jeudi 16 octobre 2008

العولمة كإيديولوجية

العولمة كإيديولوجية

محمد البلطي

baltym@yahoo.fr

إذا كان لكل جيل كتاب فان العولمة يراد لها أن تكون" كتاب" هذا "الجيل".

اذا كانت العولمة كذلك فانها مثل كل ايديولوجا تتضمن رؤية للعالم. و

-أ- العولمة كرؤية للعالم

ان منطق رأس المال في مواجهة الوهلة الحلية من تطور الرأسملية يقوم على المضاربة التي تجد أصولها في أزمة الفائض النقدي .ذلك المنطق يفترض رؤية للعالم تقوم على حساب الاحتمالات و نظرية الألعاب و نظرية الفوضى و المنطق الضبابي و علوم الحياة ,و ذلك بدلا من رؤية العالم التي قامت على العلوم الطبيعية وميكانيكا نيوتن أو الكيمياء العضوية (28).فحركةالفائض النقدي التي أصبحت تشمل الكوكب كله و بشكل دائم و حيني ,الى جانب طابعها"اللامادي"و التي تتحكم وتشتثير كل الأنشطة المالية و التجارية و الثقافية و الاعلامية ...الخ تذكرنا مثلما يذهب الى ذلك "رامونيه"(29) بالخصائص الأساسية للاله.فهذا الأخير كلي الوجود و دائم و حيني ولامادي .مما يجعل ذلك الفائض النقدي يرفع ,في اطار ايديولوجا العولمة ,الى مستوى الاله المعاصر,حيث أن كل شيء يتجه الى الانتظام وفق منطقه الذي يشمل قيم السوق المالية و المبادلات التجارية و القيم النقدية و الاعلام و الاتصال و برامج التلفزيون و التقنيات متعددة الوسائط و الثقافة ...الخ.ان ذلك المنطق يؤدي الى الغاء مقولتي الزمان و المكان و يجعل الانسان على صورة الاله فهذا الاخير في الديانات التوحيدية موجود في كل زمان و مكان أي انه غير موجود في أي مكان و أي زمان.و التصور الاعلامي للقرية العالمية يجعل الانسان مثله مثل الاه الديانات التوحيدية موجود في كل مكان و زمان و هو ما يتضمن نفيا لوجوده في الواقع.

ذلك هو منطق الفائض النقدي و هو منطق يحول "الطوبى" الى واقع ليس واقع الواقع لان هذا الأخير لا يمكن أن يكون متجانسا لان قانونه الأساسي هو التعدد والحركة و لكنه منطق قسم من الواقع يهيمن على كلية هذا الأخير .على أساس المنطق الذي يؤدي بالجزء الى احلال نفسه محل الكل.و يظر ذلك أكثر ما يظهر في علاقة بما يسمى ثورة الاتصال و المعلومات التي جعلت العالم في خطاب العولمة "قرية صغيرة" تقوم على الجوار العالمي و التسيير العالمي .وهو ما يؤكد الطابع الايديولوجي الطوباوي للعولمة لأن واقع العالم الفعلي هو غير ذلك لأنه يقوم على التعدد و الاختلاف و التناقض و الصراع.

ان رأس المال يحول سحريا رغباته الى واقع نافيا بذلك الواقع الفعلي مما يجعل العالم الواقعي متفجرا.ذلك أنه يتصور أن توحيد العالم في الحواسيب ,افتراضيا,هو توحيد-تجنيس فعلي له.و تبذل جهود خارقة لكي يتخذ العالم صورة واحدة(30)و ذلك ما يجعل من العولمة ايديولوجا بالفعل.

و اذا كانت الليبرالية هي في أصل رؤية العالم تلك فان سامي نير يرى أن الليبرالية ليست تقنية تصرف اقتصادي و لا منهج لزيادة الأرباح فقط بل هي كذلك وخاصة فلسفة حياة و وجهة نظر انتروبولوجية حول الانسانية (31).و يؤكد على ذلك "لوران مونييه" معتبرا العولمة رؤية للعالم ليبرالية جديدة تسعى أقلية الرابحين الى فرضها على الكل (32).و تقوم رؤية العالم تلك بالنسبة لسامي نير على العناصر التالية:(33)

- الفردية الشاملة كهوية قاعدية بالتعارض مع المواطنة التي تقوم على المشاركة ويتصور المجتمع كتعارض طبيعي للكل ضد الكل.

- الفلسفة العفوية للربح كخط موجه للسلوك الانساني .

- المنافسة كمبدا مؤسس للعلاقات الاجتماعية.

-ب- العولمة كايديولوجيا

ان العولمة كواقعة كلية تشمل مستوى ايديولوجيا يشير اليه "بو"(34),اذ العولمة بالنسبة له ككلمة تتضمن شحنة ايديولوجية عميقة و متناقضة انها مصدر لبعض الآمال و للعديد من الأوهام و الكثير من القلق فهي مطمئنة و مزعجة ,خيرة وشريرة ,حاملة لامكانيات و ايجابيات لأوجاع و تهديدات.وما هو اساسي في ما سيمى العولمة بالنسبة له يتضمن مظاهر متعددة للتوسع العالمي للرأسماليات القومية الأكثر قوة و هو التوسع الذي يتم من خلال ثلاثة نماذج كبرى من الصيرورات هي:

- التدويل ,للمبادلات و القروض و الدفوعات

- اصباغ الطابع المتعدد الجنسية على المنشآت و البنوك و التنظيمات المالية

- الكونية النقدية و المالية و الثقافية.

و بالتالي فان المسالة تتعلق بتوسع الرأسمالية .و هو توسع يتم في ظل تفكيك دولة الرفاه و دولة "العمال" و دولة التنمية .

من خلال ذلك يتضح الطابع الايديولوجي للعولمة من حيث أنها خطاب يهدف الى طمس عملية التفكيك الثلاثية تلك و هي تساعد(35)على تبرير الاجراءات القومية الجديدة للتحرير و تسهل كذلك للقطاعات الأكثر صلابة من الأعراف وضع المكتسبات الاجتماعية لما بعد الحرب الثانية موضع تساؤل كما تسمح باعطاء طابع قدري للمصير المعطى لقطاعات واسعة من عالم العمل ,البطالة المكثفة و مرونة الأجور و خاصة الأجور الدنيا(36) و يعتبر "ميشال بو"(37) أن الروح الليبرالية والعولمة قد استعملتا في العالم كله من أجل تحميل قطاعات السكان الأقل تسلحا في مختلف المجتمعات تضحيات متزايدة و من أجل الحد من الضغوطات التي تثقل بوزنها كاهل المنشأة و مسيريها و مالكي رأس المال.

في نفس الاتجاه ,تقريبا ,يسير كاتبا "فخ العولمة" اذ بعد استعراض التطورات في ميدان العمل و المتميزة بارتفاع نسب البطالة و تزايد التهميش , بعد ذلك يقولان"و يختزل الاقتصاديون و السياسيون أسباب هذا التدهور في كلمة واحدة لاغير­ , العولمة...و هكذا لم يعد لدى طابور القيادة ...الا رد واحد فقط على هذا التطور يتمثل في عبارة التضحية هي وسيلة التكيف مع العالم الجديد"(38). و هذا يعني أن خطاب العولمة هو خطاب ايديولوجي يبرر عملية تحريك للصراع الطبقي من فوق(39). ويتأكد ذلك من خلال لا وقعية السبب الأساسي الذي تقوم عليه السياسات المتبعة في ظل العولمة و هو الارتفاع الانفجاري للتكاليف الاجتماعية اذ يذكر كاتبا "فخ العولمة"(40) أن نسبة تلك التكاليف الى النتاج القومي في ألمانيا مثلا " كانت في عام 1995 أدنى مما كانت عليه الحال قبل عشرين عاما"

و تساعدنا الهجرة بالنسبة لـ"لوران مونييه" على كشف الطابع الايديولوجي لخطاب العولمة (41) حيث أن تدويل العمل الذي كان يجب أن يكون المكمل الطبيعي لتدويل رأس المال هو وهم لأن الدولة-الأمة و شرطتها و كذلك مواطنوها يعترضون على دخول الأجانب(42).و في السياق يعتبر أن الهجوم الليبرالي الجديد على الدولة الاجتماعية ,دولة الرفاه,يتضمن تكثيفا للصراع الطبقي من فوق و ذلك الهجوم يتم باسم العولمة و هو ما يعطي لهذه الأخيرة طبيعتها الايديولوجية(43).

العناصر التي تقوم عليها العولمة كايديولوجا هي أساسا الطابع المحدد للمستوى الاقتصادي و أهمية السوق بصفة عامة و تحرير سوق رأس المال بصفة خاصة وتراجع أو ضعف دور الدولة بصفة عامة. و في علاقة بذلك و كنتيجة لعولمة السوق الذي يصور كقضاء و قدر أو كظاهرة طبيعية.وهو ما يحول العولمة الى ذريعة وهي بحكم كونها كذلك منتجة لاغتراب معمم.الاقتصادي يتغلب و يهيمن على السياسي .ذلك هو بالنسبة لـ" اقناسيو رامونيه" المبدأ الأساسي لما يسميه الفكر الوحيد .أما المفاهيم المفتاحية الأخرى لهذا الفكر فهي السوق و المنافسة و التبادل الحر و عولمة الانتاج و التدفقات المالية و التقسيم الدولي للعمل و العملة القوية و التحرير والخوصصة ودائما أقل ما يمكن من الدولة و تحكيم دائم لمصلحة مداخيل رأس المال و كل ذلك يشكل بالنسبة له العناصر الأساسية لايديولوجا ظلامية جدديدة .فالاختيارات الليبرالية الجديدة هي اختيارات ايديولوجية (44).و يظهر ذلك الطابع الايديولوجي للعولمة و العلوم الاجتماعية التي تقوم عليها في عجزها عن تقديم الحلول و الاصلاحات المنطقية للفوضى التي تحكم الاقتصاد العالمي .و على أساس ذلك يتم رد الحرية بشكل بسيط الى حرية المتاجرة .و يلاحظ سامي نير(45)أن العديد من المختصين في العولمة يصورون امبراطورية السوق "الملبرل"على أساس أن السوق وحيد و مجرد و ليست له أسس اجتماعية .هذا في حين أنه في الواقع يتماثل مع أمم مهيمنة هي الولايات المتحدة و ألمانيا و اليابان .و في تلك الأمم يتماثل السوق مع شرائح اجتماعية لم تكن أبدا في وضعية أحسن من التي تعيشها اليوم . ويرتبط التصور السابق ذكره للسوق بتقريض للمستهلك-الملك.وبحكم أن السوق هو الألية الأكثر اكتمالا لتوزيع الخيرات ,و بحكم أن العولمة هي بصدد مساعدة السوق على تحطيم كل الحدود الجغرافية و الثفافية و الدينية و القومية التي أعاقة الطابع العالمي للسوق,بحكم كل ذلك ,يجب ترك هذا المنطق يذهب الى مداه الأبعد لأن النتيجة النهائية سوف تكون انتصار المستهلك .و لايمكن لأي حدود حمائية أو أي لوبي سياسي أو دولة الرفاه أن تقاوم هذا الاتجاه .و من وجهة النظر هذه تظهر الدول-الأمم كدينصورات تدافع بوسائل عتيقة عن مصالح لا يمكنها بالتعريف الا أن تعيق الاشتغال الجيد للسوق العالمي.تلك هي حسب سامي نير وجهة نظر كاتب مثل "كنيشي أهماي" نبي نهاية الدولة-الأمة(46).و ينتهي هذا التصور للسوق الى أن يصبح اللب المنظم للرؤية الجديدة للعالم .حيث يحل بالنسبة لـ"اقناسيو رامونيه" ثنائي السوق و الاتصال محل ثنائي التقدم و الأمة.و الطابع المركزي للسوق هو ما يؤكد عليه سمير أمين(47).اذ العولمة هي محاولة لتوحيد العالم على قاعدة السوق وبواسطته .و هي لذلك بالنسبة له تمثل أوتوبيا ليبرالية رجعية بمحتواها السياسي وهي من جهة كونها توحيدا للعالم بواسطة السوق تحت يافطة التبادل تقودنا الى المركنتيلية التي تمثل بالنسبة لـ"بسنيي" نظرية لاثراء الأمم بواسطة مراكمة المعادن الثمينة(48).و لكن و حتى تكون النظرية معاصرة يمكننا تعريفها على أساس أنها نظرية اثراء "الأمم" بواسطة مراكمة العملة الصعبة.لأن خطاب التبادل الحر,خطاب العولمة,يؤله التصدير مثله مثل الخطاب المركنتيلي في القرنين 16و17عشر.و يقول رضا قويعة أن هذه النظرية تقوم على القاعدة التالية:لا يمكن لأحد أن يربح الا ما يخسره آخر(49).و قد كان مصير اسبانيا التاريخي هو التخلف نتيجة مراكمتها للمعادن الثمينة.الطبيعة الايديولوجية للخطابين المركنتيلي القديم و المركنتيلي المعاصر-خطاب العولمة-خطاب التبادل الحر ,يمكننا كشفها بالعودة الى "كارل ماركس"و نظرية القيمة-العمل التي صاغ على اساسها نظرية فائض القيمة.و هما تكشفان أن التبادل سواء كان حرا أم لا ,لايمكن أن يكون مصدرا للربح انما يسمح فقط بتحقيق فائض القيمة أي تحويله من رأس مال سلعي الى رأس مال نقدي .فأصل الربح هو العمل الفائض, العمل غير مدفوع الأجر و ليس التبادل الذي لا يمكن أن يكون مصدرا لاثراء "الأمم".ان ما يخفيه خطاب العولمة-خطاب التبادل الحر هو نفس ما يخفيه الخطاب المركنتيلي,و خاصة بالنسبة للأول في علاقة بالتبادل بين "الأمم" اذ يقوم ذلك الخطاب بطمس عملية انتقال القيم من بلدان"الجنوب" الى بلدان "الشمال"بحكم أن هذه الأخيرة تجعل من اقتصاد الأولى جزءا ملحقا باقتصادها في ظل انخفاض الأجور فيها ذلك الانخفاض هو أساسا ما يجعل انتقال القيم ممكنا.

يمكننا الى جانب ما سبق ذكره و تأسيسا عليه تبين الطابع الايديولوجي للعولمة في جانب من خطابها ذلك الذي صاغه النقديون و على رأسهم "ملتون فريدمان".

يرى التصور النقدي أنه " ينبغي للأموال المدخرة في العالم أن تنتقل دوما الى تلك المجلات التي تحقق لها أفضل استخدام.و من منظور النقديين فان هذه المجلات هي طبعا ذلك الاستثمار الذي يحقق أعلى عائد.ولهذا تنتقل الأموال من البلدان الغنية برأس المال الى المناطق الغنية بالفرص الاستتثمارية الأمر الذي يحقق للمدخرين تحقيق أكبر مايمكن من عائد و العكس بالنسبة للمقترضين سيكون بوسعهم المقارتة بين مقدمي القروض في أرجاء المعمورة و اختيار أدنى الفوائد ...وفي المحصلة النهائية ستكسب,نظريا على أدني تقدير,كل الأمم .و ذلك لأن انتهاج هذه السبيل هو الطريقة التي سنضمن بها أفضل استثمار وأعلى معدلات النمو"(50).في التعقيب على هذا التصور النقدي يتساءل كاتبا "فخ العولمة" "أيمكن فعلا أن يرى في سوق المال العابرة للحدود ينبوع عالمي للرفاهية و حارس للعقلانية الاقتصادية الدولية" و كان الجواب "ان هذا الأمل ليس مضللا فحسب بل هو خطير أيضا"(51). اذ في الواقع سرعان ما تتحول هذه الدعوة في سياق سوق المال العالمي الى ايديولوجيا صرفة.فالانفتاح المالي للدول يجبر هذه الدول على التنافس في تخفيض الضرائب وتخفيض الانفاق الحكومي و التضحية بالعمالة الاجتماعية و ما ينجم عنها في المحصلة النهائية من اعادة توزيع شمولية من الأسفل الى الأعلى(52).

اليست هي تلك الايديولوجيا التي تدافع عن مصالح رأس المال النقدي و خاصة الجزء الفائض منه المتحرر من كل القيود و الحدود و التنظيمات.و هي المصالح التي تروج لايديولوجيا التعارض بين الدولة و السوق .ذلك التعارض الذي يقول عنه "برونو تيرى"(53) أنه تعارض لا أساس له و يعيدنا في الواقع و بصفة عامة ليس الى حقيقة الاشتغالات الاجتماعية لكن فقط الى الأساطير التي صنعها الاقتصاديون رويدا رويدا.

الطابع الايديولوجي لذلك التعارض ينكشف من تصور الدولة و السوق الذي يقوم عليه ذلك التعارض.فكلاهما,تصور الدولة و تصور السوق ,ليس الا نمطا شكليا صرفا لتوزيع الموارد النادرة.و يقوم السوق على مبادلات تعاقدية تحدد نظام للأسعار يسمح للأعوان بتوزيع تلك الموارد بشكل رياضي يساعد على تحقيق أفضل المكاسب .هذا في حين أن الدولة في هذا التصور تتميز بتوزيع اداري مخطط للكميات.ما يجب ملاحظته هنا هو أن عملية المعارضة بين الدولة و السوق تقوم على مقارنة سوق مثالي خال من النواقص بتدخلات للدولة كلها نواقص.و يتم نسيان الامكانية الثانية و هي مقارنة تدخلات للدولة مثالية لا نواقص فيها بالواقع الفعلي للسوق الذي يتضمن الكثير من السلبيات و النواقص (54).و ذلك هو عين ما يذهب اليه سمير أمين معتبرا تلك الايديولوجا, ايديولوجا رجعية سياسيا و غير علمية تقوم على ما يسمى بالاقتصاد الصرف الذي يعمل بكد من أجل اثبات ما لا يمكن اثباته:أن الأسواق منظمة ذاتيا و منتجة للتوازن الطبيعي العام .و الى جانب ذلك ملبية الحد الأقصى من الحاجات الاجتماعية و الاشباع الأعلى للرغبات الفردية .هذه الايديولوجا تقوم بالنسبة لسمير أمين على "الدغمات" التالية: الخوصصة و الانفتاح و مرونة الصرف و التخفيض من النفقات العمومية و تحرير الأسواق(55).

كل تلك العناصر تشكل ما يسميه "بول كروقمان" اجماع واشنطن الذي يطبع المنظمات العالمية الكبرى :صندوق النقد الدولي و البنك العالمي و الادارة العليا الأمريكية .وهو الاجماع الذي يحدد قواعد السلوك السليم بالنسبة للبلدان المرشحة للاقلاع الاقتصادي و يقوم على النصائح التالية:افتحوا حدودكم للتبادل الحر ,اندمجوا في الاقتصاد العالمي بتنمية صادراتكم ,حرروا,خوصصوا,فلتكن لكم مالية عمومية متوازنة و عملات مستقرة و بذلك سوف تجلبون الصفقات الاستثمارية و تلتحقون بالبلدان الصاعدة(56)و هو نفس ما يذهب اليه "جون بول فيتوسي"(57.ما يسميه "بول كروقمان"اجماع واشنطن هو ما يجعل الرأسمالية كقوة رهيبة(58)تتجه أكثر فاكثر الى الإفلات من يسطرة المجتمعات و الدول حسب "ميشال بو".و هو هنا يعبر أحسن تعبير عن العولمة كخطاب ايديولوجي يهدف الى نزع المسؤولية عن الدولة في علاقة بالنتائج الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية و الايديولوجية السلبية الناتجة عن العولمة.اذ أن اعتبار الديناميات الاقتصادية تتجه الى الافلات من سيطرة الدولة فيه تناسيا لكون الدولة هي التي وضعت البرامج و المخططات و القوانين ,أي بصفة عامة السياسات التي جعلت تلك الديناميات ممكنة.و بالتالي فانها ,بشكل أو آخر مسؤولة عن تلك النتائج الى هذا الحد أو ذلك .ونزع تلك المسؤولية عنها هو أحد الأهداف الأساسية التي تسعى اليها العولمة كايديولوجا في علاقة بالدولة.

و يتركز الخطاب و يتكثف حول فكرة تراجع دور الدولة و يتأكد الطابع الايديولوجي في الطبيعة العامة لتلك الصياغة التي تجهل أو تتجاهل أن للدولة أدوار و ليس دورا واحدا.ويؤكد ذلك سامي نير الذي يعتبر أن الخطاب حول نهاية الدولة-الأمة كنتيجة من نتائج العولمة هو خطاب ايديولوجي أساسا يدافع عنه الليبراليون الذين يعتبرون كل نشاط للدولة معيقا للسوق(59).

في هذا المستوى من العرض نصل الى التصور الايديولوجي الذي ينظر الى العولمة كقضاء و قدر و كظاهرة طبيعية .و هما تصوران متلازمان في اغلب الأحيان.في هذا الاطار يقول لنا سامي نير (60) ان العولمة في شكلها الحالي مرادفة لعملية تهديم اجتماعي .و الخطاب المهيمن يسعى الى تعريفيها كما لو أنها لايمكن مداورتها أو تلافيها .و بحكم أن السوق يتصور بشكل مجرد و مفصول عن مكوناته الاجتماعية فهو آلية طبيعية تخضع لقانون حرب الكل ضد الكل و ذلك الخاص بالدروينية الاجتماعية (الانتخاب الطبيعي للأفضل) و قانون اليد الخفية التي توازن الكل بشكل مكانيكي.و يلاحظ سامي نير في نفس الطار أن مسألة أصل الملكية ذاتها يتم اصباغ الشكل الطبيعي عليها و توضع خارج نطاق النقاش.و يتعلق الأمر بالنسبة له في المحصلة النهائية بخطاب نزع الملكية و العجز الذي يتحول في خطاب النخب الى خضوع ضروري للضغوطات الخارجية التي لا يمكن مداورتها(61).و هو ما يشكل ايديولوجا الضغوطات(62).و يتفق سامي نير في ذلك مع "جلبار ريست"(63) الذي يعتبر أن الحديث عن ضغوطات نسقية لا يتجاوز كونه ايديولوجا تهدف الى اصباغ الشرعية على مشروع اجتماعي يقوم على العنف الرمزي و المادي .ويتأكد ذلك من خلال ما يذهب اليه سمير أمين (64) .حيث يصور الخطاب المهيمن اليوم العولمة على أنها غير قابلة للمداورة و يجب قبولها كما هي .و ليس متاحا لنا الا التأقلم والتلاؤم معها (لغة داروينية)و يضيف سمير أمين أن هذا الخطاب يدعي أنه من الممكن للبلدان السائرة في طريق النمو التلاؤم بشكل فاعل مع العولمة.

ذلك الطابع الذي لا يمكن مداورته يتلبس لبوسا طبيعيا.اذ يسعى خطاب العولمة الى محاولة"الايحاء بأن الأمر يتعلق بحدث شبيه بالأحداث الطبيعية التي لا قدرت لنا على ردها و الوقوف بوجهها أي أنها نتيجة حتمية لتطور تكنولوجي و اقتصادي ليس بوسعنا الا الاذعان له"(65).و يذهب كاتبا "فخ العولمة" الى أن ذلك التصور ليس ثرثرة "فالتشابكات الاقتصادية ذات الطابع العالمي ليست حدثا طبيعيا بأي حال من الأحوال انما هي نتيجة حتمية خلقتها سياسة معينة بوعي و ارادة ,فالحكومات والبرلمانات هي التي وقعت الاتفاقات و سنت القوانين التي ألغت الحدود و الحواجز" فرجالات الحكم في الدول الصناعية الغربية هم الذين خلقوا ذلك الواقع(66).و في مقابل ذلك "بات المواطن يسمع...من أفواه أولئك الذين ينبغي عليهم أن يدافعوا عن مصلحته-أن سبب محنته لا يقع على عاتقهم بل يقع على عاتق المنافسة الاجنبية"(67). و المسافة قصيرة جدا بين هذا التبرير الايديولوجي و العداء "للأخر".و هو ما يمكن ملاحظة تناميه في مختلف مناطق العالم و خاصة تلك الأكثر تظررا من العولمة . و يتمظهر ذلك في انبعاث قضايا الهوية و الدين و القبيلة والعشيرة و الجنس و الاتنية و اليمين المتطرف...الخ.

ويعتبر الرئيس الأسبق لمؤسسة "دايملر بنز" أن المنافسة في القرية المعولمة تشبه الزوبعة لا أحد يستطيع البقاء بمنأى عنها و هو تقريبا نفس ما يقوله رئيس مؤسسة "سيمنز" حيث تحولت رياح المنافسة الى زوبعة و صار الاعصار الصحيح يقف على الابواب (68).أما المفوض الأوروبي للمنافسة فيعبر عن ذلك التصور بقوله "أن القرار بتحرير بعض القطاعات الخدمية التي كانت الدولة تحتكر تقديمها هو ليس خطوة ذات طابع ايديولوجي ,أبدا,بل هو تعبير عن رغبة طبيعية للتكيف مع التطورات الاقتصادية و التكنولوجية"(69).

هذا التصور الحتموي الطبيعوي للعولمة أليس هو نفس التصور الذي كان في أساس رؤية الاقتصاديين الكلاسيكيين لقوانين الاقتصاد الرأسمالي حيث نظروا الى تلك القوانين كقوانين طبيعية أبدية و هو التصور الذي قام "كال ماركس" بنقده مبينا الطابع التاريخي-الاجتماعي لتلك القوانين.

على ذلك التصور الايديولوجي الطبيعي يرد مؤلفا "فخ العولمة"(70)معتبران "أن التكامل الاقتصادي المتخطي لكل الحدود الدولية لا ينجم أبدا بفعل قانون طبيعي أو تقدم تكنولوجي مستقيم المسار و ذي طبيعة واحدة لا بديل لها بل هو في الواقع النتيجة الحتمية لتلك السايسات التي انتهجتها الحكومات في البلدان الصناعية الغربية منذ عقد من الزمن و لا تزال تطبقها حتى هذا اليوم"(71).ويعني ذلك بالنسبة لـ"ميشال فوري"أن "عولمة الاقتصاد كثيرا ما يتم استحضارها كعذر لتفسير الصعوبات الخاصة باقتصاداتنا"(72)و ذلك في علاقة باقتصادات ضفتي المتوسط و الاتحاد الاوروبي .أما بالنسبة لـ"مالكولم ويترز"(73) فان مفهوم العولمة موضوع شك ايديولوجي لأنه مثل الحداثة يظهر أنه يبرر توسع و انتشار الثقافة الغربية و المجتمع الرأسمالي من خلال الادعاء بأنهما قوتان تعملان خارج نطاق الرقابة الانسانية .كما يظهر ذلك الطابع الايديولوجي للعولمة من خلال اعتمادها من طرف السياسيين كعذر لتبرير فشلهم الذي تعطى له صيغة معولمة.اذ اصبح خطاب السياسيين يقوم على القول :ان اقتصادنا ينهار بسبب الركود في الولايات المتحدة الأمريكية أو أوروبا أو اليابان أو في أي مكان أخر.كما أن قيمة عملتنا تتراجع بحكم الأنشطة غير المحددة للمضاربين العالميين و هواؤنا ملوث لأن في مكان ما حصلت تجارب نووية و لا يمكننا حل مشكلة الجريمة الحضرية لأنها تتغذى من تجارة المخدرات العالمية .أولا يمكننا تغذية شعبنا لأن مستوى المساعدات العالمية غير كاف.و يهدف ذلك الخطاب الى جعل الفاعلين السياسيين الجماعيين يركزون اهتمامهم في ذلك الاتجاه الخارجي(74).هذا الطابع الذرائعي للعولمة كمبرر لتوسع الثقافة الغربية و المجتمع الرأسمالي هو ما يؤكد عليه محمد عابد الجابري حين يعتبر "أن العولمة محملة بايديولوجيا معينة هي ايديولوجا الاختراق الذي يستهدف التطبيع الكامل مع الهيمنة و الاستسلام لعملية الاستتباع الحضاري الذي يشكل الهدف الأول و الأخير للعولمة" التي تتجسد بالنسبة له فبي أمركة العالم .و على أساس ذلك تهدف ايديولوجا العولمة الى " السيطرة على الادراك...أي تعطيل فاعلية العقل و تكييف المنطق و التشويش على نظام القيم(و) التطبيع مع الهيمنة و تكريس الاستتباع الحضاري"(75).

في أعقاب كال ما سبق و على أساسه يمكننا التأكيد على ما يلي:

- ان المعنى العميق لخطاب العولمة هو الصيرورة التارخية التالية: الاستقلال الذاتي لرأس المال و انتصار نموذج المجتمع ذي الوجهة الاقتصاجية التي تشمل الكوب كله لكنه أيضا ذو نتائج اجتماعية انفجارية(76).

- و اذا كان الأمر كذلك ,فان العولمة تهدف الى الحكم المسبق –باسم الواقعية- على كل مقاومة أو محاولة انشقاق.و على أساس ذلك تعتبر شعبوية كل محاولة نهوض جمهورية,كل بحث عن بدائل و كل محاولة تنظيم ديموقلراطي و كل نقد للسوق(77).ان العولمة,كايديولوجا,تهدف الى اخفاء ,خلف حداثة ما بعد صناعية,تطور سياسي رجعي بالمعنى المحدد للكلمة أي التفكيك المتصاعد للمكتسبات الديموقراطية و التخلي عن العقد الاجتماعي و العودة ,تحت غطاء التلاؤم و المنافسة,الى الراسمالية البدائية للقرن التاسع عشر حسب "اقناسيو رامونيه"(78).

- ما هو ايديولوجي في خطاب العولمة حول الدولة ليس الحديث عن "تراجع" دور الدولة ,لأن هذا الأخير على المستوى الاقتصادي واقع لا يمكن نفيه اما الايديولوجي في ذلك الخطاب هو الحديث عن تراجع دور الدولة بصفة عامة .و هو كذلك لأن الواقع غير ذلك .ثم لأنه يهدف الى تلافي امكانية تحميل الدولة مسؤولية ما يحصل في و باسم العولمة.

- خطاب العولمو مثله مثل كل خطاب ليبرالي أو الخطاب الليبرالي الجديد أو اقتصاد السوق أو الاقتصاد الليبرالي أو الاقتصاد الحر أو اقتصاد المنشأة الحرة كل ذلك يشكل تسميات ايديولوجية تهدف الى تعمية و اخفاء الواقعة الأساسية التالية:ان عالمنا تهيمن عليه الرأسمالية ورؤيتها الخاصة .وهي رؤية تقوم على تسليع كل شيء.وهو ما يشكل قوة الرأسمالية و سرطانها.و في الأخير فان ما يسعى الى اخفاءه خطاب العولمة الايديولوجي هو واقع يتخذ شكل عملية أخذ بالثار تاريخية تتضمن عمل "رأس المال" على استعادة التنازلات الي كان قد أجبر على تقديمها خاصة اثر الحرب العالمية الثانية في ظل موازين قوى داخلية و خارجية لم تكن في مصلحته كليا و كان يمكن أن تضع وجوده ذاته موضع تساؤل.

لقد كانت الاشتراكية الديمقراطية و الفوردية و "النيوديل" و دولة التنمية ...الخ عملية انقاذ تاريخية من انقلاب ممكن كليا لموازين القوى في غير مصلحة "رأس المال".لأنه لولا تلك التنازلات لكان ممكنا أن تتجذر حركة الصراع الاجتماعي و كان يمكن أن تطرح وجود النظام الرأسمالي ذاته موضع تساؤل.و ما يجعل الأمر كذلك هي تناقضات الرأسمالية و منطقها ذاته.

هوامش

Ignacio Ramonet,Geopolitique du chaos,P69(28)

نفس المرجع السابق ص69(29)

فخ العولمة ص 49(30)

Sami nair+Edgar morin,Une politique de civilisation,P200(31)

La mondialisation des anti-sociétés,collectife,P69(32)

Sami nair+Edgar morin,Une politique de civilisation,P210(33)

Michel Beaud,Le basculement du monde,P120(34)

نفس المرجع السابق ص 130(35)

نفس المرجع السابق ص 130(36)

نفس المرجع السابق ص 130(37)

فخ العولمة ص 29(38)

La mondialisation des anti-sociétés,collectif,P70(39)

فخ العولمة ص 31(40)

La mondialisation des anti-sociétés,collectif,P69(41)

نفس المرجع السابق ص 70(42)

نفس المرجع السابق ص72(43)

Ignacio Ramonet,Géopolitique du chaos,P76,77,79(44)

Sami nair+Edgar morin,Une politique de civilisation,P42(45)

نفس المرجع السابق ص45(46)

قضايا إستراتيجية في المتوسط،جماعي،ص 119(47)

Ridha Guia,Phases du capiltaliseme et histoire de la pensé économiqie ,P29(48)

نفس الورجع السابق ص 29(49)

فخ العولمة ص 122(50)

فخ العولمة ص 122(51)

فخ العولمة ص 123 (52)

L’Etat et le marché,collectif,P8(53)

نفس المرجع السابق ص 58(54)

Samir amin,Critique de L’air du temp,P10et 42(55)

Le monde ecobomique du 03/11/1998,P1(56)

Le monde du 8/7/1998,et le le monde N°274 mars 1999,P1(57)

Michel Beaud, Le basculement du monde,P55(58)

Sami nair+Edgar morin,Une politique de civiisation,P64(59)

نفس المرجع السابق ص 42و43(60)

نفس المرجع السابق ص47(61)

نفس المرجع السابق ص 235(62)

La mondialisation des anti-sociétés,collectif,P25(63)

SamirAmin,L’empire de chaos,P 41(64)

فخ العولمة ص 33 (65)

فخ العولمة ص 33 (66)

فخ العولمة ص33(67)

فخ العولمة ص199(68)

فخ العولمة ص248(69)

فخ العولمة 199(70)

فخ العولمة ص199(71)

La mondialisation de l’économie et les pays mèditérranèes,RCD,p217(72)

Malcolm waters,Globalisation,p3(73)

نفس المرجع السابق ص101(74)

حوار مع محمد عابد الجابري،الوحدة،8/1/1999 ص 10(75)

Sami nair +Edgat morin,Une politique de civilisation,p47(76)

Ignacio Ramonet,Géopolitique du chaos,p8(77)

نفس المرجع السابق ص56و57(78)

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire