dimanche 9 novembre 2008

الفكر العلمي يستردّ مكانته

بقلم : نصر شمالي

بدت الأمم في معظمها، بعد انهيار التجربة السوفييتية مطلع التسعينات الماضية، كأنّما فقدت ثقتها بإمكانية تحقيق العدالة على الأقل،وإن بمعايير النظام الرأسمالي الربوي الاحتكاري السائد عالمياً،وازدادت مظاهر فقدان الثقة بعد أن انطلقت بعض الأوساط المحسوبة على الفكر العلمي تعمل بحماسة ونشاط في ركاب الليبرالية الجديدة الهمجية، فتسفّه الفكر العلمي من أساسه، وتؤكّد (من مواقعها الفكرية العلمية السابقة!) أن العلاقات الأممية والإنسانية لا يمكن أن تكون إلاّ رأسمالية ليبرالية ديمقراطية، حيث الديمقراطية متلازمة مع الرأسمالية والليبرالية، أمّا الفكر العلمي فهو مجرّد "هرطقات" و "شمولية" ترتّبت عليها تجارب كارثية في الحكم كان ينبغي أن لا تحدث أبداً! لقد بدا عناصر هذه الأوساط المرتدّة (أو الفاسدة أصلاً؟) كأنّما أصيبوا بلوثة! وكيف لا يكون حالهم حال المجانين وقد بلغ حدّ دفاع وكلائهم في بلادنا عن "الديمقراطية الإسرائيلية" وصبّ جام غضبهم على "الديكتاتورية الكوبية"؟! بالطبع هم بلغوا هذا الحدّ من الإسفاف الهذياني بسبب وصول "رفاقهم" من التروتسكيين السابقين إلى قمة العالم القيادية، إلى البيت الأبيض والبنتاغون، حيث تربّع بول وولفويتز وريتشارد بيرل وأمثالهما من الصهاينة الأشقياء، يبشّرون بصياغة عالم يستحقّ فيه الأقوياء الأثرياء ثراءهم، ويستحقّ فيه الضعفاء الفقراء فقرهم، فتلك سنّة الحياة وطبيعتها الأزلية التي ينبغي على الديمقراطية الليبرالية أن تنظّمها!

إعطاء العدالة بعدها الأممي

ولكن هاهي الفقاعة الليبرالية تنفجر بعد حوالي خمسة عشر عاماً من أهوالها، وهاهو الفكر العلمي وقد بدأ يستردّ علنية مكانته التاريخية التي حجبت إلى حين بالأباطيل والأضاليل، فالأخبار تقول أنّ موجات من القراء، في البلدان الثرية خاصة، تقبل اليوم بنهم على مؤلفات كبار فلاسفة الاشتراكية العلمية، وفي مقدّمتهم كارل ماركس طبعاً، وإنّه لمن المفهوم أنّ السبب المباشر لهذا الإقبال هو الأزمة النوعية التي تعصف بأركان مراكز هذا النظام العالمي الظالم قبل أطرافه، بينما لا يستطيع أحد من قادة النظام, بما فيهم المرتدّون، تقديم أيّ جواب عن أيّ سؤال بصدد مستقبل الأزمة!

إنّ ما هو متوقّع اليوم، بعد أن عصفت الأزمة عصفاً خطيراً بمراكز العالم، أن تجد الأجيال الحالية المنصفة في البلدان الثرية نفسها مجبرة على البحث عن علاقات أممية لا يحكمها قانون التفاوت والتمييز والاحتكار، وذلك لأننا نراها تقبل على مراجع الفكر العلمي الاشتراكي، ففي الماضي كان الاشتراكيون الأوروبيون يعملون من أجل العدالة الاجتماعية في بلادهم أولاً، إن لم يكن في بلادهم فقط كما يحدّثنا هوشي منه في كتاباته الحزينة عن تجربته المؤلمة كشيوعي فيتنامي مع الحزب الشيوعي الفرنسي، أمّا اليوم، بعد الأزمة، فلابدّ للأوروبيين المنصفين من الاعتراف بأنّ ازدهار الحياة في بلادهم إلى حدّ التخمة والفساد تحقّق بنهب بلدان آسيا وأفريقيا وأميركا الجنوبية، وبالتبذير المريع لموارد الأرض النادرة في تلك البلدان، وأنّ الأوان قد آن لإعطاء العدالة، إن لم تكن الاشتراكية، بعدها الأممي!

المراجع العلمية وحدها تفسّر الأزمة

لقد أوصلت المغامرات الليبرالية الهمجية أزمة النظام العالمي الفاسد إلى مرحلة الاستعصاء، وقد التقطت الأمم أنفاسها، واستردّت رباطة جأشها، وعادت إلى المراجع التاريخية العلمية القادرة وحدها على تفسير الأزمة، ولكن لنتحدّث هنا بطريقة مبسّطة ونتساءل: كيف لا تنشب الأزمة في بريطانيا، مثلاً، إن عاجلاً وإن آجلاً، وأقلّ من 3% من البريطانيين يمتلكون أكثر من 60% من الثروة البريطانية العامة؟ وهل يعقل أن يستمرّ مثل هذا الوضع البريطاني، منذ قرنين تقريباً وحتى اليوم، لولا أنّ الأمم المنهوبة في القارات الأخرى تدفع من دمها ولحمها تكاليف مستوى الحياة العامة العالي في المملكة المتحدة؟ وماذا سيحدث في بريطانيا لو توقفت عمليات تحميل البلدان الأخرى النفقات الباهظة لحياة الأكثرية البريطانية الساحقة؟ ألن تشتبك هذه الأكثرية على الفور في صراع ضار مع الأقلية التي لا يتجاوز تعدادها 3% وتمتلك 60% من الثروة البريطانية العامة؟ وماذا عن الولايات المتحدة التي لا يتجاوز عدد سكانها 6% من مجموع سكان العالم، لكنّها تستهلك لوحدها أكثر من 35% من الطاقة العالمية، حيث معدّل استهلاك الفرد الأميركي العادي من الطاقة خلال أيام قليلة يعادل استهلاك أيّ مواطن في بلدان الجنوب طيلة عام بأكمله؟ ماذا سيحدث فيها إذا منعت من نهب الطاقة، أو نضبت هذه الطاقة؟ وبمناسبة ذكر الطاقة، فإنّ الأميركيين يساهمون لوحدهم بما يزيد عن40% من تلوّث البيئة وتدمير الحياة الطبيعية على كوكب الأرض!

اللغو الفارغ يشرف على الانهيار

إنّ الفكر العلمي يستردّ اليوم مكانته المعلنة، ولكن أيّ حضيض بلغه أولئك المرتدّون الذين انخرطوا بكلّيتهم في خدمة الليبرالية الهمجية؟ كيف استطاعوا تجاهل الواقعة التي تفقأ العين، وهي أن هولندا ، هذه الدولة الضئيلة أرضاً وسكاناً، تستهلك من الأسمدة الزراعية ما يفوق استهلاك جميع دول أميركا الجنوبية؟ طبعاً باعتبارها حلقة في سلسلة الدول الرأسمالية الاستعمارية المتكاملة وليست وحيدة فريدة! إنّها، من موقعها في سلسلة المليار الذهبي، تحول دون إنتاج مئات ملايين البشر لحاجاتهم من المواد الغذائية في بلدانهم، وترغمهم بطرق معقّدة ملتوية على استيراد منتجها الزراعي والحيواني الهائل! وكيف لا يكون منتجها هائلاً، على ضآلة حجمها الذي لا يتعدى حجم مدينة من مدن أميركا الجنوبية، وهي التي تستأثر باستهلاك كميات من الأسمدة تفوق ما يستهلكه أكثر من نصف مليار أميركي جنوبي؟ كيف يمكن استمرار مثل هذه الظواهر العالمية الرهيبة، وكيف لا تصل أزمة النظام العالمي إلى الاستعصاء الذي بلغته اليوم والحال كذلك؟ هل أرض هولندا أكثر خصوبة وعطاء من مجمل أراضي أميركا الجنوبية؟ هل يتميّز الهولنديون في ميدان الإنتاج الزراعي والحيواني بمستوى يعجز الأميركيون الجنوبيون عن بلوغه، بحكم نوعهم كعنصر غير قابل للتطور؟ عجباً لمثل هذا اللغو الفارغ الذي يبدو اليوم وقد أشرف على الانهيار!

ns_shamali@yahoo.com

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire