vendredi 17 octobre 2008

مسار الأزمة

مسار الأزمة

2008 / 10 / 16

مسار الأزمة
الاثنين 6 تشرين الأول (أكتوبر) 2008
ميشيل هوسون
مضى الآن أكثر من عام على انفجار الأزمة، و مذاك وهي تنتشر مثل نثار بارود، دون معرفة أين ستقف. ستدوم هذه الأزمة البنيوية وتضع في قفص الاتهام أسس الرأسمالية النيوليبرالية.
رد فعل متسلسل

اللافت قبل كل شيء تلازم مختلف الأزمات. في البدء كانت أزمة قروض الرهن العقاري عالية المخاطر subprimes بالولايات المتحدة الأمريكية التي يمكن وصفها بالأزمة المالية والبنكية. لكنها ترافقت بأزمة طاقة، مع ارتفاع سعر البترول، و أزمة غذائية ناتجة عن ارتفاع أسعار المزروعات، وبأزمة نقدية مع سقوط الدولار، وأخيرا أزمة نمو مع تباطؤ جلي يقارب الانحسار بأغلب البلدان المسماة متطورة.

لقد أخفقت أطروحة فك الارتباط، التي مؤداها أن البلدان المسماة صاعدة تمكنت من موازنة الميل إلى التباطؤ بالبلدان الغنية. ومع ذلك يسير نقل آثار الأزمة إلى الاقتصاد الحقيقي وفق مسار متفاوت ومركب: فهو ليس مباشرا ويثير ميولا مضادة. هكذا نتذكر ابتهاج كريستين لاغارد عندما ظهر رقم النمو في ربع السنة الأول بفرنسا وكان + 04 بالمائة، أي أقل سوءا من المتخوف منه. لكن ربع السنة الثاني كذب هذا العزاء بتراجع النتاج الداخلي الإجمالي بنسبة 0.3 بالمائة .
و ُيرتقب اليوم أن يبلغ معدل النمو الصفر حتى متم العام، ويعني هذا أن معدل النمو على طول السنة سيحوم حول 1 بالمائة، وهذا بعيد طبعا عن الفرضيات التي أُسست عليها ميزانية الدولة. والحال أن نقطة نمو واحدة أقل تعني 18 مليار يورو، أي أكثر من الرزمة الجبائية المقدرة بمبلغ 15 مليار يورو. و جاءت آخر الأرقام الولايات المتحدة الأمريكية بمستوى أقل سوءا من المرتقب، لكن لا أحد يبتهج، وخصوصا الأسر المصابة بالأزمة العقارية وبصعود البطالة. لكن صحيح ان الأزمة تستثير بعض الميول المضادة، فخلال الأسابيع الأخيرة، انخفضت أسعار البترول والمنتجات الزراعية وارتفع سعر الدولار. وغالبا ما ُتضخم الصحافة الاقتصادية هذه التقلبات لرفع معنويات قرائها ولا شك. لكن كل مؤسسات التوقع، سواء منظمة التجارة والتنمية الاقتصاديين OCDE ، أو صندوق النقد الدولي أو اللجنة الأوربية، أعادت النظر في توقعاتها في اتجاه منخفض. وتترقب في أفضل الأحوال نموا رخوا سنة 2008، ولا تعتبر العودة إلى الوضع العادي سنة 2009 أمرا واردا.
هذا الوضع مختلف إذن عن انهيار البورصة سنة 1987 الذي أبطل كل التوقعات، مفضيا إلى طفرة بالاقتصاد العالمي في السنة اللاحقة. إنه أحد الأعراض الدالة على أن الأزمة الراهنة من طبيعة مغايرة وأنها لا تتلخص في مجرد تطهير.
ثمة عناصر عديدة تجعل هذه الأزمة مستديمة ( لن يتم الخروج منها بسرعة ) و منظومية ( لا يمكن العودة إلى الوضع السابق). ويستند هذا التوقع على عنصرين أساسيين. فقد كان تمظهر الاقتصاد العالمي في العقد الأخير متميزا بنمو قائم على القرض (الائتمان) بالولايات المتحدة الأمريكية ممول برساميل قادمة من بقية العالم، ولا سيما من الصين. والحال أنه يتعذر إعادة هذا التدبير إلى السكة.

نهاية النموذج الأمريكي

كان نموذج النمو الأمريكي مند منتصف سنوات 1990 يمثل غرابة تاريخية لا معادل لها. فمن أجل السير بسرعة تم جر النمو باستهلاك الأسر الذي كان يرتفع بسرعة بفعل انخفاض ادخارها ولجوء متزايد إلى الاستدانة. كانت الولايات المتحدة الأمريكية إذن تعيش فوق إمكاناتها وتعمق عجزها التجاري بانتظام. فقد كان من شأن هكذا تدهور أن يؤدي في أي بلد آخر إلى سقوط العملة وانحسار لا غنى عنه لتصويب الاتجاه. لكن الولايات المتحدة الأمريكية ليست بلدا كغيرها، فالدولار هو عمليا العملة العالمية، والمردودية المترتبة كانت تبدو مرتفعة ومضمونة بدينامية الاقتصاد [1] . كانت إذن الرساميل تتدفق إلى الولايات المتحدة الأمريكية وتمول عجزها. و هذا نموذج باتت مستحيلة إعادته: ففي الداخل سيكون امتصاص أزمة القرض مديدا جدا، ولن تعود استدانة الأسر إلى نفس وتيرة التقدم. وبالخارج ستفكر الرساميل مليا قبل القدوم للاستثمار في اقتصاد مختل بالأزمة المالية.
إن التأميم الفعلي الأخير لكل من فاني مي وفريدي ماك، هاتين المؤسستين العملاقين في مجال إعادة التمويل العقاري، يمثل حدا فاصلا. و إضفاء الطابع الاجتماعي هذا على الخسائر ظاهرة كلاسيكية: أدركت المؤسسات والحكومات حجم الأزمة، كما يدل ضخ السيولات من طرف البنك المركزي الأوربي. و يعني هذا أن انهيارا شبيها بأزمة سنوات 30 الكبرى قليل الرجحان، لكن تنقية الحسابات ستمتد على فترة طويلة، مثلما جرى باليابان التي احتاجت زهاء 10 سنوات لامتصاص آثار أزمة شبيهة حصلت في مطلع سنوات 90.

أوربا وفرنسا في المقدمة

كما ستكون بالمقابل للازمة آثار على نمو البلدان الصاعدة، لا سيما الصين، المجرورة بالصادرات التي ستنخفض وتيرتها.. لكن لهذه البلدان حل بديل يمر عبر إعادة التوجه إلى السوق الداخلية. وفي الأخير سيكون الاتحاد الأوربي أكبر متضرر من عواقب الأزمة، التي ستكون كاشفا لأوجه هشاشة البناء الأوربي. و في المنظور الآني ُيلقي انخفاض الدولار على منطقة اليورو عجز النمو الإجمالي برفع السعر النسبي لمنتجاتها. والحال أن لا هدف للبنك المركزي الأوربي في مجال الصرف، ولا يتدخل لكبح تزايد قيمة اليورو الذي يضغط على النمو المتوسط بأوربا. بل بالعكس يتشبت بهدفه المتمثل في استقرار الأسعار ويخشى في المقام الأول انطلاق دوامة تضخم في حال ارتفاع الأجور لموازنة ارتفاع الأسعار. ويحافظ على أسعار فائدة مرتفعة ُمسهما بذلك في تباطؤ الاقتصاد الذي يبدو الوسيلة الوحيدة، عبر ضغط البطالة، للحد من ارتفاع الأجور.
كما يكمن ضعف الاتحاد الأوربي في لا تجانس الاقتصاديات المكونة له: هذا ليس جديدا، لكن الظاهرة ستتفاقم لأن الأزمة ستمس على نحو متمايز مختلف البلدان. ولا شك أن المملكة المتحدة هي البلد الذي سيتعرض لأشد الضغوط، بالنظر إلى أن نتائجها الجيدة كانت قائمة إلى حد بعيد على المالية والعقار واستدانة الأسر. وتليها اسبانيا التي كان ازدهارها الاقتصادي الأخير مجرورا بالعقار. بيد أن ألمانيا تخلص نفسها بزيادة حصصها من السوق بأوربا على حساب باقي بلدان الاتحاد، وبالحفاظ على حصصها بالسوق العالمية.
لن يكون بوسع أوربا أن تعالج هذا التفاوت المتنامي بسبب نمط بنائها بالذات، هذا القائم على التنافس و الذي يقودها إلى رفض سياسات إضفاء التجانس و استعمال أدوات تدخل متناسق، منها مثلا ميزانية أوربية. لذا فان الاتحاد الأوربي يقف أعزلا بوجه الأزمة بسبب الأدوات التي قرر أن يحرم نفسه منها. وبالولايات المتحدة الأمريكية ضخ بوش مبالغ ضخمة في الاقتصاد الحقيقي، لكن أوربا تعوزها وسائل تنفيذ خطة إنعاش منسق من هذا القبيل. و ستسعى بعض البلدان، مثل اسبانيا، إلى دعم الاقتصاد، لكن هذا الطريق مسدود على البلدان التي لها ميزانية كبيرة بالمقاييس الأوربية، مثل فرنسا.
وتمثل فرنسا، من زاوية النظر هذه، وضعا صعبا بوجه خاص، تفاقمه أكثر "الإصلاحات" المطبقة منذ سنة. فالرزمة الجبائية وقبول المعايير الأوربية الذي أكده ساركوزي في مشروع الاتفاق " المبسط" يحولان دون أي دعم للنشاط الاقتصادي بالميزانية. ويمثل الإلغاء الفعلي لمدة العمل القانونية تشجيعا هائلا لأرباب العمل. وسيخطئون بعدم الاستفادة من الفرصة الممنوحة لهم، بكلفة تقارب الصفر، لتمديد مدة العمل وتكييف أعداد العاملين على نحو أشد. وستفيدهم الأزمة كمبرر لتدارك التأخر في الإنتاجية المسجل في السنتين الأخيرتين. وبالتالي سيشهد الاستخدام ( التشغيل) الذي ارتفع بأكثر من 300 ألف هذه السنة ركودا، وقد يتراجع حتى بـما بين 50 إلى 60 ألف شخص إذا استعمل أرباب العمل كامل احتياطات الإنتاجية. وسُيعفي تراجع التشغيل هذا واللجوء إلى الساعات الإضافية أرباب العمل من الحفاظ على القدرة الشرائية، و ستتجنب الحكومة كل زيادة ولو طفيفة في الحد الأدنى للأجر، وسيكبر هذا التقشف ككرة الثلج ليزيد كبح النمو.

أزمة منظومة

وعلى نحو أوسع، تمثل الأزمة الراهنة بداية تأزم النموذج النيوليبرالي المتسم بلامساواة بالغة، و الذي أُرسي بأغلب البلدان في مطلع سنوات 80. تتمثل خاصيته الأساسية في انخفاض مستمر لحصة الثروات العائدة إلى الأجراء الذين ينتجونها [2]. كان هذا الميل يطرح مشكلا يسمى مشكل التحقيق، حيث السؤال حول معرفة لمن سيُباع إنتاج متزايد إذا بقيت الأجور مجمدة. والحال أن المداخيل المالية هي التي كانت تؤمن المنافذ اللازمة. ستدوم الأزمة إذن لأنه ليس ثمة من حل بديل. و يستدعي الخروج برقة من الوضع الراهن أن يصبح توزيع المداخيل في صالح الأجراء كي تعيد الاقتصاديات الرئيسية التوجه نحو الطلب الصادر عن الأجور. لكن الأزمة لن تكفي لإقناع المالكين بسلوك هذا الطريق من تلقاء أنفسهم.
على هذا النحو، نجد خلف الأزمة المالية المسألة الاجتماعية، لا سيما أن كل الجهود سـٌُتبذل لإلقاء عواقب التباطؤ على الأجراء. لكن سيغدو صعبا أكثر فأكثر تبرير خفض الأجور للحفاظ على الأرباح. وهذه نقطة ارتكاز أساسية لمقاومة الصرامة وإعادة بناء مشروع تغيير اجتماعي.

تعريب: جريدة المناضل-ة
احلات :
voir Michel Husson, « Etats-Unis : la fin d’un modèle », La Brèche n°3, 2008.
2 - voir Michel Husson, « La hausse tendancielle du taux d’exploitation », Inprecor n°534-535, 2008.


المصدر : http://www.almounadil-a.info

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire