نشرة لطفي حيدوري في الحدث السياسي, تشرين أول 30, 2008
تشهد السوق المالية العالمية أزمة حادة لم تشمل البنوك الأمريكية فقط بل وصلت أوروبا بحكم أنّ البنوك الأوروبية والخليجية أيضا تشتري نفس الأسهم وفي نفس السوق. وبحسب الخبراء الاقتصاديين فإنّ هذه الأزمة شبيهة في عديد الجوانب بأزمة 1929 وتعود أسبابها لكون المتدخلين في البورصة وخاصة البورصة الأمريكية وظّفوا موارد هامة في قطاعات عرفت نكسة، أهمّها القطاعات العقارية. وتفاقمت أزمة هذه القطاعات بدخول الاقتصاد العالمي في تراجع لأنّ أكثر البلدان الصناعية اتجهت نسبة نموّها نحو التقلص. وهذا ما يفاقم السلوك الاحتكاري والتخوفات لدى المتدخلين في البورصة مما يدفعهم لبيع أسهمهم خوفا من تقلص قيمتها بما يدفع البنوك الناشطة في المضاربات والاحتكارات إلى شراء أسهم الشركات والقطاعات التي تعرف صعوبات وانتكاسات.
ومن الطبيعي أنّهم عندما يبيعون أسهمهم بقيمة أقلّ من تلك التي كانوا يتوقعونها سيصبح عندهم عجز في السيولة المالية. وهو ما يفاقم تخوفات المدّخرين ومن لهم حسابات داخل الشركات فيقومون بسحب أرصدتهم ويساهمون بدورهم في العجز المالي لهذه البنوك إلى درجة أنّه عند حدوث سحب كم هائل من المدخرات تحدث خسارات لدى هذه البنوك ونقص في السيولة وتصبح مهددة بالانهيار، ولذلك تبحث عن بنك آخر ينقذها أو يدعمها أو يشتريها، وإذا لم تجد تتحمل الدولة مسؤوليتها لتضخّ لها أموالا أو تعلن انهيارها.
لكنّ البنوك إذا كانت لها مشاكل في السيولة وخسرت في الرقاع التي كانت اقتنتها واتجهت نحو التداين من السوق المالية في الوقت الذي حدث فيه نفس المشكل في جميع البنوك لن تجد من يعطي سلفة. وإذا وصلت إحدى البنوك إلى حد أقصى من الصعوبات لا تقوم البنوك الأخرى بإعطائها سلفة لأنّها تصبح هي بدورها خائفة من مخاطر الوفاء بالدين. وفي هذه الحالات يجب على الدولة التدخل بضخ سيولة في السوق المالية حتى تسمح بتوفيرها لدى جميع البنوك وتطمئن الناس الذين لهم حسابات ومدخرات وهو ما يحصل حاليا في أوروبا حيث تم ضخ 50 مليار أورو للبنوك الأوروبية.
لكن ما حجم تأثير الأزمة الحالية على تونس ؟
يرى الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الجليل البدوي أنّه بحسب وضع سوقنا المالي لا يتوقع حدوث انعكاس مباشر للأزمة المالية العالمية بحكم أنّ البورصة ضعيفة وغياب شركات أو بنوك كبرى متدخلة في هذه الأسواق.
وأكّد الدكتور البدوي في حديث خاص بكلمة أنّ هناك انعكاسات منتظرة على الاقتصاد التونسي في عدة مستويات بحكم تأثير نقص السيولة المالية في العالم.
آثار الأزمة على الصادرات التونسية
يشير الدكتور البدوي إلى أنّه بحكم تراجع نسب النمو في العالم وخاصة في البلدان التي نتعامل معها ونصدّر لها بنسب مرتفعة مثل أوروبا، عندما يوجد تراجع في نسب نموّها فإنّ الطلب يتراجع. وبالتالي يتوقّع أن يعرف التصدير صعوبات لأنّ المصدّرين سيجدون سوق طلب في تناقص ممّا يقوّي المنافسة للمحافظة على موقعهم في السوق واستعمال جميع الوسائل (مراجعة قيمة العملة وزيادة الإنتاجية وزيادة خدمات البضائع المصدّرة) وعندما تزداد المنافسة ويتناقص الطلب تحدث صعوبات في التصدير تؤدّي إلى تقلّص نسبة النموّ داخل تونس لأنّ التصدير يحتلّ مكانة هامّة في دفع حركة النموّ إلاّ إذا عوّضت السوق الداخلية الطلب الخارجي. وإلى حد الآن هذا التعويض ليس واضحا مادامت المفاوضات الاجتماعية تعرف عراقيل. فالدولة لا تعتزم اعتماد السوق الداخلية لتعويض النقص في السوق الخارجية.
وينبّه عبد الجليل البدوي إلى أنّه إذا كانت نسبة النمو ستعرف نقصا فهذا يعني أنّ الإنتاج سيتناقص أي زيادة البطالة وتفاقم القضايا الاجتماعية.
التأثير النقدي والمالي
يشير الدكتور البدوي إلى أنّ هذا الجانب مرتبط بوضع التجارة الخارجية فبحكم زيادة المنافسة والصعوبات في التصدير تتقلص قيمة الدينار، فإذا لم يكن لدينا مجال لزيادة إنتاجية العمل والضغط على التكاليف من خلال زيادة إنتاجية العمل يقع اللجوء إلى اللعب على قيمة الدينار نحو التخفيض حتى تكون صادراتنا قادرة على المنافسة بالنسبة إلى عديد البضائع في السوق الخارجية وخاصة في القطاع الذي نعتبره رائدا وهو القطاع الميكانيكي والكهرباء مع العلم أنّ هذين القطاعين سيتأثران بشكل كبير نظرا لأزمة قطاع السيارات لأنّ المواد الصناعية التي ننتجها موجهة أكثر لصناعة السيارات وهذا القطاع من أهم القطاعات التي تعرف نكسة في العالم.
وعندما تكون هناك أزمة سيولة في العالم وإذا لم تتدخل الدول بصفة ملائمة في مستوى النقص الحاصل، ينجر عن ذلك زيادة في نسبة الفائدة، وباعتبارنا من البلدان المقترضة فديوننا سترتفع تكلفتها وسيتم الاقتراض بشروط مجحفة مع العلم أنّه ستوجد صعوبات في العثور على مصادر إقراض.
اضطراب الاستثمار الأجنبي المباشر
ويتوقع عبد الجليل البدوي أن تعرف بعض الشركات الأجنبية وخاصة الخليجية المستثمرة في تونس هي نفسها مشاكل سيولة مالية باعتبارها مالكة لرقاع في الأسواق المالية العالمية وقيمة الرقاع إذا انخفضت تصبح هي كشركة عندها مشكل مالي أي إنّها قد تعرف صعوبة في إنجاز المشاريع التي برمجت إنجازها لنقص في إمكانيات التمويل. وإذا كانت شركة سما دبي من المتدخلين في الأسواق العالمية يمكن أن تتضرر وبالتالي قدرتها على تمويل المشاريع المبرمجة تتراجع. وحتى التكاليف سترتفع بحكم ارتفاع أسعار مواد البناء كما أنّ القدرة على التمويل من طرف هؤلاء الممولين قد تضعف، ممّا قد يدفع هؤلاء المستثمرين إلى تقليص التمويل أو تأجيل المشروع.
وفي سياق متصل قد يتضرر قطاع السياحة بشكل غير مباشر لأنّه في البلدان مصدر سوقنا السياحية إذا تقلصت نسبة النمو تزداد نسبة البطالة فيها وتضعف القدرة الشرائية وهو ما سيؤثر على كل السوق السياحية.
(المصدر: موقع كلمة الوقتي ( الموقع الرسمي مضروب - تونس ) بتاريخ 30 أكتوبر 2008)
http://kal.mediaturtle.com/ar/11/80/73
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire