dimanche 19 octobre 2008

عقيدة الصدم

1. عقيدة الصدم

تأليف: نعومي كلاين

عرض وترجمة: عمر عدس

حروب مخصخصة في الخارج ومجمع أمني للشركات الكبرى في الداخل

تصف المؤلفة مبدأ الصدمة، بأنه فلسفة تعتمد على القوة، وتتعلق بكيفية تحقيق الأهداف السياسية والاقتصادية، وهي فلسفة تؤمن بأن خير سبيل وأفضل وقت لفرض أفكار السوق الحرة الراديكالية، هو بعد حدوث صدمة كبرى. وقد تكون تلك الصدمة كارثة طبيعية، وقد تكون هجوماً ارهابياً، وقد تكون حرباً ولكن الفكرة أن هذه المحن والأزمات، وهذه الكوارث، وهذه الصدمات تطوع المجتمعات برمتها، وتربكها وتجعلها تفقد قدرتها على التحمل، ثم تنفتح نافذة كتلك التي تنفتح في زنزانة التحقيق. وعبر تلك النافذة يمكن تمرير ما يسميه الاقتصاديون “العلاج بالصدمة الاقتصادية” وهو عملية تجميل شاملة ومتطرفة، تنطوي على تغيير كل شيء دفعة واحدة، وهي ليست إجراء إصلاح هنا وآخر هناك، بل تغيير جذري، مثل الذي شهده العالم في روسيا في تسعينات القرن الماضي، والتغيير الذي حاول بريمر فرضه في العراق بعد الغزو.

وتوضح المؤلفة ان كتابها لا يدعي ان اليمينيين في الزمن المعاصر هم وحدهم الذين استغلوا الأزمات والمحن، لأن استغلال الأزمة ليس مقصوراً على هذه الايديولوجيا وحدها، فقد فعل الفاشيون ذلك وفعله المسؤولون في الدول الشيوعية، ولكن الكتاب محاولة لفهم أفضل للايديولوجيا الحالية، وهي الايديولوجيا المهيمنة في الوقت الحاضر.. ايديولوجيا اقتصادات السوق المتحررة من أي قيد.

تجربة تشيلي

تتحدث المؤلفة عن تطبيق أفكار ملتون فريدمان على أمريكا اللاتينية، وفي تشيلي بوجه خاص، حيث تم تحويل تشيلي في عهد بينوشيه إلى مختبر لهذه الأفكار الراديكالية، التي لم تكن متسقة مع الديمقراطية في الولايات المتحدة، بل هي ممكنة التطبيق بصورة لا حد لها في ظل الديكتاتورية في أمريكا اللاتينية، فبعد انتخاب سلفادور الليندي، الاشتراكي الديمقراطي رئيساً لتشيلي سنة ،1970 كانت هناك مؤامرة للاطاحة به. ومن المشهور عن نيكسون قوله “دع الاقتصاد يصرخ” وكانت لتلك المؤامرة عناصر عدة، منها المقاطعة الاقتصادية وغيرها، وأخيراً مؤازرة انقلاب بينوشيه في 11 سبتمبر/ ايلول 1973. وتقول المؤلفة اننا كثيراً ما نسمع عن “اولاد شيكاجو” في تشيلي، من دون أن نعرف الكثير عن تفاصيل هويتهم.

وتقول المؤلفة إنها تعيد في كتابها رواية هذا الفصل من التاريخ، وهي تعتبر الأجندة الاقتصادية لحكومة بينوشيه أهم بكثير مما يبدو، لأن العالم يعرف، كما تقول، انتهاكات حقوق الانسان التي ارتكبها بينوشيه وتجميعه الناس في ساحات الملاعب الرياضية واعدامهم من دون محاكمة، وممارسة التعذيب وغير ذلك من الانتهاكات، ولكن العالم يعرف اقل من ذلك عن البرنامج الاقتصادي الذي طبقه بينوشيه عبر نافذة الفرصة التي انفتحت بعد صدمة الانقلاب، وهو بذلك يصلح مثالاً مباشراً على نظرية مبدأ الصدمة.

وتضيف المؤلفة: وإذا ما نظرنا بدقة إلى ما حدث في تشيلي فإننا سوف نرى ما حدث في العراق. فنحن نرى العراق اليوم، ونرى أوجه شبه كثيرة بين الأزمة المصطنعة في البلدين، وفرض العلاج بالصدمة الاقتصادية بعدها مباشرة. وهنالك الكثير من التشابه بين ما حدث في تشيلي وبين الفترة التي قضاها بول بريمر في العراق، عندما ذهب إلى بغداد وهي لاتزال تحترق، ومزق النسيج الاقتصادي العراقي برمته، وحول البلاد إلى مختبر لأشد سياسات السوق الحرة راديكالية”.

ففي تشيلي، في 11 سبتمبر/ أيلول ،1973 عندما كانت الدبابات تزحف في شوارع سنتياجو، وبينما كان القصر الرئاسي يحترق وسلفادور الليندي يرقد ميتاً، كانت هنالك مجموعة ممن يسمون “أولاد شيكاجو”، وهم رجال اقتصاد تشيليون كانوا قد اخذوا إلى جامعة شيكاجو ليدرسوا ضمن بعثة ممولة بالكامل من الحكومة الأمريكية كجزء من استراتيجية لمحاولة تحريك أمريكا اللاتينية نحو اليمين، بعد ان ظلت حتى ذلك الوقت تتحرك نحو اليسار. وهكذا كان ذلك برنامجاً مؤدلجاً جداً وممولاً من قبل الحكومة، وجزءاً مما دعاه وزير خارجية التشيلي السابق “مشروعاً لتحويل ايديولوجي مدروس”، أي أخذ هؤلاء الطلاب إلى تلك الكلية المتطرفة جدا في جامعة شيكاجو، وتشريبهم عقيدة صيغة من علم الاقتصاد كانت هامشية في الولايات المتحدة في ذلك الوقت، ثم إعادتهم إلى وطنهم كمحاربين عقائديين.

وهكذا ظلت هذه المجموعة من الاقتصاديين الذين فشلوا في اقناع التشيليين بوجهة نظرهم عندما كانت جزءا من نقاش علني، ساهرة طوال الليل يوم 11 سبتمبر/ ايلول ،1973 وكانوا يستخرجون نسخا فوتوجرافية عن وثيقة تدعى “قطعة الآجر”، وهي عبارة عن البرنامج الاقتصادي لحكومة بينوشيه، وهي تحمل وجوه الشبه التالية مع استراتيجية انتخابات جورج بوش سنة ،2000 أو خطته الانتخابية، فهي تتحدث عن مجتمع ملكية، وخصخصة الأمن الاجتماعي، وخصخصة المدارس العامة، والضرائب المنتظمة التي لاتختلف باختلاف مستوى الدخل للفرد. وكل ذلك مقتبس مباشرة من تكتيكات وأساليب ملتون فريدمان. وكانت تلك الوثيقة على طاولة الجنرالات في 12 سبتمبر/ايلول، عندما ذهبوا إلى عملهم في اليوم التالي للانقلاب، وكانت هي برنامج حكومة بينوشيه. وتربط مؤلفة الكتاب ربطا وثيقا بين الفظائع التي ارتكبها نظام بينوشيه، وبين التغييرات الاقتصادية التي أحدثها، وتعتبر الأمرين مترابطين ومتكاملين، وهي بذلك تخالف الآراء التي كانت تظهر في الإعلام الأمريكي، من مثل القول “إننا بطبيعة الحال نرفض انتهاكات بينوشيه لحقوق الإنسان، ولكنه في المجال الاقتصادي كان رائعاً، وكأنه لم تكن ثمة علاقة بين ثورة السوق الحرة التي تمكن من إحداثها وتمريرها، وبين انتهاكات حقوق الإنسان الصارخة التي كانت تجري في الوقت ذاته، وما تريد المؤلفة فعله في كتابها هو الربط بين الأمرين، والقول انه كان من المستحيل تنفيذ هذا البرنامج الاقتصادي من دون ذلك القمع الخارق للمألوف، وتقويض الديمقراطية.

التعذيب

تتحدث المؤلفة عن التعذيب وعلاقته بمبدأ الصدمة، فتقول ان التعذيب - من تشيلي إلى الصين إلى العراق - كان ولا يزال شريكا صامتا في حملة السوق الحرة العالمية الشرسة. ولكن التعذيب أكثر من أداة لفرض السياسات غير المرغوبة على الشعوب المتمردة، فهو كذلك كناية عن المنطق الذي يقوم عليه مبدأ الصدمة.

والتعذيب، أو الاستجواب القسري، بلغة وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، هو مجموعة من التقنيات الهادفة إلى وضع السجناء في حالة من الارتباك الشديد والصدمة لإجبارهم على الإدلاء باعترافات خلافا لرغبتهم. والمنطق الملهم لذلك مشروح بالتفصيل في دليلين عمليين لوكالة الاستخبارات المركزية، كشف النقاب عنهما، وأزيلت عنهما صفة السرية في أواخر تسعينات القرن الماضي، وهما يوضحان ان السبيل إلى تحطيم “المصادر المقاومة” يتمثل في خلق إنسلاخ عنيف بين السجناء، ومقدرتهم على إدراك العالم المحيط بهم بصورة منطقية، فأولاً، يتم حرمان حواس السجين من أي مدخلات (بوضع غطاء على الرأس، وسطام في الأذنين، وأغلال في اليدين والرجلين، ووضع السجين في عزلة تامة)، ثم يتم قصف الجسم بمؤثرات كاسحة (أضواء ساطعة، موسيقا مدوية صاخبة، الضرب، والصدمات الكهربائية).

وتهدف مرحلة تحطيم المقاومة هذه إلى استثارة ما يشبه الإعصار في العقل، حيث يبلغ التراجع والخوف لدى السجناء حدا يجعلهم غير قادرين بعد ذلك على التفكير المنطقي أو حماية مصالحهم. وفي مثل هذه الحالة من الصدمة يعطي معظم السجناء المحققين معهم كل ما يطلبونه من معلومات، واعترافات، وتخل عن معتقداتهم السابقة، ويورد أحد دليلي وكالة الاستخبارات المركزية تفسيرا بليغا لذلك، حيث جاء فيه ان “هنالك فترة - قد تكون قصيرة جدا- من تعليق أو توقف الأنشطة الحيوية.. نوعاً من الصدمة النفسية أو الشلل، تسببها تجربة مؤذية على الصعيد النفسي، تفجر العالم المألوف لدى السجين، وتفجر تصوره لذاته ضمن ذلك العالم. ويميز المحققون المتمرسون هذا الأثر عندما يحدث، ويعلمون أن السجين في هذه اللحظة يكون أكثر استعداداً للتجاوب مع ما يطرح عليه، والامتثال، مما كان عليه قبل أن يتعرض للصدمة”.

وتضيف المؤلفة قائلة: إن مبدأ الصدمة يحاكي هذه العملية بحذافيرها، ويحاول أن يحقق على نطاق جماعي ما يحققه التعذيب الفردي داخل زنزانة التحقيق، وأوضح مثال على ذلك هو صدمة 11 سبتمبر/أيلول، التي فجرت لدى الملايين من الناس “العالم المألوف” واستهلت مرحلة من الارتباك العميق والتراجع اللذين استغلتهما إدارة بوش ببراعة. وعلى حين غرة، نجد أنفسنا، كما تقول المؤلفة، نعيش في ما يشبه “السنة صفر”، التي يمكن أن نستبعد فيها كل ما عرفناه عن العالم من قبل، باعتباره “تفكيراً ينتمي إلى مرحلة ما قبل 11/9”. وتضيف المؤلفة انه لم يسبق للأمريكيين الشماليين خلال تاريخهم المعروف ان تحولوا بهذه القوة إلى “صحائف بيضاء” يمكن “ان تكتب عليها أحدث وأعذب الكلمات”، على حد قول ماو عن شعبه الصيني. وقد برز فجأة وعلى الفور جيش جديد من الخبراء ليكتبوا الكلمات الجديدة العذبة، على صفحة وعينا المتفتح والمرحب بعد الصدمة: مثل “صدام الحضارات” و”محور الشر” و”الفاشية الاسلامية” و”أمن الوطن”. ومع انشغال الجميع بالحروب الثقافية الجديدة القاتلة، تمكنت ادارة بوش من ان تفعل ما لم يكن سوى حلم قبل 11/،9 وهو شن حروب مخصخصة في الخارج وبناء مجمع أمني لمصلحة الشركات الكبرى في الداخل.

وتشرح المؤلفة الآلية التي يعمل بها مبدأ الصدمة، فتقول ان الكارثة الأصلية مثل الانقلاب، أو الهجوم الإرهابي، أو انهيار السوق، أو الحرب، أو تسونامي، أو الإعصار تضع السكان كافة في حالة من الصدمة الجماعية، ويعمل سقوط القنابل، والانفجارات الارهابية، والريح العاتية، على كسر شوكة مجتمعات كاملة، مثلما تفعل الموسيقى المدوية الصاخبة واللكمات في زنازين التعذيب على تركيع السجناء. ومثلما السجين المذعور الذي يبوح بأسماء رفاقه يتخلى عن عقيدته، تتخلى المجتمعات المصدومة عن أمور تحرص عليها وتصونها بشدة في الظروف العادية.

أشكال الصدمة

تتحدث المؤلفة عن أشكال مختلفة من الصدمة، الأول هو الصدمة الاقتصادية، والثاني هو الصدمة الجسدية. وتقول إنهما ليسا مترافقين معاً دائماً، ولكنهما كانا كذلك في مفترقات رئيسية.

وتعيد المؤلفة القول إن احد مختبرات هذا المبدأ كان جامعة شيكاجو في خمسينات القرن الماضي، عندما كان يجري تدريب كل اقتصاديي أمريكا اللاتينية ليصبحوا معالجين بالصدمة الاقتصادية، غير أنه كانت هنالك كلية أخرى، لعبت دور نوع آخر من مختبر الصدمة، هي جامعة ماكجيل في خمسينات القرن الماضي. وكانت هذه الجامعة منطلق التجارب التي كانت تمولها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية لكي تفهم كيف تمارس التعذيب على أصوله.

وكانت تمارس تجاربها في مجال ما يسمى “السيطرة على العقل” أو “غسيل الدماغ” في ذلك الوقت. وقد انكشفت فيما بعد حقيقة التجارب التي كانت تجريها في الخمسينات بموجب برنامج (ام كيه الترا) حيث كانت تستخدم صدمات كهربائية قوية جداً، وعقاقير ال اس دي، وبي سي بي، والحرمان الحسي الشديد، وارهاق الحواس، وهي التجارب التي استخدمت زبدتها في التعليمات التي سار عليها السجانون الأمريكيون في جوانتانامو وأبو غريب. وكانت هذه التجارب تقوم على نكث شخصية الذي تُجرى عليه التجربة، واعادته إلى طفولته المبكرة، حيث يصبح قابلاً لإطاعة ما يملى عليه. وقد اختارت وكالة الاستخبارات جامعة ماكجيل في مونتريال، كندا لإجراء التجارب فيها، لأن ذلك سيكون أسهل من إجرائها داخل الولايات المتحدة.

وتمضي المؤلفة إلى القول إن رئيس قسم الطب النفسي في جامعة ماكجيل كان في ذلك الوقت ايوين كاميرون، وهو مواطن أمريكي في واقع الأمر، وكان رئيس جمعية الأطباء النفسانيين الأمريكيين في السابق.

وكان كاميرون يتلقى التمويل من وكالة الاستخبارات المركزية، وقد حول مستشفى (الان ميموريال) الذي كان يرأسه إلى مختبر غير عادي لما يعرف الآن باسم تقنيات التحقيق البديلة. وكان يعطي مرضاه جرعات من خلائط من العقاقير مثل ال اس دي، وبي سي بي، وكان يُنيمهم، في حالة تشبه الغيبوبة أو السبات إلى ما يقرب من شهر. وكان يضع بعض مرضاه في حالة من الحرمان الحسي الشديد، والغرض من ذلك هو افقادهم الحس بالزمان والمكان.

وكان منطلق كاميرون في كل ذلك هو ان جميع الأمراض العقلية يتم تعلمها فيما بعد في الحياة، وهي انماط تتكون في مرحلة لاحقة من حياة المريض. وكان عالم نفس سلوكي. وبدلاً من التوصل إلى جذر هذه المشكلات ومحاولة فهمها، كان يعتقد بأن السبيل إلى علاج المرض العقلي هو أخذ البالغين وإرجاعهم إلى حالة تشبه الطفولة. وكان معروفاً في ذلك الوقت ان أحد الآثار الجانبية للعلاج بالصدمة الكهربائية هو فقدان الذاكرة، وهو أمر كان يعتبره معظم الأطباء مشكلة، لأن المرضى الذين كانوا يعالجون بهذه الطريقة، قد يحققون بعض النتائج الايجابية، ولكنهم ينسون كل ما يتعلق بحياتهم. وكان (ايوين) ينظر إلى هذا النوع من الأبحاث ويقول في نفسه انه جيد، لأنه كان يعتقد أنه اذا كان يستطيع أن يعيد مرضاه إلى حالة طفولية، حتى إلى مرحلة ما قبل اكتساب اللغة، وقبل ان يعرفوا من هم، فإنه يستطيع ان يعيد لعب دور الأم معهم، ويستطيع ان يحولهم إلى اناس أصحاء، وكانت هذه هي الفكرة التي استرعت انتباه وكالة الاستخبارات المركزية، فكرة استثارة حالة من النكوص الشديد المدروس.

وعن التعذيب في العراق تقول المؤلفة إن الناس كانوا يجمعون ويساقون إلى السجون، وكان يستخدم معهم التعذيب، مثلما كان في أمريكا اللاتينية، من أجل بعث رسالة إلى الأمة كلها، والتعذيب دائماً سري وعلني في الوقت ذاته. وهذا صحيح بصرف النظر عمن يمارس التعذيب، وهو ان التعذيب لكي يؤدي مفعوله كأداة في يد إرهاب الدولة، فهو لا يتعلق فقط بما يحدث بين محقق وسجين، بل هو أيضاً لبعث رسالة إلى المجتمع الأرحب، مفادها: ان هذا هو ما يحدث اذا خرجتم عن الخط. وقد استعمل التعذيب من قبل الاحتلال الأمريكي على ذلك النحو، لا للحصول على المعلومات فحسب، بل كتحذير للأم

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire