jeudi 16 octobre 2008

أصداء الأزمة العالمية في بلادنا

أصداء الأزمة العالمية في بلادنا

بقلم : نصر شمالي

على ما يبدو لا توجد في هذا العالم كلّه أوساط فكرية وسياسية أكثر بؤساً وضحالة وانسحاقاً وتبعية من معظم الأوساط الفكرية والسياسية العربية في معظمها، فهي عموما مسلّمة بسيادة المركزية الأوروبية الأميركية في جميع العصور! وهي عموماً، بصدد الزمن الحاضر، مجرّد صدى لأبواق الحكام في المراكز الدولية أو لأصوات المعارضة في هذه المراكز، فلا أثر للإبداع الذاتي في خطاها ومواقفها! لا تستبق ما يقال هناك ولا تجتهد مخالفة إياه! فإذا قيل (هناك) أنّ النظام الرأسمالي العالمي في أحسن حال، بفضل العولمة والليبرالية والخصخصة واقتصاد السوق وإلغاء دور الدولة، تبنّت أوساطنا الفكرية والسياسية في معظمها هذا القول على الفور خطاباً وتطبيقاً، وإذا قيل العكس، كما هو الحال اليوم في أوروبا والولايات المتحدة، راحت تردّد هذا العكس، وإن متلعثمة مضطربة ريثما تستوعب الخطاب الجديد المعاكس! وكيف لا يكون الحال كذلك وأوساطنا تجاري المراكز الدولية حتى في تصنيفاتها العنصرية للبشر: روسيا "دبّاً" والصين "تنّيناً" والألماني "نازيّاً وأميركا الجنوبية "حديقة خلفية" والعرب والمسلمين "أوباشاً إرهابيين"! وإنّك لواجد هذه التوصيفات والتصنيفات معمول بها في معظم ما يصدر عن أوساطنا الفكرية والسياسية عموماً!

إنّه لمن شبه المؤكّد أنّ أمة أخرى لم تبتلي وتشقى بأوساطها الفكرية والسياسية كما ابتليت وشقيت الأمة العربية، سواء بأوساطها المؤيدة للنظام الرأسمالي الدولي أو المعارضة له بمعاييره وحسب مفاهيمه، وتكفي نظرة سريعة نلقيها على مراكز دراساتنا وصحفنا العربية ومؤتمراتنا وندواتنا القطرية والقومية، الحكومية والمستقلة، لنجدها على مدى القرن الماضي وحتى يومنا هذا، لم تفعل غالباً سوى ترجمة ما يصدر عن المراكز الدولية، واستعارة مناهجها وخطاباتها، وتداولها باللغة العربية، منهمكة في محاولة: "ردم الهوّة واللحاق بالعصر وبركب التقدّم الأوروبي الأميركي"! متوهّمة أنّ ذلك ممكن، غافلة عن أنّ أحد أهمّ الأسس التاريخية التي ينهض عليها هذا العصر ويستمرّ بها هي تعميق الهوّة وليس ردمها، وزيادة التفاوت في النمو والتطور بين المليار الذهبي المختار وبين الأمم الأخرى جميعها، وليس تحقيق التكافؤ والمساواة!

ليس ثمة مجال في بلادنا العربية غالباً للإرادة المستقلة وللنقد الحرّ العميق في تناول تاريخ هذا النظام العالمي الأوروبي الأميركي والأسس العنصرية التي نهض عليها ويستمرّ بها منذ حوالي خمسة قرون! إنّ السائد الغالب هو الأوهام التي تعارضه عن طريق إعداد مشاريع نهضوية قومية تتناغم مع ثقافته وبرامجه ونظمه، ويمكن أن تحظى بدعمه ورعايته، أي أنّ التسليم بسيادته منذ الأزل وإلى الأبد أمر لا جدال فيه، وأنّ هدف الكثير من المفكرين والسياسيين في بلادنا من النضال والتضحيات هو مجرّد إقناع الغرب بإخلاصنا له وبقبوله لنا!

أنظروا إلى الدونية والوضاعة في تعامل أوساطنا الفكرية والسياسية في معظمها مع الأزمة العالمية بتعبيراتها الراهنة، فهي تتلقف ما يصدر عن مراكز هذا النظام العالمي الفاسد من تصريحات وتحليلات واستنتاجات، وتردّده كالببغاوات، سواء أكان تبريراً مكابراً يصدر عن قادته، أو لوماً مشفقاً يصدر عن أوساطه، أو نقداً مريراً يصدر عن معارضيه الساعين إلى ترميمه وتجميله وليس تغييره! إنّ مسألة تغييره لا تخطر لها ببال، بل هي تردّد الفكرة الخبيثة المنطلقة من المراكز الدولية، القائلة بأنّ من مصلحة العالم الحيلولة دون انهيار الولايات المتحدة ومساعدتها على النهوض، وإلاّ أين ستصرّف بعض البلدان الآسيوية، مثلاً، إنتاجها إذا خسرت السوق الأميركية! إنّ الضحايا يريدون أن يستردّ الوحش عافيته كي يواصل التهامهم! هل هذا معقول؟ ولكنّ استرداد الولايات المتحدة لعافيتها وجبروتها هو ضرورة وحاجة ملحة لأطراف رأس المال الدولي الأخرى، فهذا الرأسمال الربوي المقامر، المغامر على طريقة القراصنة قطّاع الطرق، يريد المحافظة على عصره ونظامه العالمي الفاسد، والولايات المتحدة هي رصيد قوته الأخير الذي لا رصيد بعده ولا يليه سوى الإفلاس الذي بدأ فعلاً، وهي ذروة صعوده التاريخي الذي لا صعود بعده ولا يليه سوى الانحدار الذي بدأ فعلاً!

إنّهم يريدون إقناعنا بأنّ الولايات المتحدة المعافاة القوية ضرورية من أجل عالم معافى وقويّ، ويقترحون نجدتها وإقالتها من عثرتها، مع إقناعها بأن تكون أكثر تهذيباً ولطفاً في تعاملها مع الأمم بعد نهوضها من كبوتها، كأنما أزمة العالم هي أزمة الولايات المتحدة الناجمة عن سوء تصرّف إدارتها الحالية تحديداً (حيث إدارة كلينتون كانت ممتازة!) أو كأنّما الولايات المتحدة هي السبب في أزمة العالم! والحال أنّ الأزمة العالمية الطاحنة المهلكة، التي نعيش اليوم فصولها الأخيرة، برزت مع نهوض هذا العصر الأوروبي الأميركي ونظامه العالمي الربوي العنصري الفاسد، فهي أزمة مستمرة منذ قرون، وتدار طيلة الوقت بوساطة الأساطيل الحربية،والتحكم بمصائر الأمم، إلى حدّ تقرير من يستحق من الأمم الحياة مع العبودية ومن يستحق الفناء التام والزوال من الوجود!

في هذا المشهد الأخير الحالي من الأزمة العالمية الطاحنة المهلكة،المستمرة منذ قرون، يبدو العالم كأنّما هو يجتاز المسافة القاحلة التي تفصل عادة بين عصرين بشريين تاريخيين! ولقد صار واضحاً، منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي على الأقلّ، أنّ استمرار هذا العصر الأوروبي الأميركي ونظامه العالمي سوف يؤدي إلى هلاك العالم بمجمله فعلاً، وأنه لا مناص من تغيير العالم بتغيير النظام الفاسد المفروض عليه من قبل الأوروبيين والأميركيين، وقد صدرت بصدد ذلك دراسات ووثائق نادرة، عظيمة الأهمية وملهمة، أبرزها الوثيقة الكوبية (مطلع الثمانينات الماضية) المدعومة بأدقّ التفاصيل والأرقام عن أزمة العالم، وعن الأخطار الماحقة، بما فيها البيئية، التي تهدّد كوكب الأرض بمن عليه، غير أنّ أوساطنا الفكرية والسياسية لا تأبه لما يصدر عن "الحديقة الخلفية" للولايات المتحدة، ولا تفهم لغة "الدب الروسي" و"التنين الصيني"، والأهمّ أنها ليست قانعة بجدارة أمتها ومقرّة بتصنيفها "إرهابية شريرة"! علماً أنّ لهذه الأمة العربية الإسلامية العريقة دورها الرئيسي الحاسم في تغيير العالم وخلاصه من حكم المرابين والمقامرين العنصريين القتلة، ولم لا وهي التي نهضت من قبل بجدارة بمثل هذه المهمة الإنسانية التاريخية النادرة، في القرن السابع الميلادي؟

ns_shamali@yahoo.com

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire