jeudi 16 octobre 2008

.. والآتي أعظم

يقولون الّلهمّ لا شماتة ..ونحن نقول : الّلهمّ ألف شماتة

عندما تشرب راعية الإرهاب الأولى في العالم من كأس سمومها

.. والآتي أعظم

نبيل أبو جعفر

لم تُلغِ موافقة مجلسي الشيوخ والنواب على خطّة إنقاذ القطاع المالي التي تُكلّف 700 مليار دولار من شعور الأميركيين بفقدان الثقة في أوضاعهم الحالية، والقلق على مستقبل بلدهم واقتصاده. فقد بقي 77% من الذين أُجري استطلاع آرائهم قبل صدور الموافقة يرون أن البلاد تسير في اتجاه سيّء وأن الصورة قاتمة، بينما عبّر 81% منهم عن عدم رضاهم من أعمال الكونغرس وأداء الإدارة في السياسة والإقتصاد. وما زال كبار السّن من الذين عايشوا أزمة انهيار البورصة الأميركية في العام 1929 يتذكّرون الظروف القاسية التي مرّت بهم وبأهلهم وهم في سن الطفولة، وكيف واجهت الولايات المتحدة يومها ما سُمّي بـ "الكساد الفظيع" بعد أن انهارت البنوك الأميركية وفقد الملايين أعمالهم، واضطر الكثيرون منهم الى العمل في أي مجال خدمي كان من أجل كسب قوت يومهم.

وتعود هذه المشاعر والذكريات الى بال هؤلاء المسنّين في معرض مقارنتهم بين ما حدث قبل ثمانين عاماً من اليوم وما يحدث الآن. وبين الكيفية التي تصرّفت بها أميركا لمواجهة الكساد الفظيع في السابق، وكيف تتصرّف اليوم، وهل يمكن أن تجتاز إدارة بوش والإدارة الجديدة التي ستتبعها هذه الأزمة التي تنخر أُسس النظام الاميركي وليس اقتصاده فقط ، أم أن مبلغ الـ 700 مليار الذي خصصته هذه الإدارة لشراء الديون الميؤوس من تحصيلها والرهون العقارية لن يُحقق في أحسن الحالات أكثر من تخفيف آثار الأزمة الإقتصادية الآنية ، عن طريق إنقاذ المؤسسات والبنوك الضخمة وأصحاب رؤوس الأموال الذين عجزوا عن سداد الديون ، دون التأكد من عدم تكرارها في مسيرة مؤسسات أخرى مستقبلاً؟

السبب الأساس

هذه المقارنة والقلق الذي يرافقها يعودان إلى ان ما حدث لا يقتصر فقط على عجز البنوك والمؤسسات ونقطة على السطر، بل يمتد إلى النظام الإقتصادي برمّته، والى النهج الاقتصادي والنظام الأميركي نفسه بشكل أشمل . ذلك لأن هذه الأزمة المعقّدة قد نشأت في الأساس بفعل ترك الحبل على غارب الحرية المنفلشة للمؤسسات المالية الكبيرة والشركات المساهمة التي تتعامل بالمال كما لو كان أطنانا من الحنطة أو الحديد أو أي سلعة أخرى تُباع وتُشرى في الأسواق التجارية بغية تحقيق ربح حسب "الشطارة" وظروف العرض والطلب. وهذا المنهج الشّرِه في التعامل بالمال دون أي حدود تقيّده ضيّق من متطلبات الشروط الواجب توفّرها لدى طالبي القروض المالية، فقلّل ممّا يتوجّب عليهم أن يقدّموه لإثبات كفاءاتهم .

ونظراً لهذه التسهيلات كان من الطبيعي توسيع المجال أكثر من السابق أمام البنوك والمؤسسات العاملة في مجال هذه الاستثمارات، وامتداد نشاطاتها ـ في ظل نظام العولمة والتجارة الحرة وماشابه ـ الى خارج الولايات المتحدة سعياً وراء المزيد من الربح. وقد ساعد على ذلك ارتباط اقتصاد أكثر أنظمة العالم بعجلة الاقتصاد الأميركي ونهجه. وهكذا استنسخت المؤسسات والبنوك الأخرى في العالم هذا النهج وسارت عليه بحكم ارتباطها الوثيق ومعاملاتها الكبيرة مع المؤسسات والبنوك الاميركية.

أبعد من حدود أميركا

لذا، فإن وصف ما يحدث في أميركا اليوم بالأزمة العالمية وصف دقيق، ذلك لأن تبعيّات ما جرى في الولايات المتحدة ستمتد إلى أربعة أركان الأرض بدولها وأنظمتها ومؤسساتها المالية.

وإذا كان الرئيس بوش قد وصف هذه الأزمة في خطاب استثنائي ألقاه عبر شاشة التلفزيون يوم 24 أيلول الماضي بأنه لا سابق لها في التاريخ الأميركي، وهذا يعني اعترافه بأنها أفظع ضرراً من سابقة إنهيار 1929. ثم وصف هذا الوضع الذي أدّت إليه بالخطير جداً، داعياً الكونغرس الى تبنّي خطة الإنقاذ التي اقترحتها إدارته إنطلاقاً من كونها لا تهدف إلى انقاذ مؤسسات ولا أشخاص بعينهم بل الاقتصاد الاميركي كله.

... إذا كان وصف بوش قد وضع حدود هذه الازمة في إطار الإقتصاد الأميركي فقط ، فإن كل الوقائع تؤكد على ألسن قادة سائر الدول والإختصاصيين على أن أخطار هذه الأزمة لا يقتصر على الإقتصاد فقط ، ولا على الولايات المتحدة وحدها، بل يتعدّاهما إلى بلدان العالم والاقتصاد الدولي برمّته. وهذا ما ارتآه صراحة وزير المالية الألماني بيير شتاينبروك عندما أشار الى أن التداعيات الكبرى لما حدث سوف تُفقد الولايات المتحدة مركزها كقوة عالمية، وستظهر على أثرها عدة أقطاب في هذا العالم بدلاً من قطب واحد، ولن يعود الدولار الأميركي العملية الأساسية، بل عملة عادية كسائر العملات الأخرى. كما لن تعود "وول ستريت" أبداً الى ما كانت عليه، في إشارة إلى منطقة البورصة ومركز التعامل الاقتصادي العالمي في نيويورك.

"باي باي".. أميركا

الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها الآن أن الضربة التي هزّت الإقتصاد الاميركي وتُهدّد بانهياره، وربما انهيار النظام الرأسمالي برمّته ، سوف تُنهي العصر الأميركي بكل عنترياته، بما في ذلك نظام العولمة الذي ابتدعته وكذلك اتفاقية سوق التجارة الحرّة التي فرضتها على دول العالم، ذلك لأن الأزمة التي تعيشها الولايات المتحدة الآن لا تُشبه الأزمات التي سبقتها، ومن ضمنها "الكساد الفظيع" في العام 1929، من حيث الضخامة وحجم الخسائر والتداعيات الرهيبة التي يُنتظر أن تعكسها على المواطن الاميركي وتعمّ سائر دول العالم بنسبٍ مختلفة تتفاوت مع درجة ارتباط كل منها بعجلة الاقتصاد الأميركي ونهجه، وهذا ما قرأه أيضاً رئيس الوزراء الفرنسي فرانس فيون في كلمة تطابقت مضامينها مع أطروحات رئيسه سركوزي ـ في الجانب الإقتصادي فقط ـ للحدّ من تأثير ما حدث على بلده والإتحاد الأوروبي.

قال فيون قبيل انعقاد القمة الطارئة لزعماء إيطاليا وفرنسا وبريطانيا في باريس ان العالم كله يقف على حافة الهاوية بسبب نظام غير مسؤول، وقد عنا به النظام الذي سمح للقطاع المصرفي بالمبالغة في تسهيلات القروض إستنادا إلى القواعد المترهلة لسوق المال، مما أدّى إلى وضع العالم نتيجة ذلك أمام أزمة مالية تُهدّد الصناعة والتجارة وأسواق المال والوظائف في أنحاء الأرض، وليست هناك أية إمكانية للحلّ ـ حسب قوله ـ إلاّ من خلال تحرّك الجميع وتكاتفهم.

توقّعات لم تخطر على بال!

عملياً يمكن القول هنا أن هذا ما اعترف به جورج بوش – أيضاً وأيضاً – ولكن ضمناً، مع المكابرة بإمكانية التوصل إلى حل عن طريق الـ 700 مليون دولار التي يريد اقتطاعها من دافع الضرائب الأميركي ليُغطّي بها على ركود عجلة الاقتصاد وانهيار سوق الإسكان وما خلّفه من رهونات عقارية معدومة. وليغطّي أيضاً على عجز وتجاوزات رموز اقتصادية في "العالم الحرّ"، من أجل انقاذ "الهيبة الأميركية" !

ولكن عمق هذه الأزمة وضبابية نتائجها المستقبلية دفع البعض الى توقّع أسوأ العواقب، وصولاً إلى التساؤل الذي لم يطرحه أحد في السابق وهو : هل تتحوّل زعيمة العالم الرأسمالي (والإمبريالي أيضاً) الى دولة إشتراكية بعد انقلاب المفاهيم وأطروحات العولمة وحرّية التجارة، خصوصاً بعد أن اضطرت إدارة البيت الأبيض الى التدخل ( الإشتراكي ) في أعمال المصارف رغم "إيمانها" ومفاخرتها بحرية الإقتصاد، مما اضطر بوش الى التصريح بأنه "لو كانت الظروف طبيعية لتركتُ المؤسسات العاجزة تسقط، ولكنها ليست طبيعية"!

العرب المستكينة خوفاً!

أخيراً لا بدّ من الإشارة الى أن أغرب ما في هذا السياق بالنسبة لنا كعرب، أنه رغم هول ما حصل في الوقت الذي ترتبط فيه كل أنظمتنا – تقريباً – بعجلة الأميركان، إلا أن أحداً من المرتبطين لم يتحرك استعداداً للإحتمالات المتوقعة بالنسبة لبلده، ولم تبدُ على أي "زعيم أو قائد" منهم مظاهر الإهتمام الحقيقي والتحوّط للآتي، خشية أن تردعه القوة الأكبر وتعتبره إنهزامياً أو منقلباً عليها في لحظة تأزمها!

والأغرب من ذلك أن سائر الذين يتبنّون النَفس الرأسمالي وينظّرون لأطروحات العولمة والتجارة الحرّة لاذوا بالصمت وتعقّدت ألسنتهم واضمحلّت إرادتهم فوق اضمحلالها التاريخي، حتى إزاء محاولة التأهّب لما يمكن أن يناله من رذاذ الأزمة على الأقل.

وحتى الأبواق الليبرالية العربية "القديمة" والجديدة صمتت على ما آلت إليه الأزمة التي هزّت أم الرأسمالية الدولية وتهدّد سائر بقية الدول والشعوب بسببها، وكأن الأمر لا يعني النافخين بها ، مع أنهم جميعاً وقود للفكر الإمبريالي ورهينة لمتطلباته، التي لم تحقق حتى الآن غير ضرب العالم عسكرياً وسياسياً وأخلاقياً... وها هي على مشارف القضاء عليه اقتصادياً أيضاً!

إنه موجز لـ "إنجازات" الدولة الأكبر، وملخص لـ "انتصارات" آخر رؤسائها!؟

يقولون : اللهم لا شماتة ، ونحن نقول بكل الحرقة التي في قلوبنا : اللهمّ ألف شماتة .

* ينشر السبت 11 تشرين الأول في صحيفة البيادر الصادرة في القدس المحتلة

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire