاتحاد الأوروبي و نصف الاستثمارات الاجنبية في تونس أوروبي و ثلث (3/1) المديونية أوروبية. و من مؤشرات ذلك الانكشاف ما حصل في علاقة بزيت الزيتون بالنسبة لموسم 1998/1999.

ثم اليست المخططات و البرامج و السياسات التي تنفذ تصور في الخطاب الرسمي على انها خيارات ، أليست في جانب منها ، من وحي السياسة المتوسطية المجددة التي إعتمدتها المجموعة الأوروبية في صيغتها النهائية منذ 22 ماي 1990 و التي يشكل "الاقتصاد الليبرالي" أساسها الايديولوجي.(41) نجد تأكيدا لذلك من طرف محمد الباجي حمدة محافظ البنك المركزي التونسي الذي يعتبر أن ما تمتع به القطاع الصناعي ، مثلا،من حوافز وإصلاحات إقتصادية و خاصة دخول المجلة الجدية لتشجيع الاستثمار حيز التنفيذ و إعتماد برناج وطني للنهوض بالجودة و تهئة المناطق الصناعية وتطويرها

و العمل منذ سنة 1996 ببرنامج لتعصير النسيج الصناعي و تأهيله"كلها إجراءات عملية تأتي بسب إتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي".(42)

الطابع الايديولوجي لتلك "الخيارات" يكشفه، كذلك، المصير الذي يتنبأ به لها الهادي المشري.فاذا إعتبرنا، بالنسبة له، أن إقامة منطقة التبادل الحر فرصة بالنسبة "لنا"، فنحن لا نعرف إلا القليل مما تخبأ لنا.ثم أن التحرك ضمنها يتطلب تموقعا صناعيا إستراتيجيا يظهر أنه غير متوفر في الوقت الحالي . و هو ما يجعل المؤسسات التونسية التي يمكن أن تنجح عددها قليل.(43) و بالتالي ،و إذا كان ذلك هو المصير، لماذا يتم الالتزام بتلك السياسات و لمصلحة من؟.

يمكن أن نجد جوابا على ذلك لدى عبد الباقي الهرماسي،عندما كان وزيرا للثقافة، حيث"أن الأهداف التي تصبو تونس الى تحقيقها عديدة و أولها أن تكون في مستوى ثقة المجموعة الدولية".(44) من هي هذه "المجموعة الدولية"؟. وماهي نوعية و موضوع الثقة التي تضعها في "تونس" و لماذا؟.

في اللائحة العامة الصادرة عن أحد مؤتمرات التجمع الدستوري الديوقراطي "يثمن المؤتمرون الخطوات التي قطعتها بلادنا خلال العشرية الماضية على درب تحرير الاقتصاد الوطني و تفتحه و إدماجه في الدور العالمية و إعادة الاعتبار للمبادرة الخاصة و دعم المؤسسة الاقتصادية و إعادة توزيع الأدوار بين القطاعين العمومي والخاص".(45) أن مايثمن هنا بالفعل هو إخضاع "البلاد" لمنطق الليبرالية الجديدة المتوحشة، الى منطق المركنتيلية الجدية التي تعمق تفقير المجتمعات التي تخضع لها :

-- فتحرير الاقتصاد يعني في الواقع المساهمة في حل أزمة رأس المال الامبريالي عن طريق توسيع السوق لمصلحته. و ذلك هو، مثلا،هدف إتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي .إذ يتعلق أساسا بتفكيك المعاليم الجمركية التي كانت تخضع لها المنتجات الصناعية الموردة منه الى تونس. و بالتالي زيادة قدرتها التنافسية مع خسارة الدولة لأكثر من 13 بالمائة من مداخيلها الديوانية العادية.

-- التفتح و الاندماج في الدورة العالمية يعني المزيد من إخضاع "الاقتصاد التونسي" لمنطق عملية التراكم في البلدان الرأسمالية الامبريالية و الخضوع "لتوصيات" و "نصائح" المؤسسات المالية الامبريالية.

--و إعادة الاعتبار للمبادرة الخاصة و دعم المؤسسة الاقتصادية يعني توسيع السوق لمصلحة رأس المال المحلي الذي أثرى في السبعينات و النصف الأول من الثمانينات.

-- و إعادة توزيع الأدوار بين القطاعين العمومي و الخاص يعني في الواقع تفكيك للدور الاجتماعي-الانتاجي الذي كانت تقوم به الدولة . و بالتالي التراجع عن "جل" المكتسبات الاجتماعية التي تحققت خلال الستينات و السبعينات.

و كل ذلك يتم في ظل "إسهام الجميع في المجهود التنموي و ضمان التوزيع العادل لثماره و توثيق عرى التضامن و التكافل بين الفئات و الجيهات والأجيال". و في نفس المؤتر يتعهد المتمرون "بمواصل العمل و البذل و المبادرة بما يكرس الخيارات الوطنية الاقتصادية و الاجتماعية و يعزز سبيل تجسيمها".(46) و في لائحة الشؤون السياسية و العلاقات الخارجية الصادرة عن نفس المؤتمر "يسجل المتمرون الأهمية الكبرى التي يكتسبها إتفاق الشراكة بين تونس و الاتحاد الأوروبي الذي جسم سياسة التفتح الاقتصادي و خيار تونس الاستراتيجي في الانخراط في الدورة الاقتصادية العالمية".(47) ردا على ذلك يعتبر الشادلي العياري أن ذلك الاتفاق أهدافه أمنية أساسا. كما أن نتائجه الاقتصادية هي نتائج سلبية في مجملها.

و في مقابل النتائج الاجتماعية السلبية الناتجة عن تلك السياسات و المخططات و البرامج و الاتفاقات "يعبر المؤتمرون عن إعتزازهم بالمكاسب التي تحققت" على المستوى الاجتماعي "بما يجعل بلادنا أنموذجا فريدا من نوعه". و بالنسبة لصندوق التعويض "يوصون بتدارس الصيغ الكفيلة باحكام توجيه تدخلاته و ضمان نجاعتها"(48).

أي في الواقع الحد من تدخلات ذلك الصندوق. و هو حد يدخل في إطار الضغط على نفقات الدولة. و هو الضغط المرتبط ببرنامج الاصلاح الهيكلي، الذي يهدف،أساسا، الى إدخال إصلاحات على المالية العمومية بهدف تسديد القروض و فوائدها.و من المعروف أن برامج الاصلاح الهيكلي قد تم فرضها من طرف صندوق النقد الدولي في علاقة بأزمة الديون التي إنفجرت في الثمانينات.

بالاضافة الى كل ذلك "يوفر ...التوجه التحرري على الصعدي العالمي المزيد من فرص النمو للإقتصادي بفضل ما يتيحه من توسيع للإسواق".كما أن إتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي يساعد على "تجاوز ضيق السوق الوطنية".(49)

هذا البحث المركنتيلي عن أسواق جديدة يظل بحثا إيديولوجيا لأن كبر حجم السوق لا يمكن بذاته أن يكون سببا في النمو و التطور الاقتصادي و بالتالي الاجتماعي.و يمكننا إيراد العديد من الأمثلة منها الصين و الهند. و بالنسبة لتجمع الدول نذكر "نفاتا" ويضم كندا و الولايات المتحدة الأمريكية و المكسيك التي تضررت أكثر مما إستفادت من إنتمائها الى ذلك التجمع. و كذلك "مركوسور" ، التجمع الاقتصادي الذي يضم البرازيل و الأوراغواي و البراقواي، حيث لم يجعل ذلك التجمع هذه البلدان تخرج من وضع الالحاق بالاقتصاد الراسمالي الامبريالي. و بالتالي فان خطاب إكتساح الأسواق كمكون للخطاب الايديولوجي الرسمي التونسي، يتضمن شيئا أخر غير إيجاد أسواق للمنتوج المحلي. و ما يتم إبطانه هو تعميق إلحاق الاقتصاد المحلي كجزء من الاقتصاد الأوروبي أساسا. هذا مع العلم أن ضيق السوق المحلي لا يشكل عائقا كذلك و الأمثلة على ذلك كثيرة منها بلجيكا و هونغ كونغ...الخ.

و على النقيض من خطاب "كسب معركة التصدير" يذكر "سارج حليمي" في إطار التعليق على ما ذهب له "روبار روبين" كاتب الدولة الأمريكي للمالية في03/06/1998 من أن الوضعية الحالية لا سابق لها و أنه لم يسبق أبدا أن واجه هذا العدد الكبير من البلدان صعوبات مثل هذه في نفس الوقت، في إطار التعليق على ذلك يقول "سارج حليمي"، " إن البلدان التي تأثرت أقل من غيرها من الأزمة الحالية هي تلك التي لها أسواق داخلية أكثر ديناميكية، هي تلك التي تخصص للتصدير الجزء الأضعف من إنتاجها".(50)

على أساس ذلك فان الخطاب حول "كسب معركة التصدير"، التي لا وجود لا في الواقع، هو خطاب إيديولوجي يرتبط بالتحالفات العالمية للنظام الساسي في تونس ، من جهة كونه يساهم في توفير ظروف رفع معدل الربح أو مقاومة إتجاهه نحو الانخفاض في البلدان التي تصدر لها المنتوجات التونسية. لأن ما يتم تصديره أساسا من تونس في الجانب الأكبر منه يدخل في إستهلاك الطبقة العاملة في البلدان التي يتم التصدير لها ، و هي أساسا بلدان الاتحاد الأوروبي. و بالتالي، وبحكم إنخفاض إسعاره يساهم في تخفيض أجورها، أي في تخفيض الجزء المتغير من رأس المال.

ذلك هو المحتوى الاقتصادي لإيديولوجيا كسب معركة التصدير. فالولايات المتحدة ، التي تدافع في حرب مقدسة عن حرية التجارة لا تمثل تجارتها الخارجية أكثر من 12 بالمائة من نتاجها القومي الخام. و نفس الشيء بالنسبة للإتحاد الأوروبي حيث أن 90 بالمائة من مداخيل الأوروبيين مصدرها نفقاتهم الخاصة. و هو ما يجعل الأزمة الحالية لا تؤثر فيها بشكل مماثل لبقية العالم و خاصة جنوب شرق آسيا و اليابان و أمريكا اللاتينية، التي تعتمد على التصدير في نموها.(51)

ذلك كما "أن الانخراط الفعلي في الاقتصاد العالمي...يستوجب السعي الى مزيد إستقطاب الاستثمارات الخارجية باعتبارها وسيلة هامة لإستعاب التكنولوجا الحديثة و أداة ناجعة للإنصهار الفاعل في المنظومة العاليمة".(52) في مقابل هذا القول الرسمي التونسي و على النقيض منه يقول لنا "هوارد فاتشتال"(53) إن المنافسة الشرسة بين البلدان السائرة في طريق النمو من أجل جلب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، بالاعتماد على المزيد من التخلي عن القواعد و القوانين الاجتماعية، تحكم عليها في الواقع بان تظل فقيرة.ثم أن الخطاب حول "مزيد إستقطاب الاستثمارات الخارجية" هدفه المساهمة في حل أزمة الفائض النقدي التي تعاني منها البلدان الامبريالية. و يتجسد ذلك في التحول من إقتصاد الديون و المساعدات الخارجية الى إقتصاد السوق النقدية. كما أن قضية نقل التكنولوجيا هي قضية "أزلية" بالنسبة للبلدان "السائرة في طريق النمو". و كما لم يحلها إقتصاد الديون-القروض فلن يحلها إقتصاد السوق المالية. و تلك الاستثمارات الباحثة عن الربح السريع و التي تعتمد على كثافة اليد العاملة و إنخفاض أجورها لن تكون بأي شكل "وسيلة هامة لإستعاب التكنولوجيا الحديثة".تأكيدا لذلك يذهب سمير أمين الى أن تدخل الشمال في شؤون الجنوب، هو، و في جميع مظاهره،

و في كل الأوقات و مهما كانت أشكاله، تدخلا سلبيا، أبدا لن يجلب ذلك التدخل للجنوب السلام و الازدهار و الديمقراطية. إنه لن يحمل لشعوب الجنوب في المستقبل كما منذ خمس قرون الا العبودية و إستغلال عملهم و خيراتهم و رفض حقوقهم.(54) و ذلك يعني ، بالنسبة لسامي نير، أن إندماج النخبة الحاكمة في العالم الثالث في السوق المعولم يولد نموا غير مسبوق للفقر.(55)على النقيض من ذلك ، و بعد إستعراضه التحولات التي يشهدها العالم،و هي خاصة تبني إقتصاد السوق من طرف كل الأمم، وهو الاقتصاد الذي يقوم على الليبرالية و التحرير و المنافسة و الحد من الطابع التدخلي للدولة و أسبقية المنشأة كمحرك للتنمية، و يتجسد ذلك على مستوى عالمي من خلال حركة تحرير لا رجعة فيها للتدفقات المتجاوزة للحدود و المتعلقة بالسلع و الخدمات و رؤوس الأموال، وذلك الى جانب إنشاء المنظمة العالمية للتجارة سنة 1995، و التطور غير المسبوق لتكنولوجيا الاتصال و تزايد الاعتماد المتبادل بين الاقتصادات...الخ، بعد إستعراض كل ذلك، يصل المنذر الزنايدي عندما كان وزيرا للتجار الى القول أن تلك التحولات،مأخوذة كأمثلة،ساهمت و سوف تساهم في تسريع صيرورة العولمة، و هي الصيرورة التي تجلب معها، بالنسبة له، تصورات جديد للفضاء الجغرافي الذي أصبح ينظر له على أنه ذلك الذي يوفر أحسن الامكانات الانتاجية و التجارية و التكنولوجية و المالية و النقدية و الانسانية،تلك التي تضمن،بحكم فاعليتها و قدرتها التنافسية، النمو و التنمية و الرفاه.(56)

كان "الرفاه" السابق للعولمة يتطلب تدخل الدولة أما "رفاه" العولمة و "تنميتها" فيتتطلبان تخلي الدولة عن دورها الاقتصادي.ذلك التخلي الذي أصبح يصور في الخطاب الرسمي التونسي كشرط من شروط "التنمية".ناقدا ذلك كتب "ألمار ألتفار" : "إن المجتمعات التي لم تذعن لما تمليه عليها السوق العاليمة و لاجراءات البنك العالمي، المستند الى نظرية التحديث، و لا لاجراءات صندوق النقد الدولي و لا لمقدمي المساعدات الثنائية لدعم الاقتصاد الحر و لخلق وضع مؤسساتي لقواعد السوق الحرة، إنما إعتمدت التنظيم الحكومي للعملية الاقتصادية هي ،فقط، التي حققت شيئا من الجاح التنموي(وفقا للمعايير الاقتصادية الغربية العصرية).إن البلدان النموذجية في مجال إقتصاد السوق الحرة في أمريكا اللاتينية و جنوب شرق آسيا أو في إفرقيا، هي على الرغم، بل بسبب هذه السوق تقف على حافة الافلاس. و هي في وضع إقتصادي بائس و حالة من الاستقطاب الاجتماعي و التلوث البيئي".(57)

إن"رفاه" العولمة،القائم على "تراجع" دور الدولة الاقتصادي، يتأسس الى تصور إيديولوجي للدولة يعبر عنه واضعوا المخطط التاسع للتنمية 1997/2001 على النحو التالي "تسهر الدولة على ضمان مصالح كل الأطراف و التحكيم بينها و ضبط الخيارات و إيجاد التوازن الأفضل في المرحلة القادمة بين البعدين الاقتصادي و الاجتماعي و بين النجاعة في تحقيق التنمية و العدالة في توزيع ثمارها. و إن تحكم الدولة و سهرها على مختلف التوازنات و إعتمادها في ذلك على الحوافز بدل التدخل المباشر، هي كلها من العوامل الكفيلة بدفع المبادرة الخاصة خلال السنوات القادمة".(58) أليس ذلك هو التصور الايديولوجي الليبرالي للدولة كهيأة خارج و فوق المجتمع؟.نتبين ذلك من خلال الوظائف التي تقوم بها الدولة من خلال الاستشهاد السابق :"هي كلها من العوامل الكفيلة بدفع المبادرة الخاصة خلال السنوات القادمة ...و يخضع هذا التمشي في توزيع الأدوار بين القطاعين العمومي و الخاص الى ديناميكية متواصلة محركها الأساسي مبدأ التكامل

و الشراكة بين هذين القطاعين".(59) و بالتالي فان الدولة التي تسهر "على ضمان مصالح كل الأطراف...الخ" هي في الواقع تقوم بتوزيع للأدوار بينها و بين القطاع الخاص. و تقيم شراكة معه بهدف"دفع المبادرة الخاصة خلال السنوات القادمة". عن نفس التصور يعبر الدالي الجازي، عندما كان وزيرا للتعليم العالي ذلك أن نجاح "التنمية"، بالنسبة له،لا يمكن تحقيقه إل من خلال إعادة تحديد دور الدولة على أساس ثلاث أفكار مفتاحية هي :

-- إن الدولة واعية بوظيفتها الأساسية كوظيفة سياسة أساسا،، يجب عليها التعاون مع السوق من أجل أن لا تؤدي الفاعلية الاقتصادية الى نسيان متطلبات العدالة الاجتماعية.

-- يجب على الدولة أن تقوم بكل ما في وسعها من أجل أن يلعب القطاع الخاص دوره كاملا و ذلك بدون أن تعطل إشتغاله و بدون نسيان خدمة المصلحة العامة.

-- يجب على مكونات المجتمع المدني أن تتعاون مع الدولة من أجل الأخذ بعين الاعتبار لمصالح مختلف المجموعات المكونة للمجتمع.(60)

الفكرة الثانية هي "مفتاح" سياسة الخوصصة. و في ذلك الاطار، وعند إشرافه على توقيع عقد بيع شركة إسمنت النفيضة الى مؤسسة "أونيلاند" الاسبانية يوم 13/10/1998، ألقى وزير التنمية الاقتصادية كلمة جاء فيها "إن هذه العملية تأتي لتجسم حرص الرئيس زين العابدين بن علي على أن تكون مثالا ناجحا في مجال سياسة التخصيص". و هو مايجعل من الخوصصة، لا برنامجا فرضته ضرورة إقتصادية، بل خيار سياسيا يقوم عل تصور للمجتمع و للعلاقات الاجتماعية و رؤية للعالم، هي تلك التي تعود بنا الى "جون جاك روسو" و "توماس هوبز". و من أجل تبرير خوصصة شركة النفيضة أكد نفس الوزير على "الأهمية التي توليها الدولة لدور هذه الشركة، بعد تخصيصها، في مجال تنمية قطاع الإسمنت، وذلك عن طريق دعم جودة المنتوج ونوعيته والتحكم في تقنيات الانتاج بما يضمن تنمية الصادرات و دفع الاستثمار و دعم التشغيل و تنمية الاقتصاد بصفة عامة".

ذلك التأكيد يدفعنا الى التساؤل لمصلحة من تتم تنمية الصادرات؟.لمصلحة من يتم دفع الاستثمار بهذه الطريقة؟.هل الخوصصة تدعم التشغيل فعلا؟.و هل مازال هناك من شرعية للحديث عن "التنمية" في ظل ما يسمى العولمة و "تراجع" دور الدولة الاقتصادي و إستحالة وضع المخططات و تطبيقها؟.أليس ما يقوله وزير التنمية الاقتصادية هو الايديولوجا بعينها؟.

فتنمية الصادرات هي تنمية بالفعل، و لكن لتحويل القيم من تونس الى البلد أو البلدان الامبريالية المصدر لها. و دعم التشغيل،إن حصل بالفعل،هو في الواقع دعم لإستغلال قوة العمل المحلية من طرف رأس المال الأجنبي و لمصلحته.كما أن دعم الاستثمار ،

و من هذا النوع،هو دعم لتدويل عملية الانتاج في تونس و على حساب هذه الاخيرة عمالا و بورجوازية.أما تنمية الاقتصاد بصفة عامة فقد بينت تجارب شعوب أخرى،خاصة جنوب شرق آسيا، أنها إحدى أساطير القرن العشرين،إن هي تمت في إطار الاندماج في النظام الرأسمالي العالمي الامبريالي. و بالتالي فان الحديث عنها في ظل ما يسمى العولمة لا يعدو أن يكون إلا حديثا إيديولوجيا ظاهره غير باطنه. يتأكد من خلال ما أبرزه الوزير من "أن إنجاز هذه العملية يترجم بصفة جلية الثقة و المصادقية و المكانة المرموقة التي أصبحت تحظى بها تونس لدى المستثمرين الأجانب". و هو ما يعني أن إيديولوجيا التحكم في تقنيات الانتاج و تنمية الصادرات و رفع الاستثمار و دعم التشغيل و تنمية الاقتصاد، هي إيديولوجيا في خدمة "المستثمرين لأجانب".(61)

و هو ما يذهب اليه "سارج حليمي"، إذ تتلخص، بالنسبة له، رسالة القادة الغربيين لبقية العالم منذ عشر سنوات في نشر الاعتقاد في كون الأسواق ذاتية التنظيم و أن طريق التنمية يمر عبر التصدير، الى جانب أن حركة رؤوس الأموال هي التي تقوم بالتوزيع الأمثل للإستثمار. و يلاحظ "حليمي" أن التحالفات العالمية تفرض توسيع الخوصصة.(62) ذلك بالاضافة الى "الشراكة".

فـ "القطاع الخاص مدعو بالأساس الى الاعتماد على قدراته الذاتية مع الاستفادة من الشراكة لما توفره من إمكانيات لتحويل التكنولوجا و من فرص لإقتحام أسواق جديدة".(63) ذلك هو أساس الخطاب الرسمي التونسي حول الشراكة.أما بالنسبة لواقعها الفعلي فيعتبر "برودال"(64)أن الشركات الكبرى في حاجة الى الوحدات الصغيرة لكي تتخلص من ألف مهمة بسيطة الى هذا الحد أو ذلك الضرورية لكل مجتمع، و التي ليس للرأسمالية دواء لها. و هي في حاجة لها، بالنسبة لـ "ميشال بو"(65) من أجل تكليفها بانتاج و مهام خاصة. حث أن شبكات المناولة تابعة بشكل ظاهر للرأسمالية، لكنها لا تمثل إلا قطاع خاص من المنشآة الصغيرة . و هو ما نجده قد تدعم و تضاعف خلال

التسعينات.

فعلى قاعدة الأزمة و إتجاه الشركات الاحتكارية عالمية النشاط الى ما يسمى الانتاج الحيني/عند الطلب و الافراق و الحد من الحجم، تشكل الشراكة في الواقع عملية إلحاق للمؤسسات المتوسطة و الصغرى و للصناعات المتوسطة و الصغرى في تونس باحتكارات البلدان الرأسمالية الامبريالية. إذ الشراكة تجعل المنشأة التونسية الداخلة فيها جزءا من شبكة عالمية، فتفقد بالتالي طابعها المحلي و إستقلالها القتصادي و المالي و تصبح خاضعة لإستراتيجيات المراكز العالمية لتلك الشبكات القائمة على أساس الشراكة و المناولة و إتفاقات التعاون وبيع الترخيص...الخ. لذلك و بالعودة الى المخطط التاسع للتنمية 1997/2001 نجد أن الإستراتيجية الصناعية ستعتمد على جملة من التوجهات اهمها :

" -- ... .

-- النهوض بالشراكة باعتبارها دافعا لعملية التاهيل و لإرساء تحالفات إستراتيجية ضرورية للتمركز بصفة دائمة في أسواق أصبحت تتسم باشتداد المنافسة و ضراوة المزاحمة...كما تقوم بصفة موازية على توظيف طاقات الإبداع و الإبتكار و إستغلال النسيج الهام للمؤسسات الصغرى و المتوسطة التي تتميز بالحركية و القدرة على التأقلم".(66)لذلك يشمل برنامج التأهيل خلال المخطط التاسع 2000 مؤسسة "و خاصة المتوسطة و الصغرى".(67 )

مما سبق يمكننا الإستنتاج أن العولمة في الخطاب الرسمي التونسي تتحول الى ذريعة، الى مبرر، الى جانب تفسيرها لكل شيء. و بمعنى أخر الى إيديولوجيا.

تحويل العولمة الى ذريعة يعني تصوير سياسة الدولة و كأنها مفروضة عليها من طرف العولمة، التي تقتضي تحرير الاقتصاد و تحرير التجارة الداخلية و الخارجية

و التفويت في القطاع العام و تحرير الدينار و عقد إتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي و الانخراط في المنظمةالعاليمة للتجارة...الخ. و تصور الدولة كمنفعل، كخاضع ، كفاقدة لسيادتها، أو في أحسن الأحوال لجزء من تلك السيادة.ذلك أن عالم اليوم أصبح قرية صغيرة لا معنى للحدود فيها و أصبحت الهيمنة فيه للشركات المتعددة الجنسيات

و رأس المال العابر للحدود.و كل ذلك يجعل الدولة لا حول و لا قوة لها أمام تلك القوى الجبارة المنفلتة من عقالها. و إذا كان الأمر كذلك فان الدولة لا تتحمل أية مسؤولية .إنما العولمة هي المسؤولة و هي التي فرضت ما تقوم الدولة بتطبيقه من سياسات و برامج و بالتالي فان "المواطنين" ليس لهم أن يحاسبوا"دولتهم" على ما حصل في مجتمعهم، لأن هذا الأخير أصبح تحت هيمنة قوى تتجاوز في قوتها قوة "دولتهم" و عليهم، لذلك، أن يساعدوها في إنجاز البرامج و المخططات التي وضعتها من أجل رفع التحديات التي تفرضها العولمة.

هذا يقال بدون أن نجد، في أغلب الأحيا، أي تعريف للعولمة. حيث تترك غائمة،مبهمة،غيرواضحة،خفية،موجودة في كل مكان و غير موجودة في أي مكان، ذات سلطة مطلقة و لكن لا يمكن الامساك بها.

وقد أصبحت العولمة في الخطاب الرسمي التونسي تفسر كل شيء. و هذه إحدى خصائص الفكر الديني، على قاعدة و ما فرطنا في الكتاب من شيء.و أمثلة ذلك كثيرة. منها ما ورد في لائحة الشؤون الاقتصادية و التنمية الجهوي و لائحة الشؤون الاجتماعية و التضامن الوطني الصادرتين عن أحد مؤتمرات التجمع الدستوري الديمقراطي.إذ بالنسب للأولى يعتبر رهنا الدخول في "عهد الامتياز و الارتقاء مع مطلع القرن القادم الى أعلى المراتب...باعتبار ما يتسم به المحيط العالمي من تحولات عميقة و سريعة أبرزها عولمة الاقتصاد".(68) أما بالنسبة للائحة الثانية فان "المحافظة على المكاسب الحاصلة في مجال التقدم الاجتماعي ...تتطلب في ظل العولمة وعي كافة أطارف الانتاج بتكاملها".(69) أما الاصلاحات في ميدان التعليم و التكوين المهني فهي تتم أو تمت"ضمانا لتأهيل الموارد البشرية و لإعدادها لمواجهة تحديات العولمة".(70) كما أن البرامج التي وضعتها الدولة لمساعدة المؤسسات التي توجه صعوبات قد وضعت"من جراء إشتداد المنافسة المتولدة عن عولمة الاقتصاد".(71) و نفس الشيء بالنسبة "للثقافة الوطنية" التي تواجهها رهانات"من جراء العولمة" مثلما ورد في لائحة الثقافة و التكوين السياسي و الاعلام.(72) أما المسيرة الاعلامية فانها تتطلب الدعم "في ضوء تحديات العولمة".(73)

بالاضافة الى ذلك و تأكيدا له يكمننا التساؤل:

-- لمن يتم تحميل مسؤولية إرتفاع نسبة البطالة؟.

-- لمن يتم تحميل مسؤولية مرونة العمل و المناولة؟.

-- لمن يتم تحميل مسؤولية غلق المصانع و تسريح العمال؟.

-- لمن يتم تحميل مسؤولية إرتفاع الأسعار؟.

-- لمن يتم تحميل مسؤولية تدني الأجور الفعلية ؟.

-- لمن يتم تحميل مسؤولية إعادة النظر في قوانين الشغل؟.

-- لمن يتم تحميل مسؤولية عدم إحترام قوانين الشغل و الحماية الاجتماعية و الترجع فيها؟.

-- لمن يتم تحميل مسؤولي برنامج التأهيل و إتفاق الشراك و الانخراط في المنظمة العالمية للتجارة.

-- لمن يتم تحميل مسؤولية إعادة هيكلة القطاع الفلاحي و القطاع البنكي و المالي؟.

لمن يتم تحميل مسؤولية تحرير التجارة الداخلية و الخارجية؟.--

-- لمن يتم تحميل مسؤولية المزيد من إدماج الاقتصاد المحلي في الاقتصاد الرأسمالي العالمي؟.

-- لمن يتم تحميل مسؤولية التركيز على التصدير و كسب معركته؟.

-- لمن يتم تحميل مسؤولية تشريع كل الجهاز القانوني الجديد و إعادة النظر في القوانين القديمة؟.

-- لمن يتم تحميل مسؤولية ضرورة التوسع في جلب الاستثمار الخاجي؟.

-- لمن يتم تحميل مسؤولية التوسع في ربط المؤسسات الاقتصادية المحلية برأس المال الأجنبي في إطار الشراكة و المناولة؟

-- لمن يتم تحميل مسؤولية تمهين جانب كبير من النظام التربوي و إعادة تنظيم قطاع التكوين المهني و الدعاية المكثفة له؟.

-- لمن يتم تحميل مسؤولية التخفيض في معلوم الاشتراك في شبكة الانترنات و الهاتف و تعصير الشبكة؟.

-- ...الخ.

أليست العولمة هي التي تحمل كل تلك المسؤوليات.كما هي مسؤولة عن إرتفاع نسبة البطالة و تسريح العمال في البلدان الرأسمالية الامبريالية و إفلاس كوريا الجنوبية و الأربيعن مليون عاطل عن العمل في أندونيسيا...الخ

أليس الترويج لذلك هو ترويج لإيديولوجيا منافية للواقع و تقوم بتعميته و طمسه.لأن المسؤول الفعلي عما سبق ذكره هي، و الى حدود معين، الدولة و وظيفتها في تقسيم العمل الدولي المتعلق بإعادة إنتاج النظام الرأسمالي العالمي الذي أصبح بالفعل ، في ظلال العولمة، موحدا أكثر من أي يوم مضى. و مسؤولية الدولة تلك هي ما يؤكد عليه "روبار فاند مولن" السفير السابق ممثل اللجنة الأوروبية بتونس حيث يقول أن الدولة التونسية كان يمكن أن تختار الاختفاء خلف أسروار جمركية حمائية، لكنها إختارت التعرض لمنافسة أكبر.(74) و تحميل العولمة تلك المسؤوليات يهدف ، من ضمن ما يهدف اليه، الى نزعها عن الدولة.لذلك تصور العولمة كشيء مفروض ،كشيء لا رد له، كقضاء وقدر أو كحتمية إقتصادية و إكراه نسقي. و في بعض الأحيان تتلبس تلك الحتمية القدرية الساعية الى نزع المسؤولية عن الدولة لبوسا لاأدريا يحقق نفس الهدف فـ"التحولات التي يعيشها العالم بدأت تشير الى بعض ملامح القرن الواحد و العشرين لكن العديد من تلك الملامح قد يعسر التنبؤ بها مهما كانت قدرات الاستشراف بالنظر الى النسق المتسارع للتغيرات...".(75)

تلك هي بعض أهم مكونات الخطاب الرسمي التونسي بصدد العولمة. و قد حاولنا تبيان طابها الايديولوجي. و نلاحظ من خلال ذلك أن تلك العناصر لا تختلف عما يسميه "بول كروقمان" "إجماع واشنطن"، أو كذلك "إقماسيو رامونيه" الفكر الوحيد أو الظلامية الجديدة.أي ذلك الفكر الذي يطبع المنظمات الرأسمالية الامبريالية الكبرى مثل صندوق النقد الدولي و البنك العالمي للإنشاء و العمير و المنظمة العالمية للتجارة الى جانب الإدارة الأمريكية العليا.و هو الفكر الذي يحدد قواعد السلوك السليم : إفتحوا حدودكم للتبادل الحر،إندمجوا في الاقتصاد العالمي بتنمية صادراتكم،حرروا،خوصصوا،فليكن لكم مالية عمومية متوازنة و عملات مستقرة،و بذلك سوف تجلبون التدفقات الاستثمارية و تلتحقون بالبلدان الصاعدة. ذلك هو ما تقوله تلك الأطراف لبلدان"الجنوب" و هو ما يشكل إجماع واشنطن.(76)

أليس هذا الاجماع هو اللب الصلب لايديولوجا النظام السياسي في تونس؟.هل الإلتقاء بينهما مجرد صدفة؟.

الخطاب الايديولوجي الرسمي التونسي ليس"صنع تونسي" مثلما يراد لسامعيه أن يفهموا. بل هو خطاب يقال في كل مكان تقريبا.تأكيدا لذلك يقول سمير أمين (77) إن خطاب طوبى الاعلام يساهم في نزع سلاح الشعوب و الأمم و يهدف الى جعلها تقبل بالتحرير لمصلحة الشركات المتعددة الجنسية كما لا خيار غيره. كما يقال ،تقريبا، في

كل مكان خاصة في ما يتعلق بالادعاء الخاص بضغوطات السوق.

يمكننا التدليل على ذلك من خلال إجراء مقارنة بيت الخطاب الرسمي التونسي و الخطاب الرسمي المغربي ،مثلا.

حيث نجد وزير التجارة و الصناعة و الصناعات التقليدية ،هناك، يعبر عن وجهة النظر المغربية الرسمية في علاقة بالتطورات الاقتصادية العالمية بشكل يكاد لا يختلف و لو جزئيا عن منطق الخطاب الرسمي التونسي حول نفس المسالة.إذ قول "إن ضعف هياكلنا الاقتصادية و إفتقارنا الى الوسائل التي تمكنا من إمتلاك و تطويع التكنولوجيا الحديثة، و حاجتنا الى التنسيق في مجال التكوين و البحث العالمي، وضعف التجهيزات الأساسية في بلاداننا(يقصد بلدان المغرب العربي)، كل هذه العوامل أثرت سلبيا على إقتصادياتنا و زاد في تعميق هذا التأثير إرتباطنا التقليدي بالأسواق الأوروبية و سوق دولة منها على وجه الخصوص.فكيف سنواجه هذه التحديات و ننخرط إيجابيا في سباق التغيرات التي تعرفها هياكل المبادلات التجارية الدولية".إن "التشخيص" هنا هو نفس التشخيص الذي نجده في الخطاب الرسمي التونسي.فماذا عن "العلاج" المغربي بحكم أن "العلاج" التونسي تم التعرض له سابقا، هل يختلف عن الثاني؟.

يجيبنا نفس الوزير المغربي "أضن أن الاجابة الصحيحة على هذا السؤال يجب أن تتم في ضوء التحولات السياسية و الاقتصادية الجذرية التي عرفها العالم خلال العشرية الأخيرة و التي فتحت أعيننا على الحقائق التالية :

الحقيقة الأولى أن الطريق الى التنمية الاقتصادية و الاجتماعية لابد أن يمر من خلال فتح أسواق العالم لا بتبني سياسة الاغلاق و الانكماش.

الحقيقة الثانية أن التغيرات التكنولوجية السريعة و المتلاحقة أصبحت تفرض تعاون الدول بينها خاصة في مجال الانتاج و البحث العلمي.

أما الحقيقة الثالثة التي ظهرت جلية للجميع فهي أن الدولة لم تعد قادرة بمفردها على الدفاع عن مصالحها إلا من خلال إنتمائها و فاعليتها في كتلة إقتصادية لها حسابها".

تلك الحقائق تعني، بالنسبة للوزير المغربي "أن تطوير أسواقنا و ملائمتها للتغيرات التي تعرفها هياكل المبادلات التجارية الدولية أصبح رهينا :

أولا بتحسين مناخ الاستثمار في بلدان المغرب العربي و تشجيع القطاع الخاص على النهوض بأعباء التنمية الاقتصادية و الاجتماعية فيها...(و) خلق مناخ لنمو سريع للقطاع الخاص عن طريق إزالة العراقيل التي تعيق نموه و وضع سلسلة من التدابير و الاعمال سواء على المستوى المؤسساتي و الجبائي و المالي أو على مستوى التجهيزات الأساسية. حيث ستواصل الدولة تعميق الجهود التي بذلتها في تطوير الشبكة الطرقية و شبكة المواصلات السلكية و اللاسلكية و توسيع المطارات و المونيء و إقامة السدود و تحسين مصادرالطاقة.

ثانيا تجديد و عصرنة الهياكل الاقتصادية المغاربية على صعيد التأطير و التسيير

و إنفتاحها على محيطها الاقتصادي و الاجتماعي.

ثالثا توحيد الاطار القانوني الذي ينظم عالم الاعمال في بلداننا و تكييفه مع قوانين

و تشريعات الدول المتطورة.

رابعا الرفع من قدرة مقاولاتنا على مواجهة المنافسة الدولية في مجال تصدير السلع و الخدمات...ذلك أن النظام الجديد للتجارة العالمية وضع الأسواق العربية وجها لوجه أمام تحدي المنافسة.و هو تحدي لن تتمكن مقاولاتنا من رفعه الا بسلاح الجودة و الرفع من الانتاجية...الخ".(78)

و يمكننا مواصلة السرد ، الذي نعتذر عن إطالته نوعا ما، إنما كان الهدف هو ذكر أكثر ما يمكن من نقاط التماثل بين الخطابين الرسميين التونسي و المغربي لبيان التطابق بيينها.و كما أن ما يقال في المغرب و تونس ،يقال رسميا في مختلف مناطق العالم تقريبا، و خاصة في "جنوبه". و هو ما يجعل التطابق بين الخطابين ليس مجرد صدفة إنما هو التجسيم المحلي لإجماع واشنطن أو النسخة المحلية للفكر الوحيد و الظلامية الجديدة.

لذلك فان لغة الخيار و الاستراتيجية، التي تشكل جانبا من الخطاب الرسمي التونسي حول العولمة و إلتزامات النظام السياسي في تونس عالميا،هدفها إسباغ الشرعية على تلك الالتزامات.أما جانب "الاقتناع العميق" و "الخيار الذي لا رجعة فيه" ، في ذلك الخطاب، فهدفه نزع المسؤولية عن الدولة في علاقة بما يمكن أن ينجر عن تلك الالتزامات من نتائج سلبية بالنسبة لرأس المال المحلي و الأجراء و بقية مكونات المجتمع التونسي.وفي حين نجد، مثلا، رئيس إتحاد الصناعة الألمانية يرى أن"نقاشا جديا حول أثار العولمة قد صار لا مناص منه"(79)، فان كل الخطاب الرسمي التونسي يقوم على "ضرورة كسب معركة التصدير و الاندماج في السوق العالمي".فاذا كانت ألمانيا قد تضررت من "العولمة" و ظهر من يطالب ، من دعات العولمة ذاتهم، بمراجعة الأمور،فان مواصلة إتباع النهج الحالي في تونس سوف يؤدي بالضرورة الى أوضاع إقتصادية و إجتماعية و بالتالي سياسية ، أقل ما يقال عنها،أنها صعبة مهما كان "الوعي بالتحديات و الرهانات عميقا".

ذلك المآل الممكن يدفعنا الى العودة الى النقد الذي قام به المجلس الاقتصادي

و الاجتماعي في تونس لبرنامج الاصلاح الهيكلي، و نتبين من خلال تلك العودة أن الايديولوجا نفسها توجد في خلفية كل من برنامج الاصلاح الهيكلي و المخطط التاسع 1997/2001و هو ما يجعل النقد الذي يصح على الخلفية الايديولوجية لبرنامج الاصلاح الهيكلي يصح كذلك على تلك الخاصة بالمخطط التاسع، بحكم أن التطابق بينها يكاد يكون كليا.

فبرنامج الاصلاح الهيكلي يتعلق، بالنسبة لتقرير المجلس الاقتصادي و الاجتماعي ، في التحليل الأخير، بتوزيع للسلطة بين الدولة و المنشأة الخاصة و العمال. و يقوم على أولية العقلانية الخاصة و الانفتاح الأقصى على المبادلات العالمية. و هو ما يجعل سياسية إعادة الهيكلة الترجمة العملية لإيديولوجيا الليبرالية الجديدة التي تعلي من شأن العقلانية الخاصة و السوق و التحرير و نزع الحماية عن السوق الداخلي كشروط أولية لابد منها لنمو متوازن و قوي و دائم.و من وجهة النظر هذه يعتبر المجلس الاقتصادي و الاجتماعي أن هذع الايديولوجيا تعطي أهمية لا حدود لها للعوامل النقدية أو المالية و ترجع مسؤولية كل إنعدام توازن الى القطاع العام و مراقبة الاسعار و حماية السوق الدخلي . هذه الايديولوجيا لا تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات إقتصاد مثل الاقتصاد التونسي، حيث تكون نسبة البطالة مرتفعة و مترافقة مع وجود قطاع إقتصادي لاشكلي هام و قطاع خاص هش و يتميز بخوفه الكبير من المخاطرة.كل ذلك الى جانب نسق إنتاجي غير مندمج و بنية بدائية للبحث و التنمية. و في إطار إقتصادي يتميز بتلك الخصائص فان تلك الايديولوجيا هي إيديولوجيا ضارة.(80)

أليس ما يقوم بنقده المجلس الاقتصادي و الاجتماعي هو إجماع واشنطن الذي يطبع الخطاب الإيديولوجي للسلطة السياسية في تونس.بل إن ما تضمنه برنامج الاصلاح الهيكلي يتعمق الأن أكثر مما هو في النصف الثاني من الثمانينات، عند بداية تطبيق ذلك البرنامج،الذي طبق رغم نقده من طرف المجلس الاقتصادي و الاجتماعي، بالاضافة الى إتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي و برنامج التأهيل المرتبط به الى جانب الانخراط في المنظمة العالمية للتجارة و تسارع برنامج خوصصة القطاع العام...الخ. وهي كلها عناصر لسياسة تعمق الطابع المتخارج للاقتصاد المحلي و تحد بشكل كبير من أهمية السوق الدخلي في دورة الانتاج و بالتالي من أهمية قاعدة الأجور و النفقات الاجتماعية للدولة.أي أنها عناصر سياسة تتضرر منها الأغلبية المكونة للمجتمع.

قبل إنهاء هذا النص هناك إضافة كان لابد منها، تتعلق بعنصر أخر مكون للخطاب الايديولوجي الرسمي التونسي بصدد العولمة. و يتمثل ذلك العنصر في النظر الى العالم على أنه أصبح يشكل قرية صغيرة بفعل ثورة المعلومات و الاتصال.

نجد تعبيرا عن ذلك في الخطاب الذي ألقاه الوزير الأول باسم رئيس الدولة في الندوة الدولية حول عولمة الاقتصاد و البلدان المتوسطية التي نظمها التجمع الدستوري الديمقراطي في 04 و 04/10/1995، إذ تضمن ذلك الخطاب ما يلي "إن تصورنا للعولمة ينطلق من إماننا بأنها تمثل النهاية المنطقية للثورة التكنولوجية و الاعلامية التي يعيشها العالم اليوم و من تحرير الاقتصاد و التجارة العالمية و التفاعل و التداخل بين الثقافات و هو ما جعل الكوكب في مستوى قرية صغيرة مفتوحة لمختلف مكوناتها". لا يخرج عن ذلك،بطبيعة الحال، ما يقوله وزير الخارجية عند تفسيره لأسباب العولمة فقد "كانت العولمة نتيجة لإرتفاع القدرات التكنولوجية و تطور أدائها خاصة في مجلات النقل و الاتصالات".(81) فالتقنيات الحديثة للاتصال "جعلت من العالم قرية صغيرة بالفعل زالت فيها المسافات و إرتفع فيها نسق إستغلال الزمن".(82)

هذا التصور للعالم نجد أحسن صياغة له في المخطط التاسع حيث و في إطار إستعراض التحولات التي شهدتها الساحة الدولية في نهاية هذا القرن "يتمثل الحدث الثاني البارز الذي جد قبل بداية الألفية الجديدة في التدرج نحو عالم جديد أضحى قرية كونية بفعل التطورات التكنولوجية الهائلة التي لم يشاهد لها مثيل في السابق خاصة في مجال المبادلات و الاتصال".(83) و حسب مفتي الجمهورية السابق "أصبح نقل المعلومات...يبلغ أطراف العالم في نفس اللحظة، تم إختزان المعلومات و تمكن الانسان أينما كان موقعه من معرفتها متى أراد ذلك...فالعالم الذي كان يهول بأبعاد ...أصبح قرية صغيرة تتجاوب فيها الأصداء".(84)

ما تم الإستشهاد به سابقا يتضمن العديد من الأساطير من بينها :

- الأسطورة الأولى : العالم أصبح قرية صغيرة.

- الأسطورة الثانية : و تنتج عن الأولى ،نهاية الحرب

- الأسطورة الثالة : المعلومات متاحة للجميع.

- الأسطورة الرابعة : نهاية الزمان و المكان.

- الأسطورة الخامسة : ثورة المعلومات تمكن" الجنوب" من ردم الهوة التي تفصله عن "الشمال"

- الأسطورة السادسة : ديمقراطية المعرفة.

- الأسطورة السابعة : تطوير الديمقراطية.

- الأسطورة الثامنة : تكوُن ثقافة عالمية.

تلك الأساطير، و غيرها كثير، التي تتضمنها الأسطورة الأساسية، أسطورة القرية الكونية الصغيرة،تجافي بحكم كونها كذلك واقع العالم الذي إذا كان لابد من مماثلته بشيء ما، كان لابد من مماثلته بمدينة كبرى بفقراءها و أغنياءها و أحيائها الراقية و أحياءها القصديرية و مشاكل التنقل و التلوث و الحوادث...الخ.

أسطورة القرية الصغيرة تشي بطبيعة العلاقات التي أصبحت موجودة في العالم.و هي علاقات التأخي و التضامن و التعاون و الجوار التعاوني الذي يقوم على التآزر، مثل كل قرية جديرة بهذا الاسم. وأن تصبح العلاقات كذلك يعني أن التناقضات و الصراعات و بالتالي الحروب قد زالت من هذا العالم الذي أصبح قرية صغيرة.و ذلك عكس ما نلاحظه اليوم في العالم حيث تنبعث و تشتد الصراعات القومية و العرقية و الدينية و العنصرية و الطبقية...الخ.

و إذا كانت القرية الصغيرة تعني أن المعلومات أصبحت متاحة للجميع و أن المعرفة أصبحت ديمقراطية بالفعل، فاننا نجد واقع توزيع وسائل المعلومات و المعرفة يتناقض مع ذلك كليا.فاذا كان الهاتف هو الوسيلة الأساسية فان أكثر من نصف سكان العالم لم يستعملوا و لو مرة واحدة في حياتهم الهاتف.(85) و في تقرير أعده "جيروم بانديه" ، جاء أن أكثر من 4.5 مليار شخص في العالم محرومون من وسائل الاتصال الأساسية و وسائل الوصول الى التكنولوجيا الحديثة.(86) كما أن حوالي شخص من بين كل إثنين في العالم يوجد، الى حد الأن،بعيدا عن أقرب جهاز هاتف ساعتي سير بالسيارة و هناك 641 مليون شخصا فقط في العالم مرتبطون بالهاتف من جملة سكان الارض.و في أمريكا اللاتينية 7 بالمائة فقط من المنازل مجهزة بالهاتف و في الزاييرهذه النسبة أقل من 1 بالمائة.و في إفريقيا جنوب الصحراء يوجد هواتف أقل مما هو موجود في "مانهتن". و في سويسرا 60 بالمائة، السويد 68 بالمائة ،الاكواتور 4.82 بالمالئة و في إفرقيا يوجد 12 بالمائة من السكان لكنها لا تملك الا 2 بالمائة من خطوط الهاتف في العالم،هذا في حين أن "كمشة" من البلدان الغنية لا تمثل الا 15 بالمائة من سكان العالم لكنها تملك 71 بالمائة من خطوط الهاتف في العالم. و من بين الخمسين بلدا الأقل تجهيزا 35 توجد في إفريقيا.(87) و في مدينة طوكيو هناك عدد من خطوط الهاتف أكثر من كل ما هو موجود في كامل إفرقيا السوداء.(88) و في عام 1990 كان عدد خطوط الهاتف المتوافرة في بنقلاديش والصين و مصر و الهند و أندونيسيا و نجيريا أقل منه في كندا التي يعيش فيها 27 مليون نسمة فقط.(89) و في تونس لا يتجاوز عدد المشتركين في الهاتف 710 ألاف.(90) و حسب "كريسيان كرمينبوف"، الهوة الفاصلة بين الشمال و الجنوب فيما يتعلق بتجهيزات الاتصال تزايد توسعها. ففي مقارنة تشمل المرحلة 1980/1992 وجد أن الفارق مفزع.فاذا أخذنا القيمة 100 كمرجع بالنسبة لبلدان الشمال فان مجموع البلدان الأقل تقدما كان لها العامل 7 في 1980 و هو ما يماثل إنعدام توازن هام جدا منذ الانطلاق. 12 سنة لاحقا نجد أن كل البلدان حققت تقدما محسوسا لكن العلاقة مرت من 1 الى 100.إذا كان الواقع كذلك بالنسبة للهاتف كوسيلة إتصال في ذاته، فانه يشي لنا بواقع إستعمال الحواسيب و خاصة الاشتراك في شبكة الانترنات في العالم بحكم أن الهاتف هو الشرط التقني الأساسي لإستعمال شبكة الانترنات التي تصور على أساس أنها الحجرة الأخيرة في بناء القرية الكونية الصغيرة.

في 1995 عدد الحواسيب المستعملة في العالم كان حوالى 180 مليون بالنسبة لعدد سكان يصل الى 6 مليارات. و بالتالي فان إمكانية إستعمال الانترنات كانت تقتصر على 3 بالمائة من الأشخاص. و في سنة 1996 ما يقارب 60 بالمائة من الحواسيب المرتبطة بالانترنات تعود ملكيتها الى أمريكيين. (91) و قبل ذلك و في سنة 1992 بلغ عدد الحواسيب المرتبطة بالانترنات في الولايات المتحدة الأمريكية 591.000 أي ما يمثل 65 بالمائة من المجموع العالمي. و يقدر أن يبلغ عدد مستعملي الاتنرنات 300 مليون في العالم سنة 2000.(92) في بداية 1998 قدر عدد مستعملي الشبكة في العالم بـ 100 مليون.(93) و قبل ذلك و في سنة 1997 بلغ عدد الحواسيب في العالم 200 مليون 30 مليون فقط منها مرتبطة بالانترنات.(94) و حسب مكتب "داتاكويست" بلغ عدد المشتركين في الانترنات في العالم الى حدود نوفبر 1997، 82 مليون شخصا نصفهم في الولايات المتحدة الأمريكية. و توقع ذلك المكتب أن يبلغ عددهم 268 مليون خلال أربع سنوات.(95) و حسب دراسة لوزارة النقل الأمريكية نشرت بداية من 1998 يوجد في العالم 151 مليون مستخدما للانترنات و سيبلغ عددهم 327 مليون بحلول عام 2000.(96) في تونس كان أول ربط بشبكة الانترنات لفائدة البحث العالمي و ذلك سنة 1990. و في بداية سنة 1996 بلغ عدد المشتركين قرابة 100 مشترك. و في نهاية نفس السنة بلغ العدد 2000 مشتركا. وبلغ في نوفمبر 1998 أكثر من 700.(97) و يقدر أن يبلغ مع حلول عام 2000، 30.000مشتركا. و جاء في دراسة أعدتها مجلة "أنترنات العالم العربي" أن عدد المشتركين في خدمات الانترنات الى حد شهر نوفمبر 1998 بلغ 210 ألاف مشتركا. ذلك العدد سيصل الى حوالي 700 ألف شخصا مع نهاية العام 1998. وبلغ عدد المستخدمين في تونس و المغرب مجتمعتين 37 ألف شخصا مع نهاية أكتوبر 1998.(98) و قد بلغ عدد المشتركين في تونس الى حد شهر ديسمبر 1998 ، 8600 مشتركا.(99)

أما بالنسبة لأجهزة التلفزة فلا يتجاوز عددها في العالم 1.3 مليار جهاز.(100)

الأرقام السابقة تكشف لنا أن وسائل الاتصال الأساسية يظل عددها محدودا مقارنة بعدد سكان العالم البالغ حوالي 6 مليارات. كما أن توزيعها يتميز باختلاله و تفاوته بين مختلف مناطق و بلدان العالم. وبالتالي فان المعلومات ليست متاحة للجميع. بل إن "ثورة الاتصال و المعلومات" أدخلت تقسيما جديدا للعالم.حيث أصبح من الممكن تقسيمه الى أغنياء المعلومات و فقراء المعلومات. كما أن تلك "الثورة" لا تجعل المعرفة ديمقراطية لأنها لا تبني معرفة أصلا. لأنه، و مثلما يقول ذلك "هنري بونكاري"، مراكمة الوقائع و المعطيات لا تكون علما،مثلما لا يشكل كوما من الأحجار بيتا.(101) و هو ما يعطي معنى لما يذهب اليه "رامونيه" عندما يقول إن الاتصال في ذاته لا يشكل تقدما إجتماعيا خاصة إذا كان مراقبا من طرف الشركات التجارية الكبرى.(102) و بالنسبة لــ"جاك قرينفالد" ما يسمى تكنولوجيا الاتصال هو في الواقع ، و خاصة ، تكنولوجيا لنقل و معالجة المعطيات، في حين أنه يجب علينا عدم الخلط بين المعلومات و المعطيات و بين المعرفة. ذلك أن المعلومات الأكثر لاتصنع معرفة أحسن. و الأسوء بالنسبة له يتجسد في كون جرعة زائدة من المعلومات يمكن أن تقتل المعرفة. و بالتالي فان تضخم المعلومات بما في ذلك العلمية و سهولة الوصول اليها يمكن أن يؤدي الى الخرو ج عن الطريق السوي، يمكن لذلك التضخم أن يكون مخطرا.(103)

نقدا لأسطورة ردم الهوة الفاصلة بين الشمال و الجنوب يقول لنا "ميشال بو" أنه لا شيء يمكن أن يحول صورة "القرية العالمية"الى واقع فعلي لأن هذه "القرية الصغيرة" تقتصر على عدد محدود من سكان "القرية الكبيرة".(104) و يلاحظ "رامونيه" في هذا المجال أن طوبى المجتمع الاعلامي توظف من قبل الطبقة الحاكمة الجديدة العاليمة من أجل تأكيد العولمة وجعلها مقبولة،أي من أجل تبريرالتحرير الكلي لكل سوق في مختلف مناطق العالم .(105) لا يختلف عن ذلك تصور سمير أمين، من خلال فكرة له مرت معنا سابقا ، إذ الخطاب الدارج المكثف حول الاعلام يشكل إيديولوجيا طوباوية تساهم في نزع سلاح الأمم و الشعوب و تهدف الى جعلها تقبل التحرير الذي يتم لمصلحة الشركات المتعددة الجنسيات على أنه خيارا لا خيار غيره، وتصوير ذلك على أنه يتعلق بضغوطات السوق.(106)

و على النقيض من أسطورة تطوير الديمقراطية نذكر فقط بتصور "بول فيرلو" الذي يرى أن السرعة المطلقة(سرعة حركة رأس المال) تولد السلطة المطلقة.أما أسطورة الثقافة العالمية فدليل وجودها الوحيد هو موت العالم .لأنها تعني تجانسه و التجانس رديف للموت. و لكن العالم ما يزال حيا بتعدده و إختلافاته و تناقضاته و صراعاته.

إذا كان ما يقال رسميا بصدد "القرية الكونية الصغيرة" لا يتجاوز كونه إيديولوجيا فما هو الواقع الذي يوجد خلفها؟ لماذا هذا الاحتفاء بــ "ثورة الاتصال و المعلومات" ؟.

عند إفتتاحه يوم 10/03/1998 للأيام الدراسية التي نظمتها اللجنة الوطنية للتجارة اللالكترونية بالتعاون مع ديوان إتصلات تونس في الوكالة التونسية للأنترنات، أشار وزير التجارة الى المجهودات التي بذلت لتسهيل إجراءات التجارة الخارجية باعتماد النظام الألي المندمج لمعالجة هذه الاجراءات و الربط بين كل الأطراف المتدخلة في الوثيقة الموحدة و هي خطوة نحو تطبيق التجارة اللالكترونية و تمكين المؤسسات من إختصار الآجال. و تسهيل عمليات التجارة الخارجية".(107) لذلك فان ما تقوم به "ثورة الاتصال و المعلومات" هو "إختصار الأجال". لا يختلف عن ذلك ما يذهب اليه على سلامة رئيس جامعة التصدير إذ "بعد إحداث المجلس الأعلى للتصدير'1996'...تم إتخاذ عديد الاجراءات الهامة للإحاطة بهذا القطاع و دعمه. وقد مكنت هذه الاجرءات من تذليل عديد الصعوبات التي كانت تعترض المصدر و خاصة في الظرف الحالي الذي ميزته ظاهرة العولمة. و هذه الظاهرة تتطلب من المصدرين أن يكونوا مواكبين لكل متطلبات السوق من حيث جودة المنتوج و قدرته على إكتساح الأسواق الخارجية –خاصة و أن عامل الزمن له أهمية كبرى-...فضلا عن تقليص أجال التوريد و التصديروإدخال أجهزة المعلوماتية لتيسير عملية التجارة الخارجية"(108)."أختصار الأجال" و "تقليص أجال التوريد و التصدير"

"خاصة و أن عامل الزمن له أهمية كبرى"، ذلك هو بشكل واضح المعنى الفعلي لـ"ثورة الاتصال و المعلومات" و تحول العالم الى قرية صغيرة. و يعني ذلك تسريع دورة راس المال و بالتالي تسريع مراكمة الأرباح. و التأكيد على هذا لا ينفي الأبعاد الأخرى . بل نعتبر هذا هو المحدد. خاصة و أن تلك "الثورة" لا تشمل الا عدد قليل جدا من المليارات الست التي تسكن الكرة الأرضية، بصفة عامة،و الملايين 9 الذين يسكنون تونس.

المخطط التاسع واضح جدا على هذا الصعيد حيث نجد "و سيعرف قطاع المواصلات من جهته تطورا هاما على الصعيدين الكمي و النوعي مسايرة للتقدم التكنولوجي الذي يشهده هذا القطاع. و سيمكن تنويع الخدمات في هذا المجال من تحسين محيط المؤسسة و التحكم في تكاليف إنتاجها".(109) نفس الشيء بالنسبة لمنوال التنمية للمخططط التاسع الذي "يفترض ...تكثيف مجهود الاستثمار الذي سيمكن من دعم البنية الأساسية في مجال الطرقات و المواصلات مواكبة لعولمة الاقتصاد و ضرورة تعزيز الميزة التفاضلية للاقتصاد".(110) فارتباط مؤسسة بالشبكة يغنيها عن الالتجاء الى الموزع و المشهر و أيضا من يقوم لها بالبيع.لأن التوزيع و الاشهار و البيع عمليات يمكن إتمامها إلكترونيا بين الحواسيب. و شبكة الانترنات جعلت المنتج لا يحتاج الى ثلاثة وسطاء هم المشهر و الموزع و بائع المنتوج عند نقطة البيع. كما أن الحواسيب تمكن المنشأة من تحقيق الأصفار الأولنبية أي صفر أجل و صفر فضلات و صفر حوادث و صفر أوراق و صفر مخزون و صفر أخطاء صنع. و كل ذلك يرفع من معدل الربح . الى جانب ذلك مثلت "ثورة الاتصال و المعلومات" أحد الوسائل التي إعتمدها رأس المال للخروج من الأزمة لأنها ساعدت و سهلت بالفعل تعميق توسع الرأسمالية في مختلف مناطق العالم.

و في مقدمة كتاب "عولمة المضادات المجتمعية " نجد التساؤل التالي : هل أن الشبكات الاتصالية عالمية بالفعل، أم أنها تقتصر على البعض الذي بتأثير إدعاء لا حدود له يماثل نفسه بكل العالم؟.(111)

هوامش

الصباح 27/12/1998 ص 3(1)

(2)نص صادر عن التجمع الدستوري الديمقراطي تضمن وثائق مؤتمر 30/31/7 و 1/8/1998 تونس العاصمة ص 56 و 57

(3)وزير الصناعة في رده على مداخلات النواب عند مناقشة مشروع قانون الميزانية لسنة 1998، الضباح 12/199719

(4)كلمة الحكومة في إختتام مداولات محلس النواب في إطار مناقشة مشروع قانون المالية اسنة 1998، الصباح 28

/12/1997 ص 6

(5)المنجي صفرة لدى إفتتاحه يوم 3/7/1998 في سوسة لملتقى حول المنافسة و تطوير المسسة، الصباح 5/7/1998 ص 4

(6)خطاب رئيس الدولة في 7/11/1997، نص الخطاب الصباح 8/11/1997 ص2، إضافة لخطابه في 30/7/1998، نص الخطاب الصباح 31/7/1998 ص 2

(7)خطاب رئيس الدولة الموجه الى الندوة الدولية العاشرة للتجمع الدستوري الديمقراطي،ألقاه الوزير الأول، نائب رئيس التجمع يوم 14/11/1998 ، نص الخطاب الصباح 15/11/1998 ص 2

الدالي الجازي ، مجلة دراسات دولية العدد 68/3/1998 ص 75(8)

La mondialisation de l’économies et les pays déditerranéenes,RCD, p 95(9)

المرجع السابق ص 189(10)

المرجع السابق ض 94(11)

(12)كلمته فيإطار ملتقي حولسياسات الخوصصة و إنعكاساتها على الوظيفة العمومية ، نظم بالمدرسة القومية للادارة يوم 17/12/1998، الصباح 18/12/1998 ص 3

من رده على النواب في إطار الحوار التنفيذي التشريعي الثالث، الصباح 17/6/1998 ص 1(13)

الصباح 9/12/1998 ص 3(14)

الصباح 26/12/1997 ص 4(15)

في حوار معه ، الصباح 17/3/1998 ص 5(16)

(17)خطاب رئيس الدولة الموجه الى الندوة الدولية العاشرة للتجمع الدستوري الديمقراطي، ألقاه الوزير الأول، نائب رئسي التجمع يوم 14/11/1998، نصه الصباح 15/11/1998 ص 2

الشعب 3/10/1998 ص 4(18)

الخطاب الموجه الى الندوة التاسعة للتجمع الدستوري الديمقراطي ، نصه الصباح 4/12/1997 ص 2(19)

المخطط التاسع ، المجلد الأول ، المحتوى الجملي الباب الأول ص 3 و 4(20)

المرجع السابق ص 4(21)

المرجع السابق ص 6(22)

(23)نص صادر عن التجمع الدستوري الديمقراطي تضمن وثائق مؤتمر تونس العاصمة 30و31/7 و 1/8/1998 ص 91

نص محاضرة بعنوان 'الاسلام و العولمة'، محمد المختار السلامي، مفتي سابق، الصباح 22/1/1998 ص 4(24)

(25)نص صادر عن التجمع الدستوري الديمقراطي تضمن وثائق مؤتمر نونس العاصمة 30و31/7 و 1/8/1998 ص 61، اللائحة العامة

(26)من رد عبد الباقي الهرماسي وزير الثافة على النواب في إطار الحوار التنفيذي التشريعي الثالث ، الصباح /6/1998 ص 117

الصباح 17/6/1998 ص 4 و 5(27)

الصباح 23/12/1997 ص 6(28)

الصباح 14/12/1997 ص 6(29)

(30)خطاب رئيس الدولة الموجه الى الندوة التاسعة للتجمع الدستوري الديمقراطي، نص الخطاب ،الصباح 4/12/1997 ص 2

الصباح 11/10/1998 ص2 (31)

الصباح 7/10/1998 ص 3(32)

من رده على النواب في إطار الحوار التنفيذي التشريعي الثالث ، الصباحح 17/6/1998 ص 1(33)

Sami nai+Edgar morin ? Une politique de sivilisation, p 76(34)

La mondialisation de l’économie et les pays mediterranéenes,RCD, p 189(35)

محمد عابد الجابري ، حوار معه الوحدة 8/1/1999 ص 10(36)

هارلد نويبرت ، النظام العالمي الجديد و قضايا العالم الثالث ص 94(37)

النهر الفاصل بين الولايات المتحدة و المكسيك و هو خط عبور المهاجرين غير الشرعيينRio Grandi(38)

أوروبا في مواجهة الجنوب ، جماعي ص 150(39)

نفس المرجع السابق ص 204 و 205(40)

(41)المرجع السابق ص 224 و من أجل عناصر السياسة المتوسطية المجددة العودة الى بشارة خضر نفس المرجع السابق من ص 223 الى 231

(42)محاضرة ألقلها محمد الباجي حمدة يوم 6/11/1998 بالمقر الاجتماعي للبنك القومي الفلاحي، الصباح 8/11/1998 ص5

L’économiste Maghrèbin N° 220 du 28/10 au 11/11/1998 p 3((43)

عبد الباقي الهرماسي، وزير الثقافة في حوار معه جريدةةة أخبار الآداب 8/11/1998 ص 10(44)

(45)نص صادر عن التجمع الدستوري الديمقراطي تضمن وثائق مؤتمر تونس العاصمة 30/31/7 و 1/8/1998 ص 57

المرجع السابق ص 57(46)

المرجع السابق ص 80(47)

المرجع السابق ص 59(48)

المخطط التاسع ، المجلد الأول المحتوى الجملي الباب الأول ص 4 و 7(49)

Le monde dilpomatique du 10/19998, p 18(50)

نفس المرجع السابق (51)

(52)خطاب رئيس الدولة الموجه الى الندوة الدولية للتجمع الدستوري الديمقراطي حول 'تحديات القرن الحادي و العشرون و رهاناته' ألقاه الوزير الأول و نائب رئيس التجمع يوم 4/11/1998، نصه الصباح 5/11/1998 ص 2

Le monde diplomatique du 10/1998 p 21(53)

Samir amin ? L’empire du chaos , p 17(54)

Sami nair+Edgar morin ? Une politique de sivilisation , p 42(55)

ملحق الملاحظ عدد 25 من 7 الى 13/1/1998 ص 6(56)

هارلد نويبرت، النظام العالمي الجديد و مشاكل العالم الثالث ص 100(57)

المخطط التاسع ، المجلد الأول الباب الثاني ص 25(58)

نفس المرجع السابق (59)

(60)كلمته في ندوة: الدولة و الخواص و المجتمع المدني ،نظمتها جمعية دراسات دولية ، تونس 16/4/1998، مجلة دراسات دولية العدد 68/3/1998 ص 78 و 79

الصباح 14/10/1998 ص 2(61)

Le monde diplomatique du 10/1998 p 18(62)

المخطط التاسع ، المجلد الأول الباب الثاني ص 24(63)

Michel beaud , Le basuclement du monde, p 89(64)

المرجع السابق ص 89(65)

المخطط التاسع ، المجلد الأول الباب الثاني ص 28(66)

منوال التنمية للمخطط التاسع ص 54(67)

نص صادر عن التجمع الدستوري الديمقراطي تضمن وثائق مؤتمر 30/31/ و 1/8/1998 ص 86(68)

المرجع السابق ص 107(69)

المرجع السابق ص 108(70)

المرجع السابق ص 109 و 110(71)

المرجع السابق ص 142(72)

المرجع السابق ص 154(73)

L’économiste Magrébin du 26/6 au 9/7 1998(74)

(75)خطاب رئيس الدولة الموجهه الى الندوة الدولية العاشرة للتجمع الدستوري الديمقراطي ، نصه الصباح 5/11/1998ص 2

Le monde économique du 3/11/1998 p 1(76)

Samir amin ? Critique de l’air du temps , p 122(77)

(78)كلمة الافتتاح التي ألقاها إدرسي جطو وزير التجارة و الصناعات التقليدية المغربي في 'عولمة الاقتصاد و الاندماج الجهوي و إعادة الهيكلة بالمغرب العربي'و قائع أليام الدراسية التي نظمتها جمعية الاقتصاديين المغاربة و جمعية الاقتصاديين التونسيين، الرباط سبتمبر 1995 و تونس أكتوبر 1995 ص 5 و 6

فخ العولمة ص 326(79)

تقرير المجلس الاقتصادي و الاجتماعي ، مصر مذكور سابقا الجزء الثالث ص 3 و 4(80)

(81)وزير الشؤونن الخارجية ، محاضرة في إفتتاح المعهد الديبلوماسي يوم 27/3/1998 الصباح 29/3/1998 ص 8

(82)كلمة رئيس الدولة الموجة الى الأيام السنوية للمؤسسة التي نظمها المعهد العربي لرؤساء المؤسسات، نصها الصباح 5/1281998 ص 2

المخطط التاسع ، المجلد الأول المحتوى الجملي الباب الأول ص 3(83)

محاضرة المفتي السابق، مصدر مذكور سابقا ، الصباح 22/1/1998 ص 4(84)

Ignacio ramonet , Géopolitique du chaos , p 147(85)

الصباح 26/9/1998 ص 16(86)

La mondialisation des anti-sociétes ,colectif , p 123et 176(87)

Ignacio ramonet ,Géopolitique du chaos , p 147(88)

جيران في عالم واحد، نص تقرير لجنة 'أدارة شؤون المجتمع العالمي' ص 53(89)

ذكره أحمد فريعة،ندوة'المواصلات و تحديات الألفية الثالثة' مجلة ةدراسات دولية العدد 68/3/1998 ص 7(90)

Ignacio ramonet ; Géopolitique du chaos , p 147(91)

La mondialisation des anti-sociétes, colectif, p 119(92)

الصباح الأسبوعي 16/11/1998 ص 3(93)

Michel beaud, Le basculement du monde , p 199 et Le monde diplomatique 4/1997(94)

الصباح 22/1/1998 ص 9(95)

الصباح 4/1/1999 ص 12(96)

الصباح الأسبوعي 23/11/1998(97)

الصباح 2/12/1998 ص 9(98)

الصباح 29/12/1998 ص 2(99)

Michel beaud ; Le basculement du monde , p 199(100)

La mondilisation des anti-sociétes , collectif , p 164(101)

Manier de voirN° hors serie ,octobre 1996, p 7(102)

La monodialisation des anti-sociétes, collectif, p 163(103)

Michel beaud , Le basculement du monde , p 199(104)

Ignacio ramonet , Géopolitique du chaos , p 153(105)

Samir amin , Critique de l’air du temp , p 18 et 19(106)

الصباح 11/3/1998 ص 3(107)

ورد في حوار معه، الصباح الأيبوعي 11/1/1999 ص 3(108)

المخطط التاسع المجلد الأول الباب الثاني ص 30(109)

منوال التنمية ، المخطط التاسع ص 55(110)

La mondialisation des anti-sociétes , colectif, p 15(111)

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire