vendredi 24 octobre 2008

الأزمة تتفاقم والمصارف تتصارع!


بقلم : نصر شمالي

سوف يشهد الاقتصاد الأميركي مرحلة من الركود ابتداءً من العام 2008! هذا ما صرّح به ستيفن روتش رئيس مجلس إدارة مصرف "مورغان ستانلي" الأميركي فرع آسيا في تشرين الثاني/نوفمبر عام 2007! لقد قال ذلك في "أسبوع مركز دبي المالي العالمي" الذي انعقد في ذلك التاريخ، ومن جهتي فقد عدت إلى أوراق تلك الندوة قبل عام، بدافع الاستغراب والفضول، بعد أن قرأت في صحف هذه الأيام عن دور حاسم متعمّد لمصرف مورغان في انهيار زميله مصرف "ليمان بروذرز"!

مغزى تصريحات ستيفن روتش!

في توقّعه قبل عام للأزمة قال ستيفن روتش أنّ المستهلكين في الولايات المتحدة يقودون الجانب المتعلّق بالطلب في الاقتصاد العالمي، فالاستهلاك الأميركي يقدّر بحوالي 9,5 تريليون دولار (تسعة آلاف وخمسمائة مليار) بينما الاستهلاك الصيني يقدّر بحوالي 1 تريليون دولار (ألف مليار) أمّا الاستهلاك الهندي فيقدّر بحوالي 650 مليار دولار! وبناءً على ذلك أوضح روتش أنّ الأسواق الآسيوية الناشئة، أو الناهضة، لا تتمتّع بالزخم الديناميكي في ميدان الطلب كما يظن البعض، وأنّه من المستحيل حسابياً سدّ الفجوة الاستهلاكية العالمية من قبل الصين والهند في حال انهيار سوق الطلب والاستهلاك الأميركي! لقد كان ما قاله روتش في دبي قبل عام إنذاراً مبكّراً للخليجيين بصدد تسويق نفطهم الذي تستهلك الولايات المتحدة كميات هائلة منه، وبصدد أموالهم التي يوظّفون معظمها في السوق الأميركية المالية وغير المالية، أي أنّه نبّههم إلى أنّ خيارهم الوحيد هو الاستمرار في ربط مصيرهم بمصير المصارف وسوق الاستهلاك في الولايات المتحدة حتى بعد نشوب الأزمة!

همّهم الوحيد خزائن مصارفهم!

غير أنّ المفارقة المذهلة هي أنّ ستيفن روتش وأمثاله من الصيارفة المرابين المقامرين، المنتشرين كالوباء في الجسم البشري كلّه، لا يأبهون لحقيقة أنّ الولايات المتحدة تستهلك أكثر بكثير مما تنتج، وأنّها تغطّي ذلك بأموال الآخرين التي تضع يدها عليها بطرائق مختلفة غير شرعية! كذلك هم لا يأبهون لحقيقة أنّ الصين والهند، مثلاً، تنتجان أكثر بكثير مما تستهلكان! أي أنّ حوالي 350 مليوناً هم شعب الولايات المتحدة يستهلكون تسعة أضعاف ما يستهلكه حوالي مليارين ونصف من الصينيين والهنود! كذلك لا يأبه المرابون المقامرون إلى حقيقة أنّ مساهمة الفرد الأميركي الواحد في تلوّث وتدمير البيئة يعادل مساهمة 900 إندونيسي! إنّ الهاجس الوحيد لروتش وأمثاله هو تحقيق التخمة لخزائن مصارفهم، وبالطبع هو أراد أن يكون الخليجيون على علم مسبق بأنّ مصارف نيويورك سوف "تقترض" مدّخراتهم إذا ما اشتدّت الأزمة واستدعت ذلك، وهو يحذّرهم ضمناً من التفكير في توظيفها بعيداً عن الولايات المتحدة ومصارفها، موضّحاً "بلباقة" أنّ الأسواق الآسيوية الناهضة عاجزة عن تشغيلها، بل إنّ هذه الأسواق نفسها مدعوة، لمصلحتها، أن تقيل الولايات المتحدة ومصارفها من عثرتها الكبرى!

إخراج ليمان من معبد الإله المال!

إنّ السؤال الذي يتبادر اليوم إلى أذهان الكثيرين هو: هل الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية موضوعية أم مصطنعة؟ إنّ توقّعات ستيفن روتش قبل عام تصبّ لصالح الذين يرونها مصطنعة، غير أنّها، من وجهة نظرنا، ليست كذلك بمجملها بالتأكيد، والتآمر والاصطناع موجود، لكنّه يأتي في سياقها وضمنها، وليس غريباً أن يتوقع المرابون اشتداد الأزمة، إنّما الغريب أن يكون اشتدادها مناسبة لتصفية الحسابات المريرة في ما بينهم، بتدمير بعضهم، كما فعل مصرف مورغان بمصرف ليمان!

تقول صحيفة "لوموند" الفرنسية أنّ مصرف مورغان سرّع في إفلاس مصرف ليمان بتجميده أصولاً وسندات مملوكة للمؤسسة التي كانت على شفا الإفلاس، فمصرف مورغان كان غرفة المقاصّة الأساسية لمصرف ليمان المأزوم، وقد وضع يده على الأصول كرهينة لضمان تسديد الجزء الأكبر من قروض ممنوحة لمصرف ليمان قيمتها 23 مليار دولار، وأنّه بينما رفض الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في تموز/يوليو مساعدة ليمان، فقد وافق بعد شهرين، في أيلول/سبتمبر، على مساعدة مورغان، فقتل أحدهما ودعم الآخر! أمّا الخلفيات فهي الصراعات المالية بين المصارف الأنكلوسكسونية والمصارف اللاتينية والمصارف اليهودية! تتساءل صحيفة "لوموند": " هل سقط مصرف ليمان نتيجة مؤامرة من تدبير منافسيه المصمّمين على طرد مصرفييه المشاغبين من المعبد، بعد أن تجرّأوا ووضعوا قدمهم على أرض ملعب الكبار الأنكلوسكسون؟"!

الخلفيات العنصرية والدينية للصراع!

يقول مارك روش مراسل لوموند في لندن أنّ مجموعة المصارف اليهودية التي تأسست في الولايات المتحدة أواسط القرن التاسع عشر تعرّضت لتمييز حقيقي من قبل المصارف الأنكلوسكسونية البروتستانتية، لاسيّما مصرف مورغان الذي أظهر عداءً قويّاً للسامية، فجرى استثناء المصارف اليهودية من التمويلات الصناعية الكبرى: السيارات والفولاذ والسكك الحديدية والنفط! وأنّ مورغان صرّح حينئذ: "فلنترك العمليات المالية الصغيرة لليهود"! وتنبغي الإشارة إلى أنّ أوساط الأعمال اللاتينية الكاثوليكية تعرّضت بدورها للإقصاء والنبذ في قطاع المصارف فتقوقعت! ولكن في ما بعد، بينما المصارف الأنكلوسكسونية نائمة على أمجادها ومكتفية بما حقّقته، انطلق منافسوها اليهود يبنون قاعدة من الزبائن الأوفياء في أوساط الاقتصاديين الفاعلين الجدد الذين تزدريهم المؤسسات الأنكلوسكسونية وتتهرّب من التعامل معهم في مجال الخدمات وصناديق التقاعد وقطاع العقارات وغيرها!

وهكذا نفهم من توضيحات لوموند، وقبلها من تصريحات ستيفن روتش في دبي العام الماضي، أنّ مورغان وجد في الأزمة، على ضخامتها وخطورتها، فرصة لتوجيه ضربة قاصمة إلى خصومه ومنافسيه، سواء عنصرياً وطائفياً بسبب أعراقهم وأديانهم، أو تجارياً واحتكارياً بسبب منافستهم المؤثّرة في قطاع يعتبره حكراً له ولجماعته وحدهم! أمّا عن معاناة الأمم فنفهم أنّ ذلك لا يخطر في بال هؤلاء الوحوش جميعهم!

ns_shamali@yahoo.com

alkdaer.net

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire