- 26/11/2008
توماس فريدمان ــ إليكم مني هذه المرة اعتراف واقتراح. ولنبدأ بالاعتراف أولاً: لا يزال بوسعي حتى هذا اليوم ارتياد المطاعم العامة، حيث ألقى نظرة على الطاولات والموائد التي لا يزال يتحلق حولها الشباب يتسامرون ويستطعمون. وكلما أراهم في هذه الحالة، تستبد بي رغبة في أن أجوب الطاولات واحدة فواحدة لأقول لهم: إنكم لا تعرفونني بالطبع، غير أنني أقول لكم: لا ينبغي أن تكونوا هنا في هذا المكان، لأن عليكم أن تدخروا أموالكم. وبدلاً من هذه الوجبات المكلفة، عليكم تناول وجبات سمك التونة في بيوتكم. فالأزمة المالية التي نمر بها لا تزال أبعد ما تكون عن الزوال. والحقيقة أننا لا نزال في نهاية بداياتها فحسب. وعليه فأنا أرجوكم أن تكفوا عن هذا البذخ.
وبعد أن علمتم السبب الذي حال دون دعوتي كثيراً إلى حفلات ومناسبات العشاء هذه الأيام، فلنمض إلى الاقتراح إذن: فإذا ما كان لي الخيار والإرادة، لدعوت الكونجرس إلى عقد جلسة طارئة، بغية إجراء تعديل دستوري ينص على تقديم مراسم التنصيب الرسمي للرئيس الجديد المنتخب، من 20 يناير إلى الثامن والعشرين من نوفمبر الجاري، أي إلى موعد الاحتفال بأعياد الشكر. ولننس أمر احتفالات ومهرجانات التنصيب، لأنه ليس لدينا من مال لسداد تكلفتها. وعلينا أن ننسى لافتات البهرجة والصخب، لأنه ما من أحد بحاجة إليها. وكل الذي أرجوه منكم أن تأتوا إلي بعدالة المحكمة العليا ونسخة من الكتاب المقدس، كي نتمكن من جعل أوباما يؤدي القسم الرئاسي الآن قبل غد، تماماً مثلما أرغمتنا الضرورة على تنصيب الرئيس الأسبق جونسون خلف مبنى القوة الجوية رقم1.
أفضل ما يفعله أوباما هو البدء بالصعود من قاع الأزمة إلى أعلاها، وأن يسارع بذلك قبل أن ينهال عليه تراب بئرها!
لكن للأسف، سيستغرق تعديل دستوري كهذا وقتاً طويلاً، قبل الحصول على ما يكفي من أغلبية في الولايات لإجازته. وبعد، فما الذي يمكن فعله في التصدي العاجل للأزمة المالية المحدقة بنا؟ على حد رأي واقتراح "نورمان أورنشتاين" -الباحث المتخصص في دراسات الكونجرس، والمؤلف المشارك في كتاب "الغصن المكسور"- فإن الحل الوحيد المتاح لنا الآن هو أن نحث الرئيس بوش على تعيين "تيم جايتنر" وزيراً جديداً للخزانة، رغم ترشيحه للمنصب من قبل الرئيس أوباما، كي يتمكن من مباشرة مهامه الجديدة اعتباراً من الأسبوع المقبل. وليس قصد الإسراع إيذاء الوزير الحالي هنري إم. بولسون، بقدر ما يفسر بعدم قدرتنا على الانتظار إلى حين اكتمال عملية الانتقال الرئاسي بعد شهرين كاملين. ذلك أن الأسواق لا يهمها ما يحدث لنا، ولم تعد تدرك من هو المسؤول عنها، وفي أي اتجاه تسير. ويشمل هذا الاقتراح أيضاً أن يظل الكونجرس في حالة انعقاد دائم، حتى تتسنى له المصادقة على أي تعديلات دستورية إضافية ربما تقتضيها معالجة الأزمة الراهنة.
وكما قال لي أحد الإداريين التنفيذيين المصرفيين: فهذه هي الشفرة الحمراء... ها نحن قد عثرنا أخيراً على أسلحة الدمار الشامل التي طالما تهنا في البحث عنها بعيداً خارج حدود بلادنا، بينما هي ملقاة في واقع الأمر في فناء بيتنا الخلفي. فليست هذه الأسلحة شيئاً آخر عدا أزمة الرهن العقاري وأخواتها المتشعبات عنها!
وكما هو واضح وبديهي، فليس في جعبة الرئيس بوش من الآليات والمعدات ما يمكنه من نزع فتيل هذه الأسلحة المدمرة. فهو خلو من برنامج حفز اقتصادي ضخم، يمكن من تحسين البنية التحتية وإنشاء مزيد من الوظائف، إلى جانب إطلاق مبادرة واسعة للحد من حالات حرمان الرهن العقاري، وتثبيت أسعار البيوت وأصول الرهن. ويتضمن صندوق الأدوات الرئاسية هذه، ضخ مبالغ هائلة في أرصدة البنوك. وفوق ذلك كله، تلبية حاجة اقتصادنا إلى دفقة من التفاؤل والأمل والثقة في إمكان خروجنا من الأزمة الراهنة، بمساعدة فريق اقتصادي جديد. وليس في مقدور أحد تلبية المطلب الأخير سوى الرئيس الجديد أوباما. والسبب أن علتنا الرئيسية الآن هي انعدام الثقة في مؤسساتنا المالية وقيادتنا السياسية. أقول هذا وليست بي أدنى أوهام أن ظهور أوباما في هذا المشهد القاتم سيكون له تأثير السحر وفعله، غير أنه لا شك سوف يكون أمراً مساعداً على الخروج والتجاوز.
وعلى حد تصريح بيل فرنزيل، عضو الكونجرس سابقاً والزميل الرئيسي بمؤسسة بروكنجز حالياً، فقد انفرط زمام الوحدة القومية، وما من شعور ملح بالخطر لدى أحد من القادة الحاليين فيما يبدو. ورغم أنني لست ممن يأملون في زوال صناعات السيارات الكبرى في ديترويت، فإن علينا أن نتساءل: ماذا نحن فاعلون بكبار تنفيذيي هذه الشركات، الذين يستقلون ثلاث طائرات نفاثة في رحلات فردية منفصلة لكل واحد منهم إلى واشنطن، بغية مطالبة الحكومة بإنقاذ شركاتهم من أموال الخزانة الفيدرالية، دون أن يكلف أحدهم نفسه وضع خطة لكيفية وماهية التحول الجوهري الذي سوف يجريه في شركته بما يحصل عليه من مساعدات مالية فيدرالية؟ والتحول المطلوب بالطبع هو أن تتجه صناعة السيارات في بلادنا نحو كفاءة أكبر في استهلاك الطاقة، والمساهمة في تبني ابتكارات تكنولوجيا الطاقة البديلة المتجددة. ومن رأي البروفيسور جيفري جارتن، أستاذ التمويل الدولي بكلية العلوم الإدارية بجامعة يل، فإن أكبر خطأ يمكن أن يرتكبه أوباما هو التقليل من فداحة هذه الأزمة. على أنه من بالغ الضرر أيضاً، تضخيم ما نحتاجه لمعالجتها وكيفية الخروج منها. ولعل أفضل ما يفعله الرئيس الجديد هو البدء بالصعود رأساً من قاع هوة الأزمة إلى أعلاها، وأن يسارع بذلك قبل أن ينهال عليه تراب بئرها العميقة فيقبره!*(كاتب ومحلل سياسي أميركي).الاتحاد الإماراتية ــ نيويورك تايمز
توماس فريدمان ــ إليكم مني هذه المرة اعتراف واقتراح. ولنبدأ بالاعتراف أولاً: لا يزال بوسعي حتى هذا اليوم ارتياد المطاعم العامة، حيث ألقى نظرة على الطاولات والموائد التي لا يزال يتحلق حولها الشباب يتسامرون ويستطعمون. وكلما أراهم في هذه الحالة، تستبد بي رغبة في أن أجوب الطاولات واحدة فواحدة لأقول لهم: إنكم لا تعرفونني بالطبع، غير أنني أقول لكم: لا ينبغي أن تكونوا هنا في هذا المكان، لأن عليكم أن تدخروا أموالكم. وبدلاً من هذه الوجبات المكلفة، عليكم تناول وجبات سمك التونة في بيوتكم. فالأزمة المالية التي نمر بها لا تزال أبعد ما تكون عن الزوال. والحقيقة أننا لا نزال في نهاية بداياتها فحسب. وعليه فأنا أرجوكم أن تكفوا عن هذا البذخ.
وبعد أن علمتم السبب الذي حال دون دعوتي كثيراً إلى حفلات ومناسبات العشاء هذه الأيام، فلنمض إلى الاقتراح إذن: فإذا ما كان لي الخيار والإرادة، لدعوت الكونجرس إلى عقد جلسة طارئة، بغية إجراء تعديل دستوري ينص على تقديم مراسم التنصيب الرسمي للرئيس الجديد المنتخب، من 20 يناير إلى الثامن والعشرين من نوفمبر الجاري، أي إلى موعد الاحتفال بأعياد الشكر. ولننس أمر احتفالات ومهرجانات التنصيب، لأنه ليس لدينا من مال لسداد تكلفتها. وعلينا أن ننسى لافتات البهرجة والصخب، لأنه ما من أحد بحاجة إليها. وكل الذي أرجوه منكم أن تأتوا إلي بعدالة المحكمة العليا ونسخة من الكتاب المقدس، كي نتمكن من جعل أوباما يؤدي القسم الرئاسي الآن قبل غد، تماماً مثلما أرغمتنا الضرورة على تنصيب الرئيس الأسبق جونسون خلف مبنى القوة الجوية رقم1.
أفضل ما يفعله أوباما هو البدء بالصعود من قاع الأزمة إلى أعلاها، وأن يسارع بذلك قبل أن ينهال عليه تراب بئرها!
لكن للأسف، سيستغرق تعديل دستوري كهذا وقتاً طويلاً، قبل الحصول على ما يكفي من أغلبية في الولايات لإجازته. وبعد، فما الذي يمكن فعله في التصدي العاجل للأزمة المالية المحدقة بنا؟ على حد رأي واقتراح "نورمان أورنشتاين" -الباحث المتخصص في دراسات الكونجرس، والمؤلف المشارك في كتاب "الغصن المكسور"- فإن الحل الوحيد المتاح لنا الآن هو أن نحث الرئيس بوش على تعيين "تيم جايتنر" وزيراً جديداً للخزانة، رغم ترشيحه للمنصب من قبل الرئيس أوباما، كي يتمكن من مباشرة مهامه الجديدة اعتباراً من الأسبوع المقبل. وليس قصد الإسراع إيذاء الوزير الحالي هنري إم. بولسون، بقدر ما يفسر بعدم قدرتنا على الانتظار إلى حين اكتمال عملية الانتقال الرئاسي بعد شهرين كاملين. ذلك أن الأسواق لا يهمها ما يحدث لنا، ولم تعد تدرك من هو المسؤول عنها، وفي أي اتجاه تسير. ويشمل هذا الاقتراح أيضاً أن يظل الكونجرس في حالة انعقاد دائم، حتى تتسنى له المصادقة على أي تعديلات دستورية إضافية ربما تقتضيها معالجة الأزمة الراهنة.
وكما قال لي أحد الإداريين التنفيذيين المصرفيين: فهذه هي الشفرة الحمراء... ها نحن قد عثرنا أخيراً على أسلحة الدمار الشامل التي طالما تهنا في البحث عنها بعيداً خارج حدود بلادنا، بينما هي ملقاة في واقع الأمر في فناء بيتنا الخلفي. فليست هذه الأسلحة شيئاً آخر عدا أزمة الرهن العقاري وأخواتها المتشعبات عنها!
وكما هو واضح وبديهي، فليس في جعبة الرئيس بوش من الآليات والمعدات ما يمكنه من نزع فتيل هذه الأسلحة المدمرة. فهو خلو من برنامج حفز اقتصادي ضخم، يمكن من تحسين البنية التحتية وإنشاء مزيد من الوظائف، إلى جانب إطلاق مبادرة واسعة للحد من حالات حرمان الرهن العقاري، وتثبيت أسعار البيوت وأصول الرهن. ويتضمن صندوق الأدوات الرئاسية هذه، ضخ مبالغ هائلة في أرصدة البنوك. وفوق ذلك كله، تلبية حاجة اقتصادنا إلى دفقة من التفاؤل والأمل والثقة في إمكان خروجنا من الأزمة الراهنة، بمساعدة فريق اقتصادي جديد. وليس في مقدور أحد تلبية المطلب الأخير سوى الرئيس الجديد أوباما. والسبب أن علتنا الرئيسية الآن هي انعدام الثقة في مؤسساتنا المالية وقيادتنا السياسية. أقول هذا وليست بي أدنى أوهام أن ظهور أوباما في هذا المشهد القاتم سيكون له تأثير السحر وفعله، غير أنه لا شك سوف يكون أمراً مساعداً على الخروج والتجاوز.
وعلى حد تصريح بيل فرنزيل، عضو الكونجرس سابقاً والزميل الرئيسي بمؤسسة بروكنجز حالياً، فقد انفرط زمام الوحدة القومية، وما من شعور ملح بالخطر لدى أحد من القادة الحاليين فيما يبدو. ورغم أنني لست ممن يأملون في زوال صناعات السيارات الكبرى في ديترويت، فإن علينا أن نتساءل: ماذا نحن فاعلون بكبار تنفيذيي هذه الشركات، الذين يستقلون ثلاث طائرات نفاثة في رحلات فردية منفصلة لكل واحد منهم إلى واشنطن، بغية مطالبة الحكومة بإنقاذ شركاتهم من أموال الخزانة الفيدرالية، دون أن يكلف أحدهم نفسه وضع خطة لكيفية وماهية التحول الجوهري الذي سوف يجريه في شركته بما يحصل عليه من مساعدات مالية فيدرالية؟ والتحول المطلوب بالطبع هو أن تتجه صناعة السيارات في بلادنا نحو كفاءة أكبر في استهلاك الطاقة، والمساهمة في تبني ابتكارات تكنولوجيا الطاقة البديلة المتجددة. ومن رأي البروفيسور جيفري جارتن، أستاذ التمويل الدولي بكلية العلوم الإدارية بجامعة يل، فإن أكبر خطأ يمكن أن يرتكبه أوباما هو التقليل من فداحة هذه الأزمة. على أنه من بالغ الضرر أيضاً، تضخيم ما نحتاجه لمعالجتها وكيفية الخروج منها. ولعل أفضل ما يفعله الرئيس الجديد هو البدء بالصعود رأساً من قاع هوة الأزمة إلى أعلاها، وأن يسارع بذلك قبل أن ينهال عليه تراب بئرها العميقة فيقبره!*(كاتب ومحلل سياسي أميركي).الاتحاد الإماراتية ــ نيويورك تايمز
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire