jeudi 13 novembre 2008

العمل المأجور والرأسمال


كارل ماركس
مقدمة فريدريك انجلس لطبعة عام 1891

صدر هذا البحث اولا في سلسلة من الافتتاحيات نشرتها ”الجريدة الرينانية الجديدة“1 في 1849 ابتداءً من 4 ابريل. وعماده المحاضرات التي القاها ماركس عام 1847، في رابطة العمال الالمان ببروكسيل. ولم تتم هذه السلسلة، ذلك ان التعهد الذي ينطوي عليه تعبير ”البقية تتبع“ الوارد في نهاية المقال المنشور في العدد 269 من الجريدة لم يتحقق نظراً للاحداث التي تسارعت في ذلك الحين – الغزو الروسي في المجر، الانتفاضات في مدن درسدن وايزيرلون والبرفلد وفي مقاطعتي البالاتينا وبادن – والتي ادت الى الغاء الجريدة نفسها (19 ماي 1849). ولم نجد قط مخطوطة البقية في اوراق ماركس بعد وفاته.

لقد صدر ”العمل المأجور والرأسمال“ في كراس واحد عدة مرات وصدر للمرة الاخيرة في عام 1884 في غوتنغين-زوريخ في ”المطبعة التعاونية السويسرية“. وفي جميع الطبعات الصادرة حتى الآن، طبع النص الاصلي بكل ضبط ودفة. ولكن هذه الطبعة الجديدة عبارة عن كراس للدعاية ومن المنوي نشر ما لا يقل عن 10.000 نسخة منها. ولذلك تساءلت فيما اذا كان ماركس يوافق على اعادة طبع النص الاصلي دون أي تعديل والحال هذه.

في العقد الخامس لم يكن ماركس قد انتهى من وضع انتقاده للاقتصاد السياسي. ولم ينجز هذا العمل الا في اواخر العقد السادس. ولذا فان كتاباته التي صدرت قبل الكراس الاول من مؤلفه ” مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي“ (1859) تختلف في بعض النقاط عما كتبه بعد عام 1859. فهي تحتوي تعابير وجملا كاملة تبدو، بالنسبة للمؤلفات اللاحقة، غير موفقة وحتى خاطئة. مع انه بديهي تماماً ان وجهة النظر السابقة هذه، التي هي درجة من درجات تطور المؤلف فكريا، انما يجب ان تنعكس ايضا في الطبعات العادية المعدة لجمهور القراء العاديين وان للمؤلف وللجمهور على السواء حقاً ثابتاً لا مراء فيه في اعادة طبع هذه الكتابات السابقة دون أي تعديل. وفي هذه الحال لن يخطر ببالي ابداً ان ابدل فيها كلمة واحدة.

ولكن الوضع يختلف حين تكون الطبعة الجديدة معدة للدعاية بين العمال، بوجه الحصر تقريبا. فمن المؤكد في مثل هذا الوضع ان ماركس كان عدل النص السابق الذي يعود الى عام 1849 وفقا لوجهة نظره الجديدة، واني على ثقة باني اعمل بروح ماركس تماما اذ الجأ في هذه الطبعة الى بعض التعديلات والاضافات التي لا بد منها لأجل بلوغ هذا الهدف وكل النقاط الجوهرية. ولذا اقول للقارىء سلفا : ها هو الكراس، لا كما دبجه ماركس في عام 1849، بل تقريبا كما كان من المحتمل ان يكتبه في عام 1891. هذا مع العلم ان تانص الحقيقي قد صدرت منه اعداد كبيرة من النسخ الى حد انها تتيح الانتظار الى ان اتمكن من اعادة طبعه فيما بعد دون أي تعديل في طبعة للمؤلفات الكاملة.

ان التعديلات التي اجريتها انما تدور كلها حول نقطة واحدة. فما يبيعه العامل للرأسمالي لقاء الاجرة، انما هو عمله حسب النص الاصلي، اما حسب النص الحالي فهو يبيع قوة عمله. ولا بد لي من ان اوضح اسباب هذا التعديل. ولا بد لي من ان اقدم الايضاحات للعمال لكي يروا ان المسألة ليست مجرد مسألة تعابير وكلمات، وانما هي، على العكس، نقطة من اهم النقاط في الاقتصاد السياسي بكليته. ولا بد لي ايضا ان اقدم هذه الايضاحات للبرجوازيين لكي يقتنعوا بان العمال الذين لو يحصلوا على أي تعليم والذين يمكن افهامهم بسهولة اصعب الابحاث الاقتصادية، هم أسمى بما لاحد له من اصحابنا ”المثقفين“ المتغطرسين الذين تظل مل هذه المسائل المعقدة لغزا مغلقا على عقولهم طوال حياتهم.

ان الاقتصاد السياسي الكلاسيكي2 يستمد من النشاط العملي الصناعي هذه الفكرة الرائجة بين الصناعيين وهي ان الصناعي يشتري عمل عماله ويدفع اجره. وقد كانت هذه الفكرة تكفي الصناعي تماما لمباشرة الاعمال والمحاسبة وحساب الاسعار. فما ان نقلت بكل سداجة الى ميدان الاقتصاد السياسي، حتى احدثت فيه بلبلة غريبة وتشوشا مدهشا.

ان الاقتصاد السياسي يواجه الواقع التالي، وهو ان اسعار جميع البضائع، ومنها سعر البضاعة التي يسميها ”العمل“ تتغير باستمرار ؛ وانها ترتفع وتهبط بفعل ظروف غاية في التنوع والتباين، وكثيرا ما لا تمت باية صلة الى انتاج البضاعة نفسها، فيبدو ان الاسعار انما تتحدد على وجه العموم بفعل الصدفة وحدها. ولكن، ما ان ظهر الاقتصاد السياسي بمظهر العلم3، حتى ترتب عليه، بين مهماته الاولى، ان يجد القانون الذي تختفي وراءه هذه الصدفة التي تشرف ظاهريا على أسعار البضائع، والذي يسيطر في الواقع على هذه الصدفة عينها. وضمن حدود هذه الاسعار التي تتقلب باستمرار، وترجحاتها تارة من أدنى الى أعلى وطورا من أعلى الى أدنى، بحث الاقتصاد السياسي عن النقطة الوسطية الثابتة التي تدور حولها هذه التقلبات وهذه الترجحات. وبكلمة موجزة، انطلق الاقتصاد السياسي من اسعار البضائع باحثا عن قيمة البضائع بوصفها القانون الذي يتحكم بالاسعار، عن القيمة التي تساعد على تفسير جميع ترجحات الاسعار والتي تمكن نسبتها كلها الى هذه القيمة في آخر المطاف.

والحال، ان الاقتصاد السياسي الكلاسيكي قد وجد ان قيمة البضاعة انما يحددها العمل الضروري لانتاجها والمتجسد فيها، واكتفى بهذا التفسير. وبوسعنا نحن ايضا ان نتوقف عنده لحظة. غير اني اجتنابا لكل سوء في الفهم، لا بد لي من ان اشير الى ان هذا التفسير لم يبق كافيا اطلاقا في ايامنا هذه. وقد كان ماركس اول من درس بتعمق قدرة العمل على خلق القيمة ووجد انه ليس كل عمل ضروري ظاهريا او فعلا لانتاج بضاعة معينة يضيف، في مطلق الاحوال، الى هذه البضاعة قدرا من القيمة يتناسب مع كمية العمل المبذول. فاذا قلنا اذن اليوم بايجاز، مع اقتصاديين امثال ريكاردو، ان قيمة بضاعة معينة انما يحددها العمل الضروري لانتاجها فانما لا تغيب عن بالنا ابدا التحفظات التي ابداها ماركس بهذا الصدد. وهكذا يكفي هنا. واننا لنجد البقية عند ماركس في كتابه ”مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي“ (1859) وفي المجلد الاول من ”رأس المال“.

ولكن ما ان طبق الاقتصاديون طريقة تحديد القيمة بالعمل، على البضاعة ”العمل“ حتى راحوا في تناقض اتر تناقض. فكيف تحدد قيمة ”العمل“ ؟ بالعمل الضروري المتجسد فيها. ثم أي قدر من العمل ينطوي عليه عمل العامل في اليوم، في الاسبوع، في الشهر، في السنة ؟ انه ينطوي على عمل يوم، اسبوع، شهر، سنة. فاذا كان العمل هو مقياس حميع القيم، فاننا لا نستطيع التعبير عن ”قيمة العمل“ الا في العمل. ولكننا لا نعرف شيئا على الاطلاق بشأن قيمة ساعة من العمل اذا عرفنا فقط انها تعادل ساعة من العمل. وهكذا لم نقترب من الهدف قيد شعرة ولم نفعل غير ان درنا في حلقة مفرغة.

ولذا حاول الاقتصاد السياسي الكلاسيكي استخدام طريقة اخرى. فهو يقول : ان قيمة بضاعة معينة انما تعادل نفقات انتاجها. ولكن، ما هي نفقات انتاج العمل ؟ للجواب عن هذا السؤال، يضطر الاقتصاديون مجافات المنطق بعض الشيء. ولما كان من غير الممكن، مع الاسف، تحديد نفقات انتاج العمل بالذات، فهم يحاولون اذ ذاك ان يعرفوا ما هي نفقات انتاج العامل. وهذه النفقات انما يمكن تحديدها. فهي تتغير حسب الزمن والظرف، ولكنها في اوضاع اجتماعية معينة، ومكان معين، وفرع معين من الانتاج، معينة ومعروفة على الاقل ضمن حدود ضيقة الى حد ما. ونحن نعيش اليوم في ظل سيادة الانتاج الرأسمالي حيث طبقة كبيرة من السكان، تنمو وتتكاثر يوما بعد يوم، لا تستطيع ان تعيش الا اذا عملت لقاء اجر من اجل مالكي وسائل الانتاج – من ادوات وآلات ومواد اولية ووسائل عيش. وعلى اساس هذا الاسلوب في الانتاج تتألف نفقات انتاج العامل من مجمل وسائل عيشه – او في مجمل اثمانها نقدا – التي هي ضرورية، بصورة وسطية، لمده بالقدرة على العمل، والحفاظ على هذه القدرة، للاستعاضة عنه بعامل جديد اذا ما اقصاه المرض او العمر او الموت عن الانتاج، أي لتمكين الطبقة العاملة من التناسل والتكاثر بالمقادير الضرورية. ولنفترض ان وسائل العيش هذه انما يبلغ ثمنها نقدا بصورة وسطية 3 ماركات في اليوم.

فان العامل يتقاضى اذن من الرأسمالي الذي يشغله اجرة قدرها 3 ماركات في اليوم. ولقاء هذه الاجرة، يشغله الرأسمالي، لنقل 12 ساعة في اليوم. وفي هذه الحال يفكر الرأسمالي على النحو التالي تقريبا :

لنفترض ان العامل – وهو خرّاط مثلا – انما يترثب عليه ان يصنع قطعة آلة وينتهي منها في يوم ولحد. ولنفترض ان المادة الاولية – لاحديد والنحاس الاصفر بشكلهما الضروري المحضر سلفاً – تكلف 20 ماركاً ؛ وان استهلاك الفحم في الآلة البخارية واستهلاك هذه الآلة نفسها والمخرطة وسائر الادوات التي يشتغل بها العامل، يبلغ، في يوم واحد، وبالنسبة لما يصرفه العامل، ما قيمته مارك واحد. لقد افترضنا ان اجرة العامل 3 ماركات في اليوم. وهكذا تبلغ تكاليف قطعة الآلة 24 ماركاً بالاجمال. ولكن الرأسمالي يحسب ان يحصل من زبنائه على ثمن وسطي قدره 27 ماركاً أي بزيادة 3 ماركات عن النفقات التي قدمها.

فمن اين جاءت هذه الماركات الثلاثة التي يضعها الرأسمالي في جيبه ؟ ان الاقتصاد السياسي الكلاسيكي يؤكد ان البضائع تباع بصورة وسطية حسب قيمتها، أي باسعار تناسب كميات العمل الضرورية التي تنطوي عليها هذه البضائع. فكأن متوسط ثمن قطعة الآلة التي اتخدناها مثالاً – أي 27 ماركاً – يساوي قيمتها، يساوي العمل المتجسد فيها. ولكن 21 ماركاً من اصل هذه الماركات الـ27، كانت فيمة موجودة قبل ان يبدأ صاحبنا الخراط العمل، منها 20 ماركاً تنطوي عليها المادة الاولية، ومارك واحد ينطوي عليه الفحم المحروق اثناء العمل او الآلات والادوات التي استخدمت لهذا الغرض ونقصت صلاحيتها للعمل بما يوازي هذا المبلغ. تبقى 6 ماركات اضيفت الى قيمة المادة الاولية. ولكن هذه الماركات الـ6، كما يقر به اقتصاديونا بالذات، لايمكنها ان تنجم الا من العمل الذي يضيفه عاملنا الى المادة الاولية. وهطذا فان عمله مدة 12 ساعة قد خلقت قيمة جديدة قدرها 6 ماركات ؛ وبالتالي فان قيمة عمله مدة 12 ساعة تعادل 6 ماركات. وعلى هذا النحو نكون قد توصلنا آخر المطاف الى اكتشاف ”قيمة العمل“.

” قف !“ - يهتف بنا خرّاطنا. – ”6 ماركات ؟ ولكنني لم اقبض الا 3 ماركات ! ان الرأسمالي يحلف الايمان المغلظة ان قيمة عملي مدة 12 ساعة لا تساوي الا 3 ماركات واذا طالبت بـ6، فانه يسخر مني. فما معنى هذا ؟“

واذا كنا بلغنا سابقا بقيمة العمل الى حلقة مفرغة، فها نحن الآن نتيه تماماً في خضم تناقض لا مخرج منه. لقد فتشنا عن قيمة العمل ووجدنا اكثر مما كان ينبغي لنا. فان قيمة 12 ساعة عمل هي 3 ماركات بالنسبة للعامل و6 ماركات بالنسبة للرأسمالي الذي يدفع منها للعامل اجرة 3 ماركات ويضع الماركات الثلاث الباقية في جيبه. وهكذا يكون للعمل بالتالي لا قيمة واحدة، بل قيمتان اثنتان ومتباينتان كل التباين ايضا !

ويزداد التناقض خراقة، ما ان نعيد القيم المعبر عنها نقدا الى وقت العمل. ففي ساعات العمل الـ12 نشأت قيمة جديدة قدرها 6 ماركات، أي 3 ماركات في 6 ساعات، وهو المبلغ الذي تلقاه العامل لقاء 12 ساعة عمل. وهكذا فان العامل تلقى لقاء 12 ساعة عمل ما يعادل منتوج 6 ساعات عمل. اذاً، اما ان يكون للعمل قيمتان احداهما ضعف الاخرى، واما ان 12 تساوي 6 ! وفي الحالتين كليهما، نصل الى مُحال.

ومهما بذلنا من الجهود، فاننا لن نخرج ابداً من هذا التناقض طالما اننا نتحدث عن شراء وبيع العمل وقيمة العمل. وهذا ما حدث بالضبط لاصحابنا الاقتصاديين. فان الشعبة الاخيرة من الاقتصاد السياسي الكلاسيكي، ونعني بها مذهب ريكاردو، قد انهارت لعجزها، بالدرجة الاولى، عن حل هذا التناقض. فقد وقع الاقتصاد السياسي الكلاسيكي في مأزق. وكان كارل ماركس هو الذي وجد السبيل للخروج من هذا المأزق

ان ما اعتبره الاقتصاديون تفقات انتاج ”العمل“، انما لم يكن نفقات انتاج العمل، بل نفقات انتاج العامل الحي نفسه. وما يبيعه العامل للرأسمالي ليس عمله. يقول ماركس : ”ما ان يبذأ العامل عمله حقا، حتى يكف عمله عن ان يكون ملكه، ولذا لا يعود بوسعه ان يبيعه.“4 فاكثر ما يستطيع ان يبيعه هو عمله المقبل، أي ان يقطع على نفسه عهداً بتحقيق عمل هو عمله المقبل، أي ان يقطع على نفسه عهداً بتحقيق عمل مين في اجلٍ معين. ولكنه، والحال هذه، لا يبيع عمله (الذي سيقوم به في المستقبل) انما يضع تحت تصرف الرأسمالي لمدة معينة (في حالة الاجرة اليومية) او للقيام بعمل معين (في حالة الاجرة بالقطعة) قوة عمله مقابل اجر معين ؛ فهو يؤجر او يبيع قوة عمله. غير ان قوة العمل هذه مرتبطة بشخصيه ارتباطا وثيقا لا يمكن فصم عراه. ولذا فان نفقات انتاجها تطابق بالتالي نفقات انتاجه هو بالذات. وما كان يسميه الاقتصاديون نفقات انتاج العمل انما هي بالضبط نفقات انتاج العامل وبالتالي نفقات انتاج قوة العمل. وبوسعنا ان نعود هكذا من نفقات انتاج قوة العمل الى قيمة قوة العمل، وتحديد كمية العمل الضروري اجتماعياً لانتاج قوة عمل من كيفية معينة، كما فعل ماركس في قسم شراء وبيع قوة العمل (”الرأسمال“، المجلد الاول، الفصل الرابع، الباب الثالث).

ولكن ماذا يحدث بعد ان يبيع العامل قوة عمله للرأسمالي، أي بعد ان يضعها تحت تصرفه مقابل اجر متفق عليه سلفا – سواء أكان اجرا يوميا ام اجرا بالقطعة ؟ ان الراسمالي يقود العامل الى مشغله او الى مصنعه حيث تتوافر جميع الاشياء الضرورية لعمله من مواد أولية، ومنتجات ثانوية (فحم، اصباغ، الخ.)، وادوات، وآلات. وفي هذا المشغل او في ذاك المصنع، يشرع العامل في الكدح والعمل. واجرته اليومية، كما سبق وافترضنا آنفا، 3 ماركات، - سواء أكسبها بالمياومة او بالقطعة، فالامر سيان. ونحن نفترض ايضا في هذه الحالة ان العامل، بعمله مدة 12 سلعة، انما يُضمن المواد الاولية المستخدمة قيمة جديدة قدرها 6 ماركات، هذه القيمة الجديدة يحققها الرأسمالي ببيع القطعة بعد الانتهاء من صنعها. ومن هذه الماركات الستة، يدفع 3 ماركات للعامل ؛ ويحتفظ لنفسه بالماركات الثلاثة الباقية. وهكذا، اذا خلق العامل في 12 ساعة قيمة قدرها 6 ماركات فانه يخلق في 6 ساعات قيمة قدرها 3 ماركات. فهو اذن، حين يشتغل 6 ساعات للرأسمالي، يرد للرأسمالي ما يعادل الماركات الثلاثة التي قبضها على شكل اجرة. فبعد 6 ساعات عمل، يكون كل منهما قد برأ ذمته تجاه الآخر ولا يترتب لاحدهما على الآخر أي شيء.

واذا الرأسمالي يصرخ الآن :”رويدك ! لقد استأجرت العامل ليوم كامل، 12 ساعة. و6 ساعات ليست سوى نصف يوم. اذن، إكدح وإعمل حتى تنتهي ابضا الساعات الستة الاخرى – وحينذاك فقط، يبرىء كل منا ذمته تجاه الآخر !“. ويجب على العامل ان يخضع بالفعل للعقد الذي قبل به ”بملء ارادته“ والذي تعهد بموجبه العمل 12 ساعة كاملة مقابل منتوج يكلف 6 ساعات عمل.

والحالة نفسها تماما في العمل بالقطعة. لنفترض ان عاملنا يصنع في 12 ساعة 12 قطعة من البضاعة عينها. وكل قطعة تكلف ماركين من المواد الاولية واستهلاك الآلات وتباع بماركين ونصف مارك. فاذا استندنا الى الافتراضات السابقة نفسها، فان الرأسمالي يعطي العامل 25 بفينيغا5 للقطعة، أي انه يعطيه مقابل 12 قطعة 3 ماركات ظل العامل يكدح 12 ساعة لكسبها. اما الرأسمالي، فيقبض مقابل الاثناعشرة قطعة 30 ماركاً ؛ وبعد خصم 24 ماركاً من هذا المبلغ مقابل المادة الاولية وتلف اللآلات يبقى 6 ماركات يدفع الرأسمالي منها 3 ماركات اجرة ويضع في جيبه 3 ماركات كما في الحالة الاولى. ففي الحالة الثانية ايضاً، يشتغل العامل 6 ساعات لنفسة، أي تعويضا لاجره (نصف ساعة في كل من الـ12 ساعة) و6 ساعات للرأسمالي.

ان الصعوبة التي تحطمت عليها جهود خيرة الاقتصاديين طالما انهم انطلقوا من قيمة ”العمل“ تزول ما ان ننطلق من قيمة ”قوة العمل“ لا من قيمة ”العمل“. فان قوة العمل هي في مجتمعنا الرأسمالي الحالي، بضاعة كجميع البضائع الاخرى، ولكنها مع ذلك بضاعة من نوع خاص تماماً. فانها بالفعل تتصف بميزة خاصة تتقوم في كونها قوة تخلق القيمة في كونها ينبوع قيمة، بل أكثر من ذلك، اذ انها تخلق عند استخدامها بصورة ملائمة، قيمة تفوق القيمة التي تملكها هي نفسها. وفي حالة الانتاج الراهنة، لا تنتج قوة العمل الانساني في يوم واحد فقط قيمة اكبر من القيمة التي تملكها والتي تكلفها هي نفسها ؛ فلدى كل اكتشاف علمي جديد، لدى كل اختراع تقني جديد، يزداد هذا الفائض من المنتوج اليومي لقوة العمل على كلفتها اليومية وبالتالي يقل القسم من العمل، الذي يضطر فيه الى تقديم عمله للرأسمالي دون أي مقابل.

هكذا هو النظام الاقتصادي لكل مجتمعنا الحالي : فان الطبقة العاملة وحدها هي التي تنتج جميع القيم. لان القيمة ليست سوى شكل آخر للعمل، ليست سوى التعبير الذي تعين به في مجتمعنا الرأسمالي الحالي كمية العمل الضروري اجتماعيا المتجسدة في بضاعة معينة. ولكن هذه القيم التي ينتجها العمال لا تخص العمال. انما تخص مالكي المواد الاولية والآلات والادوات والسلفيات المالية التي تتيح لهم شراء قوة عمل الطبقة العاملة. وهكذا لا يعود الى الطبقة العاملة من مجمل المنتجات التي تبدعها سوى قسم فقط. ان القسم الثاني الذي تحتفظ به الطبقة الرأسمالية والذي يترتب عليها الاكثر ان تتقاسمه ايضا مع طبقة الملاكين العقاريين يزداد اكثر، فاكثر، كما سبق ورأينا، لدى كل اكتشاف واختراع جديد، في حين ان القسم العائد الى الطبقة العاملة (محسوبا بالنسبة لكل فرد من افرادها) اما انه لا يزداد الا ببطء شديد وبصورة طفيفة لا يؤبه لها، واما انه يجمد على حاله واما ايضا انه ينقص في بعض الاحوال.

ولكن هذه الاكتشافات والاختراعات التي يزيح بعضها بعضا بسرعة متزايدة على الدوام، وهذا المردود من العمل الانساني الذي ينمو كل يوم بمقاييس لم يسمع لها بمثيل، انما تستثير في آخر المطاف نزاعا لا بد ان يؤدي بالاقتصاد الراسمالي الراهن الى التلاشي. فمن جهة، ثروات لا عد لها وفائض من المنتجات لا يستطيع المستهلكون شراءه. ومن جهة اخرى، السواد الاعظم من افراد المجتمع الذين تحولوا الى بروليتاريين، الى أجراء، وغدوا بالتالي عاجزين عن امتلاك هذا الفائض من المنتجات. وانقسام المجتمع الى طبقة صغيرة لا حد لغناها والى طبقة كبيرة من الاجراء غير المالكين يجعل هذا المجتمع يختنق في ترفهه بالذات، في حين ان الاغلبية الكبرى من افراده تكاد تكون غير محمية او حتى هي غير محمية اطلاقاً من غائلة البؤس المدقع. وهذا الوضع، انما يشتد يوما بعد يوم ما يتصف به من طابع اخرق لا فائدة منه. ولذا فان ازالته ضرورية وممكنة. ومن الممكن قيام نظام اجتماعي جديد حيث تزول فيه الفوارق بين الطبقات وحيث – ربما بعد مرحلة انتقال قصيرة، عجفاء لحد ما، ولكنها على كل حال مفيدة جداً اخلاقياً – بفضل استخدام قوى المجتمع الانتاجية الهائلة القائمة استخدامها منهاجيا، وبفضل استمرار تطور هذه القوى، وبفضل العمل الالزامي والمتساوي بالنسبة للجميع، - توضع وسائل الحياة والتمتع بالحياة والتطور والافادة من كل الامكانيات العقلية والجسمانية تحت تصرف الجميع وبوفرة متنامية على الدوام. والدليل على ان العمال يوطدون العزم اكثر فاكثر على الظفر بهذا النظام الاجتماعي الجديد عن طريق النضال امنا يقدمه لنا من على جانبي المحيط يوم اول ماي غذاً ويوم الاحد القادم، 3 ماي.6


فريدريك انجلس - لندن، 30 ابريل 1891.

كتب انجلس هذه المقدمة لطبعة
خاصة لبحت ماركس ”العمل المأجور
والرأسمال“ الذي صدر في برلين
عام 1891.وهو الذي نقدم في ما يلي.




العمل المأجور والرأسمال
كارل ماركس


لقد انتقدونا من مختلف الجهات لاننا لم نصف العلاقات الاقتصادية التي تشكل الاساس المادي للنضال الطبقي والوطني المعاصر. فاننا لم نتناول هذه العلاقات بانتظام الا حين برزت امامنا مباشرة في الاصطدامات السياسية.

فقد كان المقصود بالدرجة الاولى تتبع النضال الطبقي في مجرى التاريخ والبرهنة – على ضوء الاختبار وعى ضوء الحقائق التاريخية القائمة والمتجددة يوميا – على ان هزيمة الطبقة العاملة التي قامت بثورتي فبراير مارس7 قد كانت في الوقت نفسه هزيمة لخصوم الطبقة العاملة – أي الجمهوريين البرجوازيين في فرنسا والطبقات البرجوازية والفلاحية المناضلة ضد الحكم المطلق الاقطاعي في عموم القارة الاوروبية ؛ وعلى ان انتصار ”الجمهورية الشريفة“ في فرنسا كان في الوقت نفسه هزيمة الامم التي ردت على ثورة فبراير بحروب بطولية من اجل الاستقلال ؛ وعلى ان اوروبا، بسبب من هزيمة العمال الثوريين، عادت وهوت في لجة عبوديتها القديمة المزدوجة، العبودية الانجلو-روسية. معارك يونيو في باريس، وسقوط فيينا ومهزلة-مأساة برلين في نوفمبر عام 1848، وما بذلته بولونيا وايطاليا والمجر من جهود يائسة، وخنق ارلندة بالجوع، - تلك كانت الاحداث الرئيسية التي انعكس فيها بصورة مركزة الصراع الطبقي بين البرجوازية والطبقة العاملة في اوروبا واتاحت لنا ان نقدم الدليل على ان كل انتفاضة ثورية، مهما بدا هدفها بعيدا عن الصراع الطبقي، ستظل تمنى بالضرورة بالاخفاق الى ان تنتصر الطبقة العاملة الثورية، وان كل اصلاح اجتماعي يظل مجرد طوبوية ووهم الى ان تتقابل الثورة البروليتارية والثورة المضادة الاقطاعية بالسلاح في حرب عالمية، وفي بحثنا كما في الواقع، كانت بلجيكا وسويسرا كأنهما رسمان من النوع الكاريكاتوري والمضحك المبكي في لوحة التاريخ الكبرى، الاولى معروضة على انها الدولة النموذجية للملكية البرجوازية، والثانية على انها الدولة النمودجية للبرجوازية، وكل منهما تتصور انها مستقلة سواء عن الصراع الطبقي او الثورة الاوروبية.

وىلآن، وقد رأى قراؤنا الصراع الطبقي عام 1848 يتطور ويرتدي اشكالا سياسية هائلة. حان الحين للتعمق في دراسة العلاقات الاقتصادية نفسها التي يقوم عليها وجود البرجوازية وسيادتها الطبقية كما تقوم عليها عبودية العمال.

وسنعرض في ثلاثة فصول كبيرة :1 – العلاقات بين العمل المأجور والرأسمال، عبودية العمال، سيادة الرأسمال ؛ 2 – حتمية سير الطبقات البرجوازية المتوسطة وما يسمى فئة البورغير، في ظل النظام الحالي، في طريق الزوال ؛ 3 – استثمار الطبقات البرجوازية في مختلف امم اوروبا واخضاعها تجارياً من جانب طاغية السوق العالمية، أي انجلترا.

وسنحاول ان نقدم بحثا بسيطا وشعبيا قدر الامكان ودون ان نفترض لدى القارىء سابق معرفة بابسط مفاهيم الاقتصاد السياسي. فنحن نريد ان يفهمنا العمال. هذا مع العلم ان الجهل المذهل وفوضى الافكار حول ابسط العلاقات الاقتصادية يسودان في كل مكان في المانيا بين المدافعين الرسميين عن الوضع الراهن وحتى بين صانعي المعجزات الاشتراكيين والعباقرة السياسيين المغموطة افضالهم، الذين عند المانيا المجزأة منهم اكثر مما عندها مــن عاهـل (souverains).

لنعالج اذن المسألة الاولى :



ماهي الاجرة ؟ وكيف تحدد ؟



اذا سألت عددا من العمال عن مقدار اجورهم، لأجابك احدهم : ”اني اقبض من ربي عملي ماركاً واحداً في اليوم“، واجابك الثاني ”اني اقبض ماركين“، وهلمجراً. وتبعا لمختلف فروع العمل التي يعملون فيها، يذكرون مختلف المبالغ المالية التي يتقاضاها كل منهم من رب عمله لقاء القيام بعمل معين، مثلا لقاء حياكة متر من القماش او تركيب صفحة في المطبعة، ورغم تنوع اجوبتهم فانهم متفقون بالاجماع حول نقطة واحدة : ان الاجرة هي مبلغ المال الذي يدفعه الرأسمالي لقاء وقت محدد من العمل او لقاء القيام بعمل معين.

فالرأسمالي يشتري اذن (كما يبدو) عمل العمال بالمال. ولقاء المال يبيعونه عملهم. ولكن الامر ليس كذلك الا ظاهريا. فان ما يبيعونه في الواقع للرأسمالي لقاء المال، انما هو قوة عملهم. فالرأسمالي يشتري قوة العمل هذه ليوم واحد، لأسبوع، لشهر وهلمجرا. ومتى اشتراها، استخدمها بتشغيل العامل خلال الوقت المتفق عليه. وبهذا المبلغ المالي نفسه الذي اشترى به الرأسمالي قوة عمل العامل، بماركين، مثلا كان بوسعه ان يشتري كيلوغرامين من السكر او كمية معينة من بضاعة اخرى. فالماركان اللذان اشترى بهما كيلوغرامين من السكر هما ثمن الكيلوغرامين من السكر. والماركان اللذان اشترى بهما 12 ساعة من استخدام قوة العمل هما ثمن 12 ساعة من عمل. فقوة العمل اذن بضاعة شأنها شأن السكر لا أكثر ولا اقل. الاولى تقاس بالساعة والثانية بالميزان.

ان بضاعة العمال، أي قوة عملهم، انما يبادلونها ببضاعة الرأسمالي، بالمال، وهذا التبادل يتم وفق نسبة معينة. قدر معين من المال مقابل قدر معين من استخدام قوة العمل. مقابل 12 ساعة حياكة ماركان. وهذان الماركان، ألا يمثلان جميع البضائع الاخرى التي استطيع شراءها بماركين ؟ وهكذا بادل العامل ادن بضاعة، هي قوة العمل، ببضائع متنوعة، وذلك وفقا لنسبة معينة. فحين يعطيه الرأسمالي ماركين، فكأنه يعطيه قدراً معينا من اللحم، من الالبسة، من الحطب، من النور، الخ. مقابل يوم عمله، فهذان الماركان يعبران اذن عن النسبة التي يتم بموجبها تبادل قوة العمل ببضائع اخرى، أي انهما يعبران عن القيمة التبادلية لقوة العمل. ان القيمة التبادلية لبضاعة معينة، مقدرة بالمال، انما هي بالضبط ما يسمونه سعرها فــالاجرة ليست اذن سوى الاسم الخاص الذي يطلق على ثمن قوة العمل المسمى عادة ثمن العمل، ليست اذن سوى الاسم الخاص الذي يطلق على ثمن هذه البضاعة الخاصة التي لا يوجد منها الا في لحم الانسان ودمــه.

لنأخد أول عامل نصادفه، حائكا مثلا. فالرأسمالي يقدم له النول والخيطان. ويشرع الحائك في العمل وتصبح الخيطان قماشا. ويأخد الرأسمالي القماش ويبيعه بعشرين ماركا مثلا. فهل اجرة الحائك، في هذه الحال،حصة من القماش، من العشرين ماركا، من منتوج عمله ؟ كلا. لقد تقاضى الحائك اجرته قبل ان يباع القماش بزمن طويل، بل ربما تقاضاها حتى قبل ان يصنع القماش بزمن طويل. فالرأسمالي لا يدفع اذن هذه الاجرة من المال الذي حصل عليه من القماش، انما يدفعها من المال المكدس لديه سلفا. وكما ان النول والخيطان ليست من نتاج الحائك، انما قدمها له الرأسمالي، فان البضائع التي يحصل عليها الحائك مقابل بضاعته، قوة العمل، ليست من نتاجه. وقد لا يجد الرأسمالي ابدا مشتريا لقماشه. وقد لا يحصل من بيع القماش حتى على المبلغ الذي صرفه لدفع الاجرة. وقد يبيع القماش بفائدة كبيرة جدا بالنسبة لاجرة الحائك ؛ غير ان كل هذه الاحتمالات لا علاقة لها ابدا بالحائك. فالرأسمالي يشتري بقسم من ثروته الحالية، من رأسماله، قوة عمل الحائك، بنفس الطريقة التي حصل بها بقسم آخر من ثروته على المادة الاولية – الخيطان، واداة العمل – النول. وبعد اجراء هذه المشتريات، ومن ضمنها قوة العمل الضرورية لانتاج القماش، يشرع في الانتاج بواسطة مواد اولية وادوات عمل تخصه وحده دون غيره. ومن ضمن هذه الادوات، بالطبع، اصبح الآن صاحبنا الحائك الذي ليس له، شأنه شأن النول، أي حصة في المنتوج او في ثمنه.

فالاجرة ليست اذن حصة العامل في البضاعة التي انتجها. ان الاجرة هي قسم من بضاعة موجودة سلفا يشتري به الرأسمالي كمية معينة من قوة عمل منتجه.

فقوة العمل اذن بضاعة يبيعها مالكها، الاجير من الرأسمالي. لماذا يبيعها ؟ ليعيش.

ولكن ظاهرة قوة العمل، أي العمل، انما هي النشاط الحيوي للعامل، انما هي ظاهرة حياته بالذات. وهذا النشاط الحيوي هو ما يبيعه من شخص آخر، لكي يؤمن لنفسه وسائل العيش الضرورية. وهكذا فان نشاطه الحيوي ليس، بالنسبة له، سوى وسيلة تمكنه من العيش. فهو يعمل ليعيش. والعمل، بنظره، ليس جزءا من حياته، انما هو بالاحرى تضحية بحياته. انه بضاعة باعها من شخص آخر. ولذا فان نتاج نشاطه ليس كذلك هدف نشاطه. فما ينتجه لنفسه، ليس الحرير الذي ينسج، وليس الذهب الذي يستخرج من المنجم، وليس القصر الذي يبني. ان ما ينتجه لنفسه، انما هو الاجرة، ويتحول الحرير والذهب والقصر بالنسبة له الى كمية معينة من وسائل العيش، وربما الى قميص من القطن، او الى بعض النقود النحاسية، او الى منزل في قبو البناية. والعامل الذي يحيك طوال 12 ساعة او يغزل او يثقب او يخرط او يبني او يحفر او يقطع الحجر او ينقل الاثقال الخ.، أتراه يعتبر هذه الساعات الـ12 من الحياكة او الغزل او الثقب او الخرط او البناء الو الحفر او تقطيع الحجر، ظاهرة من ظاهرات حياته، أتراه يعتبرها حياته ؟ بالعكس، ان الحياة تبدأ بالنسبة له حيث يكف هذا النشاط، عند المائدة، في الحانة، في النوم على السرير. اما ساعات العمل الـ12، فانها لا تعني اطلاقا بنظره الحياكة والغزل والثقب، الخ ؛ انما تعني كسب ما يمكنه من الاكل، والذهاب الى الحانة، والنوم. ولو كانت دودة الحرير تغزل لتأمين عيشها كدودة، لكانت اجيرا كاملا. ان قوة العمل لم تكن دائما بضاعة. والعمل لم يكن دائما عملا مأجورا، أي عملا حراً. فـالعبد لا يبيع قوة عمله من مالك العبيد، كما ان الثور لا يبيع عمله من الفلاح. فالعبد يباع، بما فيه قوة عمله، من مالكه، بيعا تاما. وهو بضاعة يمكن ان تنتقل من يد مالك الى د مالك آخر. فهو نفسه بضاعة، ولكن قوة عمله ليست مضاعته هو. والقن لا يبيع الا قسما من قوة عمله. وليس هو الذي يتقاضى اجرا من مالك الارض، انما هو بالاحرى الذي يدفع جزية لمالك الارض.

ان القن من لوازم الارض وريع مالك الارض. اما العامل الحر، فهو بالعكس يبيع نفسه بنفسه، وذلك بالتقسيط. فهو يتنازل هن 8، 10، 12، 15 ساعة من حياته عن طيق المزايدات، يوما بعد يوم آخر، لأسخى العارضين، لمالك المواد الاولية وادوات العمل ووسائل العيش، أي للرأسمالي. فالعامل لا يخص مالكا وليس من لوازم الارض، ولكن 8، 10، 12، 15 ساعة من حياته اليومية تخص من يشتريها. والعامل يترك الرأسمالي الذي استأجره، ساعة يطيب له، والرأسمالي يصرفه ساعة يشاء، حين لا يبتز منه أي ربح او حين لا يجد منه الربح المأمول ولكن العامل الذي مورده الوحيد انما هو بيع قوة عمله لا يستطيع ترك طبقة المشترين بكليتها أي الطبقة الرأسمالية، والا مات جوعا. انه لا يخص هذا الرأسمالي او ذاك، بل يخص طبقة الرأسماليين برمتها، وعليه ان يجد فيها صاحبه، أي ان يجد مشتريا في هذه الطبقة الرأسمالية.

وقبل التعمق في بحث العلاقات بين الرأسمال والعمل المأجور، سنتناول الآن بايجاز الظروف العامة التي تسهم في تحديد الاجرة.

ان الاجرة، كما رأينا، انما هي ثمن بضاعة معينة، قوة العمل. فالاجرة تحددها اذن القوانين ذاتها التي تحدد ثمن اية بضاعة اخرى. ولذا، فالسؤال الذي يوضع هو السؤال التالي : كيف يتحدد سعر البضاعة ؟



ما الذي يحدد سعر بضاعة ما ؟



انها المزاحمة بين المشترين والبائعين، النسبة بين العرض والطلب، بين الطلب وتلبيته. والمزاحمة التي تحدد سعر بضاعة ما ثلاثية.

البضاعة ذاتها يعرضها مختلف الباعة. فالذي يبيع بضائع من الصنف نفسه بارخص الاسعار واثق من ازاحة سائر الباعة من ميدان المعركة وتأمين اكبر تصريف لبضائعه. وهكذا فان الباعة يتنازعون بعضهم بعضا تصريف البضائع، السوق. كل منهم يريد ان يبيع، ان يبيع اكثر ما يمكن، ان يبيع وحده ان امكن، دون سائر الباعة. ولهذا، فان احدهم يبيع بارخص مما يبيع الآخر. فتقوم بالتالي مزاحمة بين الباعة تخفض سعر البضائع التي يعرضون.

ولكن تقوم ايضا مزاحمة بين المشترين ترفع، من جانبها، اسعار البضائع المعروضة.

واخيرا، توجد مزاحمة بين المشترين والباعة ؛ فالمشترون يريدون ان يشتروا بارخص الاسعار، والباعة يريدون ان يبيعوا باعلى الاسعار. اما نتيجة هذه المزاحمة بين المشترين والباعة، فتتوقف على النسبة بين الطرفين المتزاحمين المشار اليهما اعلاه، أي على الواقع التالي : اية مزاحمة ستكون الاقوى – المزاحمة في جيش المشترين ام المزاحمة في جيش الباعة. فالصناعة تعبىء جيشين متجابهين، وكل منهما انما تحتدم معركة في صفوفه، بين قواته بالذات. فالجيش الذي يكون التضارب في داخل صفوفه اقل، يحرز الغلبة على الجيش الخصم.

لنفترض ان في السوق 100 حزمة قطن، وان هناك ايضا في الوقت نفسه مشترين يبتغون شراء 1000 حزمة قطن. فالطلب في هذه الحال يوازي عشرة امثال العرض. ولذا فان المزاحمة بين المشترين ستكون قوية جداً، فكل منهم يريد ان يحصل على حزمة، وان امكن على المئة حزمة. ان هذا المثال ليس بالفرضية الاعتباطية. فلقد عشنا في تاريخ التجارة فترات ساء فيها موسم القطن وسعى فيها بعض الرأسماليين المتحالفين الى شراء، لا 100 حزمة، بل جميع مخزونات القطن في العالم. وهكذا، فان كلا من المشترين، في الحالة المعينة، سيسعى الى ازاحة مشتري آخر من السوق بعرضه سعرا اعلى نسبيا لحزمة القطن. اما باعة القطن الذين يرون قوات الجيش الخصم تخوض معركة حامية الوطيس بعضها ضد بعض، والذين تأكدوا اطلاقا من بيع احزمتهم المئة بكليتها، فانهم سيمتنعون عن التضارب والتماسك بالشعر لكي لا ينخفض سعر القطن في فترة يتنافس فيها اخصامهم على رفعه. واذا السلام يستتب فجأة في معسكر الباعة. انهم كرجل واحد ازاء المشترين، ويتكتفون كالفلاسفة8، وتكاد مطالبهم لا تعرف حداً لو ان عروض اولئك الذين اشد ما يلحون على الشراء لم تكن لها حدود معينة، بينة.

وهكذا، اذا كان عرض بضاعة ما اضعف من الطلب عليها، فليس ثمة اطلاقا او تقريبا اية مزاحمة بين الباعة. وبقدر ما تخف هذه المزاحمة تنمو المزاحمة بين المشترين. النتيجة : ارتفاع كبير الى هذا الحد او ذاك في اسعار البضائع.

ومعلوم ان الحالة المعاكسة مع نتيجتها المعاكسة اكثر حدوثاً : فائض كبير في العرض على الطلب ؛ مزاحمة عنيفة بين الباعة ؛ قلة في المشترين ؛ بيع البضائع باسعار بخسة.

ولكن ما معنى ارتفاع الاسعار وهبوط الاسعار، ما معنى السعر العالي والسعر الزهيد ؟ ان حبة الرمل كبير اذا رأيتها عبر مجهر، والبرج صغير بالقياس الى الجبل. واذا كان السعر انما تحدده النسبة بين العرض والطلب، فما الذي يحدد النسبة بين العرض والطلب ؟

لنسأل أي برجوازي نشاهده. فانه لن يتردد لحظة، وسيقطع بضربة واحدة كأنه الاسكندر ذو القرنين هذه العقدة الميتافيزيقية المعقدة بواسطة جدول الضرب وسيقول لنا : اذا كلفني انتاج البضاعة التي ابيعها 100 مارك، واذا بعت هذه البضاعة بـ110 ماركات – بعد سنة طبعا، - حصلت على ربح متواضع، شريف، ملائم. واذا بعتها بـ120، 130 ماركاً، حصلت على ربح عال ؛ واخيرا، اذا بعتها بـ200 مارك، حصلت على ربح استثنائي، هائل. فاي عامل يستخدمه البرجوازي اذن لقياس ربحه ؟ نفقات انتاج بضاعته. فاذا حصل مقابل هذه البضاعة على قدر من البضائع الاخرى كلف انتاجها اقل، فقد منى بخسارة. واذا حصل مقابل بضاعته على قدر من البضائع الاخرى كلف انتاجها اكثر، فقد حقق ربحاً. وهذا الهبوط او الارتفاع في الربح، انما يقيسه بعدد الدرجات التي تهبط بها القيمة التبادلية لبضاعته تحت الصفر او ترتفع فوق الصفر، باعتبار الصفر نفقات الانتاج.

لقد رأينا كيف ان تغير النسبة بين العرض والطلب يتسبب تارة بارتفاع الاسعار وطورا بهبوطها، ويؤدي تارة الى اسعار مرتفعة وطورا الى اسعار متدنبة.

فاذا ارتفع سعر بضاعة ارتفاعا كبيرا بسبب من عرض غير كاف او بسبب من طلب متزايد بلا حدود، فلا بد من ان سعر بضاعة اخرى قد هبط، بنسبة معينة، لان سعر بضاعة ما لا يفعل غير ان يعبر بالنقد عن النسبة التي تتم بموجبها مبادلة هذه البضاعة ببضائع اخرى. فاذا ارتفع سعر متر من الحرير من 5 ماركات الى 6 ماركات، فان سعر الفضة قد هبط بالنسبة للحرير، كما ان سعر جميع البضائع الاخرى التي ظات بسعرها السابق، قد هبط ايضا بالنسبة للحرير التي ظلت بسعرها السابق، قد هبط ايضا بالنسبة للحرير فللحصول على الكمية نفسها من الحرير، ينبغي الآن اعطاء كمية اكبر من البضائع مقابلها.

فاِلاَمَ يؤدي ارتفاع سعر بضاعة من البضائع ؟ ان الرساميل ستتدفق بالجملة على الفرع الصناعي المزدهر، وهذه الهجرة من الرساميل الى الفرع الصناعي الناجح تدوم ما دام الربح في هذا الفرع لا يهبط الى المستوى العادي او بالاحرى حتى الفترة التي تهبط فيها اسعار منتجاته، بسبب من فيض الانتاج، الى ما دون نفقات الانتاج. وبالعكس. اذا هبط سعر بضاعة من البضائع الى ما دون نفقات الانتاج، انسحبت الراساميل من انتاج هذه البضاعة. وباستثناء الحالة التي لا يستجيب فيها فرع صناعي معين لمتطلبات الزمن ولا يبقى له الا ان يزول، فان انتاج هذه الراساميل هذا الى ان يتناسب مع الطلب، فيرتفع بالتالي سعرها من جديد حتى يبلغ مستوى نفقات انتاجها او بالاحرى حتى يقل العرض عن الطلب، أي حتى يرتفع سعرها من جديد فوق نفقات انتاجها، لان السعر الجاري لبضاعة ما انما هو دائما ادنى او اعلى من نفقات انتاجها.

اننا نرى ان الراساميل في هجرة وتهجير بشكل دائم، متنقلة من فرع انتاجي الى فرع آخر. وان ارتفاع الاسعار وهبوطها يؤديان الى هجرة وتهجير شديدن جداً.

وبوسعنا ان نبين من وجهة نظر أخرى ان نفقات الانتاج لا تحدد العرض وحسب، بل الطلب ايضا. ولكن هذا الامر يبعدنا كثيرا عن موضوعنا.

لقد رأينا للتو ان تقلبات العرض والطلب تعيد دائما من جديد سعر بضاعة ما الى مستوى نفقات انتاجها. ان السعر الفعلي لبضاعة ما هو حقا دائما ادنى او اعلى من نفقات انتاجها، ولكن الارتفاع والهبوط يتكاملان، حتى اننا اذا جمعنا حصيلة المد والجزر في الصناعة، في حدود فترة معينة من الزمن، تبين لنا ان البضائع امنا تتم مبادلتها بعضها ببعض وفقا لنفقات انتاجها، أي ان نفقات انتاجها هي التي تحدد سعرها.

ان هذا التحديد للسع بنفقات الانتاج، لا يجب فهمه كما يفهمه الاقتصاديون. فالاقتصاديون يقولون ان السعر الوسطي للبضائع يوازي نفقات الانتاج ؛ وان ذلك في رأيهم هو القانون. وهم يعتبرون انها من قبيل الصدفة هذه الحركة الفوضوية التي يعوض بواسطتها ارتفاع السعر عن هبوطه، وهبوط السعر عن ارتفاعه. وعلى هذا الاساس، يكون بوسع المرء ان يعتبر بنفس القدر من الصواب ان تقلبات الاسعار هي القانون، وان تحديد الاسعار بنفقات الانتاج هو من باب الصدفة. وهذا ما يقول به بعض الاقتصاديين. ولكن الحقيقة هي ان هذه التقلبات التي تفضي، كما يتضح عند النظر فيها عن كثب، الى اشد التدميرات ارهابا، وتزعزع المجتمع البرجوازي حتى اسسه، اشبه بالزلازل الارضية، هي وحدها التي، بقدر ما تحدث، تحدد الاسعار بنفقات الانتاج. ان مجمل حركة هذه الفوضى هو نظامها بالذات. وفي غمار هذه الفوضى الصناعية، في غمار هذه الحركة الدائرة على نفسها، تعوض المزاحمة، اذا جاز القول، عن تطرف.

وهكذا نرى ان سعر بضاعة ما يتحدد بنفقات انتاجها بصورة نجد معها ان الفترات التي يرتفع فيها سعر هذه البضاعة فوق نفقات انتاجها تعوضها الفترات التي يهبط فيها دون نفقلت الانتاج، والعكس بالعكس. وطبيعي ان هذا القول لا يصح على كل من المنتجات بمفرده، انما يصح فقط على عموم الفرع الصناعي. وبالتالي فان هذا القول لا يصح ايضا على صناعي بمفرده، بل يصح فقط على عموم طبقة الصناعيين.

ان تحديد السعر بنفقات الانتاج مماثل لتحديد السعر بوقت العمل الضروري لانتاج بضاعة ما، لان نفقات الانتاج تتألف، أولا، من المواد الاولية واستهلاك الادوات، أي من منتجات صناعية كلف انتاجها قدرا معينا من ايام العمل، وتمثل بالتالي قدرا معينا من وقت العمل، وثانيا، من العمل المباشر الذي يقاس ايضا بالوقت.

وهذه القوانين العامة عينها التي تتحكم عامة بسعر البضائع، تتحكم ايضا طبعا بالاجرة، بسعر العمل.

ان اجرة العمل سترتفع تارة، وتنخفض طورا، تبعا للنسبة بين العرض والطلب، تبعا لحالة المزاحمة بين مشتري قوة العمل، الرأسماليين، وباعة قوة العمل، العمال. وتقلبات اسعار البضائع بصورة عامة انما تطابقها تقلبات الاجور. ولكن في حدود هذه التقلبات، يتحدد سعر العمل بنفقات الانتاج، بوقت العمل الضروري لانتاج هذه البضاعة التي هي قوة العمل.

ولكن اية نفقات انتاج قوة العمل ؟ انها النفقات الضرورية لابقاء العامل بوصفه عاملا ولجعله عاملا.

ولهذا، كلما قل ما يتطلبه عمل معين من الوقت لاجل التدريب المهني، قلت نفقات انتاج العامل، هبط سعر عمله، وهبطت اجرته. ففي الفروع الصناعية التي تكاد لا تتطلب أي تدريب مهني، والتي يكفي فيها مجرد وجود العامل ماديا، تكاد نفقات الانتاج الضرورية له تقتصر بوجه الحصر على البضائع الضرورية لاعاشته ولحفظ قدرته على العمل. ولهذا يتحدد سعر عمله في هذا الحال بسعر الوسائل الضرورية للعيش.

بيد ان اعتباراً آخر ينضم الى هذه الاعتبارات.

فان الصناعي الذي يحسب نفقات انتاجه وعلى اساسها سعر المنتجات، يدخل في حساباته استهلاك ادوات العمل. فاذا كلفته آلة ما 1000 مارك، مثلا، واذا كان سيستهلكها في عشر سنوات، فانه يضيف كل سنة 100 مارك على سعر البضاعة لكي يتمكن من الاستعاضة بعد عشر سنوات عن الالة البالية بآلة جديدة. وعلى النحو نفسه، ينبغي ان تشتمل نفقات انتاج قوة العمل البسيطة على نفقات التناسل الذي يتمكن جنس العمال بواسته من التكاثر ومن احلال العمال الجدد محل العمال المستهلكين. وهكذا يؤخذ استهلاك العمال في الحساب شأنه شأن استهلاك الآلة.

ان نفقات انتاج قوة العمل البسيطة تتألف اذن من نفقات معيشة وتناسل العامل. وسعر نفقات المعيشةوالتناسل هذه تشكل الاجرة. والاجرة المحددة على هذا النحو تسمى الحد الادنى للاجرة. مهذا الحد الادنى للاجرة، شأنه شأن تحديد سعر البضائع بنفقات الانتاج على وجه العموم، انما يصح على الجنس، لا على الفرد بمفرده، فهناك عمال، ملايين العمال لا يحصلون على ما يكفي للمعيشة والتناسل ؛ ولكن اجر الطبقة العاملة بأسرها يساوي هذا الحد الادنى، ضمن حدود تقلباتها.

والآن، وقد اوضحنا أعم القوانين التي تحدد الاجرة وكذلك سعر اية بضاعة اخرى، نستطع ان نتعمق اكثر في موضوعنا.

يتألف الرأسمال من مواد اولية وادوات عمل ووسائل معيشة مختلفة، تستخدم لانتاج مواد اولية جديدة وادوات عمل جديدة ووسائل معيشة جديدة. وكل هذه الاجزاء التي تؤلف الرأسمال انما هي من خُلق العمل من انتاج العمل، من العمل المكدس. فالعمل المكدس الذي يتخد وسيلة لانتاج جديد، هو رأسمال.

هكذا يقول الاقتصاديون.

من هو العبد الزنجي ؟ انسان من العرق الاسود. ان قيمة هذا التفسير تعادل حقا قيمة التفسير السابق.

الزنجي هو زنجي. ولا يصبح عبدا الا في ظروف معينة. وآلة غزل القطن هي آلة لغزل القطن. ولا تصبح رأسمالا الا في ظروف معينة. وبدون هذه الظروف، لا تكون رأسمالا، شأنها شأن الذهب الذي ليس بحد ذاته عملة او السكر الذي ليس هو بـسعرالسكر.

في الانتاج، لا يؤثر الناس في الطبيعة فقط،، بل يؤثر بعضهم في البعض الآخر ايضا. فهم لا يستطيعون ان ينتجوا الا بالتعاون فيما بينهم. ومن اجل ان ينتجوا، يدخل بعضهم مع بعض في صلات وعلاقات معينة، ولا يتم تأثيرهم في الطبيعة، أي لا يتم الانتاج، الا في حدود هذه الصلات والعلاقات الاجتماعية.

وتبعا لطابع وسائل الانتاج، تختلف بالطبع هذه العلاقات الاجتماعية التي تقوم بين المنتجين، والاحوال التي يتبادلون فيها النشاط ويشتركون في مجمل الانتاج. فان اكتشاف آلة حربية جديدة هي السلاح الناري، قد ادى بالضرورة الى تعديل كل التنظيم الداخلي للجيش ؛ وتغيرت العلاقات التي يؤلف معها الافراد جيشا ويستطيعون فيها العمل بوصفهم جيشا، كما تغيرت ايضا علاقات مختلف الجيوش فيما بينها.

وبالتالي، ان العلاقات الاجتماعية التي ينتج الافراد بموجبها، أي علاقات الانتاج الاجتماعية، تتغير وتتحول مع تغير وسائل الانتاج المادية وتطورها، مع تغير القوى المنتجة وتطورها. وعلاقات الانتاج تشكل بمجموعها ما يسمى العلاقات الاجتماعية، المجتمع وتشكل مجتمعا في مرحلة معينة من التطور التاريخي، مجتمعا مميزا، معينا. فان المجتمع القديم، المجتمع الاقطاعي، والمجتمع البرجوازي هي مجموعات من علاقات الانتاج، كل مجموعة منها تميز في الوقت نفسه مرحلة خاصة من مراحل تطور الانسانية التاريخي.

والرأسمال يمثل ايضا علاقات انتاج اجتماعية. هي عبارة عن علاقات انتاج برجوازية أي علاقات انتاج المجتمع البرجوازي. فان وسائل المعيشة وادوات العمل والمواد الاولية التي يتألف منها الرأسمال، ألم تنتج وتكدس في احوال اجتماعية معينة، ووفقا لعلاقات اجتماعية معينة ؟ ألا تستخدم لانتاج جديد في احوال اجتماعية معينة ، وفي اطار علاقات اجتماعية معينة ؟ أوليس هذا الطابع الاجتماعي المعين هو الذي يحول المنتجات التي تستخدم للانتاج الجديد الى رأسمال ؟

ان الرأسمال لا يتألف فقط من وسائل المعيشة وادوات العمل والمواد الاولية، لا يتألف فقط من المنتجات المادية ؛ انما يتألف ايضا من القيم التبادلية. فجميع المنتجات التي يتألف منها هي بضائع. فليس الرأسمال اذن مجرد مجموعة من المنتجات المادية، انما هو مجموعة من البضائع، من القيم التبادلية، من المقادير الاجتماعية.

ان الرأسمال يبقى هو نفسه سواء استبدلنا القطن بالصوف والارز بالقمح والسفن البخارية بالسكك الحديدية، بشرط ان يكون للقطن، للارز، للسفن البخارية –جسد الرأسمال – القيمة التبادلية نفسها، السعر نفسه الذي للصوف والقمح والسكك الحديدية التي كان مجسدا فيها سلفا. ان جسد الراسمال قد يتغير على الدوام دون ان يطرأ على الرأسمال أي تغيير.

ولكن اذا كان كل رأسمال عبارة عن مجموعة من البضائع أي من القيم التبادلية، فان كل مجموعة من البضائع، من القيم التبادلية، ليست رأسمالا.

ان كل مجموعة من القيم التبادلية هي قيمة تبادلية واحدة. وكل قيمة تبادلية هي مجموعة من القيم التبادلية. مثلا، ان بيتا يساوي 1000 مارك هو قيمة تبادلية قدرها 1000 مارك. وصفحة من ورق تساوي بفينيغا هي مجموعة من القيم التبادلية قدرها 100/100 من البفينيغ. ان المنتجات التي يمكن مبادلتها بمنتجات اخرى هي بضائع. وبالنسبة المعينة التي تجري بموجبها مبادلة هذه المنتجات تشكل قيمتها التبادلية، او بالتعبير النقدي، سعرها. وان حجم هذه المنتجات لا يمكن ان يغير شيئا في كونها بضاعة او كونها قيمة تبادلية او كونها ذات سعر محدد. وسواء أكانت الشجرة كبيرة او صغيرة، فانها تبقى شجرة. وسواء بادلنا الحديد ارطالا او اطنانا بمنتجات اخرى، فهل يغير هذا في طابعه، في كونه بضاعة، قيمة تبادلية ؟ ان الحديد تتفاوت قيمته ويتباين سعره تبعا لكميته.

ولكن كيف تصبح كمية معينة من البضائع، من القيم التبادلية رأسمالا ؟

انها تصبح رأسمالا بسبب انها، بوصفها قوة اجتماعية مستقلة، أي بوصفها قوة تابعة لقسم من المجتمع، تبقى وتنمو عن طريق مبادلتها بقوة العمل المباشرة، الحية. ان وجود طبقة لا تملك غير قدرتها على العمل هو شرط ضروري للرأسمال.

ان سيطرة العمل المكدس، الماضي، المتجسد على العمل المباشر، الحي هي وحدها التي تحول العمل المكدس الى رأسمال.

ان جوهر الرأسمال ليس في كون العمل المكدس وسيلة للعمل الحي من أجل تحقيق انتاج جديد، بل في كون العمل الحي وسيلة لحفظ قيمة العمل المكدس التبادلية ولزيادتها.

ماذا يجري عند التبادل بين الرأسمالي والاجير ؟

يتلقى العامل وسائل معيشته مقابل قوة عمله، لكن الرأسمالي يحصل مقابل ما قدمه من وسائل المعيشة، على العمل على نشاط العامل المنتج، على القوة الخلاقة التي بواسطتها لا يرد العامل ما استهلكه وحسب، بل يعطي ايضا العمل المكدس قيمة اكبر من قيمته السابقة. ان العامل يتلقى من الرأسمالي قسما من وسائل المعيشة الموجودة. لاي غرض تفيده وشائل المعيشة هذه ؟ للاستهلاك المباشر. ولكنني ما ان استهلك وسائل المعيشة، حتى تضيع مني الى الابد بالنسبة الي، الا اذا استخدمت الوقت الذي تؤمن فيه هذه الوسائل وجودي، لكي انتج وسائل عيش جديدة، لكي اخلق بعملي خلال هذا الوقت، قيما جديدة عوضا عن القيم التي ازلتها باستهلاكها. ولكن أليست بالضبط هذه القوة الخلاقة النبيلة هي التي يتنازل عنها العامل للرأسمالي مقابل وسائل العيش التي يتلقاها ! فهي، بالتالي، تصبح مفقودة بالنسبة للعامل.

لنأخذ مثلا، مزارع يعطي عامله المياوم 5 غروشن في اليوم. ومقابل هذه اغروشنات الخمسة، يشتغل هذا العامل كل النهار في حقول المزارع ويؤمن له على هذا النحو دخلا قدره عشر غروشنات. وهكذا لا يسترد المزارع فقط القيم التي يترتب عليه التنازل عنها للعامل المياوم، بل يضاعفها ايضا. فقد استخدم واستهلك اذن، بصورة مثمرة، منتجة، الغروشنات الخمسة التي اعطاها للعامل المياوم ؛ فقد اشترى بهذه الغروشنات الخمسة عمل وقوة العامل المياوم اللذين يستنبتان منتجات زراعية ذات قيمة مضاعفة، ويحولان الغروشنات الخمسة الى مائة غروشن. اما العامل المياوم، فانه يتلقى مقابل قوته المنتجة التي تنازل عن مفاعيلها للمزارع، خمس غروشنات يبادلها بوسائل معيشة يستهلكها على اشكال مختلفة من السرعة او البطء. وهكذا استهلكت الغروشنات الخمسة بصورة مزدوجة : بصورة منتجة بالنسبة للرأسمال، اذ بودلت بقوة عمل9 درت 10 غروشنات، وبصورة غير منتجة بالنسبة للعامل، اذ بودلت بوسائل معيشة زالت الى الابد ولا يمكنه ان يعيد قيمتها من جديد الا اذا كرر التبادل نفسه مع المزارع. فالرأسمال يفترض اذن العمل المأجور، والعمل المأجور يفترض الرأسمال. فكل منهما شرط الآخر ؛ كل منهما يخلق الآخر.

العامل في معمل للمنسوجات القطنية، أتراه لا ينتج الا المنسوجات القطنية ؟ كلا، انه ينتج قيما تستغل بدورها للشيطرة على عمله لكي يخلق بعمله هذا قيما جديدة.

ان الرأسمال لايمكن له ان يتكاثر الا اذا بودل بقوة العمل، الا اذا خلق العمل المأجور. ان قوة عمل العامل المأجور لا يمكن مبادلتها بالرأسمال، الا اذا كانت تزيد الرأسمال، وتعزز بالضبط تلك السيطرة التي تستعبدها. وهكذا فان تكاثر الرأسمال هو بالتالي تكاثر البروليتاريا، أي الطبقة العاملة.

ولذا، فان مصلحة الرأسمالي والعامل واحدة – هكذا يزعم البرجوازيون واقتصاديوهم. فعلا ! ان العامل يهلك اذا لم يشغله الرأسمال. والرأسمال يزول اذا لم يستثمر قوة العمل، ولكي يستثمرها، لا بد له ان يشتريها. وبقدر ما يسرع ويتكاثر الرأسمال المعد للانتاج، الرأسمال المنتج، وبقدر ما تزدهر الصناعة بالتالي، وتغتني البرجوازية، وتتحسن الاحوال، بقدر ما يحتاج الرأسمالي الى مزيد من العمال، ويبيع العامل نفسه بمزيد من الاجر.

قالشرط الضروري الذي لا غنى عنه لكي يكون العامل في وضع مقبول، انما هو اذن نمو الرأسمال المنتج نمواً سريعا قدر الامكان.

ولكن ما يعنى نمو الرأسمال المنتج ؟ انه يعني نمو سيطرة العمل المكدس على العمل الحي، انه يعني نمو سيطرة البرجوازية على الطبقة العاملة. فحين ينتج العمل المأجور ثروة الآخرين التي تسيطر عليه، القوة التي تعاديه، الرأسمال، فان وسائل تشغيله (Beschäftigungsmittel)، أي وسائل معيشته، تعود من الرأسمال اليه، شرط ان يصبح، من جديد، قسماً من الرأسمال، المحرك الذي يقدف بالرأسمال من جديد الى حركة نمو متسارعة.

ان الادعاء بان مصالح الرأسمال ومصالح العمال واحدة لا يعني في الحقيقة الا ان الرأسمال والعمل المأجور هما طرفا علاقة واحدة يشترط فيما الآخر كما يشترط المرابي والمبدد احدهما الآخر.

فما دام العامل المأجور عاملا مأجوراً، ظل مصيره رهنا بالرأسمال. تلك هي وحدة مصالح العامل والرأسمالي المزعومة.

فحين ينمو الرأسمال، يتضخم حجم العمل المأجور، ويزداد عدد العمال المأجورين، أي بكلمة، تمتد سيطرة الرأسمال وتشمل عددا اكبر من الافراد. ولنفترض احسن الاحوال : حين ينمو الرأسمال المنتج، يزداد الطلب على العمل، وبالتالي يتصاعد سعر العمل، الاجرة.

مهما يكن البيت، أي بيت، صغيرا، فهو يلبي كل ما يتطلب اجتماعيا من البيت، ما دامت البيوت المجاورة صغيرة ايضا. ولكن ما ان يرتفع قصر منيف الى جانب البيت الصغير، حتى ينحط البيت الصغير الى مرتبة كوخ حقير. واذ ذاك يغدو البيت الصغير الدليل على ان صاحبه لا يمكن له ان يكون متطلباً، او انه لا يمكن ان يكون له غير متطلبات متواضعة جداً. ويمكن للبيت الصغير ان يكبر قدر ما يشاء في مجرى تطور الحضارة، ولكن، اذا كبر القصر المجاور بالسرعة نفسها او بمقياس اكبر، فان ساكن البيت الصغير نسبيا سيشعر بتزايد عسره، بتعاظم استيائه، بالضيق بين جدران بيته الاربعة.

ان زيادة الاجرة زيادة محسوسة لحد ما يفترض نموا سريعا في الرأسمال المنتج. والنمو السريع في الرأسمال المنتج يفضي الى نمو الثروة، الترف، والحاجات والمسرات الاجتماعية بالسرعة نفسها. وهكذا، ان تكن المسرات في متناول العامل قد زادت، الا ان الارتياح الاجتماعي الذي تبعثه في نفسه قد خف، بالقياس الى تزايد مسرات الرأسمالي التي ليست في متناول العامل وبالقياس الى مستوى تطور المجتمع بوجه عام. فان حاجاتنا ومسراتنا انما تنبع من المجتمع ونحن لا نقيسها بالاغراض التي تلبيها، بل نقيسها بمقاييس اجتماعية. فحاجاتنا ومسراتنا تتسم بطابع اجتماعي ولذا فانها نسبية.

والاجرة لا تحددها فقط بوجه العموم كمية البضائع التي استطيع الحصول عليها بالمقابل. انما تنطوي على شتى العلاقات.

اولا، ان ما يتلقاه العامل مقابل قوة عمله، انما هو مبلغ معين من النقد. ترى، هل الاجرة لا يحددها الا هذا السعر نقداً ؟

في القرن السادس عشر، ازداد المتداول من الذهب والفضة في اوروبا اثر اكتشاف مناجم امريكا اغنى واسهل للاستثمار. ومن جراء ذلك، هبطت قيمة الذهب والفضة بالقياس الى سائر البضائع. واستمر العمال يتقاضون القدر نفسه من الفضة النقدية مقابل قوة عملهم. لقد ظل سعر عملهم نقداً كما كان عليه، ولكن اجرتهم هبطت رغم ذلك اذ امسوا يتلقون مقداراً اقل من البضائع الاخرى مقابل الكمية نفسها من الفضة. وكان هذا من العوامل التي يسرت تنامي الرأسمال ونهوض البرجوازية في القرن السادس عشر.

لنأخد حالة أخرى. في شتاء 1848، ازدادت اسعار اهم وسائل العيش، الخبز واللحم والزبدة والجبنة وغيرها، زيادة كبيرة، بسبب من سوء الموسم. لنفترض ان العمال ظلوا يتقاضون المبلغ نفسه من النقد مقابل قوة عملهم. ألم تنخفض اجرتهم في هذه الحال ؟ اجل. فمقابل المبلغ نفسه من النقد، امسوا يتلقون قدراً اقل من الخبز واللحم، الخ.. ولقد هبطت اجرتهم، لا لأن قيمة الفضة قد هبطت، بل لأن قيمة وسائل العيش قد ازدادت.

لنفترض اخيراً ان سعر العمل نقداً ظل على حاله دون تغيير، بينما هبطت اسعار جميع المنتجات الزراعية والسلع الصناعية بسبب من استخدام آلات زراعية جديدة، وموسم اوفر، الخ.. فمقابل المبلغ نفسه من النقد، اصبح بامكان العمال ان يشتروا قدراً اكبر من شتى البضائع. وهكذا ازدادت اجرتهم، لأن قيمتها نقداً لم تتغير.

وعليه فان سعر العمل نقداً، أي الاجرة الاسمية، لاينطبق على الاجرة الفعلية، أي على مقدار البضائع الذي يعطي فعلا مقابل الاجرة. فحين نتحدث عن ارتفاع الاجرة او هبوطها، يجب علينا بالتالي الا نأخذ بعين الاعتبار مجرد سعر العمل نقدا، مجرد الاجرة الاسمية فقط.

ولكن الاجرة الاسمية، أي مبلغ النقد الذي يبيع العامل نفسه مقابله من الرأسمالي، ولا الاجرة الفعلية، أي مقدار البضائع الذي يستطيع شراءه بهذا المبلغ النقدي، يستنفدان العلاقات التي تنطوي عليها الاجرة.

فالاجرة انما تحددها ايضاً بالدرجة الاولى نسبتها مع كسب الرأسمالي، مع ربح الرأسمالي، وبهذا المعنى تسمى الاجرة المقارنة، النسبية.

ان الاجرة الفعلية تعبر عن سعر العمل بالنسبة لسعر سائر البضائع، بينما الاجرة النسبية تعبر عن حصة العمل المباشر في القيمة الجديدة التي خلقها بالنسبة للحصة التي تعود الى العمل المكدس أي الرأسمال.

قلنا اعلاه : ”فالاجرة ليست اذن حصة العالم في البضاعة التي انتجها. ان الاجرة هي قسم من بضاعة موجودة سلفاً يشتري به الرأسمالي كمية معينة من قوة عمل منتجة“. ولكن هذه الاجرة انما ينبغي ان يستردها الرأسمالي من جديد من الثمن الذي يبيع به المنتوج الذي صنعه العامل ؛ ينبغي ان يستردها بصورة يبقى له معها ايضاً بوجه عام فائض عن نفقات الانتاج التي قدمها، ربح. ان سعر مبيع البضاعة التي ينتجها العامل ينقسم بالنسبة للراسمالي الى ثلاثة اقسام : القسم الاول، بدل ثمن المواد الاولية التي قدمها وكذلك بدل استهلاك الآلات والادوات وسائر وسائل العمل التي قدمها ؛ القسم الثاني، بدل الاجرة التي دفعها ؛ القسم الثالث، الفائض، ربح الرأسمالي. فبينما القسم الاول ليس الا بدلا لقيم كانت موجودة في السابق، فمن الواضح ان بدل الاجرة وكذلك الفائض – ربح الراسمالي يؤخذان بكليتهما من القيمة الجديدة التي اوجدها عمل العامل واضيفت الى قيمة المواد الاولية. وبهذا المعنى نستطيع ان نعتبر الاجرة والربح على السواء، حين نقارنهما معاً حصتين من منتوج العامل.

وحتى اذا ظلت الاجرة الفعلية كما هي عليه، بل حتى اذا ازدادت، فان الاجرة النسبية قد تهبط. لنفترض مثلا ان جميع وسائل العيش قد هبطت اسعارها مقدار بالثلثين، بينما لم تهبط الاجرة اليومية الا بالثلث، أي انها هبطت مثلا من 3 ماركات الى ماركي. فمع ان العامل يستطيع الآن ان يشتري بالماركين كمية من البضائع اكبر مما كان يشتريه بالماركلت الثلاثة، فان اجرته قد هبطت مع ذلك بالنسبة لربح الرأسمالي. فان ربح الرأسمالي (الصناعي مثلا) قد ازداد بمقدار مارك واحد، أي انه ينبغي على العمل ان ينتج كمية اكبر مما مضى من القيم التبادلية، لقاء كمية اقل من القيم التبادلية التي يدفعها له الرأسمالي. وهكذا ازدادت حصة الرأسمال بالنسبة لحصة العمل. واشتد التفاوت في توزيع الثروة الاجتماعية بين الرأسمال والعمل. ان الرأسمالي يسيطر بالقدر نفسه من الرأسمال على قدر اكبر من العمل. وقد تعاظمت سيطرة الطبقة الرأسمالية على الطبقة العاملة، وتردي وضع العامل الاجتماعي وهبط درجة اخرى بالنسبة لوضع الرأسمالي.

فما هو اذن القانون العام الذي يحدد هبوط وارتفاع الاجرة والربح في علاقاتهما المتبادلة ؟

ان علاقاتهما متناسبة عكسا. فان حصة الرأسمال، الربح، ترتفع بقدر ما تهبط حصة العمل الاجرة اليومية، والعكس بالعكس. ان الربح يرتفع بقدر ما تهبط الاجرة، ويهبط بقدر ما ترتفع الاجرة.

قد يقول معترض ان الرأسمالي يستطيع الحصول على ربح من مبادلة منتجاته مبادلة رابحة مع رأسماليين آخرين او بفضل من تزايد الطلب على بضاعته من جراء افتتاح اسواق جديدة او من ازدياد الحاجات مؤقتا في الاسواق القديمة، الخ. ؛ وان ربح الرأسمالي يمكن له اذن ان يزداد على حساب رأسماليين آخرين، بصرف النظر عن ارتفاع الاجرة او هبوطها، بصرف النظر عن القيمة التبادلية لقوة العمل ؛ او ان ربح الرأسمالي يمكن له ايضاً ان يزداد من جراء تحسين ادوات العمل وتطبيق اساليب جديدة في استخدام قوى الطبيعة، الخ..

ينبغي الاقرار بادىء الامر ان النتيجة واحدة كما هي رغم التوصل اليها بالطريق المعاكس. والحقيقة ان الربح قد ازداد لا لأن الاجرة قد هبطت، ولكن الاجرة هبطت لأن الربح قد ازداد. فان الرأسمالي قد اشترى بالقدر نفسه من عمل الغير قدراً اكبر من القيم التبادلية دون ان يدفع ثمناً اعلى للعمل ؛ أي، بالتالي، ان ثمن العمل هبط بالنسبة للربح الصافي الذي يدره للرأسمالي.

وفضلا عن ذلك، لنذكر بان متوسط سعر كل بضاعة او النسبة التي تبادله بموجبها مقابل بضائع اخرى، انما تحدده نفقات انتاج هذه البضاعة، رغم تقلبات اسعار البضائع. ولذا تتعادل بالضرورة الخداعات المتبادلة في داخل الطبقة الرأسمالية. وتحسين الآلات وتطبيق اساليب جديدة في استخدام قوى الطبيعة في الانتاج، يتيحان في وقت معين من العمل، وبالقدر نفسه من العمل والرأسمال، خلق قدر اكبر من المنتجات، ولكنهما لا يخلقان اطلاقا قدرا اكبر من القيم التبادلية. فاذا كنت استطيع، بفضل استخدام المغزل تلآلي، ان انتج في مدى ساعة قدرا من الخيطان يزيد 100 بالمئة عما قبل اختراع المغزل الآلي، مثلا 100 رطل بدلا من 50، فاني لا اتلقى، بصورة وسطية وخلال فترة طويلة نسبيا، مقابل الـ100 رطل قدرا من البضائع يزيد عما كنت اتلقاه مقابل 50 رطلا، لان نفقات الانتاج قد هبطت 50 بالمئة او لأني استطيع ان انتج بالنفقات نفسها ضعف الانتاج.

اخيرا، مهما كانت النسبة التي تتقاسم بموجبها طبقة الرأسماليين، البرجوازية، الربح الصافي من الانتاج، اما في بلد واما في السوق العالمية بكليتها، فان المبلغ الاجمالي الصافي لهذا الربح الصافي ليس، على كل حال، سوى المبلغ الذي اضافه العمل المباشر، بالاجمال، الى العمل المكدس. وهكذا، فان هذا المبلغ الاجمالي يزداد تبعا للنسبة التي يزيد بها العمل الرأسمال، أي تبعا للنسبة التي يزداد بموجبها الربح بالمقارنة مع الاجرة.

وهكذا نرى، حتى اذا بقينا داخل حدود العلاقات بين الرأسمال والعمل المأجور، ان مصالح الرأسمال ومصالح العمل المأجور متضادة تماماً.

ان نموا سريعا في الرأسمال يوازي نموا سريعا في الربح. والربح لا يمكنه ان ينمو بسرعة الا اذا هبط سعر العمل، الاجرة النسبية، بالسرعة نفسها. ان الاجرة النسبية قد تهبط حتى ولو ارتفعت الاجرة الفعلية في الوقت نفسه مع الاجرة الاسمية، مع قيمة العمل نقداً، ولكن شرط ألا ترتفع الاجرة الفعلية بنفس النسبة التي يرتفع بها الربح. فاذا ارتفعت الاجرة 5 بالمئة في مراحل الانتعاش وارتفع الربح 30 بالمئة، فان الاجرة النسبية لا تزداد، بل تهبط.

وعليه اذا ازداد دخل العامل مع نمو الرأسمال بسرعة، فان الهوة الاجتماعية التي تفصل بين العامل والرأسمالي تتسع في الوقت نفسه، كما يتعاظم بالتالي سلطان الرأسمال على العمل وتتفاقم تبعية العمل ازاء الراسمال.

فالقول ان للعامل مصلحة في نمو الرأسمال بسرعة، انما يعني في الواقع انه كلما زاد العامل بسرعة ثروة الآخرين، كلما ازداد الفتات الذي يلتقطه من على المائدة ؛ وكلما امكن تشغيل عدد اكبر من العمال وكلما امكن توليد عدد اكبر من العمال، كلما امكن زيادة جيش العبيد في تبعية الرأسمال.

لقد لاحظنا اذن :
ان الظرف الاكثر ملاءمة للطبقة العاملة، نمو الرأسمال بأسرع ما يمكن، لا يقضي على التناقض بين مصالح العمال ومصالح البرجوازيين، مصالح الرأسماليين، مهما كان التحسين الذي يدخله في حياة العامل المادية. فالربح والاجرة هما، من بعد كما من قبل، في علاقة متناسبة عكساً.

فحين ينمو الرأسمال بسرعة، فان الاجرة قد تنمو، ولكن ربح الرأسمالي ينمو بما لا يقاس من السرعة. ان حياة العامل المادية تتحسن، ولكن على حساب وضعه الاجتماعي. فالهوة الاجتماعية التي تفصله عن الرأسمالي تزداد اتساعا.

اخيرا :

ان القول بان الظرف الانسب للعمل المأجور انما هو نمو الرأسمال النتج باسرع ما يمكن، يعني في الواقع انه كلما زادت الطبقة العاملة وانمت القوة المعادية لها، ثروة الآخرين التي تسيطر على الطبقة العاملة، كلما تحسنت الاحوال التي تسمح لها فيها من جديد بالعمل على زيادة الثروة البرجوازية، على تعزيز سلطان الراسمال، راضية بان تصنع بنفسها السلاسل الذهبية التي تجرها بها البرجوازية في ذيلها.

نمو الرأسمال المنتج وزيادة الاجرة، ترى، هل هما حقاً وثيقا الارتباط لاتنفصم عراهما كما يزعم الاقتصاديون البرجوازيون ؟ ينبغي لنا الا نصدق مزاعمهم، بل انه لا يمكننا ان نصدقهم بتاتاً حين يقولون انه بقدر ما يسمن الرأسمال، بقدر ما يسمن عبده. ان البرجوازية بالغة الفطنة والحنكة، فهي تحسب وتجيد الحساب ولا تقلد السيد الاقطاعي في غروره واوهامه اذ يتباهى ببريق لباس خدمه. ان شروط حياة البرجوازية انما تكرهها على الحساب.

ولذا لا بد ان ندرس هذا الامر عن كثب :

ما هو تأثير نمو الرأسمال المنتج في الاجرة ؟

حين ينمو الرأسمال المنتج للمجتمع البرجوازي بكليته، فذلك يعني انه حدث بالنتيجة تكدس عمل اعم. فالرأسماليون يزدادون عددا والرساميل تزداد حجما. وزيادة الرساميل تعزز المزاحمة بين الرأسماليين. وتنامي مقادير الرساميل يتيح سوق جيوش اضخم من العمال الى ميدان المعركة الصناعية، مع اعتدة قتالية اقوى واكبر.

ان الرأسمالي لا يستطيع ازاحة الآخر والاستيلاء على رأسماله الا اذا باع باسعار ارخص. ولكي يستطيع ان يبيع باسعار ارخص دون ان يحل به الخراب، عليه ان ينتج بكلفة اقل، أي ان يزيد انتاجية العمل قدر الامكان. ولكن انتاجية العمل تزداد على الاخص من جراء زيادة تقسيم العمل،من جراء اشاعة الآلات على نطاق اوسع فاوسع وتحسينها على الدوام. فبقدر ما يزداد جيش العمال الذين يقسم العمل بينهم وتشاع تلآلات على نطاق اوسع. بقدر ما تنخفض نفقات الانتاج اسرع نسبياً، ويغدو العمل اوفر مردوداً. ولذا تقوم بين الرأسماليين مباراة متنوعة المظاهر ازيادة تقسيم العمل واشاعة الآلات ولاستثمار هذين العنصرين علىاكبر نطاق ممكن.

ولكن اذا استطاع رأسمالي، بفضل تقسيم العمل على نطاق اوسع واستخدم الآلات الجديدة وتحسينها وبفضل استغلال قوى الطبيعة على وجه افيد وعلى نطاق اكبر، اذا استطاع هذا الرأسمالي ان يصنع بالقدر نفسه من العمل او من العمل المكدس قدرا من المنتجات، من البضائع، اكبر مما يصنعه مزاحموه ؛ اذا استطاع مثلا ان ينتج متراً كاملاً من القماش في فترة معينة من الوقت بينما ينتج مزاحموه نصف متر من القماس نفسه في الفترة ذاتها، فما عساه ان يفعل؟

انه يستطيع ان يبيع نصف النتر من القماش بالسعر السابق في السوق، ولكن تلك لن تكون الوسيلة لازاحة خصومه وزيادة تصريفه. والحال، بقدر ما يتسع انتاجه، تتعاظم بالنسبة له الحاجة الى التصريف. والحقيقة ان وسائل الانتاج الاقوى والاغلى التي اوجدها تتيح له ان يبيع بضاعته باسعار ارخص، ولكنها تكرهه في الوقت نفسه على بيع مزيد من البضائع، على الاستيلاء على السوق لبضائعه اكبر بما لا يقاس. وهكذا فان صاحبنا الراسمالي هذا سيبيع نصف المتر من القماش بسعر ارخص مما يبيع مزاحموه.

ولكن هذا الرأسمالي لن يبيع المتر الكامل من القماش بنفس الثمن الذي يبيع به مزاحموه نصف المتر، رغم ان انتاج المتر بكامله لا يكلفه اكثر مما يكلف مزاحميه انتاج نصف المتر. والا، فانه لن يحصل على أي ربح زائد ولن يسترد بالمفابل الا نفقات انتاجه. فاذا ازداد دخله في هذه الحال، فلأنه وظف وشغل رأسمالا اكبر وليس لكونه استحصل من راسماله اكثر مما يحصل الرأسماليون الآخرون. ثم انه يبلغ الهدف الذي ينشده لمجرد ان يبيع بضاعته بسعر يقل بعض الاجزاء من المائة جزء عن سعر مزاحميه. وهكذا يزيحهم من السوق، او ينتزع منهم على الاقل قسما من تصريفهم، اذ يبيع باسعار ادنى من اسعارهم. واخيرا، لنذكر ان السعر الجاري هو دائما اكبر او اقل من نفقات الانتاج، حسبما يتم بيع البضاعة في فصل يلائم الصناعة او لا يلائمها. وحسبما يكون سعر متر من القماش في السوق اكبر او اقل من نفقات انتاجه السابقة والعادية، فان الرأسمالي الذي استخدم وسائل انتاج جديدة افيد، سيبيع باسعار تزيد على نفقات انتاجه الفعلية بنسب مئوية مختلفة.

ولكن امتياز صاحبنا الرأسمالي لا يدوم طويلا ؛ فان الرأسماليين المنافسين الآخرين يستخدمون الآلات نفسها وتقسيم العمل نفسه، على النطاق نفسه او على نطاق اوسع، وهذا التحسين ينتشر ويعم حتى يهبط ثمن القماش لا الى ما دون نفقات انتاجه السابقة وحسب، بل ايضا دون نفقات انتاجه الجديدة.

وهكذا يجد الرأسماليون انفسهم بعضهم ازاء بعض، في ذات الوضع الذي كانوا فيه قبل استعمال وسائل الانتاج الجديدة، واذا كانوا يستطيعون بهذه الوسائل ان يسلموا ضعف الانتاج بالثمن السابق نفسه، الا انهم مكرهون الآن على بيع ضعف انتاجهم بسعر ادنى من السعر السابق. واذ تبلغ نفقات الانتاج هذا المستوى الجديد، تتجدد اللعبة : زيادة تقسيم العمل، زيادة عدد الآلات، اتساع نطاق استخدام تقسيم العمل والآلات. والمزاحمة تفضي من جديد الى رد الفعل ذاته ضد هذه النتيجة.

وهكذا نرى كيف يتغير على الدوام اسلوب الانتاج ووسائل الانتاج بشكل ثوري ؛ كيف يؤول تقسيم العمل بالضرورة الى استخدامتلآلات على نطاق اكبر، والانتاج على نطاق ضخم الى الانتاج على نطاق اضخم.

ذلك هو القانون الذي يقذف على الدوام بالانتاج البرجوازي خارج طريقه السابقة، ويكره الرأسمال على ان يشدد ايضا وايضا قوى العمل المنتجة وذلك لأنه قد شددها من قبل، القانون الذي لا يدع الرأسمال أي فرصة للراحة وما انفك يهمس في أذنه : الى الامام ! الى الامام !

وما هذا القانون الا القانون الذي يجعل بالضرورة سعر بضاعة ما مساويا لنفقات انتاجها، وذلك ضمن حدود تقلبات التجارة من فترة الى فترة.

ومهما بلغت وسائل الانتاج التي يضعها الرأسمالي قيد العمل من الضخامة والقوة، فان المزاحمة لا تلبت ان تعم وسائل الانتج هذه، ومتى تعممت، فان النتيجة الوحيدة للمردود الاكبر لرأسماله هي انه يصبح مضطراً الآن لأن يسلم، لقاء الثمن نفسه، منتجات تزيد عشر مرات، او عشرين او مائة مرة عما في السابق. ولكن، بما انه ينبغي له ان يصرف الآن قدراً من المنتجات ربما يزيد الف مرة لكي يعوض بقدر اكبر من المنتجات المصرفة عن انخفاض سعر البيع، وبما ان بيع مقادير اكبر من البضائع غدا الآن ضروريا له لا من اجل مزيد من الكسب وحسب، بل ايضاً من اجل استعادة نفقات الانتاج – اذ ان ادوات الانتاج نفسها، كما سبق ورأينا، يزداد سعرها اكثر فاكثر – وبما ان هذا البيع بكميات كبيرة اصبح الآن مسألة حيوية لا بالنسبة لهذا الرأسمالي وحسب، بل بالنسبة ايضاً لمنافسيه، فان النضال السابق يشتد عنفا بقدر ما تصبح وسائل الانتاج المخترعة اكثر فعالية. وهكذا ما ينفك تقسيم العمل واستخدام الآلات يتطوران في نطاق اوسع بما لا حد له.

فمهما تعاظمت وسائل الانتاج المستخدمة، فان المزاحمة تحاول ان تنتزع من الراسمال الثمار الذهبية الناجمة عن هذه القوة بتخفيض سعر البضاعة الى مستوى نفقات انتاجها، جاعلة بالتالي من ترخيص الانتاج وتسليم مقادير اكبر فاكبر من المنتجات مقابل مجموعة الاسعار السابقة، قانوناً الزامياً، وهذا بقدر ما تظهر امكانية الانتاج بنفقات اقل، أي امكانية انتاج قدر اكبر من المنتجات بواسطة القدر نفسه من العمل. وهكذا اذن لا يكسب الرأسمالي، بجهوده، سوى واجب تقديم مزيد من الانتاج في الوقت نفسه من العمل، أي انه، بكلمة، لا يكسب الا شروطاً اصعب لزيادة قيمة رأسماله. وبما ان المزاحمة تلاحق الرأسمالي على الدوام بواسطة قانون نفقات الانتاج، وبما ان كل سلاح يشحده ضد خصومه يعود ضده بالذات، فهو يحاول ابداً ان يتغلب على المزاحمة بان يستعيض بلا توقف عن الآلات القديمة والطرق القديمة لتقسيم العمل بالآلات والطرق الجديدة التي هي اكثر كلفة ولكنها ترخص الانتاج، ولا ينتظر حتى تجعل المزاحمة من هذه الآلات والطرق الجديد آلات وطرق قديمة ولى عهدها.

فاذا تصورنا الآن ان هذه الحركة المحمومة شملت السوق العالمية بأسلرها في وقت واحد ادركنا كيف يؤدي نمو الرأسمال وتكديسه وتمركزه الى تقسيم في العمل يجري بصورة لا انقطاع فيها، بصورة يفوق فيها نفسه بنفسه، وعلى نطاق يزداد اتساعاً على الدوام، والى استخدام الآلات الجديدة وتحسين الآلات القديمة.

ولكن كيف تؤثر هذه الظروف الملازمة لنمو الرأسمال المنتج، في تحديد الاجرة ؟

ان تقسيم العمل على نطاق اكبر يتيح للعامل الواحد ان يقوم بعمل 5 عمال، و10، م20 ؛ فيزيد المزاحمة اذن بين العمال 5 مرات، 10، و20 مرة. ان العمال لا يتزاحمون فقط بان يبيع بعضهم نفسه باسعار ارخص من البعض الآخر ؛ انما يتزاحمون ايضاً لأن عاملا واحداً يقوم بعمل 5 عمال، و10، و20، وتقسيم العمل الذي ادخله الرأسمالي ولا يزال يوسعه على الدوام هو الذي يكره العمال على هذا النوع من المزاحمة فيما بينهم.

وفضلاً عن ذلك، يغدو العمل بسيطاً بقدر ما يزداد تقسيم العمل. ولا يبقى لمهارة العامل الخاصة اية قيمة. فالعامل يتحول الى قوة منتجة بسيطة، رتيبة، الى قوة لا يطلب منها اية كفاءة جسدية او فكرية ممتازة. ويغدو عمله في مقدور الجميع. ولذا يضغط المزاحمون على العامل من كل الجهات ؛ ثم لنذكر بانه بقدر ما يكون العمل بسيطاً ويكون تعلمه سهلا، بقدر ما تقل نفقات الانتاج لاستيعابه، بقدرما تهبط الاجرة، لأن الاجرة انما تحددها نفقات الانتاج، شأنها شأن سعر اية بضاعة اخرى.

فبقدر ما يصبح العمل، اذن، اقل لذة واشد تنفيراً، بقدر ما تزداد المزاحمة وتهبط الاجرة. فيسعي العامل الى الاحتفاظ بمجمل اجرته وذلك بالعمل اكثر مما مضى : اما بالعمل ساعات اكثر، اما بانتاج قدر اكبر في الساعة نفسها. فهو اذن بدافع البؤس يزيد ايضاً من مفاعيل تقسيم العمل المشؤومة. والنتيجة هي انه كلما اشتغل اكثر، كلما تقاضى اجرة اقل، وذلك لمجرد انه، بقدر ما يكثر عمله، بقدر ما يزاحم رفاقه في العمل، ويجعل منهم مزاحمين له يبيعون انفسهم بشروط سيئة كشروطه، ولأنه، في آخر المطاف يزاحم نفسه بنفسه، يزاحم نفسه بوصفه عضوا من اعضاء الطبقة العاملة.

والآلات تحدث المفاعيل نفسها ولكن على نطاق اكبر، اذ انها تستعيض عن العمال الماهرين بعمال غير ماهرين، وعن الرجال بالنساء وعن الراشدين بالاحداث، واذ انها، لمجرد ظهورها، تلقي العمال اليدويين بالجملة الى الشارع، واذ انها في مجرى تطويرها وتحسينها واتقانها، تطرد العمال فئات كاملة. لقد رسمنا اعلاه لوحة عاجلة للحرب الصناعية بين الراسماليين ؛ ان هذه الحرب تتميز بميزة خاصة، وهي لن المعارك فيها انما تكسب عن طريق تقليل جيش العمال اكثر مما تكسب عن طريق زيادته. فالقادة، الرأسماليون، يتنافسون لمعرفة من يستطيع ان يسرح اكبر عدد من جنود الصناعة.

صحيح ان الاقتصاديين يزعمون ان العمال الذين تجعلهم الآلات في عداد الفائضين، يجدون عملا في فروع صناعية جديدة.

ولكنهم لا يجرؤون على تأكيد مباشرة ان هؤلاء العمال الذين سرحوا يجدون عملا في فروع عمل جديدة. فالوقائع تصرخ عالياً ضد هذا الكذب. وحقاً نقول انهم يؤكدون فقط انه ستتوفر وسائل شغل جديدة لأقسام اخرى من الطبقة العاملة، مثلا، لقسم الاجيال الفتية من العمال، الذي كان على وشك ان يدخل في الفرع الصناعي المتلاشي. وذلك، طبعاً، عزاء كبير، كما يزعم، للعمال المقذوف بهم الى الشارع. فلن يعدم السادة الرأسماليون لحماً ودماً طازجين للاستثمار، و”دع الموتى يدفنون موتاهم“. ذلك حقا عزاء يعزي البرجوازيون انفسهم به اكثر مما هو عزاء للعمال. فلو قضت الآلات على طبقة الاجراء، فاية كارثة رهيبة تحل بالراسمال، اذ انه، بدون عمل مأجور، يكف عن ان يكون رأسمالا !

ولكن، لنفترض ان العمال الذين طردتهم الآلات مباشرة من العمل، وكل قسم الجيل الجديد الذي كان على وشك ان يدخل هذا الفرع من العمل، يجدون عملا جديدا. فهل يظن انهم سيتقاضون عن هذا العمل الجديد الاجرة نفسها التي كانوا يتقاضونها عن العمل الذي فقدوه ؟ ان هذا الظن ليناقض كل القوانين الاقتصادية. ولقد رأينا كيف ان الصناعة العصرية تسعى دائما الى الاستعاضة عن العمل المعقد، الاعلى، بعمل ابسط، ادنى.

فكيف تستطيع اذن فئة من العمال قذفت بها الآلات خارج فرع صناعي معين، ان تجد ملجأ لها في فلرع صناعي آخر الا اذا دفع لها اجر اقل، اسوأ ؟

لقد استشهد على سبيل الاستثناء بالعمال الذين يشتغلون في صنع الآلات بالذات. وقيل طالما ان الصناعة تتطلب وتستهلك مزيدا من الآلات، فلا بد للآلات بالضرورة ان تزيد عددا، وان يزداد بالتالي صنع الآلات، وكذلك اذن عدد العمال العاملين في صنع الآلات، والعمال العاملون في هذا الفرع الصناعي هم اخصائيون، وحتى متعلمون.

ولكن هذا القول الذي كان قبل عام 1848 نصف صحيح فقط، قد فقد مذ ذاك كل قيمته، اذ ان الآلات قد استخدمت، بصورة اعم فاعم، في صنع الآلات كما في انتاج الخيطان القطنية، وان العمال العاملين في مصانع الآلات لم يبق بوسعهم ان يضطلعوا، بجانب الالات المتفنة الراقية، الا بدور آلات بدائية للغاية.

ولكن، ألا يشغل المصنع، بدلا عن الرجل الذي طردته الآلة، ربما ثلاثة اطفال وامرأة واحدة ! والحال، ألم يكن من الواجب ان تكفي اجرة الرجل لاعالة ثلاثة اطفال والزوجة ؟ الم يكن يجب ان يكفي الحد الادنى من الاجرة لاعالة الجنس وتناسله ؟ فما تعني اذن هذه الطريقة في التعبير التي يحبها البرجوازيون ؟ انها لا تعني غير الامر التالي : ان اربع حياة عمالية، بدلا من حياة عمالية واحدة، تفنى الآن لكي تعيل اسرة عمالية واحدة.

لنوجز : بقدر ما ينمو الرأسمال المنتج، بقدر ما يتسع تقسيم العمل واستخدام الآلات. وبقدر ما يتسع تقسيم العمل واستخدام الآلات، بقدر ما تنتشر المزاحمة بين العمال، وبقدر ما تهبط اجورهم.

ونضيف ايضاً ان الطبقة العاملة انما تنضم الى صفوفها جماعات من فئات اعلى في المجتمع، جماعات من صغار الصناعيين وصغار اصحاب الريع، ممن ليس عندهم مخرج آخر الا رفع ايديهم الى جانب ايدي العمال. وهكذا فان غابات الايدي التي ترتفع طلبا للعمل تتكاثف اكثر بينما الايدي ذاتها تزداد نحولاً وهزالاً.

وبديهي تماماً ان الصناعي الصغير لا يستطيع الصمود في حرب من شروطها الاولى الانتاج على نطاق يتعاظم على الدوام، أي ان يكون الصناعي بالضبط صناعيا ضخما لا صناعياً صغيراً.

وليس ثمة حاجة الى المزيد من الشرح ان فائدة الرأسمال تنخفض بقدر ما ينمو الرأسمال، بقدر ما يزداد حجمه وعدده، وانه لا يبقى بالتالي في وسع صاحب الريع الصغير ان يعيش من ريعه، فيضطر للجوء الى الصناعة، أي انه ينضم الى صفوف صغار الصناعيين، وعلى هذا النحو، يزيد عدد المرشحين للانتقال الى صفوف البروليتاريا.

واخيرا، بقدر ما تكره حركة التطور الموصوفة اعلاه الراسماليين على استثمار وسائل الانتاج الجبارة القائمة واستغلالها على نطاق متسع ابدا، وعلى تحريك جميع نوابض التسليف من اجل تحقيق هذا الغرض، بقدر ما تزداد الزلازل الصناعية التي لا يحافظ العالم التجاري على نفسه فيها الا اذا ضحى على مذبد شياطين الجحيم بقسم من الثروة ومن المنتجات وحتى من القوى المنتجة – أي بقدر ما تزداد الازمات. وهذه الازمات تتقارب أكثر فأكثر وتشتد عنفاً، لأن السوق العالمية ما تنفك تضيق بقدر ما ينمو مقدار المنتجات وتنمو بالتالي الحاجة الى اتساع اسواق، ولأن الاسواق الجديدة التي يمكن استثمارها تقل يوما بعد يوم، اذ ان كل ازمة سابقة تفتح امام التجارة العالمية اسواقاً جديدة او اسواقا لم تستثمرها التجارة حتى ذاك الا بصورة سطحية. ولكن الراسمال لا يعيش من العمل وحسب. فهو كالسيد البربري من مالكي العبيد يجتذب الى قبره جثت عبيده، وهم جماهير العمال الذين يهلكون خلال الازمات. وهكذا نرى انه، حين ينمو الرأسمال بسرعة، تنمو المزاحمة بين العمال بصورة اسرع بما لا حد له، أي بقدر ما يسرع الرأسمال في نموه، بقدر ما تنخفض بمقادير اكبر نسبياً ابواب الرزق، وسائل معيشة الطبقة العاملة ؛ ومع ذلك فان نمو الرأسمال بسرعة هو الشرط الانسب للعمل المأجور.


كتبه ماركس على اساس المحاضرات
التي ألقاها من 14 الى 30 دسمبر 1847
نشر لاول مرة في ”الجريدة الرينانية الجديدة“
الاعداد 264-267 و269 ؛ 5-7 و11 ابريل 1849
وبكراس خاص مع مقدمة بقلم انجلس
وبتحريره، في برلين 1891. (انظر اعلاه)





--------------------------------------------------------------------------------
هوامش :
1- ”Neue Rheinische Zeitung“ صدرت في مدينة كولونيا الالمانية من فاتح ماي 1848 الى 19 ماي 1849 وكان ماركس رئيس تحريرها.
2- كتب كارل ماركس في ”رأس المال“ يقول : ”...اني اعني بالاقتصاد السياسي الكلاسيكي كل الاقتصاد السياسي، الذي يبدأ مع وليام بيتي، ويبحث في الارتباطات الداخلية المتبادلة لعلاقات الانتاج البرجوازية“. وكان آدم سميث ودافيد ريكاردو من اكبر الاقتصاديين السياسيين الكلاسيكيين في انجلترا.
3- ”ان الاقتصاد السياسي بمعنى اضيق، وان كان قد نشأ في رؤوس العباقرة في اواخر القرن السابع عشر، الا انه في صيغته الايجابية التي اضفاها عليه الفيزيوقراطيون وآدم سميث، هو، من حيث الجوهر، وليد القرن الثامن عشر...“ (ف. انجلس : ”ضد دوهرينغ“، الباب الثاني، الفصل الاول).
4- كارل ماركس : ”الرأسمال“ المجلد الاول.
5- 100 بفينيغ Pfennigs تساوي ماركاً واحداً.
6- كانت النقابات الانجليزية تحتفل باليوم العالمي البروليتاري في يوم الاحد الاول بعد 1 ماي. وفي عام 1891 وقع هذا اليوم في 3 ماي.
7- أي ثورة 23-24 فبراير 1848 في باريس و13 مارس في فيينا و18 مارس في برلين.
8- ils se croisent philosophiquement les bras
9- ان مصطلح ”قوة العمل“ هنا لم يدخله انجلس بل كان موجودا في النص الاصلي الذي مشره ماركس في ”الجريدة الرينانية الجديدة“

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire