dimanche 30 novembre 2008

هل نحن على أعتاب انفجار عالمي جديد، وثورة أممية جديدة؟

3) أزمة مالية أم مطالبة التاريخ بالاستعاضة عن الإنتاج الرأسمالي بإنتاج كوموني؟

أنور نجم الدين
anwar.nori@gmail.com
الحوار المتمدن - العدد: 2481 - 2008 / 11 / 30

إذا كان اقتراب أمريكا، وآسيا، وأستراليا من مركز الأزمات، قد تسبب في يومٍ من الأيام انخفاض القدرة الانفجارية للأزمات في العالم، فإنَّ ما يجري اليوم هو العكس، حيث أصبحت هذه القارات نفسها، مركز الأزمات الرأسمالية منذ أمدٍ بعيد، وانتقال هذه القارات من المستهلك إلى المنتج، ثمَّ إلى المنافس في السوق العالمية، يعني انتهاء دورها بوصفها مصدراً للمواد الأولية والأيدي العاملة الرخيصة، أي بوصفها مصدراً للتوازن في العلاقة بين جزئي رأس المال، نظراً للدرجة المرتفعة لاستغلال العمل فيها بصورة واسعة. وأصبح الازدياد في قيمة رأس المال المتحول في هذه المناطق الشاسعة، حجر الأساس لتراكم أسرع لرأس المال الصناعي الأوروبي من القرن السابع عشر إلى أواسط القرن العشرين، لذلك لم يكن التطور الصناعي، وسرعة انتقال المانيفاكتورة إلى الصناعة الكبيرة، وتطور الصناعات الإلكترونية، سوى استجابة طبيعية لرأس المال لتأمين شروط السيطرة على القارات الشاسعة التي دخل رأس المال الصناعي فيها، أمَّا ربط هذه المناطق بالصناعة الأوروبية، فقد جعل رأس المال الصناعي، مضطراً لخلق نفس النموذج التاريخي من صناعته وأسواقه الصناعية، أو كما يقول كارل ماركس:

"بقدر ما كانت تتزايد تبعية الصناعة البريطانية للسوق الهندية، كان الصناعيون البريطانيون يشعرون بضرورة انشاء قوى منتجة جديدة في الهند". ولكن لماذا؟

"لأنَّ طواغيت الصناعة أدركوا أنَّ مصالحهم الحيوية تتطلب تحويل الهند إلى بلد منتج، وأنَّه ينبغي لهذا الغرض قبل كلِّ شيء، تجهيزها بمنشآت الرَّي، والطرق الداخلية للمواصلات، وشبكة من السكك الحديدية – كارل ماركس".

أمَّا اليوم فتتحرك الأشياء باتجاه معاكس، أي أنَّ التطور الصناعي والازدياد في قيمة رأس المال الثابت في هذه القارات، سوف يسبب الاستعجال في دورات أفاعيل الإنتاج، ثم الانخفاض السريع لرأس المال المتحول مقارنة مع جزئه الثابت، وعلى العكس من القرون الأخيرة، يسبب التطور الصناعي السريع اليوم، الفائض السريع للوسائل الإنتاجية التي ستبقى فائضة، نظراً لعدم استخدامها من قبل القوى العاملة الفائضة، لا في الدول الصناعية القديمة فحسب، بل وفي المناطق الصناعية الجديدة أيضاً، وكدليل على ذلك، يقول مسؤولو الشركات الكبرى الثلاثة لصناعة السيارات الأمريكية، فورد وجنرال موتورز وكرايزلر: "إنَّ انهيار صناعة السيارات سوف يؤدي لنتائج كارثية، منها فقدان (3.000.000) وظيفة في العام الأول فقط" في الولايات المتحدة الأمريكية فقط.
وفيما يخص القارة الآسياوية، يكفي ذكر أزمة صناعة السيارات، وانخفاض مبيعات السيارات اليابانية على الأخص.

وهكذا، فإنَّ التقدم الصناعي المستمر، والتعديلات المستمرة في شروط الإنتاج الرأسمالي في العالم، تؤثر من جهة على التركيب العضوي لرؤوس أموال متوازية الوجود في السوق العالمية، وعلى تسريع دوران رأس المال (دوران أفاعيل الإنتاج) من جهة أخرى، وكما قلنا سابقاً، فإنَّ المعدل العام للربح، يرتفع تارةً ويهبط أخرى، لأنَّ التركيب العضوي قد إختلف، أو لأنَّ زمن الدوران قد تضاعف، وأمثلة التكنولوجيا الناشئة في العالم، هي في الواقع أمثلة للازدياد في (قيمة رأس المال الثابت) و(سرعة دوران رأس المال) في نفس الوقت، على سبيل المثال: صناعة العقل الصناعي، وصناعة تكنولوجيا المعلومات، وصناعة الاتصالات، وصناعة السيارات الكهربائية، وصناعة ذاكرة فلاش مع أصغر، وأسرع، وأقل استهلاك لتخزين الطاقة، وصناعة التصوير المجسم لتخزين البيانات، والشبكة العالمية الشاملة للاتصالات اللاسلكية، ونقل الطاقة لاسلكياً، صناعة الفلك إلخ.... فالازدياد في (قيمة و سرعة) كلَّ هذه الصناعات، تعني الارتفاع في الجزء الثابت لرأس المال، وتسريع الوباء الذي يُسمى الفائض الإنتاجي، ولكن الحالة هذه، أصبحت أمراً واقعاً بسبب تطور الصناعة في العالم في الخمسين سنة الأخيرة، وتتكاثف الأزمات الاقتصادية في السوق العالمية، أكثر فأكثر.

وهكذا، فإنَّ تقلص السوق العالمية أمر واقع سلفاً، إلاَّ أنَّ الأمر يدور حول مدة دورات أفاعيل الإنتاج فيها، البالغة لحد الآن عشر سنوات في الخمسين سنة الأخيرة (1970، 1982، 1990، 2000، 2008)، فكثافة الدورات والقدرة الانفجارية للأزمات الآن، تشبه أواسط القرن التاسع عشر لأوروبا الصناعية، ولكن دون وجود أراضٍ شاسعة أمام الاستثمارات الجديدة، بل والدول التي كانت في تلك الفترة، مركز الاستثمارات لطواغيت الصناعة الأوروبية (كالصين، والهند، إلخ...) تحسب اليوم صناعتها، جزءاً أعظم من الصناعة العالمية. وإلى جانب الصناعة البريطانية القديمة، لا تقف الصناعة الأمريكية الحديثة وحدها فحسب، بل تقف الصناعات اليابانية، والصينية، والهندية، والتايوانية أيضاً، وإذا كانت هذه الدول ميدان الاستثمارات لرؤوس الأموال الأوروبية الفائضة في القرون السابقة، فاليوم تبحث كلُّ دولة من هذه الدول بدورها، الأسواق الجديدة لتصريف أموالها، و لاستثمارات جديدة في مناطق أخرى خارج بلدانهم.

وهكذا، فإنَّ كلَّ عنصر يمنع تكرار الأزمات السابقة في السوق الكونية، يصبح بدوره بذرة جديدة لأزمة أقوى وأعم من كلَّ ما سبقها من أزمات في تاريخ المجتمع العالمي لرأس مال، وخطاب مستر بوش الأخير حول الأزمة العالمية، دليل ساطع على ذلك، فكلُّ ما كان يحاول بوش أن يثبته ، هو أنَّ الأزمة التي نعيشها اليوم، ليست دليلاً على فشل الرأسمالية في إدارة المجتمع البشري. ولكن الواقع أنَّ أزمة اليوم، ككلِّ الأزمات الصناعية السابقة في تاريخ الرأسمالية، هي أدلة متكررة لعدم قدرة الرأسمالية، على إدارة مجتمع إنساني خالٍ من الأزمات، وما يلازمها من المصاعب الاجتماعية، أي البطالة، والمجاعة، والفقر، والحروب، فالأزمات تعني مطالبة التاريخ نفسه بإنهاء دور الرأسمالية في التاريخ، وتسليم الإنتاج إلى الكومونات الإنتاجية التي يشارك فيها كلُّ فرد من أفراد المجتمع، وتنظمها كومونات إدارية بدل السلطة السياسية، والنخبة البيروقراطية التي تعيش على جسد المجتمع، وتمتص خلاياه كالطفيليات التي لا تعيش إلاَّ على الدم. و يجب أن تمارس البشرية تنظيم إنتاجها بنفسها، وبمشاركة كلِّ فردٍ من أفراد المجتمع، إذا أرادت السيطرة على الاختلال في توازن الإنتاج، والأزمات الاقتصادية، فالمصائب الإنسانية لا تأتي من عدم حكم الفلاسفة للدولة، بل تأتي من وجود الدولة نفسها، أي كما يقول ميخائيل باكونين:

"والبشریة وصلت إلى إدارة نفسها منذ زمن طویل، وإنَّ مصدر مصائبها لا یوجد في هذا الشكل أو ذاك من أشكال السلطة، بل یوجد في جوهر السلطة ذاتها".

وهكذا، فكلُّ عنصر من عناصر إظهار الأزمات، هو مطالبة التاريخ نفسه بإعادة النظر في أسلوب الإنتاج الاجتماعي، وإدارة الأمور، أي إحلال كومونات إدارية محل السلطة البيروقراطية، فالمجتمع لا يسيطر على وباء الأزمات، ما لم يشارك كلُّ فرد من أفراده، في تنظيم مجتمعه، أي ما لم يتحرر البشر من السلطة السياسية، فالسلطة نفسها ليست سوى حشرة طفيلية، تعيق كلَّ التطور الإنساني الحر، وما الأزمات الاقتصادية إلاَّ دليل على عدم إمكانية سلطة الدولة على السيطرة على الأزمات، واختلال التوازن في الإنتاج، لأنَّ السلطة السياسية غير قادرة على تضمين السيطرة الجماعية، والواعية على الإنتاج الاجتماعي، مهما كانت ديمقراطيتها، وإذا كان البشر لا يريدون انقراض المجتمع الإنساني، فعليهم أن يعيدوا سيطرتهم الجماعية على الإنتاج، ولا يعني هذا سوى الاستعاضة عن السلطة السياسية بكومونات إدارية.

إنَّ سلطة الدولة، هي الحاجز التاريخي أمام التطور الحر والتقدم الطليق للمجتمع الإنساني وإنتاجه، وكلِّ فرد من أفراده، لذلك يجب أن يتحرر المجتمع من سلطة الدولة، لكي يسيطر على إنتاجه بصورة جماعية، وبدون هذه السيطرة الجماعية، لا يمكن السيطرة على اختلال التوازن في الإنتاج، مهما حاول الرأسماليون الحد من الأزمات الاقتصادية.

وهكذا، فإنَّ تاريخ القرون الأربعة الأخيرة لتطور الصناعة في العالم، يؤكد عدم إمكانية تجاوز الرأسمالية لأزماتها، وتعمق الأزمات أكثر فأكثر. إنَّ كلَّ خطوة للإنتاج الصناعي، وكلُّ ازدهار في المجتمع الرأسمالي، يأتي بعد إعادة التوازن المختل، لا يكون دون أزمة مسبقة، أمَّا سرعة تكرار الأزمات، فتتوقف عادةً على سرعة تقلص السوق العالمية، ونحن بالفعل في زمن هذا التقلص، وسوف يبدأ الصراع التنافسي الحاد قريباً، بين الرأسماليين الذين يغامرون بحياة البشرية لأجل أرباحهم. وهذا يعني، أنَّ نفس الظروف السابقة التي كانت بسبب التقدم الصناعي، والارتفاع في المعدل العام للربح، تسبب اليوم الازدياد في المنتجات الصناعية، وتراكم رأس المال من حيث القيمة، وفائضاً نسبياً من السكان، ونعني بالاختلال بكل بساطة، عدم استخدام العمال الفائضين لرأس المال الفائض؛ بسبب ضعف درجة استغلال العمل؛ أو بسبب ضعف معدل الربح الذي سيقدمونه مقابل درجة استغلال معينة، كما يقول كارل ماركس.

وهكذا، فنحن بالفعل نعيش في زمن يتحرك شيئاً فشيئاً، نحو انخفاض درجة استغلال العمل، وهبوط المعدل العام للربح، أي نحن بالفعل على أعتاب انفجار عالمي جديد، ولكن هل نحن على أعتاب ثورة أممية جديدة؟

المصادر:

- كارل ماركس – في الاستعمار
- كارل ماركس – رأس المال
- ميخائيل باكونين - Centralism eller självförvaltning الطبعة السويدية

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire