vendredi 21 novembre 2008

أمريكا تصنع الأزمة وتطالب العالم بحلها! / عاصم السيد

التاريخ: 21/11/1429 الموافق 20-11-2008 المختصر / قمة العشرين التي عُقِدَتْ في العاصمة الأمريكية واشنطن مُؤَخَّرًا بهدف الحوار والبحث حول سبل معالجة الأزمة المالية العالمية، وكيفية تفعيل التعاون المشترك بين الدول الأعضاء في مواجهتها، أثارتْ حفيظةَ الخبراء الدوليين، والمراقبين الاقتصاديين؛ لتقييم إمكانية نجاح القمة في العلاج الفعّال والناجع للأزمة، في ظل استمرار الأوضاع الاقتصادية العالمية على ما هي عليه تحت سيطرة الولايات المتحدة، خاصةً وأن هذه السياسات الظالمة هي السبب الرئيسي في هذه الأزمة. مجموعة دول العشرين تَضُمُّ إلى جانب مجموعة الثماني الصناعية كُلًّا من (السعودية، وأستراليا، والأرجنتين، والبرازيل، والصين، والهند، وإندونيسيا، والمكسيك، وجنوب أفريقيا، وكوريا الجنوبية، وتركيا، والاتحاد الأوروبي). والدول أعضاء المجموعة يمثلون ثُلُثَيْ سكان العالم، و80% من حجم التبادل التجاري العالمي. ولا تنطلق دول المجموعة من فكر اقتصادي واحد، وهناك تَبَايُنٌ كبير في الخطط والأهداف والبنى الاقتصادية في هذه الدول، وبالتالي فلم يكن مُسْتَغْرَبًا أن تمارس عِدَّةُ دول، وعلى رأسها فرنسا وألمانيا- خلال القمة- الضغطَ على الولايات المتحدة؛ لكسر هيمنتها على الاقتصاد العالمي، والعمل على إعادة تشكيل وصياغة نظام عالَمِيٍّ جديد. وهناك خلاف في وجهات النظر بين أغلب الدول الأوروبية الكبيرة، من جهة، وبين الولايات المتحدة وبريطانيا، من جهةٍ أخرى، حول درجة تَدَخُّلِ الدولة لتنظيم عمل الأسواق المالية. فإدارة بوش تَرَى أنّ الأزمة الحالية لا تُمَثِّلُ فشلًا لنظام السوق الحر، وأنّ هناك حاجةً لإصلاح النظام لا تغيير الأسس التي يقوم عليها، أما الدول الأوروبية- وعلى رأسها ألمانيا وفرنسا- فترى غير ذلك، فالرئيس الفرنسي الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، يُطَالِبُ بتغيير قواعد اللعبة في النظام المالي العالمي. والاختلاف في التوجه والمرجعية الاقتصادية موجودٌ أيضًا في حالة البرازيل والهند والصين، وهذه الدول تقود مجموعةً من الدول الصاعدة، في محاولةٍ لِفَرْضِ رؤيتها تجاه الاقتصاد العالمي، والخروج بحزمة نظم جديدة، تَصُبُّ في مصلحة إعطاء الاقتصاديات الصاعدة مزيدًا من القدرة على التأثير في النظام الاقتصادي العالمي، والحدِّ من النفوذ والسيطرة الأمريكية. فقد تحولت الهند من مَدِينَةٍ لصندوق النقد الدولي إلى دائِنَةٍ، والصين هي الدولة الأكبر في العالم بَشَرِيًّا، والأغنى نقدًا. ورغم الخلافات الكثيرة في الرؤى والمواقف بين أمريكا والصين، التي يُؤَمِّلُ العالم عليها كثيرًا في كسر الهيمنة الاقتصادية والسياسية الأمريكية، إلا أنّ الصين لم تُظْهِرْ خلال القمة، أو قبلها، أو بعدها، أيةَ مواقف خلافية مع واشنطن، ويبدو أن الصينيين، كعادتهم، يُفَضِّلُون الجلوس في الخلف، ومتابعة ما ستُسْفِرُ عنه الأمور من نقاشات وأفكار، ثم العودة لتقييمها بهدوء، ومن ثَمَّ اتخاذ القرار. ويبدو دور الصين شديدَ الأَهَمِّيَّة في أية إجراءات لمواجهة الأزمة الدولية؛ لأن لديها احتياطيًّا هائلًا من العملات الأجنبية، يُقَدَّرُ بنحو 2 تريليون دولار، بالإضافة إلى أنّ الاقتصاد الصيني أَحَدُ أسرع الاقتصاديات نُمُوًّا في العالم، وبالتالي فإن الصين مِنَ الدول القليلة التي لديها فائضٌ من السيولة، يُمَكِّنها من مساعدة الدول الأخرى. ولذلك، فإن الولايات المتحدة وبريطانيا تطلبان من الصين زيادةَ مساهماتها لدى لصندوق النقد الدولي؛ لتمكينه من تقديم قُرُوضٍ عاجلة للدول التي بحاجة لها، ولكنّ الصين ترفض أن تقوم بهذا الدور دون أن يكون لها دَوْرٌ أَكْثَرُ قوةً، بإعطائها صلاحياتٍ أكبر داخل صندوق النقد الدولي، الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة والدول الأوروبية. نجاحات محدودة وإذا كانت القمة قد تبنت آلياتٍ لمراقبة الأسواق العالمية، وضمان شفافيتها قبل نهاية مارس/ آذار المقبل، ووضع قائمة سوداء بالمؤسسات المالية التي تُشَكِّلُ ممارساتُها خطرًا على الاقتصاد العالمي، والاتفاق على خطة عَمَلٍ من ست نقاط؛ لاستعادة نمو الاقتصاد العالمي، وإصلاح النظام المالي الدولي، تشمل إصلاح المؤسسات المالية الدولية؛ مثل صندوق النقد والبنك الدولِيَّيْنِ, والوصول لاتفاقٍ بنهاية عام 2008 تَمْهِيدًا لاتفاقٍ عالَمِيٍّ للتجارة الحرة, وتحقيق الشفافية في الأسواق المالية الدولية، وضمان الإفصاح الكامل عن وَضْعِهَا المالي من خلال شركات تقوم بمراجعة أدائها. وإذا كانت القمة قد اتفقت أيضًا على عدم دخول البنوك والمؤسسات المالية في عملياتٍ شديدةِ الْمُخَاطرة, وقيام وزراء المالية في دول المجموعة بوضع قائمة بالمؤسسات المالية التي يُمْكِنُ أن يؤدي انهيارها إلى تعريض النظام الاقتصادي العالمي إلى مَخَاطِرَ كبيرة, إضافةً إلى تحسين نظام الرقابة المالي في كل دولة، إلا أنّ المراقبين يرون أنّ الأمر الأساسي فَشِلَتْ فيه القمة، وهو الضَّغْطُ على الإدارة الأمريكية، من أجل زحزحة هيمنتها على المؤسسات والسياسات الاقتصادية الدولية، فقد رفضتْ واشنطن رفضًا شديدًا التنازلَ عن مكتسباتها وزعامتها الاقتصادية. من أبرز إيجابيات القمة أنّ الدول الصناعية الكبرى، والدول الصاعدة، انتزعت زمام القيادة من الولايات المتحدة، وتم تضمين البيان الختامي إشاراتٍ واضِحَةً إلى ضرورة إقامة "قطيعة مع الماضي" اقتصاديًّا، وفرض ضوابِطَ تَكْبَحُ أهواء الأسواق، وتُنْهِي عصر المغامرات غير المحسوبة إلى غير رجعة، والاتفاق على دَعْمِ الاقتصاد، وتنفيذ تنظيمٍ دَوْلِيٍّ جديدٍ، وإصلاح الإدارة العالمية، وتحديد يوم 31 آذار المقبل مَوْعِدًا ثابتًا لمراجعة الحصيلة الأولى لهذه القرارات. ‏ والإشارة في البيان الختامي إلى ضرورة إخضاع الأنشطة المالية لأي سوقٍ أو مُؤَسَّسَةٍ لقواعد وضوابط ملائمة، بما في ذلك صناديق المضاربة، مع عدم تجاهل إيجاد معايير دولية للتصدي للمراكز الحرة، كُلُّ ذلك وغيره يُعْتَبَرُ قطيعةً مُحْتَمَلَةً لفكرة الثقة المفرطة في السوق، وفي أنه يُمْكِنُ أن يُنَظِّمَ نفسه بنفسه كما كان الأمر في الماضي. الحل في نظر دول المجموعة وهكذا فإنّ قمة العشرين التي بحثت الأزمة العالمية مَضْيَعَةٌ للوقت؛ لأنها تستبعد الفقراء، ويستضيفها أناس هم سبب المشكلة، فالمضيف هو الملوم، وسبب مشكلات الاقتصاد العالمي هو إطلاقُ العِنَان للرأسمالية التي تقودها الولايات المتحدة. الدول الناشئة الصناعية ليست مسئولة بأي حال عن الأزمة، لكنها مع ذلك اكتوت بسلسلةِ تبعاتٍ كارِثِيَّة، لم تنحصر في خسارة أسواقها المالية لمكاسِبَ كانتْ مُتَوَقَّعَةً هذا العام، وفقدان عملاتها نحو ربع قيمتها، بل شملت أيضًا هبوط صادراتها، وانسحاب الاستثمار الأجنبي من أسواقها، وقد تستند هذه الدول الصناعية الناشئة إلى تصريحات روبرت زوليك، رئيس البنك الدولي، التي أشار فيها إلى أنّ هذه الدول ستعاني من انخفاض تَدَفُّقَات المال من تريليون دولار في 2008، إلى 525 بليونًا في 2009. ترى الدول الصناعية الناشئةُ أنَّ المسببَ الأساسِيَّ في هذه الأزمة، هو النظام الاقتصادي والمالي للولايات المتحدة، وبالتالي فإنه لن يكونَ قادرًا على التعاطي بجدية حول سبل حل الأزمة. ومن جانبها تسعى الإدارة الأمريكية إلى إيهام العالم أن هذه الأزمة أزمة عالمية، تتعلق بالاقتصاد الرأسمالي عمومًا، وليست نتيجة سياسات مالية أمريكية، وبالتالي فإن المسئولية مشتركةٌ، ولا يجب توجيه اللوم إلى الولايات المتحدة. وترى الإدارة الأمريكية أنّ الحلول الممكنة تتمثل في الْمُضِيِّ في تعزيز رءوس أموال البنوك، وتنظيف الموجودات المسمومة، إلى جانب الاستمرار في سياسات التوسع المالية والنقدية، والحفاظ على التجارة الحرة، وتوسيع نطاقها من خلال إحياء جولة محادثات الدوحة؛ لأن الحد من الحرية الاقتصادية مع مُرُورِ الوقت، من شأنه إذا ما خضع للتقنين المسئول أن يُفْضِيَ إلى الحد الأقصى من الرفاه! حاجة ملحة للتغيير الحاجة مُلِحَّةٌ للتغيير؛ لأنّ دول العالم الفقيرة تحتاجُ إلى مؤسسات مالية دولية جديدة، لا تشبه صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ومنظمة التجارة الدولية، بل مؤسسات تختلف في الرؤية، والفلسفة، والدور، والمنهج، عن دَوْرِ الصندوق الحالي الذي وُضِعَتْ أسسه في اجتماع بريتن وودز بعد الحرب العالمية الثانية، والذي أثبت أنه أداةٌ بيد الولايات المتحدة وأوروبا، من أجل تعزيز مكاسبهما الاقتصادية. لقد فرضت الولايات المتحدة والدول الأوروبية الكبرى نُظُمًا مُحَدَّدَةً لعمل صندوق النقد والبنك الدَّوْلِيَّيْن، وكذلك منظمة التجارة العالمية، وجعلوا قروض البنك محكومةً بشروطٍ تَفْرِضُها أمريكا والدول الغربية على الدول الْمَدِينة، أهمها التخلي عن الاستثمار في البِنْيَةِ التحتية، وإجبار هذه الدول الضعيفة والفقيرة على عَدَمِ الاستثمار في المؤسسات العامة، بِحُجَّةِ أن تلك المؤسسات عِبْءٌ على ميزانية الدولة، وبالتالي لا بُدَّ مِنَ التَّخَلُّص منها، وبيعها إلى القطاع الخاص. وإذا كانت هذه هي السياسة التقليدية لصندوق النقد والبنك الدوليِّيْنِ، فإنّ سياسة منظمة التجارة العالمية لا تَقِلُّ عنهما سوءًا واستغلالًا، فهي تَفْرِضُ على الدول الفقيرة أنْ لا تُصْدِرَ قوانينَ تَحُدُّ من الاستثمار، وتكون النتيجةُ أن الشركات الأجنبية سيكون لها الحقُّ في شراء تلك المؤسسات العامة للدولة، فتدخل فيها، فتُحَوِّلُها إلى غير ما كانت مُخَصَّصَةً له، أو تبدأ بتفكيكها وبَيْعِ أصولها، والحصول على مالها، والانسحاب من البلد تمامًا. وهكذا كانت المؤسسات المالية الدوليةُ سيفًا مُسَلَّطًا على رقاب الدول الفقيرة التي هي في حاجةٍ ماسَّةٍ للقروض، وأصبح من شِبْهِ المستحيل أن يتمكَّنَ بَلَدٌ إفريقي مثلًا من امتلاك التقنية التكنولوجية بسبب السياسات المالية والاقتصادية التي تَفْرِضُهَا تلك المؤسسات، والتي لا علاقة لها بالحفاظ على اقتصاد البلد الْمَدِين، بل لها عَلَاقَةٌ بخدمات مصالح البلدان الدائنة!

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire