mercredi 29 octobre 2008

الهندسة المالية الكونية




الهندسة المالية الكونية
ميشيل شوسودوفسكي - ترجمة قاسيون ◄ ينبغي عدم النظر إلى قانون عصرنة الخدمات المالية بأسلوبٍ معزول بوصفه إجراءً داخلياً يقتصر على المشهد المالي الأمريكي. تمتد مفاعيل هذا التشريع أبعد بكثير، خارج حدود النظام المالي الأمريكي، وتشمل التغيرات المؤسساتية التي يؤدي إليها تركيز السلطة ومركزتها في أيدي عددٍ ضئيلٍ من العمالقة الماليين، وقد ساهمت مساهمةً كبيرةً في سعي وول ستريت الحثيث إلى السيطرة المالية الكونية.
كان التدافع العالمي للاستحواذ على الثروة عبر التلاعب المالي القوةَ المحركة وراء تدمير البنية المالية الكونية التي كان التشريع الأمريكي للعام 1999 جزءاً لا يتجزأ منه، وأدى إلى ترسيخ «نموذج» إصلاحٍ مالي في مختلف أرجاء العالم.
وعلى الرغم من أنّ هذا التشريع لا يكسر بحد ذاته حواجز تحركات رؤوس الأموال، إلا أنه يسمح للاعبين الرئيسيين في وول ستريت بدخول أسواق الخدمات المالية في البلدان النامية، وتعزيز موقعٍ مهيمن في النظام المصرفي الكوني عبر طمس ثم زعزعة الأنظمة المالية في آسيا وأمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية.
صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية
مارس رفع القيود المالية في الولايات المتحدة نفوذاً حاسماً عبر «ضبط وقع خطى» إصلاحٍ مالي كوني برعاية صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية. كان تشريع 1999 جزءاً من الأجندة المالية الكونية، المتمثلة في رفع القيود عن تحركات رؤوس الأموال، عبر لبرلة القطاع المصرفي المحلي وأسواق رؤوس الأموال العالمية برعاية منظمة التجارة العالمية وفتح أسواق الخدمات الوطنية أمام التجمعات المالية الكونية.
جرى تطبيق التشريع في منافسةٍ لإعادة تنظيم التجارة الكونية والبنية المالية وفق أجندة منظمة التجارة العالمية، ووفق الاتفاق العام للخدمات التجارية (الغات)، التزمت البلدان النامية بلبرلة الخدمات المالية لبرلةً تامة. بعباراتٍ أخرى، أصبحت الحكومات الوطنية، التي يسيطر عليها دائنوها الخارجيون، عاجزةً عن منع عمالقة وول ستريت من دخول مصارفها الوطنية ومؤسساتها المالية، وابتلاعها.
بالترافق مع اتفاقية الخدمات المالية والغات، يسمح تشريع 1999 المصرفي الذي تبنته الولايات المتحدة لحفنةٍ من التجمعات المصرفية بزعزعة المشهد المالي المحلي في البلدان النامية.
لقد منح إلغاء القيود على النظام المالي الأمريكي سلطاتٍ غير مسبوقة لتجمعات وول ستريت المالية للاستيلاء على مؤسسات مصرفية في أرجاء العالم كافة.
كانت الأمور تميل باتجاه إنشاء سوقٍ مالية كونية كبرى، تتحكم بها حفنة من المؤسسات المالية الكونية التي تتغلغل في بنية الاقتصادات الوطنية وتطبعها بطابعها.
كما ساهم اتفاقان كبيران (جرى التفاوض عليهما برعاية منظمة التجارة العالمية) في «إدخال حقوق» المصارف الكونية ضمن القانون الدولي، ما يعادل (وفق المنتقدين) التنازل عن «الحقوق الأساسية» للمصارف وإلغاء تلك المسجلة في الدستور الوطني. تستخدم بنود هذين الاتفاقين، سواءٌ الاتفاق العام حول تجارة الخدمات (الغات) أم الاتفاق المالي للخدمات (FTA)، رسمياً في تفكيك آخر العقبات في وجه تحرك رأس المال، ما يعني أيضاً أنّ بنك أوف أمريكا أو سيتي غروب يستطيعان المضي إلى حيث يحلو لهما، متسببين في إفلاس مصارف وطنية ومؤسسات مالية.
فضلاً عن ذلك، وبدعم صندوق النقد الدولي، تعزز وتقوي تجمعاتُ وول ستريت وشركاؤها الأوروبيون واليابانيون دورهم كمؤسساتٍ دائنة كبرى، فيمولون الدين العام بشكلٍ روتيني، ويشرفون على سير سياسات ميزانيات الدولة، ويصدرون قروضاً نقابية تمنح للشركات الصناعية المعسرة، ويراقبون خصخصة شركات الدولة التي تباع في المزاد في سياق خطة صندوق النقد الدولي الإنقاذية، الخ...
الحرب المالية: سلطات الخديعة
الأسلحة المستخدمة في وول ستريت هي المعارف السابقة والمعلومات الداخلية، والقدرة على التلاعب بالترافق مع القدرة على التنبؤ بالنتائج، والقيام بنشر المعلومات المضللة أو الخاطئة حول الأحداث الاقتصادية واتجاهات الأسواق. توصف هذه الإجراءات المتنوعة بوصفها سلطات خديعة، وتستخدمها عادةً المؤسسات المالية لخداع المستثمرين.
كما يدار فنّ الخداع هذا ضد المنافسين المصرفيين، الذين يراهنون على المشتقات والأسواق الآجلة في الأسهم وأسعار العملات والسلع التجارية..أولئك الذين يستطيعون التوصل إلى المعلومات المفضلة (السياسية والاستخبارية والعسكرية والعلمية) سيتمتعون بالضرورة بالأفضلية في إدارة هذه التحويلات المضاربية على نحوٍ كبير، والتي تعدّ مصدراً لأرباحٍ ماليةٍ هائلة.
لدى وكالة الاستخبارات الأمريكية CIA مؤسساتها المالية الخاصة في وول ستريت.
تسهّل معابر المصارف الخاصة وما وراء البحار بدورها نقل المؤسسات المالية لأرباحها كما يحلو لها، من مكانٍ إلى آخر، كما يستخدم هذا الإجراء كشبكة أمنٍ تحمي مصالح الفاعلين الماليين الرئيسيين بمن فيهم المديرون العامون وكبار المساهمين، الخ.. في المؤسسات المالية المعسرة. هكذا يمكن نقل مبالغ كبيرة من الأموال في الوقت الملائم، قبل اختفاء الشركة في سوق البورصة (على سبيل المثال، ميريل لنش وAIG).
تتوافر لمصرف نيويورك الاحتياطي الفدرالي ومساهميه الكبار «معلوماتٌ داخلية» حول تطور سياسة الولايات المتحدة النقدية. إنه موقعٌ جيد للتنبؤ بالنتائج بهدف المراهنة على العمليات المثمرة جداً في أسواق المشتقات. أدى ذلك إلى نزاع مصالح واضح، فهذه المعلومات التفضيلية تخص بعض القرارات التي تتخذها إدارة الاحتياطي الفدرالي والتي تجعل الحصول على أرباح تبلغ عدة ملايين من الدولارات كمؤسساتٍ مصرفية خاصة أمراً ممكناً.
الصلات مع أجهزة الاستخبارات الأمريكية، مع الـCIA والأجهزة السرية ومع البنتاغون أمرٌ أساسي لسير تجارة المضاربة، فهي تسمح للمضاربين بالحصول على معلومات تفصيلية حول قراراتٍ في مجال السياسة الخارجية أو الأمن القومي، تؤثّر على الأسواق المالية تأثيراً مباشراً. مثال: اشترى هؤلاء المضاربون أسهم شركات الطيران في الأيام السابقة لهجمات الحادي عشر من أيلول.
سوف تشنّ حربٌ داخل النظام المالي:
سيشهد ليمان براذرز إفلاساً، وسيتم شراء ميريل لينش...
سوف تستحوذ الحكومة على شركتي الإقراض العقاري العملاقتين فاني ماي، وفريدي مارك. بير شتيرنز يسير نحو الإفلاس، وسوف تنهار أسهم أكبر شركات التأمين الأمريكية (AIG) من 22,19 دولاراً في التاسع من أيلول، إلى 4 دولارات لحظة إغلاق البورصة في السادس عشر من أيلول، وهو انخفاضٌ يتجاوز 80 بالمائة من قيمة السهم.
يتفاوض غولدمان ساشس، بالتعاون مع جي بي مورغن تشيز، مع الخزينة للحصول على قرضٍ يبلغ 85 مليار دولار لـِAIG سيموله احتياطي نيويورك الفدرالي.
من سيلملم الكؤوس المحطمة؟ وما الذي يحضّره المستقبل لنا؟
من المحتمل أن تؤدي عملية الاندماجات والاستيلاءات إلى مركزةٍ لا سابق لها في السلطة المالية، حيث يلعب بنك «أوف أمريكا» و«جي بي مورغن تشيز» واحتياطي نيويورك الفدرالي دوراً مسيطراً.
سيدفع الانهيار مصارف عديدة ومؤسسات مالية إلى الاختفاء تماماً من المشهد المالي، أو سيشتريها عمالقة المال.
من المتوقع أن يشتري بنك «أوف أمريكا» ميريل لينش، مما سيؤدي إلى تشكيل أكبر مؤسسة مالية في العالم، بالتنافس مع «سيتي غروب» و«جي بي مورغن تشيز». ينبغي الإشارة إلى أنّه على الرغم من كون سيتي غروب وجي بي مورغن تشيز مؤسساتٍ متنافسة، إلا أن هناك صلات مصاهرة بين عائلتي روكفلر وستيلمان توحد بينهما.
في العقدين المنصرمين، تطور بنك أوف أمريكا، وتحول إلى عملاقٍ مالي عبر سلسلةٍ من الاندماجات والاستيلاءات. ففي العام 2004، اشترى فليت بوسطن فايننشال؛ وفي العام 2005، اشترى عملاق بطاقات الائتمان MBNA؛ أما في العام 2007، فقد استولى على لاسال بنك كوربوريشن وعلى كوربوريت فايننس، التابع لمصرف ABM Amro الهولندي. في الرابع عشر من أيلول 2008، أعلن بنك أوف أمريكا عزمه على شراء ميريل لينش مقابل 50 مليار دولار. نحن نشهد مواجهة مؤسساتٍ مالية هامة تتطور بفضل عمليات اندماج واستيلاء، يقوم بها عمالقة ماليون عالميون.
يستفيد فائدةً كبيرة من الكارثة المالية في وول ستريت بنك أوف أمريكا وجي بي مورغن تشيز، وهو جزء من إمبراطورية روكفلر، على حساب ليمان براذرز وميريل لينش وغولدمان ساشس ومورغن ستانلي. لقد أشهر مصرف ليمان براذرز إفلاسه وفق الفصل الحادي عشر، في يوم الاثنين الدامي، الخامس عشر من أيلول. وبلغت خسارات هذا المصرف 639 مليار دولار.
الخسارات المحتملة
خسرت مجموعة سيتي غروب 15 بالمائة من قيمتها، حيث بلغت قيمة السهم 15,24 دولاراً، وهي أكبر خسارةٍ لها منذ تموز 2002 (يوم 15 أيلول)..خسرت أمريكان إكسبرس، أكبر شركات بطاقات الائتمان، 8,9 بالمائة، فبلغت قيمة سهمها 35,48 دولاراً (يوم 15 أيلول).. خسرت غولدمان ساشس 12 بالمائة منذ نيسان 2000، فبلغت قيمة سهمها 135,5 دولاراً، وهي أكبر خسارةٍ لها منذ نيسان 2000. نتج الانخفاض عن عمليات بيع دون رصيد (يوم 15 أيلول)..
خسرت شركة مورغن ستانلي، التي تتنافس مع غولدمن ساشس على مركز أكبر شركة تأمين، 14 بالمائة من قيمة أسهمها، حيث وصل إلى 32,19 دولاراً. نتج هذا الانخفاض عن بيع دون رصيد.
في العام 2000، اندمجت جي بي مورغن مع تشيز منهاتن، ما أدى للدخول في هيئة فريدة هي جي بي مورغن تشيز وكيميكال ومانيفكتوررز هانوفر. في العام 2008، اشترت بير سيرنز شركة جي بي مورغن تشيز إثر انهيارها. تسيطر عائلة روكفلر على هذه الإمبراطورية المصرفية، وتتجاوز موجوداتها 1600 مليار دولار.
على الرغم من أنّ قيمة موجودات سيتي غروب تتجاوز 1700 مليار دولار، فمستقبلها غير مضمون. فهي تواجه مصاعب مالية خطيرة يمكن أن توصلها للإفلاس. لقد هبطت قيمة أسهمها في الشهور المنصرمة، مثلها في ذلك مثل قيمة أسهم فاني ماي، وقد عزز اختفاء ليمان انهيار سعر أسهم سيتي غروب.
هذا يعني أنّ إفلاس ليمان سيؤدي إلى عدم تسديد القروض الهائلة المرتبطة ببطاقات زبائن سيتي غروب ونيويورك ميلون، سواءٌ في المؤسسات المصرفية أم بالنسبة للمستثمرين الأفراد.
ملاحظة:
1. يستند هذا القسم إلى سلسلةٍ من الملاحظات غير المنشورة حول قانون عصرنة الخدمات المصرفية. تشريع تشرين الثاني 1999.
تقرير أكبر المصارف الأمريكية (بملايين الدولارات)..

الاسم

الموقع (المدينة، الولاية)

الأسهم المعززة

سيتي غروب

(نيويورك، نيويورك)

2199848

بنك أوف أمريكا

(شارلوت، كارولينا الشمالية)

1743478

جي بي مورغن تشيز وشركاهم

(كولومبوس، أوهايو)

1642862

فاشوفيا

(شارلوت، كارولينا الشمالية)

808575

تانوس

(نيويورك، نيويورك)

750323

ويلز فارغو وشركاهم

(سان فرانسيسكو، كاليفورنيا)

595221

إتش إس بي سي نورث أمريكا

(بروسبكت هايتس، إيلينويس)

493010

يو إس بناكوربوريشن

(مينيابوليس، مينيسوشتس)

241781

بنك أوف نيويورك ميلون

(نيويورك، نيويورك)

205151

سنتراست

(أطلنطا، جورجيا)

178986

سيتيزنز فايننشل غروب

(بروفيدنس، رود آيلند)

161759

ناشيونال سيتي بنك

(كليفلاند، أوهايو)

155046

ستيت ستريت كوربوريشن

(بوسطن، ماساشوستس)

154478

كابيتال وان فايننشل كوربوريشن

(ماك لين، فرجينيا)

150608

ريجنز فايننشل كوربوريشن

(برمنغهام، ألاباما)

144251

بي إن سي فايننشال سيرفيسز غروب

(بيتسبورغ، بنسلفانيا)

140026

بي بي أند تي كوربوريشن

(وينستون سالم، كارولينا الشمالية)

136417

تي دي بنك نورث

(بورتلاند، مين)

118171

فيفث ثيرد بنك كوربوريشن

(سينسيناتي، أوهايو)

111396

كي كوربوريشن

(كليفلاند، أوهايو)

101596

ناثرن تراست كوربوريشن

(شيكاغو، إيلينويس)

77480

بنك ويست كوربوريشن

(هونولولو، هاواي)

74808

هاريس فايننشل كوربوريشن

(ويلمنغتون، ديلاوير)

69172

كوميريكا إنكوربوريتد

(دالاس، تكساس)

67167

إم أند تي بنك كوربوريشن

(بوفالو، نيويورك)

66085

مارشال أند إيسلي كوربوريشن

(ميلوايكي، ويسكنستون)

63432

بي بي في أيه يو إس إيه بنك شيرز

(ذي وودلاندز، تكساس)

59953

يونيون بانكال كوربوريشن

(سان فرنسيسكو، كاليفورنيا)

57933

هنتنغتون بنك شيرز

(كولومبوس، أوهايو)

55985

زايونز بنك كوربوريشن

(سولت ليك سيتي، أوتاه)

53597

ملاحظة: 30 أيار 2008. المصدر: نظام الاحتياطي الفدرالي، مركز المعلومات القومي.
*ميشيل شوسودوفسكي: مدير مركز أبحاث العولمة وأستاذ الاقتصاد في جامعة أوتاوا. من مؤلفاته: الحرب والعولمة، الحقيقة وراء الحادي عشر من أيلول، العولمة والفقر والنظام العالمي الجديد (أكثر الكتب مبيعاً على المستوى الدولي ونشر بإحدى عشرة لغة).

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire