samedi 15 novembre 2008

متاريس فكرية نظرية كمقدمات لمتاريس الشوارع(1) - 13/11/2008


أبعد من الأزمة المالية
البنك الدولي: الازمة القاتلة في العالم النامي[1]

د. عادل سمارة ــ
كُتب الكثير في تشخيص الأزمة المالية الأخيرة، وردَّ الكثيرون أسبابها لعقدين أو سبعة عقود أو لأكثر من قرن. وقد نقسم هذه الكتابات إلى مدخلين: الأول: يرد الأزمة إلى حقبة العولمة بدءاً من الريغانية والتاتشرية، أزمة العلاج بالصدمة، والخصخصة واللاتضبيط، وجشع النخبة المالية الثرية وهو مصلحة واعتقاداً لديها، وديكتاتورية "الديمقراطية".
والثاني: يأخذ كل هذه بالاعتبار، لكنه يردها لما هو أبعد وأعمق، أي إلى الأزمة الوضعية الكامنة في النظام الرأسمالي نفسه، إلى الطبقة البرجوازية والفلسفة الليبرالية الأم.
ما يلمسه المرء أن هناك تحفظاً وتهيباً من دفع هذه التوصيفات الجيدة والعميقة إلى ساحة المواجهة مع الليبرالية الجديدة، ومع فاشية المحافظين الجدد وتمفصلاتهم عالمياً. ومتى هذا التحفظ؟ في لحظة اهتزاز أسس هذا النظام، أي لحظة وجوب الهجوم تمهيداً لاغتنام اللحظة للإجهاز ولو لاحقاً، وهو موقف ينم عن تحوُّل مفكرين ثوريين إلى متحفظين، محافظين، متهيبين حتى من العصف الفكري.
وأعتقد أن هذا التردد مبني على ترسبات أخطاء مؤيدي الاشتراكية المحققة التي كانت تُهيىء لنا، دون تحليل معمق وموثق، بأن الراسمالية آيلة للسقوط، وحين لم تسقط، بل سقطت الاشتراكية المحققة، استولى على هؤلاء الرعب، فانحازت كثرة منهم إلى الرأسمالية، وبالتالي وجدوا أنفسهم في مأزق عميق اليوم.
إذا كان الكثير منا قد أخطأ قراءة الرأسمالية في حقبة الإمبريالية، وارتعب من دخولها حقبة العولمة، وها هو يرتعب من تفكك العولمة بالسرعة التي نرى، ليبدو وكأن العالم يعيد فكرة ماو تسي تونغ ولو بالمعكوس "دع مائة قطبية- بدل مائة زهرة- تتفتح". فإن التطورات المتلاحقة، تشير إلى أن الأزمات هي مقدمات الثورات، التي هي "قاطرات التاريخ". وتشير كذلك إلى الحقيقة التي علينا التقاطها وهي أن الاشتراكية هي سيرورة تاريخية، كانت تجربتها الأولية قرمطية، ودامت لحظتها العصرية الأولى 71 يوماً والثانية 70 عاماً، وليس شرطاً أن ترث العالم اليوم، لكن التطورات الأخيرة هي لصالحها، وهذا بيت القصيد. وعلينا، إذا ما تخلينا عن الحلم الكسول باشتراكية لهذا الكوكب من عند الله، أن نساهم بالخطاب أولاً لقراءة ملامح تغير العالم وصولا إلى فعل تغييره. إن التحفظ المؤدب فوق اللزوم من قراءة التطورات القادمة مرتبط بخجل لا يليق بالثوريين خاصة في لحظة المواجهة. فحين ترتفع حرارة العالم باحتراق قرابة ثلاثة تريليون دولار من القروض، لا يليق بالاقتصاديين الشيوعيين أن يقرأوا ذلك ببرود المترقب في لحظة توجب الخروج من الترقب.
نرى بأم العين أن الرأسمالية المتعفنة كما وصفها الشيوعيون سابقاً، تتعفن اليوم، كالسمكة، من رأسها. فالأزمة الحالية قد بدأت من مركز المركز الولايات المتحدة الأميركية، من النخبة المالية العليا وول ستريت، التي مثقفوها العضويون هم النخبة الثقافية العليا الأكاديميا ومدرسة شيكاغو (أولاد شيكاغو Chicago Boys- العلاج بالصدمة، ومحمية من النخبة السياسية العليا -البيت الأبيض. ومروَّجٌ لها من النخبة الإعلامية العليا، سي أن أن ونيويرك تايمز...الخ . قد يطول عمر مقاومتها لهذا التعفن، لكنه تعفن يصيب جزءاً يعني استئصاله قطع الرأس. ولم يبق متماسكاً منها سوى النخبة العسكرية جيش قواعدها في مختلف انحاء العالم التي تكاد تضرب على غير هدىً.
ديكتاتورية "الديمقراطية" حالة فاشية
ليس ميلاً خطابياً ماركسياً تركيب الديكتاتورية على الديمقراطية، بل محاولة لقراءة كيف حصل هذا التراكب وقبل به الناس.
الحلقة الجهنمية الأولى: يقوم الرأسمالي الفرد، والرأسماليون جميعاً، ولكن كأفراد أو كأفراد في شركات خلال عملية العمل، والإنتاج بالطبع، بتجريد العمال، بغض النظر عن ياقاتهم، من فائض القيمة، ويُبقون لهم أجر الكفاف بغض النظر إن كان في نطاق رغيف الخبز الحافي او اقتناء سيارة خاصة وشراء منزل بالرهن، وتوفر سيولة لاحتساء البيرة في بار الحي إلى جانب الصديق /الصديقة. وتكون هذه العلاقة هي أساس التراكم الرأسمالي الذي يعيد تجديد الماكينات ويعيد عملية الاستثمار والانفاق الترفي وتمويل الصناعة العسكرية وتمويل الحروب وتحفيزها وتمويل احترابات الراسماليات معاً...الخ.
الحلقة الجهنمية الثانية: يقود ثبات الحلقة الأولى التي أساسها الاقتصاد السياسي للرأسمالية إلى هيمنة الأيديولوجيا الليبرالية البرجوازية على الطبقات الشعبية التي تُسلَّم مدخراتها وتقاعداتها للرأسمالية ثانية عبر صناديق التقاعد وتقبل بخصخصة هذه الصناديق وشراء الأسهم في شركات رأس المال. بعبارة أخرى تُعيد ما تبقى من أجرتها بعد ما استهلكته لكفافها إلى قنوات رأس المال كي تستغل هذا الجهد العمالي المتبلور في وفورات من خلال أسواقها المالية أو توسيع شركاتها، محققة من وراء ذلك مزيداً من الأرباح على حسابهم. وخلال هذه العملية يتلاعب المدراء والمضاربون بأسهم الشركات صعوداً وهبوطاً فيربحون من العمليتين وحينما تنيخ عليهم أزمة كهذه، يعلن أساطين المال الإفلاس لنهب المدخرات، ويذهب المدراء بما نهبوا.
الحلقة الجهنمية الثالثة: تظل الأمور رتيبة وتتخذ مظهراً وتجليات ديمقراطية مع أنها في الجوهر استغلال مكثف وإنما مبطن إلى أن تنفجر أزمة رأس المال، كما يحصل الآن، فتقف الطبقة الحالكمة/المالكة لتقول للطبقات الشعبية، نريد استخدام مدخراتكم ووفوراتكم لتمويل عجزنا. إذا لم تقبلوا، فسنغرق جيمعاً. هذا ما قاله الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش يوم 25 ايلول 2008 ضاغطاً من أجل تمرير خطة الإنقاذ ذات الـ 700 مليار دولار، وقد أُخذ بها. وطالما أن من يحكم ويقرر وضع يده على جهد العمال وأجورهم وباقي مدخراتهم هي البرجوازية، فهل من قبيل التجنِّي تسمية هذا النظام بديكتاتورية الديمقراطية، ديكتاتورية رأس المال؟
خطورة الحلول المراوغة
لكن البرجوازية، ونظراً لقوة هيمنتها، ما تزال تحت ضغط قليل. لا بل إنها تتحرك حتى الآن بضغط مصالحها وليس بضغط الطبقات الشعبية المخدرة بالهيمنة. لذا، فهي ما تزال تجلس على كرسي مرن الحركة قادرة على تدويره في أكثر من اتجاه أفقي دون النزول به إلى الطبقات الشعبية. (هذه صورة جميلة)
إضافة إلى محاولات جورج بوش التطمينية، دون بلاغة، بقوله إن المشكلة هي لدى فئة قليلة من الناس الجشعين، دون أن يحددهم، وأن الرأسمالية ما تزال هي النظام الأفضل، فالحلول المطروحة الآن، للأزمة وهي في الطور الحالي، هي من طراز، التنسيق بين الأنظمة الحاكمة في العالم حيث يُعاد الاعتبار للدولة القومية، بل يُلتجأ إليها، وحيث تنقسم هذه الأنظمة إلى:
· المركز الثلاثي triad
· شبه المركز الذي يقترب من التحول إلى مركز (تحليل أيمانويل وولرشتين)
· المحيط
· ومحيط المحيط ، البلدان الخارجة من التاريخ
وهنا علينا التنبه إلى أن الدولة القومية ليست حالة من التساوي في نظام الاستقطاب الرأسمالي وحقبة العولمة. فالدولة الأميركية أو الفرنسية شيء، ودول الموجة القومية الثالثة، ودويلات الإثنيات وما تسمى بلدان ما بعد الاستعمار (تيمناً بخروج ما لم يرحل)، والدويلات العربية التابعة (الطبعات المتجددة لـ سايكس-بيكو)، ليست في الحقيقة دولاً قومية حقيقية[2].
أما التنسيق فهي الوصفة التي اتفق عليها حكام بلدان العالم في لقاءاتهم التي دعى لها صندوق النقد الدولي.
ولكن، أي تنسيق؟ تنسيق بين النخب الحاكمة، وكأنه تنسيق طبقي كي تتماسك مخافة أن تخترق الطبقات الشعبية قشرة الهيمنة، وتطالب على الأقل، بالتنسيق معها ولصالحها. لذا فالعلاجات المطروحة على مستوى الدولة القومية تقوم اليوم بـ:
· تخفيض سعر الفائدة لتقارب الصفر، فهي 1 بالمئة في الولايات المتحدة
· تقديم جرعات الدعم للبنوك المفلسة والتشديد على الصناديق المنفلتة من اية قيود Hedge Funds
· شراء ديون الشركات المالية المتعثرة
· تأميم جزئي لبنوك
أما على صعيد المؤسسات المالية الدولية وهي بيد المركز بالطبع فتقوم بـ:
· تقديم دعم إنقاذي للثورات المضادة (البرتقالية) بدءاً من المجر 24 مليار دولار، والمجر أول دولة من الاشتراكية المحققة غادرت لاقتصاد السوق، و 4.5 مليار دولار لجورجيا، و 15 مليار دولار لأوكرانيا، و 15 مليار دولار لباكستان.
· تقديم قروض ومساعدات للدول "القادرة على السداد" سنغافورة، كوريا الجنوبية، والمكسيك. وهذه في الحقيقة هي مواقع متقدمة للإمبريالية في جنوب شرق آسيا في وجه الصين، أما المكسيك، فهي خاصرة الولايات المتحدة.
· تحذير البلدان الفقيرة من أن المانحين لن يعودوا بكل الكرم الذي كانوا عليه.
· تمرير قيام بنك ليهمن برذارز بتحويل ما لديه إلى الكيان الصهيوني الإشكنازي[3] ومنع أي كان من الحديث في الأمر، مع أن جوهر هذا العمل هو توفير الدعم للكيان قبل الدعم لأي تابع أو دولة وظيفية أخرى في العالم، ولكن دون الإعلان.
· مواصلة تمويل المركز من المحيط، وذلك بالطلب من الصين شراء مزيد من سندات الحكومة الأميركية ومطالبة بلدان الخليج العربي بدفع معظم القروض التي قررها صندوق النقد الدولي للدول البرتقالية التي يحددها الصندوق. أي حصر العلاجات في المرضى الغربيين وتوابعهم وعلى حساب المحيط، وهذا تماماً جوهر نفس النظام العالمي.
لعل أكثر القرارات لفتاً للنظر، والتي رشحت حتى اللحظة، هو قيام الحكومة البريطانية بدعم المشاريع الصغيرة، وهو على أية حال مؤشر على أن الركود على الطريق، وأن هذا ما يقلق النظام الرأسمالي العالمي من انتقال الأزمة من المستوى المالي الذي أخذ يضمُر وينكمش ليقترب من حجمه في الاقتصاد الحقيقي حيث تخشى الحكومات من اضطرار المؤسسات المالية/ التمويلية إلى طلب قروضها من الشركات الصناعية وهو الأمر الذي يعني ركوداً حقيقياً بما يحمله من تطبيق حاد للـ Down-sizing أي تقليص عدد العمال المستخدمين في الشركات، وبالتالي بطالة موسعة، وتراجع حاد في الاستهلاك، وفي الاستثمار وخاصة السريع، وفي الإنتاج بالطبع لتصل الدورة الاقتصادية هذه إلى توازن القاع. ولا ننسى أن عدم التوازن القطاعي في حالة ما قبل الأزمة سوف يقود أو هو يقود اليوم إلى البحث عن التوازن القطاعي، ولكن أين ؟ في القاع، وهنا ينتقل السرطان من اللحم الى العظم، هنا يكون الركود.
ويمكن لهذه الاجراءات ان تشتمل على تأجيل حبس الرهن على المنازل لمدة ستة أشهر، وعلى برنامج اجباري لتخفيض ديون الرهن غير المستدامة، ومراجعة عاجلة للعلاقات المالية الدولية لحماية الاسواق الواعدة من الانهيار المالي، وتخفيض الضرائب لدعم الاستهلاك يتم التعويض عنها بعوائد على المدى الطويل من ضريبة الطاقة أو الكربون الواسعة.
تضمن الحكومة الفرنسية بموجب الجزء الأول من خطة السيولة النقدية التي قدمتها إلى الاتحاد الأوروبي أن يتم من خلال صندوق خاص ضخ مساعدة للبنوك والمؤسسات المالية المصرفية وقيمتها 265 مليار يورو (337 مليار دولار). ومن المتوقع أن تقر المفوضية وهي الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي الجزء الثاني من خطة الإنقاذ المالي الفرنسية والخاص بإعادة رسملة المؤسسات المالية المتعثرة. لقد أقرت المفوضية الأوروبية حتى الآن خطط الإنقاذ المالي لكل من فرنسا وألمانيا وبريطانيا وأيرلندا والدنمارك والسويد والبرتغال وتراجع حالياً خططاً مماثلة لكل من هولندا وإيطاليا.
أما بلدان العالم الثالث المتعثرة حقاً، فتحال على بلدان النفط كي تسعفها، ولكن ليس بعلاقات مباشرة وثتائية بل عبر شرطي النظام المالي العالمي، أي صندوق النقد الدولي كي يمارس المحاباة لصالح الدول التي تخدم مصالح المركز مباشرة، وتلعب دوراً تخريبياً في المحيط. فقد أعلن الصندوق في نطاق "التنسيق" ضرورة إقامة "صندوق إنقاذ دولي" تابع للصندوق الدولي على أن يتم تمويله بتريليون دولار من بلدان النفط العربية. وهو ما قبلت به السعودية وقطر مؤخراً اثناء زيارة رئيس الوزراء البريطاني لهما. وهذا تأكيد على أن هناك قطاعاً عاماً رأسمالياً معولماً يسمح لدول المركز بالجباية من دول المحيط كيفما شاءت.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire